قصة الكبريت السويدي العريق في أوروبا.. صناعة متطورة ومنظمة
أخبار الخليج في أزقة ستوكهولم الباردة، لم تكن رائحة التدخين جزءًا من المشهد. بل لفت انتباهنا أمرٌ آخر: العلب الصغيرة التي يحملها السويديون كبديل للسجائر. لم يكن الأمر موضة، بل سياسة مدروسة. هنا، قررت السويد أن تكافح التدخين بسلاح جديد: تنظيم البدائل بدلًا من حظر المنتجات.
تواجدت أخبار الخليج من خلال زيارة بدعوة من شركة فيليب موريس العالمية لتنقل تجربة صحية لبدائل التدخين من السويد.
ومن قلب العاصمة السويدية ستوكهولم، وتحديدًا داخل منتزه «سكانسن» المفتوح على جزيرة «دجورجاردن»، يقع متحف فريد من نوعه يعيد تشكيل الذاكرة الصناعية والثقافية للسويد: متحف السنوس والكبريت التابع لشركةSwedish Match ، لا يقتصر هذا المتحف على عرض تاريخ صناعة منتجات بدائل التدخين، بل يغوص في تفاصيل رحلة ممتدة من الابتكار، والعمل، والتأثير المجتمعي، بأسلوب تفاعلي يجعل من زيارته تجربة لا تُنسى.
عند الدخول إلى المتحف يجد الزائر نفسه في أجواء من الماضي العريق، حيث تبدأ الجولة بعرض تاريخي موثق لصناعة السنوس(Snus) ، البديل السويدي للتدخين، الذي لعب دورًا بارزًا في خفض معدلات التدخين في السويد حتى أصبحت الأقل في أوروبا. ويُعرض للزائر كيف أن السنوس من منتج شعبي تقليدي يُستهلك كبديل للتبغ المُدخن، إلى صناعة متطورة ومُنظّمة، تُراعى فيها معايير الجودة والصحة العامة.
تضم القاعات الأولى للمتحف مجموعات نادرة من علب السنوس القديمة، مصنوعة من الخشب والمعدن والبورسلين، تُظهر تطور التصميم عبر العقود. وإلى جانب ذلك، تُعرض أدوات يدوية كانت تُستخدم في صناعة السنوس، مثل أدوات الطحن والعجن والتعبئة. ويُتاح للزائر التفاعل مع هذه العناصر من خلال شاشات ذكية وتسجيلات صوتية تحكي قصص العمال والصناعيين الذين أسهموا في تطوير هذه الصناعة.
أما القسم المخصص لصناعة أعواد الثقاب الآمنة فيروي قصة أخرى لا تقل أهمية، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الحقوق العمالية والابتكار. كانت السويد من أوائل الدول التي طورت أعواد الثقاب الآمنة باستخدام الفوسفور الأحمر بدلاً من الفوسفور الأبيض السام، وهو ما أسهم في إنقاذ حياة آلاف العمال في القرن التاسع عشر. يعرض المتحف نماذج لآلات الإنتاج القديمة، وصورًا أرشيفية للعاملات المعروفات باسم «فتيات الكبريت»، اللواتي اشتُهرن بدورهن في تحريك الرأي العام من أجل تحسين ظروف العمل وحقوق النساء العاملات.
ولا يغفل المتحف عن الجانب التفاعلي والترفيهي، إذ يُمكن للزوار تجربة خطوات صنع السنوس يدويًا، وشم روائح مختلفة للتبغ المُستخدم، ومقارنة نكهات متعددة. كما يتيح المتحف محطات عرض رقمية تشرح الفرق بين التدخين واستهلاك السنوس من حيث التأثير الصحي، اعتمادًا على بيانات طبية ومقارنات دولية، ما يعكس التزام شركة Swedish Match بالشفافية والتوعية.
وتكمن فرادة هذا المتحف في أنه لا يروّج لمنتجات التدخين بقدر ما يعرض تحولاً اجتماعيًا وصناعيًا تبنّته السويد، إذ تم استبدال العادات الضارة ببدائل مدروسة، مدعومة بالقانون والبحث العلمي، ما جعلها نموذجًا يحتذى به في السياسات الصحية العامة.
في نهاية الجولة يجد الزائر نفسه أمام متجر صغير يحتوي على تذكارات ونسخ طبق الأصل من عبوات تاريخية، إلى جانب مواد تعليمية وكتيّبات تُلخص التجربة. كما يُقدّم المتحف للزوار فرصة حضور عروض حية أو محاضرات قصيرة حول تطور السنوس وموقعه في النقاش العالمي حول الحد من أضرار التدخين.
ولمن قد يسمع المصطلح لأول مرة، فالسنوس هو شكل من أشكال استهلاك التبغ لغير المدخنين، يُستخدم بوضع كمية صغيرة منه تحت الشفة العلوية فترة من الزمن، ويُعرف في السويد باسم Snus، ويختلف تمامًا عن منتجات التدخين الذي يُشتم أو يُحرق. وقد اكتسب السنوس السويدي سمعة طيبة بين خبراء الصحة العامة لأنه يُعد من البدائل الأقل ضررًا مقارنةً بالتدخين التقليدي؛ وذلك لكونه لا ينتج احتراقًا أو دخانًا، وهو ما يُقلل من المخاطر الصحية المرتبطة بأمراض الرئة والقلب. ويخضع السنوس في السويد لرقابة صارمة من حيث المكونات والجودة، ما جعله جزءًا من استراتيجية الصحة العامة للحد من التدخين في البلاد.
إن زيارة متحف Swedish Match ليست مجرد جولة في تاريخ منتج استهلاكي، بل هي فرصة لفهم كيف يمكن أن يُشكّل التوازن بين الابتكار والمسؤولية الاجتماعية مسارًا ناجحًا للتغيير. السويد لم تحارب التدخين بالقمع والمنع، بل بالبديل الأفضل. ومن هنا فإن هذا المتحف يمثل دعوة صادقة لإعادة التفكير في السياسات التقليدية، واستلهام تجربة واقعية نجحت في تقليل الضرر وتعزيز الصحة، من دون تجاهل العادات المجتمعية أو إنكار الواقع.
نائب رئيس الاتصالات في Swedish Match باتريك هيلدينغسون لـ«أخبار الخليج»:
السويد ونموذج تقليل أضرار التدخين.. تجربة واقعية تستحق التعميم
لم نفرض الحظر.. بل وفرنا البدائل الأقل ضررا وتركنا القرار للمواطن
أجرى اللقاء: عبدالمجيد حاجي
قدّمت شركة Swedish Match الرائدة في صناعة بدائل التدخين تجربة ثرية ومتكاملة يمكن أن تشكّل خارطة طريق للعديد من الدول الساعية لمكافحة التدخين، من دون اللجوء إلى القمع أو الحظر التام؛ ففي عرض شامل استعرض باتريك هيلدينغسون نائب رئيس الاتصالات في الشركة كيف استطاعت السويد أن تحقق ما يشبه المعجزة الصحية: مجتمع شبه خالٍ من التدخين، بمعدل أقل من 5% فقط، وهو المعدل الذي تعتمده منظمة الصحة العالمية كمعيار رسمي للمجتمعات الخالية من التدخين.
السر؟ ليس في الحظر ولا في العقوبات، بل في توفير بدائل عملية وأقل ضررًا مثل «السنوس»، وهو منتج تبغ غير محروق يوضع تحت الشفة، يُصنّع بطريقة مبسترة تقلل من المواد المسرطنة بنسبة كبيرة. وأوضح هيلدينغسون أن هذا المنتج، المدعوم بأكثر من 300 دراسة علمية، حصل على تصنيف «منتج تبغ منخفض المخاطر» من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) عام 2019، في خطوة وُصفت حينها بالتاريخية.
وأشار هيلدينغسون إلى أن التحول في السويد كان «حركة مجتمعية» قبل أن يكون قرارًا حكوميًا، إذ بدأ المدخنون، ولا سيما الرجال، في استبدال السجائر بالسنوس بشكل طوعي، مدفوعين بملاحظاتهم الشخصية على تحسن صحتهم وانخفاض السعال الصباحي وانعدام رائحة الدخان. هذا التغيير الشعبي سبقه ولاحقه دعم سياسي هادئ، تمثل في خفض الضرائب على البدائل وتقنينها ضمن تشريعات مرنة، مع التركيز على حماية الشباب.
ثم جاءت المرحلة الثانية من الابتكار، هي أكياس النيكوتين، التي تُعد تطورًا حديثًا وخالية من التدخين تمامًا. تُصنّع هذه الأكياس من ألياف السيليلوز، وتحتوي على نيكوتين من الدرجة الصيدلانية، وتخضع لمعايير شبيهة بمعايير الأغذية. وقد انتشرت هذه المنتجات اليوم في أكثر من 30 دولة، ما جعلها خيارًا عصريًا للمدخنين الباحثين عن بدائل أقل ضررًا.
وأكد هيلدينغسون أن هناك فرصة حقيقية أمام دول الخليج، منها البحرين، لتكرار هذه التجربة الفريدة. وقال: «في كثير من الدول، البدائل محظورة أو غير مُنظمة، وهذا في الواقع يمنح السجائر التقليدية احتكارًا غير عادل. بينما إذا وُفرت بدائل قانونية وأقل ضرراً ومدعومة بالمعلومات، فإن المدخن نفسه سيختار الأفضل».
وأضاف أن النجاح يتطلب ثلاث ركائز رئيسية هي:
قبول اجتماعي ورسمي لحقيقة أن النيكوتين سيبقى جزءًا من الواقع.
توفير بدائل معترف بها علميًا ومنظمة قانونيًا. تنظيم صارم وموجه لمنع وصول المنتجات إلى الفئات العمرية الصغيرة.
وأشار إلى أن التجربة السويدية أثبتت أن الصحة العامة يمكن أن تتحسن بشكل ملحوظ من دون التضحية بالحريات الشخصية أو الدخول في صدامات ثقافية.
واختتم حديثه قائلا: «التغيير المستدام لا يأتي من الحظر، بل من التوعية والاختيار. وهذا ما فعلته السويد، ويمكن لدول كثيرة أن تفعل مثله، إذا توافرت الإرادة».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك