العدد : ١٧١٣٨ - الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٨ - الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٤٦هـ

أخبار البحرين

هوية أبنائنا في عصر العولمة و«التواصل الاجتماعي»

أجرى الحوار: محمد الساعي

الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

هوية الجيل باتت أكثر تعقيدا.. أكثر انفتاحا.. أقل رسوخا.. يسهل اختراقها!


د. أحلام القاسمي: جيل «السوشيال ميديا» أشبه بالإسفنجة التي تمتص المعلومات بسهولة وتفقدها بسرعة


 

تصوير‭: ‬عبدالأمير‭ ‬السلاطنة

 

طالما‭ ‬اعتبرت‭ ‬مهمة‭ ‬تنشئة‭ ‬الأبناء‭ ‬اجتماعيا‭ ‬وتشكيل‭ ‬هويتهم‭ ‬عملية‭ ‬معقدة‭ ‬تواجه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬الأسرة‭ ‬والمدرسة‭ ‬والبيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬هي‭ ‬المهيمن‭ ‬والموجه‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التنشئة‭ ‬هذه‭. ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬أصبح‭ ‬مفتوحا‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬تهيمن‭ ‬فيه‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإعلام‭ ‬الرقمي،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬المتعذر‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يتلقاه‭ ‬الأبناء‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬إعلامية‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬هويتهم‭ ‬وعلى‭ ‬مبادئهم‭. ‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الإيجابيات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬تغير‭ ‬مفاهيم‭ ‬الهوية‭ ‬وتبني‭ ‬هويات‭ ‬متجددة‭ ‬ومتنوعة،‭ ‬مع‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكم‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬يتلقاها‭ ‬مستخدمو‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬باستمرار‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الانفصام‭ ‬لديهم،‭ ‬وأضحت‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬مهددة‭ ‬لأسباب‭ ‬منها‭ ‬انسلاخ‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬قيمه‭ ‬ومقوماته‭ ‬وتأثره‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتلقاه‭ ‬عبر‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬دون‭ ‬تكييفه‭ ‬مع‭ ‬خصوصياته‭. ‬

أمام‭ ‬ذلك‭ ‬نتساءل‭: ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬باتت‭ ‬الهوية‭ ‬الشخصية‭ ‬لأبنائنا‭ ‬مهددة؟‭ ‬ما‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬عوامل‭ ‬تشكيل‭ ‬الهوية‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر،‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬يكون‭ ‬النشء‭ ‬هو‭ ‬ضحيته؟‭ ‬هل‭ ‬تحول‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬الهويات‭ ‬والمجتمعات؟‭ ‬ولمن‭ ‬الغلبة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬إن‭ ‬وجد؟

بالمقابل،‭ ‬ألم‭ ‬تسهم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬الإعلام‭ ‬الرقمي‭ ‬في‭ ‬مد‭ ‬جسور‭ ‬الثقافة‭ ‬وتوسيع‭ ‬آفاق‭ ‬النشء‭ ‬ومعرفتهم،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬ينعكس‭ ‬إيجابا‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬هويتهم‭ ‬وينطلق‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬التقوقع‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الهوية‭ ‬المحلية‭ ‬إلى‭ ‬العالمية؟‭.‬

 

الهوية‭..‬

تساؤلات‭ ‬عديدة‭ ‬ناقشناها‭ ‬مع‭ ‬الباحثة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين‭ ‬الدكتورة‭ ‬أحلام‭ ‬القاسمي،‭ ‬التي‭ ‬نشر‭ ‬لها‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والبحوث‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتنشئة‭ ‬والتربية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

فما‭ ‬هو‭ ‬تعريف‭ ‬الهوية‭ ‬الشخصية‭ ‬للفرد‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬القاسمي؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬سلوك‭ ‬الشخص‭ ‬مثلا‭ ‬أو‭ ‬سماته‭ ‬الشخصية؟

تجيبنا‭ ‬الدكتورة‭ ‬أحلام‭: ‬الهوية‭ ‬ليست‭ ‬سلوكا،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬ببساطة‭ ‬مجموعة‭ ‬الخصائص‭ ‬والسمات‭ ‬والمعتقدات‭ ‬والقيم‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬الشخص‭ ‬عن‭ ‬الآخرين‭ ‬وتشكل‭ ‬إحساسه‭ ‬بذاته،‭ ‬وفقا‭ ‬لشخصيته،‭ ‬وتعليمه،‭ ‬وبيئته‭. ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الشخص‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬عدة‭ ‬هويات‭ ‬وفقا‭ ‬للتصنيف‭ ‬الذي‭ ‬ينطلق‭ ‬منه‭ ‬مثل‭ ‬الوظيفة‭ ‬والجنس‭ ‬والميول‭ ‬والجنسية‭ ‬والانتماءات‭ ‬والدين‭ ‬والطبقة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتقاليد‭ ‬التي‭ ‬نشأ‭ ‬عليها‭ ‬الفرد،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬الشخص،‭ ‬كما‭ ‬تشمل‭ ‬المهارات‭ ‬والقدرات‭ ‬والمواهب‭ ‬الفردية‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬إن‭ ‬الهوية‭ ‬تجيب‭ ‬عن‭ ‬تساؤل‭: ‬من‭ ‬أنا؟‭.‬

وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الهوية‭ ‬تختلف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬سلوك‭ ‬الشخص،‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬السلوكيات‭ ‬هي‭ ‬ترجمة‭ ‬للهوية،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬الفرد‭ ‬يتصرف‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬وفقا‭ ‬لهويته،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنها‭ ‬الأنماط‭ ‬السلوكية‭ ‬والعاطفية‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬الشخص‭. ‬

*‭ ‬وهل‭ ‬تختلف‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬هوية‭ ‬الفرد‭ ‬باختلاف‭ ‬الأجيال،‭ ‬والظروف‭ ‬والتطورات‭ ‬والعولمة؟

**‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬فالبيئة‭ ‬تمثل‭ ‬عاملا‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الهوية،‭ ‬وهوية‭ ‬الشخص‭ ‬جزء‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬حوله‭ ‬ومن‭ ‬التراكمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياسية،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يلعب‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬هويتنا‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬الشخص‭ ‬قد‭ ‬يتصرف‭ ‬بطريقة‭ ‬أرستقراطية‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬راق،‭ ‬ولكنه‭ ‬يتصرف‭ ‬بأسلوب‭ ‬آخر‭ ‬تماما‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬منزله‭.‬

وهنا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والعولمة‭ ‬المتسارعة‭ ‬والانفتاح‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬باتت‭ ‬هوية‭ ‬الفرد‭ ‬تتشكل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفاعل‭ ‬معقد‭ ‬بين‭ ‬عوامل‭ ‬متعددة،‭ ‬وهذه‭ ‬العوامل‭ ‬تختلف‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الأجيال‭ ‬السابقة‭. ‬ففي‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬باتت‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬هوية‭ ‬الفرد‭ ‬تشمل‭ ‬الموروثات‭ ‬والعوامل‭ ‬المكتسبة‭ ‬مثل‭ ‬التعليم‭ ‬والطبقة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتجارب‭ ‬الشخصية‭ ‬والعلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬وخاصة‭ ‬الإنترنت‭ ‬والثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬هوية‭ ‬الفرد،‭ ‬حيث‭ ‬تعرضه‭ ‬لكميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬والأفكار‭ ‬والقيم‭ ‬المختلفة،‭ ‬مما‭ ‬يساعده‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬رؤيته‭ ‬الخاصة‭ ‬للعالم‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يختلف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬الأجيال‭ ‬السابقة‭. ‬كما‭ ‬يبرز‭ ‬تأثير‭ ‬العولمة‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬التواصل‭ ‬والتفاعل‭ ‬بين‭ ‬الثقافات‭ ‬المختلفة،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الأفراد‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحا‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬والقيم‭ ‬الأخرى،‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬هويات‭ ‬متعددة‭ ‬ومتنوعة‭. ‬وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هوية‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬وتنوعًا،‭ ‬وتتأثر‭ ‬بمجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭.‬

الهوية‭.. ‬والمعلومات‭ ‬المضللة

*‭ ‬هل‭ ‬نفهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬باتت‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬هوية‭ ‬النشء؟

**‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬باتت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تعلب‭ ‬دورا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشباب‭ ‬وفي‭ ‬تشكيل‭ ‬هويتهم‭ ‬بطرق‭ ‬مختلفة‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬إيجابيًّا‭ ‬أو‭ ‬سلبيًّا‭ ‬وفقا‭ ‬لكيفية‭ ‬استخدام‭ ‬الشباب‭ ‬لهذه‭ ‬الوسائل‭.‬

‭ ‬فمثلا‭ ‬توفر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬منصة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬آرائهم‭ ‬ومشاركة‭ ‬أفكارهم‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تساعدهم‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬أقرانهم‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬آفاقهم‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬أن‭ ‬تساعد‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬استكشاف‭ ‬هويتهم‭ ‬وبناء‭ ‬صورة‭ ‬ذاتية‭ ‬إيجابية‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭. ‬أي‭ ‬بتنا‭ ‬نمتلك‭ ‬مساحة‭ ‬خضراء‭ ‬للانتقاء‭ ‬بين‭ ‬ملايين‭ ‬الرسائل‭ ‬والمؤثرات‭ ‬من‭ ‬بيئات‭ ‬افتراضية‭ ‬عبر‭ ‬الشاشة‭ ‬الذكية‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬فقط‭ ‬جزءا‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬محيط‭ ‬به‭ ‬ويتعرض‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية‭. ‬

ولكن‭ ‬بالمقابل،‭ ‬هناك‭ ‬جوانب‭ ‬سلبية‭ ‬قد‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬إذ‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬التعرض‭ ‬المستمر‭ ‬للصور‭ ‬المثالية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬نشرها‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬إلى‭ ‬شعور‭ ‬الشباب‭ ‬بالنقص‭ ‬وعدم‭ ‬الرضا‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭. ‬وهناك‭ ‬التنمر‭ ‬الإلكتروني‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬الشباب‭ ‬للتنمر‭ ‬والمضايقات‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬سلباً‭ ‬في‭ ‬صحتهم‭ ‬النفسية‭ ‬وحتى‭ ‬الجسدية‭. ‬وهناك‭ ‬الإدمان‭. ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬خطر‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬الشباب‭ ‬لمعلومات‭ ‬مضللة‭ ‬وأخبار‭ ‬كاذبة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬تفكيرهم‭ ‬وقراراتهم‭. ‬والمشكلة‭ ‬أن‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬يكون‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬واعٍ‭. ‬وتزداد‭ ‬الخطورة‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬رقابة‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬المقدم‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬المفتوح‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬تجرم‭ ‬أو‭ ‬تقيد‭ ‬ما‭ ‬يقدم‭. ‬لذلك‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬يقدمون‭ ‬مواد‭ ‬بهدف‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المشاهدات‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المصداقية‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الطبقة‭ ‬المثقفة‭ ‬والقيادات‭ ‬هي‭ ‬الشريحة‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬بات‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬اليوم‭ ‬ونتيجة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مؤثرا‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬محتوى‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬محتوى‭. ‬

‭ ‬والخطورة‭ ‬هنا‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬كثرة‭ ‬تعرض‭ ‬الشخص‭ ‬وبشكل‭ ‬متكرر‭ ‬لمعلومات‭ ‬غير‭ ‬صحيحة،‭ ‬قد‭ ‬تتحول‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬مسلم‭ ‬بها‭ ‬ويتأثر‭ ‬بها،‭ ‬بل‭ ‬ويروج‭ ‬لها‭!.‬

وما‭ ‬يزيد‭ ‬الأمر‭ ‬سوءا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعد‭ ‬منصات‭ ‬ثقافية‭ ‬ومصدرا‭ ‬موثوقا‭ ‬للمعلومة‭ ‬وصانعا‭ ‬للمحتوى‭ ‬الدقيق،‭ ‬صارت‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تصحح‭ ‬المسار،‭ ‬تنجرف‭ ‬إلى‭ ‬أسلوب‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التسويق‭ ‬لمفاهيم‭ ‬مغلوطة‭. ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الخطورة‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬فحسب‭. ‬وهذه‭ ‬مشكلة‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭.‬

*‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬دراساتك‭ ‬السابقة،‭ ‬أشرتِ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬ذكاء‭ ‬نتيجة‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬وتعامله‭ ‬مع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الذكاء‭ ‬لا‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬راسخة،‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬أشبه‭ ‬بجيل‭ ‬أجوف‭. ‬هل‭ ‬ينطبق‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬هذا‭ ‬الجيل؟

**‭ ‬المعلومات‭ ‬في‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬أشبه‭ ‬بالبناء‭. ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أسست‭ ‬قاعدة‭ ‬قوية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬لبنات‭ ‬ثابتة،‭ ‬يكون‭ ‬البناء‭ ‬صلدا‭. ‬والعكس‭ ‬صحيح‭. ‬وذات‭ ‬الأمر‭ ‬ينسحب‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬الأشخاص‭. ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬أننا‭ ‬نبني‭ ‬لبنات‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬قاعدة‭ ‬راسخة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬وقيم‭ ‬وثقافة‭ ‬تقدمها‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الجيل‭ ‬مجوفا‭ ‬بالفعل،‭ ‬وهو‭ ‬أشبه‭ ‬بالإسفنجة،‭ ‬يستوعب‭ ‬المعلومة‭ ‬بسهولة‭ ‬وسرعة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تتغير‭ ‬وتتبدل‭ ‬بسهولة‭. ‬وهذا‭ ‬ينعكس‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬مباشرة‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الهويات‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬اختراقها‭.‬

*‭ ‬أمام‭ ‬ذلك،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬صراعا‭ ‬بين‭ ‬محددات‭ ‬الهوية‭ ‬التقليدية‭ ‬والحالية؟

**‭ ‬نعم،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬صراعًا‭ ‬قائما،‭ ‬وهذا‭ ‬الصراع‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬جوانب،‭ ‬منها‭ ‬التغيرات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬حيث‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬تحولات‭ ‬سريعة‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬الفردية‭ ‬الجماعية‭. ‬فلكل‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬سلوكيات‭ ‬وفكر‭ ‬مختلف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬الفكر‭ ‬الجمعي‭. ‬

ففي‭ ‬السابق‭ ‬كانت‭ ‬المجموعة‭ ‬تتعرض‭ ‬لنفس‭ ‬التأثيرات‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية،‭ ‬وكانت‭ ‬المجتمعات‭ ‬شبه‭ ‬معزولة‭. ‬وبالتالي‭ ‬نتأثر‭ ‬بما‭ ‬نتعرض‭ ‬له‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭. ‬

ومع‭ ‬تطور‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصالات‭ ‬والإعلام‭ ‬والثورة‭ ‬الرقمية،‭ ‬صار‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬يمتلك‭ ‬مساحته‭ ‬وفكره‭ ‬الخاص،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬الإجماع‭ ‬السابق‭.  ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬العولمة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تداخل‭ ‬الثقافات‭ ‬والأفكار،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الأفراد‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحًا‭ ‬على‭ ‬هويات‭ ‬جديدة‭ ‬ومتنوعة‭. ‬وتكنولوجيا‭ ‬الاتصال‭ ‬سهلت‭ ‬التواصل‭ ‬والتبادل‭ ‬الثقافي،‭ ‬ولكنها‭ ‬أيضًا‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تهميش‭ ‬الهويات‭ ‬التقليدية‭.‬

هذا‭ ‬الصراع‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬سلبيًا،‭ ‬فقد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬الهوية‭ ‬وتكيفها‭ ‬مع‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬واعين‭ ‬لهذه‭ ‬التحديات‭ ‬وأن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬هويتنا‭ ‬التي‭ ‬نعتز‭ ‬بها‭.‬

*‭ ‬أشرتِ‭ ‬في‭ ‬ندوة‭ ‬سابقة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المجتمعات‭ ‬التقليدية‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬التلاشي‭ ‬أمام‭ ‬هيمنة‭ ‬العولمة،‭ ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬برز‭ ‬مفهوم‭ ‬المواطنة‭ ‬العالمية‭ ‬أمام‭ ‬المواطنة‭ ‬المحلية،‭ ‬ما‭ ‬المقصود‭ ‬بذلك‭ ‬وما‭ ‬انعكاساته‭ ‬على‭ ‬الهوية؟

**‭ ‬مفهوم‭ ‬تلاشي‭ ‬المجتمعات‭ ‬التقليدية‭ ‬هنا‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬التغيرات‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬والتي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحولات‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬والمعتقدات‭ ‬والممارسات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تميز‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬قرونا‭. ‬فمثلا‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الولاءات‭ ‬اليوم‭ ‬مطلقة‭ ‬للمصلحة‭ ‬الجمعية‭ ‬للقبيلة،‭ ‬بل‭ ‬ومع‭ ‬ما‭ ‬أشرت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬تأثر‭ ‬الهويات‭ ‬وتنوعها،‭ ‬ومع‭ ‬التطورات‭ ‬المختلفة،‭ ‬بدأت‭ ‬المصلحة‭ ‬الفردية‭ ‬تطغى‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تفككت‭ ‬المجتمعات‭ ‬التقليدية‭ ‬مع‭ ‬تفكك‭ ‬المصلحة‭ ‬الجماعية‭.‬

لذلك‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬تلاشي‭ ‬المجتمعات‭ ‬التقليدية‭:‬

‭- ‬فقدان‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬والقيم‭ ‬والمعارف‭ ‬والممارسات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تميز‭ ‬المجتمع‭ ‬وتقدم‭ ‬له‭ ‬معنى‭ ‬وهدفًا‭.‬

‭- ‬التفكك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وضعف‭ ‬الروابط‭ ‬والعلاقات‭ ‬الأسرية‭ ‬الممتدة،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬الشعور‭ ‬بالعزلة‭ ‬والوحدة‭.‬

‭- ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬وبسبب‭ ‬اختلاف‭ ‬القيم‭ ‬والمعتقدات‭.‬

‭- ‬فقدان‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬تصبح‭ ‬المجتمعات‭ ‬أكثر‭ ‬تشابهًا‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬أسباب‭ ‬تلاشي‭ ‬المجتمعات‭ ‬التقليدية‭: ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعلومات‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬عبر‭ ‬الحدود،‭ ‬مما‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬الثقافات‭ ‬المحلية‭ ‬وأنماط‭ ‬الحياة‭ ‬التقليدية‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬ووسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬والتفاعل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتمدن‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انتقال‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية‭ ‬إلى‭ ‬المدن،‭ ‬مما‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعلاقات‭ ‬الأسرية‭ ‬الممتدة‭.‬

ولكن‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬بالضرورة‭ ‬أننا‭ ‬نشهد‭ ‬نهاية‭ ‬المجتمعات‭ ‬التقليدية‭. ‬فيمكن‭ ‬للمجتمعات‭ ‬التقليدية‭ ‬أن‭ ‬تتكيف‭ ‬مع‭ ‬التغييرات‭ ‬وتطورها‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬هويتها‭ ‬الثقافية‭. ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬انتماء‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬محصوراً‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المحلي‭ ‬أو‭ ‬العالمي،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬انتماءً‭ ‬مركباً‭ ‬ومتعدداً،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أبرز‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬المواطنة‭ ‬المحلية‭ ‬والمواطنة‭ ‬العالمية‮»‬،‭ ‬فالمواطن‭ ‬المحلي‭ ‬هو‭ ‬شخص‭ ‬يتمتع‭ ‬بالحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬في‭ ‬مجتمعه‭ ‬ووطنه،‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬تنميته‭ ‬وازدهاره‭. ‬أما‭ ‬المواطن‭ ‬العالمي،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬انتماء‭ ‬وإنما‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬والمسؤولية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬الانتماء‭ ‬المحلي‭ ‬ليشمل‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬والاهتمام‭ ‬بقضايا‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭. ‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تعارض‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الانتماء‭ ‬المركب‭ ‬بين‭ ‬المواطنة‭ ‬المحلية‭ ‬والمواطنة‭ ‬العالمية‭. ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬العلاقة‭ ‬تكاملية،‭ ‬بحيث‭ ‬يسهم‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬مجتمعه‭ ‬المحلي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬والخبرات‭ ‬العالمية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطبيق‭ ‬الحلول‭ ‬المحلية‭ ‬الناجحة‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬المواطنة‭ ‬المحلية‭ ‬والمواطنة‭ ‬العالمية‭ ‬هما‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬واحدة‭.‬

ولعل‭ ‬أبسط‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فترة‭ ‬الجائحة،‭ ‬حيث‭ ‬تحول‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬أشبه‭ ‬بدولة‭ ‬واحدة‭ ‬تعمل‭ ‬ضمن‭ ‬أنظمة‭ ‬وقوانين‭ ‬متشابهة‭ ‬لمواجهة‭ ‬الأزمة،‭ ‬وتحول‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬أشبه‭ ‬بمواطنين‭ ‬محليين‭ ‬متعاونين‭ ‬معا‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحدي‭ ‬وتخفيف‭ ‬حدة‭ ‬المخاطر‭.‬

وبالتالي‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬وجود‭ ‬صراع‭ ‬أو‭ ‬تناقض،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصدراً‭ ‬للإثراء‭ ‬والتنوع،‭ ‬وفرصة‭ ‬للتعلم‭ ‬والتطور‭.‬

*‭ ‬اليوم‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإعلامية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعولمة،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬مفاهيم‭ ‬ومصالح‭ ‬الهوية‭ ‬المحلية‭ ‬والمؤثرات‭ ‬الخارجية‭ ‬للمواطنة‭ ‬او‭ ‬الهوية‭ ‬العالمية،‭ ‬لمن‭ ‬تكون‭ ‬الغلبة؟

**‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإعلامية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعولمة،‭ ‬يتزايد‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬مفاهيم‭ ‬ومصالح‭ ‬الهوية‭ ‬المحلية‭ ‬والمؤثرات‭ ‬الخارجية‭ ‬للمواطنة‭ ‬أو‭ ‬الهوية‭ ‬العالمية‭. ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬إجابة‭ ‬واحدة‭ ‬وحاسمة،‭ ‬بل‭ ‬يتأرجح‭ ‬بين‭ ‬تأثيرات‭ ‬متعددة‭ ‬ومتغيرة‭. ‬فهناك‭ ‬نقاط‭ ‬قوة‭ ‬للهوية‭ ‬المحلية،‭ ‬وهناك‭ ‬نقاط‭ ‬ضعف‭ ‬مثل‭ ‬الانغلاق‭ ‬والتعصب،‭ ‬فقد‭ ‬يؤدي‭ ‬التركيز‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬المحلية‭ ‬إلى‭ ‬الانغلاق‭ ‬والتعصب،‭ ‬ورفض‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف‭. ‬ونسف‭ ‬الأمر‭ ‬ينسحب‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعني‭ ‬التنوع‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬ثقافات‭ ‬وحضارات‭ ‬أخرى،‭ ‬لكنها‭ ‬قد‭ ‬تعني‭ ‬كذلك‭ ‬الاستلاب‭ ‬والتبعية‭ ‬وفقدان‭ ‬الهوية‭ ‬المحلية‭ ‬والصراع‭ ‬والتنافس‭ ‬بين‭ ‬الهوية‭ ‬المحلية‭ ‬والمؤثرات‭ ‬الخارجية،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‭ ‬والتصدع‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭. ‬والحل‭ ‬لذلك‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬التوازن،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحديد‭ ‬الغلبة‭ ‬لأحد‭ ‬الطرفين‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع،‭ ‬فلكل‭ ‬منهما‭ ‬تأثيراته‭ ‬الإيجابية‭ ‬والسلبية‭. ‬ولا‭ ‬ننكر‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬وإلى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬صحيح‭ ‬أننا‭ ‬نتعرض‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬الرسائل‭ ‬والمؤثرات‭ ‬والمحتويات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬أو‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والثقافات،‭ ‬ولكننا‭ ‬بنفس‭ ‬الوقت‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬الموازنة‭ ‬وتصحيح‭ ‬المسار‭ ‬وتعزيز‭ ‬الهوية‭ ‬المحلية‭. ‬فشهر‭ ‬رمضان‭ ‬مثلا‭ ‬أشبه‭ ‬ببصمة‭ ‬تعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬الجذور،‭ ‬حيث‭ ‬نتحول‭ ‬جميعا‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬تعاد‭ ‬فيها‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والأكلات‭ ‬والملابس‭ ‬الشعبية،‭ ‬والتجمعات‭ ‬والمفاهيم‭ ‬التراثية‭ ‬وغيرها‭. ‬وكأنه‭ ‬إحالة‭ ‬ضبط‭ ‬للمجتمع‭ ‬وللعادات‭ ‬السابقة‭. ‬

*‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬صراع‭ ‬الأجيال‭ ‬يمثل‭ ‬مشكلة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬هل‭ ‬تحول‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬مجتمعات؟

**‭ ‬لطالما‭ ‬كان‭ ‬صراع‭ ‬الأجيال‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حيث‭ ‬تتباين‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬والقيم‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬المختلفة‭. ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬تطورت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬لتأخذ‭ ‬أبعادا‭ ‬جديدة،‭ ‬أي‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬أوسع‭ ‬نطاقا‭ ‬بين‭ ‬مجموعات‭ ‬مختلفة‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬الطبقة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬الهوية‭ ‬السياسية‭. ‬

ولكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭ ‬إن‭ ‬صراع‭ ‬الأجيال‭ ‬تحول‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬مجتمعات،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنهما‭ ‬مرتبطان‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭. ‬فصراع‭ ‬الأجيال‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تغذية‭ ‬صراع‭ ‬المجتمعات،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬تباين‭ ‬القيم‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انقسام‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬فئات‭ ‬مختلفة‭. ‬

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا