العدد : ١٧٢٠٠ - السبت ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٠ - السبت ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٦هـ

أخبار البحرين

الوساطة.. المفهوم والإجراءات وخصوصية المجتمع العربي

{ المحامي سعد جابر الدوسري - محكم ووسيط معتمد.

الثلاثاء ١٨ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

أصبحت‭ ‬الوساطةُ‭ ‬وسيلةً‭ ‬من‭ ‬الوسائلِ‭ ‬البديلةِ‭ ‬لتسويةِ‭ ‬المنازعاتِ‭ ‬ولاقت‭ ‬انتشارًا‭ ‬واسعًا‭ ‬في‭ ‬عددٍ‭ ‬من‭ ‬الدولِ‭ ‬المتقدمةِ‭ ‬كأستراليا‭ ‬وهونج‭ ‬كونج‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬مرحلةِ‭ ‬التعريف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬منطقتِنا‭ ‬العربيَّة‭.‬

وهي‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬وسيلةٌ‭ ‬بديلةٌ‭ ‬لتسويةِ‭ ‬المنازعاتِ‭ ‬أي‭ ‬بديلة‭ ‬عن‭ ‬القضاء‭ ‬العادي‭. ‬وتشترك‭ ‬الوساطةُ‭ ‬كوسيلةٍ‭ ‬بديلة‭ ‬لتسوية‭ ‬المنازعات‭ ‬مع‭ ‬التحكيم‭ ‬في‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إليها‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬

1-‭ ‬بطء‭ ‬إجراءات‭ ‬التقاضي‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬العادي‭ ‬الذي‭ ‬أثقل‭ ‬كاهله‭ ‬كم‭ ‬القضايا‭ ‬وتعقيداتها‭ ‬نتيجة‭ ‬لتطور‭ ‬العلاقات‭ ‬والمعاملات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬استحداث‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬والتخصصية‭ ‬عموما‭. ‬لذلك‭ ‬أضحى‭ ‬الفصلُ‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المنازعات‭ ‬يأخذ‭ ‬وقتًا‭ ‬طويلاً‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬العادي‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بوجود‭ ‬درجتي‭ ‬التقاضي‭ ‬وإمكانية‭ ‬الطعن‭ ‬بالتمييز‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬عنصر‭ ‬السرعة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المعاملات‭.‬

2-‭ ‬تحاشي‭ ‬مبدأ‭ ‬علانية‭ ‬المحاكمات‭ ‬لدى‭ ‬القضاء‭ ‬العادي‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬سرية‭ ‬النزاع‭ ‬وهذا‭ ‬يُعدُّ‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأسباب‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬سمعتها‭ ‬ومركزها‭ ‬محل‭ ‬اعتبار‭ ‬وثقة‭ ‬لدى‭ ‬المتعاملين‭ ‬معها‭ ‬أو‭ ‬حماية‭ ‬للأسرار‭ ‬التجارية‭ ‬والصناعية‭.‬

وامتازت‭ ‬الوساطة‭ ‬عن‭ ‬التحكيم‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى‭ ‬مهمة‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إليها‭ ‬ومنها‭:‬

1-‭ ‬رغبة‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الودية‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭.‬

2-‭ ‬تفادي‭ ‬القضاء‭ ‬العادي‭ ‬والتحكيم‭ ‬لعدم‭ ‬ضمان‭ ‬مخرجات‭ ‬الحكم‭ ‬النهائي‭.‬

3-‭ ‬تفادي‭ ‬الرسوم‭ ‬القضائية‭ ‬وأتعاب‭ ‬المحكمين‭ ‬الباهظة‭ ‬مقارنة‭ ‬بأتعاب‭ ‬الوساطة‭ ‬المنخفضة‭ ‬نسبيًّا‭. ‬حيث‭ ‬تحتسب‭ ‬الرسوم‭ ‬القضائية‭ ‬وأتعاب‭ ‬المحكمين‭ ‬وفق‭ ‬قيمة‭ ‬النزاع‭ ‬أما‭ ‬الوساطة‭ ‬فعادة‭ ‬تحتسب‭ ‬أتعابها‭ ‬بالوقت‭ ‬المستغرق‭ ‬وتكلفة‭ ‬مكان‭ ‬الاجتماع‭.‬

4-‭ ‬يلتزم‭ ‬القضاء‭ ‬العادي‭ ‬والتحكيم‭ ‬بتطبيق‭ ‬القانون،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الوساطة‭ ‬تطبيق‭ ‬لما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬رضائيًّا‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬بالضرورة‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭.‬

5-‭ ‬الوساطة‭ ‬تلبي‭ ‬حاجات‭ ‬وأهداف‭ ‬الأطراف‭ ‬لا‭ ‬الحقوق‭ ‬المكفولة‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬أو‭ ‬القانون‭. ‬فالحاجات‭ ‬والأهداف‭ ‬قد‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحقوق‭ ‬أو‭ ‬تقل‭ ‬عنها‭.‬

 

وبعد‭ ‬عرض‭ ‬أهم‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الوساطة‭ ‬كوسيلة‭ ‬بديلة‭ ‬لفض‭ ‬المنازعات‭ ‬يتضح‭ ‬لنا‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬الوساطة‭ ‬وأهم‭ ‬مميزاتها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬في‭ ‬التحكيم‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى‭ ‬لفض‭ ‬المنازعات‭. ‬ونتطرق‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭ ‬لمفهوم‭ ‬الوساطة‭ ‬هديًا‭ ‬بما‭ ‬تقدم‭.‬

مفهوم‭ ‬الوساطة‭:‬

الوساطة‭ ‬تعني‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬بواسطة‭ ‬طرف‭ ‬ثالث‭ ‬محايد‭ ‬ومستقل‭ ‬وهو‭ ‬الوسيط،‭ ‬بين‭ ‬طرفين‭ ‬متنازعين‭ ‬يساعدهما‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬مشترك‭ ‬لتسوية‭ ‬النزاع،‭ ‬وبخلاف‭ ‬مهمة‭ ‬المحكم‭ ‬أو‭ ‬القاضي‭ ‬فالوسيط‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬سلطة‭ ‬فرض‭ ‬حكم‭ ‬ملزم‭ ‬للجانبين‭. ‬وتتميز‭ ‬الوساطة‭ ‬بأنها‭ ‬نظام‭ ‬إرادي‭ ‬محض‭ ‬ابتداءً‭ ‬وانتهاءً‭.‬

1‭ - ‬يسعى‭ ‬الوسيط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ديناميكية‭ ‬المفاوضات‭ ‬إلى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬يرضي‭ ‬طرفي‭ ‬النزاع‭ ‬تمهيدا‭ ‬لإنهاء‭ ‬الخلاف‭. ‬

2‭ - ‬يُدير‭ ‬الوسيط‭ ‬الاجتماع‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬بشكل‭ ‬منتج‭ ‬وفعال‭ ‬عبر‭ ‬مهارات‭ ‬معينة‭ ‬ليستظهر‭ ‬المخرجات‭ ‬النهائية‭ ‬والمقبولة‭ ‬لديهم‭.‬

ينبني‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الوسيط‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحوز‭ ‬ثقة‭ ‬طرفي‭ ‬الخلاف،‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بالحياد‭ ‬والاستقلالية‭ ‬وأن‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬مصالح‭ ‬الطرفين‭ ‬وألا‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬أية‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الوسيط‭ ‬هي‭ ‬العنصر‭ ‬الأساسي‭ ‬لنجاح‭ ‬المفاوضات‭ ‬وبالتالي‭ ‬الوساطة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الهدف‭ ‬وهو‭ ‬إنهاء‭ ‬الخلاف‭. ‬

ولا‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬الوساطة‭ ‬حكم‭ ‬ملزم‭ ‬للأطراف‭ ‬وإنما‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬ما‭ ‬توصلوا‭ ‬إليه‭ ‬رضائيا،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬تحرير‭ ‬اتفاق‭ ‬مكتوب‭ ‬وتم‭ ‬توقيعه‭ ‬أمام‭ ‬كاتب‭ ‬العدل‭ ‬وتم‭ ‬منحه‭ ‬الصيغة‭ ‬التنفيذية‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الالتزامات‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬الأطراف‭ ‬كنتيجة‭ ‬للوساطة‭ ‬يمكن‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬تنفيذها‭ ‬قضائيا‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬التنفيذ‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬فيها‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأحكام‭ ‬القضائية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تخلف‭ ‬أحد‭ ‬الطرفين‭ ‬عن‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماته‭.‬

كما‭ ‬نؤكد‭ ‬معلومة‭ ‬مهمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يأخذها‭ ‬الوسيط‭ ‬دائما‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عملية‭ ‬الوساطة‭ ‬وحتى‭ ‬انتهائها‭: ‬إن‭ ‬أساس‭ ‬الوساطة‭ ‬هو‭ ‬اتجاه‭ ‬إرادة‭ ‬الأطراف‭ ‬رضائياً‭ ‬لتسوية‭ ‬نزاعهم‭ ‬عن‭ ‬طريقها‭. ‬فإرادة‭ ‬الأطراف‭ ‬هي‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬بعملية‭ ‬الوساطة‭. ‬والوسيط‭ ‬يستمد‭ ‬ثقته‭ ‬ومكانته‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الإرادة‭ ‬لتسيير‭ ‬وإدارة‭ ‬عملية‭ ‬الوساطة‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي‭.‬

الفرق‭ ‬بين‭ ‬الوساطة‭ ‬والتحكيم‭:‬

التحكيم‭ ‬هو‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬النزاع‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬معين‭ ‬أو‭ ‬أشخاص‭ ‬معينين‭ ‬ليفصلوا‭ ‬فيه‭ ‬دون‭ ‬المحكمة‭ ‬المختصة،‭ ‬يبدأ‭ ‬التحكيم‭ ‬باتفاق‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬إحالة‭ ‬أي‭ ‬خلاف‭ ‬ينشأ‭ ‬بينهما‭ ‬للفصل‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬محكم‭ ‬أو‭ ‬محكمين‭ ‬أو‭ ‬مؤسسة‭ ‬تحكيم،‭ ‬وعند‭ ‬حدوث‭ ‬النزاع‭ ‬يتم‭ ‬اختيار‭ ‬المحكمين‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التعيين‭ ‬يجتمع‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬مع‭ ‬المحكمين‭ ‬ليوقعوا‭ ‬اتفاقية‭ ‬التحكيم‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬اختصاص‭ ‬المحكمين‭ ‬والإجراءات‭ ‬والقانون‭ ‬الواجب‭ ‬التطبيق‭ ‬ومدة‭ ‬التحكيم‭ ‬واللغة‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالنزاع‭ ‬والإجراءات‭ ‬وغيرها‭. ‬وينتهي‭ ‬التحكيم‭ ‬بحكم‭ ‬يمكن‭ ‬تنفيذه‭ ‬كأحكام‭ ‬القضاء‭ ‬حيث‭ ‬يلتزم‭ ‬المحكم‭ ‬أو‭ ‬المحكمون‭ ‬بقواعد‭ ‬المرافعات‭ ‬الواجبة‭ ‬التطبيق‭ ‬بحسب‭ ‬الاتفاق‭ ‬وبأحكام‭ ‬القانون‭ ‬ويمكن‭ ‬للأطراف‭ ‬الطعن‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬بالبطلان‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬اتفقوا‭ ‬على‭ ‬اعتباره‭ ‬نهائيا‭ ‬إذا‭ ‬توافرت‭ ‬له‭ ‬أسباب‭ ‬الطعن‭ ‬بالبطلان‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الوساطة‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬توضيحه‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مفاوضات‭ ‬تتم‭ ‬بمساعدة‭ ‬طرف‭ ‬ثالث‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬سلطة‭ ‬إصدار‭ ‬حكم‭ ‬ملزم‭ ‬للطرفين‭ ‬وإنما‭ ‬يكون‭ ‬دوره‭ ‬مساعدة‭ ‬الطرفين‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬مرضٍ‭ ‬لهما‭ ‬ثم‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاق‭ ‬بينهما‭ ‬تتم‭ ‬بموجبه‭ ‬تسوية‭ ‬الخلاف‭ ‬ويتم‭ ‬تنفيذه‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬اختيارياً،‭ ‬في‭ ‬الوساطة‭ ‬ليست‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬المفاوضات‭ ‬بالاتفاق‭ ‬على‭ ‬تسوية‭ ‬الخلاف‭. ‬ويمكن‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاتفاق‭ ‬أيضا‭ ‬إذا‭ ‬اتفق‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬منحه‭ ‬الصيغة‭ ‬التنفيذية‭ ‬بوصفه‭ ‬من‭ ‬المحررات‭ ‬الموثقة‭ ‬وتنفيذه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬محكمة‭ ‬التنفيذ‭.‬

ومما‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬الوسيط‭ ‬شأنه‭ ‬شأن‭ ‬المحكم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الاختصاص‭ ‬والخبرة‭ ‬فلا‭ ‬يشترط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الوسيط‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬القانون‭ ‬ولكن‭ ‬إلمامه‭ ‬بالقانون‭ ‬سيعطيه‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬أفضلية‭ ‬وإلمام‭ ‬أكثر‭ ‬بالتبعات‭ ‬القانونية‭ ‬لعملية‭ ‬الوساطة‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬إثراء‭ ‬عملية‭ ‬الوساطة‭ ‬وإنارة‭ ‬الأطراف‭.‬

لكن‭ ‬الأكيد‭ ‬أنه‭ ‬يشترط‭ ‬في‭ ‬الوسيط‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬مهارات‭ ‬الوساطة‭ ‬وكيفية‭ ‬إدارتها‭ ‬بشكل‭ ‬تسلسلي‭ ‬سليم‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬إلمامه‭ ‬بمهارات‭ ‬التواصل‭ ‬الإيجابي‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭.‬

هل‭ ‬يجوز‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الوساطة‭ ‬والتحكيم؟

يتبادر‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬إمكانية‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬وسيلتين‭ ‬بديلتين‭ ‬لتسوية‭ ‬المنازعات‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬واحد‭. ‬والجواب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تعارض‭ ‬بينهما‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬لا‭ ‬تعارض‭ ‬في‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الوساطة‭ ‬والقضاء‭ ‬العادي‭.‬

حيث‭ ‬إن‭ ‬الوساطة‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬اللجوء‭ ‬إليها‭ ‬كأول‭ ‬وسيلة‭ ‬أو‭ ‬خطوة‭ ‬لحل‭ ‬النزاع‭ ‬قبل‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬أو‭ ‬التحكيم‭ ‬تفاديا‭ ‬للرسوم‭ ‬القضائية‭ ‬وأتعاب‭ ‬المحكمين‭ ‬الباهظة‭ ‬مقارنة‭ ‬بأتعاب‭ ‬الوساطة‭ ‬المنخفضة‭ ‬نسبيًّا‭. ‬أو‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الودية‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬ذكرناه‭ ‬سابقا‭ ‬في‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الوساطة‭.‬

فعند‭ ‬فشل‭ ‬الوساطة‭ ‬يتم‭ ‬عندئذ‭ ‬إعمال‭ ‬شرط‭ ‬تسوية‭ ‬النزاع‭ ‬المذكور‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يحيل‭ ‬النزاع‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬العادي‭ ‬أو‭ ‬التحكيم‭ ‬بحسب‭ ‬اتفاق‭ ‬الطرفين‭.‬

لذلك،‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬انتشر‭ ‬لديها‭ ‬مفهوم‭ ‬الوساطة‭ ‬إدراج‭ ‬فقرة‭ ‬جديدة‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬تسوية‭ ‬النزاعات‭ ‬يُذكر‭ ‬فيها‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الوساطة‭ ‬كأول‭ ‬وسيلة‭ ‬لتسوية‭ ‬النزاع‭. ‬وقد‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬وسيط‭ ‬معين‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬وساطة‭ ‬مؤسسية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬التحكيم‭. ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬كذلك‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬اتفاق‭ ‬منفصل‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬العقد‭.‬

خصوصية‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬هل‭ ‬تقبل‭ ‬الوساطة؟

يتميز‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬المجتمعات‭ ‬بطابع‭ ‬اجتماعي‭ ‬راسخ‭ ‬بين‭ ‬أفراده‭. ‬فالعوامل‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬كالدين‭ ‬والنسب‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأخرى‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تتسم‭ ‬غالبا‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الجفاء‭ ‬والمادية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬أفراده‭.‬

وقد‭ ‬تشكل‭ ‬هذه‭ ‬الخصوصية‭ ‬للمجتمع‭ ‬العربي‭ ‬عاملا‭ ‬إيجابيا‭ ‬أو‭ ‬سلبيا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مفهوم‭ ‬الوساطة‭. ‬فهذه‭ ‬الخصوصية‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬يضاف‭ ‬إليها‭ ‬عامل‭ ‬الانكفاء‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬واستهجان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غريب‭ ‬قد‭ ‬تحول‭ ‬بين‭ ‬تبني‭ ‬المفاهيم‭ ‬الجديدة‭ ‬وانتشارها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬مستوردة‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭.‬

فجوهر‭ ‬الوساطة‭ ‬ليس‭ ‬بغريب‭ ‬عن‭ ‬طباع‭ ‬وعادات‭ ‬مجتمعنا‭ ‬العربي‭ ‬البسيط،‭ ‬بل‭ ‬وتطبق‭ ‬الوساطة‭ ‬تلقائياً‭ ‬وبعفوية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الخلافات‭ ‬العائلية،‭ ‬ولكن‭ ‬بالطبع‭ ‬ليس‭ ‬بالطريقة‭ ‬المهنية‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬بصددها‭ ‬الآن‭. ‬فالخلاف‭ ‬بين‭ ‬زوجين‭ ‬يتم‭ ‬حله‭ ‬غالباً‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬وسيط‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬الزوجين‭. ‬والأمر‭ ‬نفسه‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الخلاف‭ ‬داخل‭ ‬العائلة‭ ‬أو‭ ‬القبيلة‭ ‬الواحدة‭ ‬فيتولى‭ ‬الأكبر‭ ‬سناً‭ ‬حل‭ ‬الإشكال‭.‬

فإن‭ ‬كانت‭ ‬الوساطة‭ ‬بمفهومها‭ ‬الحالي‭ ‬لا‭ ‬تطبق‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أمرا‭ ‬آخر‭ ‬يطبق‭ ‬لتسوية‭ ‬النزاعات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬ومُقارب‭ ‬في‭ ‬مفهومه‭ ‬للوساطة‭ ‬أو‭ ‬أحيانا‭ ‬للتحكيم‭. ‬ويتفق‭ ‬ما‭ ‬يطبق‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬مع‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سرية‭ ‬الخلاف‭ ‬الناشئ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬العائلة‭ ‬أو‭ ‬القبيلة‭ ‬الواحدة‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬السمعة‭ ‬الحسنة‭ ‬والعلاقات‭ ‬الودية‭ ‬هي‭ ‬الغاية‭ ‬في‭ ‬الأعم‭ ‬الأغلب‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬المحافظ‭.‬

إن‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي‭ ‬لمجتمعنا‭ ‬العربي‭ ‬يزخر‭ ‬بالنماذج‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬والسنة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬آثار‭ ‬السابقين‭ ‬التي‭ ‬تحث‭ ‬على‭ ‬التسوية‭ ‬الودية‭ ‬بين‭ ‬المتنازعين‭ ‬ونبذ‭ ‬الفرقة‭ ‬والاختلاف‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬رسالة‭ ‬الأنبياء‭ ‬والرسل‭ ‬والهم‭ ‬الذي‭ ‬حمله‭ ‬المصلحون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأزمنة‭.‬

كما‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬بثقافة‭ ‬إصلاح‭ ‬ذات‭ ‬البين‭ ‬والحث‭ ‬عليه‭ ‬وقرنه‭ ‬بالتقوى‭ ‬وجعله‭ ‬مما‭ ‬يتقرب‭ ‬به‭ ‬المسلم‭ ‬لله‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬وورد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مواضع‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬والسنة‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬

*‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬إنما‭ ‬المؤمنون‭ ‬إخوة‭ ‬فأصلحوا‭ ‬بين‭ ‬أخويكم‭ ‬واتقوا‭ ‬الله‭ ‬لعلكم‭ ‬ترحمون‭). ‬

*‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬ولا‭ ‬تجعلوا‭ ‬الله‭ ‬عرضة‭ ‬لأيمانكم‭ ‬أن‭ ‬تبروا‭ ‬وتتقوا‭ ‬وتصلحوا‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬والله‭ ‬سميع‭ ‬عليم‭).‬

*‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭: ‬‮«‬ألا‭ ‬أخبركم‭ ‬بأفضل‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬الصيام‭ ‬والصلاة‭ ‬والصدقة؟‭ ‬قالوا‭: ‬بلى،‭ ‬قال‭: ‬صلاح‭ ‬ذات‭ ‬البين‮»‬‭.‬

*‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭: ‬‮«‬ما‭ ‬عمل‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬شيئا‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الصلاة،‭ ‬وصلاح‭ ‬ذات‭ ‬البين،‭ ‬وخلقِ‭ ‬حسن‮»‬‭.‬

فثقافتنا‭ ‬تحثنا‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬إيجابي‭ ‬إزاء‭ ‬المتنازعين‭ ‬بمحاولة‭ ‬التقريب‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المقبول‭ ‬لدينا‭ ‬التفرج‭ ‬على‭ ‬النزاعات‭ ‬وأجزم‭ ‬بأن‭ ‬الكثير‭ ‬منكم‭ ‬قد‭ ‬مر‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬فحاول‭ ‬بأسلوبه‭ ‬تلطيف‭ ‬خلاف‭ ‬في‭ ‬أسرته‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬أصدقائه‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬حدته‭.‬

إذن،‭ ‬نستنتج‭ ‬مما‭ ‬سبق‭: ‬أن‭ ‬ثقافة‭ ‬الوساطة‭ ‬بمفهومها‭ ‬البسيط‭ ‬مُفعلة‭ ‬ضمن‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬العربي‭ ‬وتجد‭ ‬أساسها‭ ‬في‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭. ‬وبقي‭ ‬تفعيلها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬العلاقات‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬كالعلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬والعمالية‭. ‬وهذا‭ ‬يستدعي‭ ‬بذل‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬لزيادة‭ ‬الوعي‭.‬

وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬السابق‭ ‬لأوانه‭ ‬الحكم‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تقبل‭ ‬مجتمعنا‭ ‬العربي‭ ‬لمفهوم‭ ‬الوساطة‭ ‬وعلى‭ ‬الأخص‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬التعريف‭ ‬بها‭.‬

فجميعنا‭ ‬يتذكر‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬احتجنا‭ ‬لتقبل‭ ‬فكرة‭ ‬التحكيم‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬نتاج‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬وندوات‭ ‬وحلقات‭ ‬علمية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬وترتب‭ ‬على‭ ‬تقبل‭ ‬فكرة‭ ‬التحكيم‭ ‬تبنيها‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬العقود،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬شرط‭ ‬التحكيم‭ ‬ضمن‭ ‬الشروط‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬التجارية‭ ‬النموذجية‭. ‬كما‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬تقبل‭ ‬فكرة‭ ‬التحكيم‭ ‬إدراجها‭ ‬كمادة‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬مقررات‭ ‬كليات‭ ‬الحقوق‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬فأصبحت‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬مهيأة‭ ‬لتطبيقها‭.‬

مراحل‭ ‬الوساطة‭ ‬الأساسية‭:‬

تمر‭ ‬عملية‭ ‬الوساطة‭ ‬بخمس‭ ‬مراحل‭ ‬رئيسية‭ ‬تكفل‭ ‬تهيئة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الوسيط‭ ‬والأطراف‭ ‬لبدء‭ ‬عملية‭ ‬الوساطة‭ ‬وتطبيقها‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬يحقق‭ ‬الغاية‭ ‬منها‭. ‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬العبء‭ ‬الأكبر‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الوسيط‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المراحل‭. ‬فهو‭ ‬يسبق‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬كل‭ ‬المستندات‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬ادعاءات‭ ‬وحجج‭ ‬الطرفين‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحكم‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬لفهم‭ ‬النزاع‭ ‬وخلفيته‭ ‬جيداً‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيساعده‭ ‬في‭ ‬استنباط‭ ‬بعض‭ ‬المقترحات‭ ‬وكذلك‭ ‬لفهم‭ ‬آراء‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تستجد‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬الوساطة‭. ‬

وعلى‭ ‬الوسيط‭ ‬خلال‭ ‬مراحل‭ ‬الوساطة‭ ‬التواصل‭ ‬بشكل‭ ‬مهني‭ ‬وحيادي‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬وأن‭ ‬يحافظ‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬مركزه‭ ‬المستقل‭ ‬وتعامله‭ ‬الإيجابي‭ ‬المتزن‭. ‬

أولا‭: ‬المرحلة‭ ‬التحضيرية‭:‬‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬يقوم‭ ‬الوسيط‭ ‬بالاجتماع‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬بشكل‭ ‬منفصل‭ ‬أو‭ ‬مجتمع‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬وذلك‭ ‬بغرض‭ ‬جمع‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬وللإجابة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تساؤلات‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬لدى‭ ‬الوسيط‭ ‬بعد‭ ‬اطلاعه‭ ‬على‭ ‬الأوراق‭ ‬ويستطيع‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬ترتيب‭ ‬الأمور‭ ‬الإجرائية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بجدول‭ ‬الاجتماعات‭ ‬والجدول‭ ‬الزمني‭ ‬وآلية‭ ‬تبادل‭ ‬المستندات‭.‬

ثانيا‭: ‬المرحلة‭ ‬التمهيدية‭:‬‭ ‬تبدأ‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬إجراءات‭ ‬الوساطة‭ ‬حيث‭ ‬يجتمع‭ ‬الوسيط‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬ويلقي‭ ‬كلمته‭ ‬الافتتاحية‭ ‬ويوضح‭ ‬لهم‭ ‬آلية‭ ‬عمل‭ ‬الوساطة‭ ‬ومراحلها‭ ‬والقواعد‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬التقيد‭ ‬بها‭ ‬أثناء‭ ‬الوساطة‭.‬

ثالثا‭: ‬مرحلة‭ ‬التفاهم‭ ‬المتبادل‭:‬‭ ‬يساعد‭ ‬الوسيط‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬مسائل‭ ‬النزاع‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬بحسب‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬كل‭ ‬طرف‭. ‬فيطلب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬توضيح‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬وللوسيط‭ ‬فقط‭ ‬توجيه‭ ‬أي‭ ‬أسئلة‭ ‬استيضاحية‭ ‬للطرف‭ ‬المتحدث‭. ‬إن‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬الإقرار‭ ‬المتبادل‭ ‬ضمنياً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأطراف‭ ‬لأساس‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬كل‭ ‬طرف‭. ‬حينها‭ ‬يستطيع‭ ‬الأطراف‭ ‬تحديد‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬يعانون‭ ‬منها‭ ‬بوضوح‭ ‬والتي‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مكتوب‭ ‬في‭ ‬المستندات‭.‬

رابعا‭: ‬مرحلة‭ ‬التفاوض‭:‬‭ ‬تعد‭ ‬أهم‭ ‬مرحلة‭ ‬في‭ ‬الوساطة‭ ‬حيث‭ ‬يستخدم‭ ‬الوسيط‭ ‬مهاراته‭ ‬لمساعدة‭ ‬الأطراف‭ ‬لتحديد‭ ‬وسبر‭ ‬خيارات‭ ‬التسوية‭. ‬وعلى‭ ‬الوسيط‭ ‬محاولة‭ ‬تجاوز‭ ‬أي‭ ‬عقبة‭ ‬أو‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭ ‬قد‭ ‬يفرضه‭ ‬طرف‭ ‬على‭ ‬آخر‭.‬

خامسا‭: ‬مرحلة‭ ‬الاتفاق‭:‬‭ ‬يقوم‭ ‬الوسيط‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بإيجاز‭ ‬العروض‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬لتسوية‭ ‬النزاع‭ ‬وعليه‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬اتفاق‭. ‬ويجوز‭ ‬للوسيط‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الاستفسار‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬أمر‭ ‬تم‭ ‬إغفاله‭. ‬ولا‭ ‬يشترط‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المسائل‭ ‬العالقة‭ ‬ويكفي‭ ‬تدوين‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬ترحيل‭ ‬المسائل‭ ‬العالقة‭ ‬لاجتماع‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬بحسب‭ ‬رغبة‭ ‬الأطراف‭.‬

‭ ‬إجراءات‭ ‬الوساطة‭: ‬

1-‭ ‬بصورة‭ ‬عامة‭ ‬تبدأ‭ ‬الإجراءات‭ ‬بقيام‭ ‬الوسيط‭ ‬بدعوة‭ ‬الطرفين‭ ‬إلى‭ ‬الجلوس‭ ‬معا‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬واحدة‭ ‬مع‭ ‬الوسيط،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬للوساطة‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬وسيط‭ ‬مستقل‭ ‬يثق‭ ‬به‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭.‬

2-‭ ‬افتتاح‭ ‬إجراءات‭ ‬الوساطة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الوسيط‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬استعراض‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬وشرح‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬بحياد‭ ‬تام،‭ ‬وقد‭ ‬يحضر‭ ‬الأطراف‭ ‬شخصيا‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬الوكلاء‭ ‬بحسب‭ ‬طبيعة‭ ‬الخلاف‭.‬

3-‭ ‬تقديم‭ ‬الأطراف‭ ‬لوجهة‭ ‬نظرهما‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬الوسيط‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭ ‬بوقت‭ ‬كاف‭ ‬ليوضح‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬وأسانيده‭ ‬وأسبابه‭. ‬

4-‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬في‭ ‬التفاوض‭ ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬أهمها‭:‬

*‭ ‬الإيضاح‭ ‬للطرفين‭ ‬بأهمية‭ ‬التعاون‭ ‬واستمرار‭ ‬العلاقات‭ ‬بينهما‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬يكون‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬العلاقات‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬الخلاف‭ ‬وكذلك‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬الأطراف‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬منهما‭ ‬بمنفعة‭.‬

*‭ ‬يقوم‭ ‬الوسيط‭ ‬بتصنيف‭ ‬الأمور‭ ‬الخلافية‭ ‬بحسب‭ ‬أهميتها‭ ‬ويمكن‭ ‬استخلاصها‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬الطرفين‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬استشفاف‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬عليها‭ ‬التوافق‭. ‬ويؤجل‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬المسائل‭ ‬الحساسة‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تنافر‭ ‬الطرفين‭.‬

*‭ ‬وضع‭ ‬وتحديد‭ ‬البدائل‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭  ‬الطرفين‭ ‬يرغبان‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الخلاف‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬تحديد‭ ‬البدائل‭ ‬المحتملة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوافقوا‭ ‬عليها‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬تخطر‭ ‬للوسيط‭ ‬عدة‭ ‬أفكار‭ ‬بشأن‭ ‬البدائل‭  ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينتظر‭ ‬حتى‭ ‬يتقدم‭ ‬الأطراف‭ ‬باقتراحاتهم‭ ‬لأنه‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬تكون‭ ‬لديهم‭ ‬معلومات‭ ‬أكثر‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬بإمكانهم‭ ‬قبولها،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭  ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتجنب‭ ‬الوسيط‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬أحد‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬يحتم‭ ‬عليه‭ ‬رفض‭ ‬اقتراحاته‭ ‬كوسيط‭  ‬في‭ ‬حضور‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الاقتراحات‭ ‬إذا‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬أنفسهم‭ ‬تكون‭ ‬أفضل‭ ‬ففي‭ ‬حال‭ ‬رفضها‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬بإمكان‭ ‬الوسيط‭ ‬أن‭ ‬يتدخل‭ ‬للتهدئة‭ ‬ولتقديم‭ ‬اقتراحات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬جهته‭ ‬تأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الطرفين‭ ‬وسقف‭ ‬التنازلات‭ ‬المحتملة‭.‬

*‭ ‬ما‭ ‬يرى‭ ‬الوسيط‭ ‬اتباعه‭ ‬لمنع‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭ ‬وهنا‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الوسيط‭ ‬أن‭ ‬يتقمص‭ ‬دور‭ ‬المستمع‭ ‬المتعاطف‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ (‬empathic listener‭  ) ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬وكيل‭ ‬للواقع‭ (‬agent of reality‭) ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬نصيحته‭ ‬للأطراف‭ ‬‮«‬أن‭ ‬الحل‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬ممكنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الموضوع‭ ‬بمرونة‭ ‬واستعداد‭ ‬لبعض‭ ‬التنازلات‭  ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الطرفين‮»‬‭.‬

*‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تأتي‭ ‬الاجتماعات‭ ‬بين‭ ‬الوسيط‭ ‬وكل‭ ‬طرف‭ ‬على‭ ‬حده‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ (‬caucuses‭) ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬الوسيط‭ ‬بالاجتماع‭ ‬منفردا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تخفيف‭ ‬حدة‭ ‬الانفعالات‭ ‬ومحاولة‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬وطرح‭ ‬البدائل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬واقعية‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬الطرفين‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬استمرارية‭ ‬العلاقات‭ ‬بينهما‭ ‬والابتعاد‭ ‬بهما‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تأجيج‭ ‬الغضب‭ ‬والخلاف‭.‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الوسيط‭ ‬أن‭ ‬يتأكد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاجتماعات‭ ‬المنفردة‭ ‬معهما‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬السرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬الطرف‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إبلاغ‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬ذلك‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الوسيط‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭.‬

الاتفاقية‭:‬

يقوم‭ ‬الوسيط‭ ‬بتحديد‭ ‬النقاط‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتفق‭ ‬عليها‭ ‬الطرفان‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الاتفاق‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬بإعداد‭ ‬صيغة‭ ‬التسوية‭ ‬المقترحة‭ ‬وتتم‭ ‬مراجعتها‭ ‬مع‭ ‬الطرفين‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬وكلائهما‭ ‬ويتم‭ ‬إجراء‭ ‬التعديلات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬الصيغة‭ ‬النهائية‭ ‬وإذا‭ ‬تم‭ ‬التوقيع‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاتفاق‭ ‬رضائيا‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭.‬

وقد‭ ‬يتم‭ ‬تضمين‭ ‬الاتفاق‭ ‬بندا‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬إعطائه‭ ‬الصيغة‭ ‬التنفيذية‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬تنفيذه‭ ‬مباشره‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬التنفيذ‭ ‬مثل‭ ‬الأحكام‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬المحاكم‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬الختم‭ ‬عليه‭ ‬بالصيغة‭ ‬التنفيذية‭ ‬وإدخاله‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬التنفيذ‭ ‬لتنفيذه‭ ‬كحكم‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬تنفيذه‭ ‬رضائيا‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭.‬

هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وسيلة‭ ‬لحل‭ ‬النزاع‭:‬

إن‭ ‬الوساطة‭ ‬وسيلة‭ ‬فعالة‭ ‬وسريعة‭ ‬ومعقولة‭ ‬التكاليف‭ ‬إذا‭ ‬تمت‭ ‬مقارنتها‭ ‬بإجراءات‭ ‬التقاضي‭ ‬العادية‭ ‬أو‭ ‬بالتحكيم‭ ‬وفي‭ ‬ولاية‭ ‬نيويورك‭ ‬يتم‭ ‬تحويل‭ ‬القضايا‭ ‬الصغيرة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتأمين‭ ‬على‭ ‬حوادث‭ ‬السيارات‭ ‬إلى‭ ‬الوساطة‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬الانتهاء‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬إجراءات‭ ‬التقاضي‭ ‬العادية‭ ‬ويتم‭ ‬تسوية‭ ‬المطالبات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الوساطة‭ ‬ويتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬الفور‭.‬

بعض‭ ‬التحفظات‭ ‬من‭ ‬المتعاملين‭:‬

من‭ ‬خلال‭ ‬التجارب‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬فإن‭ ‬مفهوم‭ ‬الوساطة‭ ‬كوسيلة‭ ‬بديلة‭ ‬لحل‭ ‬النزاع‭ ‬مازالت‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬لتوضيح‭ ‬مفهوم‭ ‬الوساطة‭ ‬وإيجابياتها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬في‭ ‬التحكيم‭ ‬والقضاء‭ ‬العادي‭. ‬

من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬الوساطة‭ ‬دورا‭ ‬كأداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬الخلافات‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬يقتنع‭ ‬بها‭ ‬الأفراد‭ ‬كوسيلة‭ ‬فاعلة‭ ‬لحل‭ ‬الخلافات‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬تُوفر‭ ‬لها‭ ‬حماية‭ ‬قانونية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المشرع‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬قانوني‭.‬

الوساطة‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ترويج‭ ‬إعلامي‭ ‬قانوني‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأوساط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والرسمية‭ ‬كذلك،‭ ‬بإمكان‭ ‬الوساطة‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الوقت‭ ‬والأموال‭ ‬عند‭ ‬تسوية‭ ‬الخلافات‭. ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أشخاص‭ ‬مؤهلين‭ ‬يتمتعون‭ ‬بالسمعة‭ ‬الطيبة‭ ‬وبمعرفة‭ ‬إدارة‭ ‬الحوار‭ ‬ولديهم‭ ‬الخلفية‭ ‬القانونية‭ ‬والأمر‭ ‬الأهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬محل‭ ‬ثقة‭ ‬الأطراف‭.‬

وقد‭ ‬تدخل‭ ‬المشرع‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بموجب‭ ‬المرسوم‭ ‬بقانون‭ ‬رقم‭ ‬22‭ ‬لسنة‭ ‬2019‭ ‬بشأن‭ ‬الوساطة‭ ‬لتسوية‭ ‬المنازعات‭ ‬وذلك‭ ‬لتنظيم‭ ‬أحكام‭ ‬الوساطة‭ ‬ويترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬إجراءات‭ ‬الوساطة‭ ‬ووضع‭ ‬معالم‭ ‬الطريق‭ ‬للوسطاء‭ ‬والأطراف‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إجراءات‭ ‬الوساطة‭ ‬وضوابط‭ ‬عمل‭ ‬الوسيط‭ ‬وتغطية‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬يخشى‭ ‬منها‭ ‬المتعاملون‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬التزامات‭ ‬الوسيط‭ ‬وشروط‭ ‬عمله‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬السرية‭ ‬وإضفاء‭ ‬قوة‭ ‬السند‭ ‬التنفيذي‭ ‬على‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬يتوصل‭ ‬إليها‭ ‬الأطراف‭ ‬بمساعدة‭ ‬الوسيط‭ ‬حيث‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاتفاق‭ ‬بالكيفية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭  ‬تنفيذ‭ ‬الأحكام‭ ‬القضائية‭.‬

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا