أصبحت الوساطةُ وسيلةً من الوسائلِ البديلةِ لتسويةِ المنازعاتِ ولاقت انتشارًا واسعًا في عددٍ من الدولِ المتقدمةِ كأستراليا وهونج كونج والولايات المتحدة الأمريكية وما زالت في مرحلةِ التعريف بها في منطقتِنا العربيَّة.
وهي كما ذكرنا وسيلةٌ بديلةٌ لتسويةِ المنازعاتِ أي بديلة عن القضاء العادي. وتشترك الوساطةُ كوسيلةٍ بديلة لتسوية المنازعات مع التحكيم في الأسباب التي دعت إلى اللجوء إليها ومنها على سبيل المثال:
1- بطء إجراءات التقاضي أمام القضاء العادي الذي أثقل كاهله كم القضايا وتعقيداتها نتيجة لتطور العلاقات والمعاملات الاقتصادية والمالية والاستثمارية فضلا عن استحداث كثير من أنظمة العلاقات التجارية والتخصصية عموما. لذلك أضحى الفصلُ في مثل هذه المنازعات يأخذ وقتًا طويلاً أمام القضاء العادي لا سيما بوجود درجتي التقاضي وإمكانية الطعن بالتمييز الأمر الذي لا يتفق مع عنصر السرعة في مثل هذه المعاملات.
2- تحاشي مبدأ علانية المحاكمات لدى القضاء العادي حفاظًا على سرية النزاع وهذا يُعدُّ من أهم الأسباب بالنسبة إلى الأطراف التي تكون سمعتها ومركزها محل اعتبار وثقة لدى المتعاملين معها أو حماية للأسرار التجارية والصناعية.
وامتازت الوساطة عن التحكيم في أسباب أخرى مهمة دعت إلى اللجوء إليها ومنها:
1- رغبة أطراف النزاع في الحفاظ على العلاقات الودية فيما بينهم.
2- تفادي القضاء العادي والتحكيم لعدم ضمان مخرجات الحكم النهائي.
3- تفادي الرسوم القضائية وأتعاب المحكمين الباهظة مقارنة بأتعاب الوساطة المنخفضة نسبيًّا. حيث تحتسب الرسوم القضائية وأتعاب المحكمين وفق قيمة النزاع أما الوساطة فعادة تحتسب أتعابها بالوقت المستغرق وتكلفة مكان الاجتماع.
4- يلتزم القضاء العادي والتحكيم بتطبيق القانون، في حين أن الوساطة تطبيق لما تم الاتفاق عليه رضائيًّا بين الأطراف والذي قد لا يعكس بالضرورة تطبيق القانون.
5- الوساطة تلبي حاجات وأهداف الأطراف لا الحقوق المكفولة لهم في العقد أو القانون. فالحاجات والأهداف قد تتجاوز الحقوق أو تقل عنها.
وبعد عرض أهم الأسباب التي دعت إلى اللجوء إلى الوساطة كوسيلة بديلة لفض المنازعات يتضح لنا الغاية من الوساطة وأهم مميزاتها التي لا تتوفر في التحكيم أو أي وسيلة أخرى لفض المنازعات. ونتطرق فيما يلي لمفهوم الوساطة هديًا بما تقدم.
مفهوم الوساطة:
الوساطة تعني المفاوضات التي تتم بواسطة طرف ثالث محايد ومستقل وهو الوسيط، بين طرفين متنازعين يساعدهما للتوصل إلى قرار مشترك لتسوية النزاع، وبخلاف مهمة المحكم أو القاضي فالوسيط ليس له سلطة فرض حكم ملزم للجانبين. وتتميز الوساطة بأنها نظام إرادي محض ابتداءً وانتهاءً.
1 - يسعى الوسيط من خلال ديناميكية المفاوضات إلى الوصول إلى حل يرضي طرفي النزاع تمهيدا لإنهاء الخلاف.
2 - يُدير الوسيط الاجتماع بين الفرقاء بشكل منتج وفعال عبر مهارات معينة ليستظهر المخرجات النهائية والمقبولة لديهم.
ينبني على ذلك أن الوسيط يجب أن يحوز ثقة طرفي الخلاف، كما يجب أن يتحلى بالحياد والاستقلالية وأن ينظر إلى مصالح الطرفين وألا تكون له أية مصلحة في النزاع حيث إن الثقة في الوسيط هي العنصر الأساسي لنجاح المفاوضات وبالتالي الوساطة ومن ثم الوصول إلى الهدف وهو إنهاء الخلاف.
ولا يترتب على الوساطة حكم ملزم للأطراف وإنما يتم تنفيذ ما توصلوا إليه رضائيا، إلا إذا تم تحرير اتفاق مكتوب وتم توقيعه أمام كاتب العدل وتم منحه الصيغة التنفيذية بمعنى أن الالتزامات المترتبة على الأطراف كنتيجة للوساطة يمكن الاتفاق على تنفيذها قضائيا أمام محكمة التنفيذ بالطريقة التي تتم فيها تنفيذ الأحكام القضائية في حال تخلف أحد الطرفين عن الوفاء بالتزاماته.
كما نؤكد معلومة مهمة يجب أن يأخذها الوسيط دائما بعين الاعتبار منذ بداية عملية الوساطة وحتى انتهائها: إن أساس الوساطة هو اتجاه إرادة الأطراف رضائياً لتسوية نزاعهم عن طريقها. فإرادة الأطراف هي المحرك الرئيسي الذي يدفع بعملية الوساطة. والوسيط يستمد ثقته ومكانته من هذه الإرادة لتسيير وإدارة عملية الوساطة بشكل إيجابي.
الفرق بين الوساطة والتحكيم:
التحكيم هو الاتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة، يبدأ التحكيم باتفاق بين الأطراف على إحالة أي خلاف ينشأ بينهما للفصل فيه إلى محكم أو محكمين أو مؤسسة تحكيم، وعند حدوث النزاع يتم اختيار المحكمين بالطريقة التي تم الاتفاق عليها في الاتفاق وبعد أن يتم التعيين يجتمع أطراف النزاع مع المحكمين ليوقعوا اتفاقية التحكيم التي تحدد اختصاص المحكمين والإجراءات والقانون الواجب التطبيق ومدة التحكيم واللغة وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالنزاع والإجراءات وغيرها. وينتهي التحكيم بحكم يمكن تنفيذه كأحكام القضاء حيث يلتزم المحكم أو المحكمون بقواعد المرافعات الواجبة التطبيق بحسب الاتفاق وبأحكام القانون ويمكن للأطراف الطعن على الحكم بالبطلان حتى ولو اتفقوا على اعتباره نهائيا إذا توافرت له أسباب الطعن بالبطلان.
في حين أن الوساطة كما سبق توضيحه هي عبارة عن مفاوضات تتم بمساعدة طرف ثالث والذي لا تكون له سلطة إصدار حكم ملزم للطرفين وإنما يكون دوره مساعدة الطرفين للوصول إلى حل مرضٍ لهما ثم إبرام اتفاق بينهما تتم بموجبه تسوية الخلاف ويتم تنفيذه بين الطرفين اختيارياً، في الوساطة ليست بالضرورة أن تنتهي المفاوضات بالاتفاق على تسوية الخلاف. ويمكن تنفيذ الاتفاق أيضا إذا اتفق الأطراف على منحه الصيغة التنفيذية بوصفه من المحررات الموثقة وتنفيذه عن طريق محكمة التنفيذ.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الوسيط شأنه شأن المحكم بالنسبة إلى الاختصاص والخبرة فلا يشترط أن يكون الوسيط من أهل القانون ولكن إلمامه بالقانون سيعطيه بلا شك أفضلية وإلمام أكثر بالتبعات القانونية لعملية الوساطة وذلك من شأنه إثراء عملية الوساطة وإنارة الأطراف.
لكن الأكيد أنه يشترط في الوسيط التمكن من مهارات الوساطة وكيفية إدارتها بشكل تسلسلي سليم فضلا عن ضرورة إلمامه بمهارات التواصل الإيجابي مع الأطراف.
هل يجوز الجمع بين الوساطة والتحكيم؟
يتبادر هذا السؤال لدى البعض حول مدى إمكانية الجمع بين وسيلتين بديلتين لتسوية المنازعات في نزاع واحد. والجواب على ذلك أنه لا تعارض بينهما ومن باب أولى لا تعارض في الجمع بين الوساطة والقضاء العادي.
حيث إن الوساطة من المفترض اللجوء إليها كأول وسيلة أو خطوة لحل النزاع قبل اللجوء إلى القضاء أو التحكيم تفاديا للرسوم القضائية وأتعاب المحكمين الباهظة مقارنة بأتعاب الوساطة المنخفضة نسبيًّا. أو للحفاظ على العلاقات الودية وغير ذلك مما ذكرناه سابقا في الأسباب التي دعت إلى اللجوء إلى الوساطة.
فعند فشل الوساطة يتم عندئذ إعمال شرط تسوية النزاع المذكور في العقد الذي قد يحيل النزاع إلى القضاء العادي أو التحكيم بحسب اتفاق الطرفين.
لذلك، يتم في الدول التي انتشر لديها مفهوم الوساطة إدراج فقرة جديدة تحت بند تسوية النزاعات يُذكر فيها اللجوء إلى الوساطة كأول وسيلة لتسوية النزاع. وقد يتم الاتفاق على وسيط معين أو على وساطة مؤسسية كما هو الحال بالنسبة إلى التحكيم. كما يتم كذلك الاتفاق على اللجوء إلى الوساطة في اتفاق منفصل في حال عدم الاتفاق عليه في العقد.
خصوصية المجتمع العربي هل تقبل الوساطة؟
يتميز المجتمع العربي عن بقية المجتمعات بطابع اجتماعي راسخ بين أفراده. فالعوامل المشتركة في المجتمع العربي كالدين والنسب والعادات والتقاليد لا مثيل لها في المجتمعات الأخرى والتي قد تتسم غالبا بنوع من الجفاء والمادية في العلاقات بين أفراده.
وقد تشكل هذه الخصوصية للمجتمع العربي عاملا إيجابيا أو سلبيا بالنسبة إلى مفهوم الوساطة. فهذه الخصوصية التي في أحيان يضاف إليها عامل الانكفاء على النفس واستهجان كل ما هو غريب قد تحول بين تبني المفاهيم الجديدة وانتشارها في المجتمع العربي لا سيما إن كانت مستوردة من الغرب في ظاهرها.
فجوهر الوساطة ليس بغريب عن طباع وعادات مجتمعنا العربي البسيط، بل وتطبق الوساطة تلقائياً وبعفوية على مستوى الخلافات العائلية، ولكن بالطبع ليس بالطريقة المهنية التي نحن بصددها الآن. فالخلاف بين زوجين يتم حله غالباً عن طريق وسيط من أسرة الزوجين. والأمر نفسه بالنسبة إلى الخلاف داخل العائلة أو القبيلة الواحدة فيتولى الأكبر سناً حل الإشكال.
فإن كانت الوساطة بمفهومها الحالي لا تطبق في المجتمع العربي إلا أن هناك أمرا آخر يطبق لتسوية النزاعات في المجتمع العربي ومُقارب في مفهومه للوساطة أو أحيانا للتحكيم. ويتفق ما يطبق في المجتمع العربي مع الوساطة في الحفاظ على سرية الخلاف الناشئ على سبيل المثال بين الزوجين أو داخل العائلة أو القبيلة الواحدة حيث إن الحفاظ على السمعة الحسنة والعلاقات الودية هي الغاية في الأعم الأغلب في مجتمعنا المحافظ.
إن الموروث الثقافي لمجتمعنا العربي يزخر بالنماذج سواء في القرآن والسنة أو في آثار السابقين التي تحث على التسوية الودية بين المتنازعين ونبذ الفرقة والاختلاف وهذه هي رسالة الأنبياء والرسل والهم الذي حمله المصلحون في كل الأزمنة.
كما جاء الإسلام بثقافة إصلاح ذات البين والحث عليه وقرنه بالتقوى وجعله مما يتقرب به المسلم لله عز وجل، وورد ذلك في مواضع كثيرة من القرآن والسنة ومنها على سبيل المثال:
* قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون).
* قال تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم).
* الحديث الشريف: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين».
* الحديث الشريف: «ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلقِ حسن».
فثقافتنا تحثنا على اتخاذ موقف إيجابي إزاء المتنازعين بمحاولة التقريب فيما بينهم فليس من المقبول لدينا التفرج على النزاعات وأجزم بأن الكثير منكم قد مر في مثل هذا الموقف فحاول بأسلوبه تلطيف خلاف في أسرته أو بين أصدقائه والتخفيف من حدته.
إذن، نستنتج مما سبق: أن ثقافة الوساطة بمفهومها البسيط مُفعلة ضمن العلاقات الاجتماعية في مجتمعنا العربي وتجد أساسها في الموروث الثقافي العربي والإسلامي. وبقي تفعيلها في إطار العلاقات المختلفة في المجتمع كالعلاقات التجارية والعمالية. وهذا يستدعي بذل مزيد من الجهود لزيادة الوعي.
وأعتقد أنه من السابق لأوانه الحكم الآن على مدى تقبل مجتمعنا العربي لمفهوم الوساطة وعلى الأخص في نطاق العلاقات التجارية حيث إنها ما زالت في مرحلة التعريف بها.
فجميعنا يتذكر كم من الوقت احتجنا لتقبل فكرة التحكيم وكان ذلك نتاج ورش عمل وندوات وحلقات علمية على مدى سنوات وترتب على تقبل فكرة التحكيم تبنيها في معظم العقود، بل أصبح شرط التحكيم ضمن الشروط الأساسية في العقود التجارية النموذجية. كما ترتب على تقبل فكرة التحكيم إدراجها كمادة علمية في مقررات كليات الحقوق في معظم الدول العربية فأصبحت الأجيال الجديدة مهيأة لتطبيقها.
مراحل الوساطة الأساسية:
تمر عملية الوساطة بخمس مراحل رئيسية تكفل تهيئة كل من الوسيط والأطراف لبدء عملية الوساطة وتطبيقها بشكل فعال يحقق الغاية منها.
إلا أن العبء الأكبر يقع على عاتق الوسيط في كل هذه المراحل. فهو يسبق الأطراف في قراءة كل المستندات والوقوف على ادعاءات وحجج الطرفين ليس من أجل الحكم فيها، بل لفهم النزاع وخلفيته جيداً وهذا ما سيساعده في استنباط بعض المقترحات وكذلك لفهم آراء الأطراف التي قد تستجد أثناء عملية الوساطة.
وعلى الوسيط خلال مراحل الوساطة التواصل بشكل مهني وحيادي مع الأطراف وأن يحافظ طوال الوقت على مركزه المستقل وتعامله الإيجابي المتزن.
أولا: المرحلة التحضيرية: وفي هذه المرحلة يقوم الوسيط بالاجتماع مع الأطراف بشكل منفصل أو مجتمع أو حتى عبر الهاتف وذلك بغرض جمع أكبر قدر من المعلومات وللإجابة عن أي تساؤلات قد تكون لدى الوسيط بعد اطلاعه على الأوراق ويستطيع كذلك في هذه المرحلة ترتيب الأمور الإجرائية فيما يتعلق بجدول الاجتماعات والجدول الزمني وآلية تبادل المستندات.
ثانيا: المرحلة التمهيدية: تبدأ هذه المرحلة مع بدء إجراءات الوساطة حيث يجتمع الوسيط فيها مع الأطراف ويلقي كلمته الافتتاحية ويوضح لهم آلية عمل الوساطة ومراحلها والقواعد التي يجب على الجميع التقيد بها أثناء الوساطة.
ثالثا: مرحلة التفاهم المتبادل: يساعد الوسيط الأطراف على فهم مسائل النزاع بشكل أفضل بحسب وجهة نظر كل طرف. فيطلب من كل طرف توضيح وجهة نظره وللوسيط فقط توجيه أي أسئلة استيضاحية للطرف المتحدث. إن الغرض من هذه المرحلة هو تحقيق الإقرار المتبادل ضمنياً من قبل الأطراف لأساس المشكلة التي طرحها كل طرف. حينها يستطيع الأطراف تحديد المشاكل التي يعانون منها بوضوح والتي في الغالب قد تختلف عن ما هو مكتوب في المستندات.
رابعا: مرحلة التفاوض: تعد أهم مرحلة في الوساطة حيث يستخدم الوسيط مهاراته لمساعدة الأطراف لتحديد وسبر خيارات التسوية. وعلى الوسيط محاولة تجاوز أي عقبة أو طريق مسدود قد يفرضه طرف على آخر.
خامسا: مرحلة الاتفاق: يقوم الوسيط في هذه المرحلة بإيجاز العروض المقدمة من كل طرف لتسوية النزاع وعليه التأكد من كتابة ما تم الاتفاق عليه في شكل اتفاق. ويجوز للوسيط في هذه المرحلة الاستفسار من الأطراف عما إذا كان هناك أي أمر تم إغفاله. ولا يشترط في هذه المرحلة أن يتم الاتفاق على كل المسائل العالقة ويكفي تدوين ما تم الاتفاق عليه مع ترحيل المسائل العالقة لاجتماع آخر أو في المستقبل القريب بحسب رغبة الأطراف.
إجراءات الوساطة:
1- بصورة عامة تبدأ الإجراءات بقيام الوسيط بدعوة الطرفين إلى الجلوس معا على طاولة واحدة مع الوسيط، سواء كانت الوساطة في مركز للوساطة أو مع وسيط مستقل يثق به أطراف النزاع.
2- افتتاح إجراءات الوساطة من قبل الوسيط حيث يتم استعراض الخلاف بين الأطراف وشرح وجهة نظر كل طرف بحياد تام، وقد يحضر الأطراف شخصيا أو مع الوكلاء بحسب طبيعة الخلاف.
3- تقديم الأطراف لوجهة نظرهما ويجب أن يسمح الوسيط لكل منهما بوقت كاف ليوضح وجهة نظره وأسانيده وأسبابه.
4- بعد ذلك يأتي دور الوسيط في التفاوض ويكون ذلك باستخدام عدد من المعايير أهمها:
* الإيضاح للطرفين بأهمية التعاون واستمرار العلاقات بينهما وأن ذلك يكون أفضل من قطع العلاقات إذا استمر الخلاف وكذلك احتمال أن يضع الأطراف أنفسهم في طريق مسدود لن يعود على أي منهما بمنفعة.
* يقوم الوسيط بتصنيف الأمور الخلافية بحسب أهميتها ويمكن استخلاصها من الحديث مع الطرفين وأن يتم استشفاف الأمور التي يمكن أن يتم عليها التوافق. ويؤجل التطرق إلى المسائل الحساسة والتي قد تؤدي إلى تنافر الطرفين.
* وضع وتحديد البدائل إذ إنه وحتى على افتراض أن الطرفين يرغبان في إنهاء الخلاف إلا أنه يجب تحديد البدائل المحتملة التي يمكن أن يوافقوا عليها وأنه قد تخطر للوسيط عدة أفكار بشأن البدائل إلا أنه يجب أن ينتظر حتى يتقدم الأطراف باقتراحاتهم لأنه بطبيعة الحال تكون لديهم معلومات أكثر تمكنهم من وضع الحلول التي بإمكانهم قبولها، كما أنه يجب أن يتجنب الوسيط أن يضع أحد الأطراف في موقف يحتم عليه رفض اقتراحاته كوسيط في حضور الطرف الآخر، حيث إن الاقتراحات إذا جاءت من الأطراف أنفسهم تكون أفضل ففي حال رفضها من الطرف الآخر حيث يكون بإمكان الوسيط أن يتدخل للتهدئة ولتقديم اقتراحات أخرى من جهته تأخذ في الاعتبار وجهة نظر الطرفين وسقف التنازلات المحتملة.
* ما يرى الوسيط اتباعه لمنع الوصول إلى طريق مسدود وهنا يجب على الوسيط أن يتقمص دور المستمع المتعاطف مع كل طرف (empathic listener ) ثم بعد ذلك ينتقل إلى دور وكيل للواقع (agent of reality) وأن تكون نصيحته للأطراف «أن الحل لن يكون ممكنا من دون أن يتم النظر إلى الموضوع بمرونة واستعداد لبعض التنازلات من قبل الطرفين».
* ثم بعد ذلك تأتي الاجتماعات بين الوسيط وكل طرف على حده وهو ما يسمى (caucuses) حيث يقوم الوسيط بالاجتماع منفردا مع كل طرف على حدة من أجل تخفيف حدة الانفعالات ومحاولة بناء الثقة بين الطرفين وطرح البدائل من أجل الوصول إلى نتيجة واقعية تتفق مع مصالح الطرفين وتحافظ على استمرارية العلاقات بينهما والابتعاد بهما عن الحدود التي تؤدي إلى تأجيج الغضب والخلاف.
كما أنه يجب على الوسيط أن يتأكد من خلال الاجتماعات المنفردة معهما من الأمور السرية التي لا يرى الطرف أن يتم إبلاغ الطرف الآخر بها في أثناء ذلك يجب على الوسيط أن يحافظ على الثقة بينه وبين كل طرف على حدة وذلك من أجل الوصول معهم إلى الاتفاق.
الاتفاقية:
يقوم الوسيط بتحديد النقاط التي يمكن أن يتفق عليها الطرفان وذلك من أجل الانتقال إلى مرحلة الاتفاق حيث يقوم بإعداد صيغة التسوية المقترحة وتتم مراجعتها مع الطرفين أو مع وكلائهما ويتم إجراء التعديلات إلى أن يتم الاتفاق على الصيغة النهائية وإذا تم التوقيع يتم تنفيذ الاتفاق رضائيا بين الأطراف.
وقد يتم تضمين الاتفاق بندا ينص على إعطائه الصيغة التنفيذية بمعنى أنه يمكن تنفيذه مباشره أمام محكمة التنفيذ مثل الأحكام الصادرة من المحاكم وذلك بعد الختم عليه بالصيغة التنفيذية وإدخاله إلى محكمة التنفيذ لتنفيذه كحكم وذلك في حالة عدم تنفيذه رضائيا من الأطراف.
هل يمكن أن تكون وسيلة لحل النزاع:
إن الوساطة وسيلة فعالة وسريعة ومعقولة التكاليف إذا تمت مقارنتها بإجراءات التقاضي العادية أو بالتحكيم وفي ولاية نيويورك يتم تحويل القضايا الصغيرة المتعلقة بالتأمين على حوادث السيارات إلى الوساطة حيث يتم الانتهاء منها في وقت قصير بعيدا عن إجراءات التقاضي العادية ويتم تسوية المطالبات عن طريق الوساطة ويتم تنفيذ الاتفاق على الفور.
بعض التحفظات من المتعاملين:
من خلال التجارب العملية في منطقتنا فإن مفهوم الوساطة كوسيلة بديلة لحل النزاع مازالت تحتاج إلى دعم لتوضيح مفهوم الوساطة وإيجابياتها التي لا تتوافر في التحكيم والقضاء العادي.
من أجل أن تأخذ الوساطة دورا كأداة من أدوات الفصل في الخلافات يتعين أن يقتنع بها الأفراد كوسيلة فاعلة لحل الخلافات ومن جهة أخرى أن تُوفر لها حماية قانونية من قبل المشرع في أي نظام قانوني.
الوساطة بحاجة إلى ترويج إعلامي قانوني لها من قبل الأوساط الاقتصادية والتجارية والرسمية كذلك، بإمكان الوساطة أن تلعب دورا في توفير الوقت والأموال عند تسوية الخلافات. بطبيعة الحال تحتاج إلى أشخاص مؤهلين يتمتعون بالسمعة الطيبة وبمعرفة إدارة الحوار ولديهم الخلفية القانونية والأمر الأهم أن يكونوا محل ثقة الأطراف.
وقد تدخل المشرع في مملكة البحرين بموجب المرسوم بقانون رقم 22 لسنة 2019 بشأن الوساطة لتسوية المنازعات وذلك لتنظيم أحكام الوساطة ويترتب على ذلك إضفاء الشرعية على إجراءات الوساطة ووضع معالم الطريق للوسطاء والأطراف بالنسبة إلى إجراءات الوساطة وضوابط عمل الوسيط وتغطية الجوانب التي يخشى منها المتعاملون والتي من أهمها التزامات الوسيط وشروط عمله والمحافظة على السرية وإضفاء قوة السند التنفيذي على الاتفاقيات التي يتوصل إليها الأطراف بمساعدة الوسيط حيث يترتب على ذلك تنفيذ الاتفاق بالكيفية التي يتم فيها تنفيذ الأحكام القضائية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك