العدد : ١٦٨٥٧ - السبت ١٨ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٧ - السبت ١٨ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

أخبار البحرين

التعليم بين الأمس واليوم (1-2)
مقارنة آراء المدرسين المتقاعدين والشباب حول المنظومة التعليمية بين الماضي والحاضر

تحقيق: محمد الساعي

الأحد ١٨ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

لا‭ ‬تفتأ‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬بالمملكة‭ ‬تشهد‭ ‬تطورات‭ ‬متلاحقة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬دؤوبة‭ ‬لمواكبة‭ ‬تلك‭ ‬التغيرات‭ ‬والتطورات‭ ‬المتسارعة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الميادين‭ ‬والمجالات‭.  ‬

ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬الهام‭ ‬هنا،‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬يفرضها‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬ككل؟‭. ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬هل‭ ‬ساهمت‭ ‬تلك‭ ‬التغييرات‭ ‬والتطورات‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالمناهج‭ ‬وبقدرات‭ ‬الطلاب‭ ‬وبقدر‭ ‬المعلم‭ ‬وبمكانته‭ ‬المجتمعية‭.‬

في‭ ‬السبعينيات‭ ‬والثمانينيات‭ ‬كان‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬معدل‭ ‬88%‭ ‬من‭ ‬أصعب‭ ‬الطموحات‭ ‬التي‭ ‬يحلم‭ ‬بها‭ ‬الطالب‭. ‬ومن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬معدل‭ ‬85%‭ ‬كانت‭ ‬تفتح‭ ‬له‭ ‬فرص‭ ‬جامعية‭ ‬متعددة‭. ‬واليوم‭ ‬أصبح‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬معدلات‭ ‬تفوق‭ ‬الـ‭ ‬95%‭ ‬أمرا‭ ‬اعتياديا‭ ‬وليس‭ ‬بالعسير‭. ‬فهل‭ ‬تطورت‭ ‬قدرات‭ ‬الطلاب‭ ‬وامكانياتهم‭ ‬العقلية‭ ‬والتحصيلية‭ ‬بتطور‭ ‬المناهج‭ ‬وأدوات‭ ‬التعليم؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬للأمر‭ ‬أبعادا‭ ‬أخرى‭. ‬

في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬المدرس‭ ‬يشرح‭ ‬الدرس‭ ‬للطلاب،‭ ‬ليعود‭ ‬الطالب‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬وينجز‭ ‬واجباته‭ ‬بمفرده،‭ ‬ونادرا‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬الى‭ ‬مساعدة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬ثالث‭. ‬واليوم‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬طالب‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬تحديدا‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الإعدادية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬كتابة‭ ‬سطر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دعم‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬الأب‭ ‬وتدريسهم‭ ‬له‭ ‬طوال‭ ‬اليوم،‭ ‬وشرح‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬شرحه‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭. ‬وهذا‭ ‬سؤال‭ ‬آخر‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭: ‬أين‭ ‬المشكلة؟

في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬الابتدائي‭ ‬يدرس‭ ‬الأساسيات‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬‮«‬مع‭ ‬سحر‭ ‬قلم‮»‬‭ ‬و«حمد‭ ‬أخو‭ ‬سحر‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬المناهج‭ ‬خفيفة‭ ‬تناسب‭ ‬سنه،‭ ‬واليوم‭ ‬بات‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬الابتدائي‭ ‬يدرس‭ ‬تاريخ‭ ‬الجاهلية‭ ‬والطقس‭ ‬والترمومتر‭ ‬ومقاييس‭ ‬المطر‭ ‬ودوران‭ ‬الرياح‭ ‬واستخدامات‭ ‬التربة‭ ‬والتلوث‭ ‬وعملية‭ ‬التدوير‭ ‬والمصطلحات‭ ‬والمعلومات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬تدرس‭ ‬لمراحل‭ ‬متقدمة‭. ‬فهل‭ ‬يرتقي‭ ‬هذا‭ ‬بقدرات‭ ‬الطلاب‭ ‬أم‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬آثار‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬شغفهم‭ ‬بالدراسة‭ ‬وحبهم‭ ‬للذهاب‭ ‬الى‭ ‬المدرسة؟

في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬طالب‭ ‬الأول‭ ‬الابتدائي‭ ‬يحمل‭ ‬عددا‭ ‬محدودا‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬الخفيفة‭ ‬والمصاغة‭ ‬بطريقة‭ ‬بسيطة‭. ‬واليوم‭ ‬يضطر‭ ‬الى‭ ‬حمل‭ ‬ودراسة‭ ‬12‭-‬14‭ ‬كتابا‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي‭ ‬الواحد،‭ ‬مثل‭ ‬العربي‭ ‬والعلوم‭ ‬والريادة‭ ‬والرياضيات‭ ‬والإنجليزي‭ ‬والحساب‭ ‬الذهني‭ ‬والتربية‭ ‬البيئية‭ ‬والتربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمواطنة‭ ‬والقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وبراعم‭ ‬العربية‭ ‬وغيرها‭. ‬وبعض‭ ‬المواد‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬وكراسة،‭ ‬كالعربي‭ ‬والإنجليزي‭ ‬والمواطنة‭ ‬والعلوم‭. ‬فهل‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الطالب؟

في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬المعلم‭ ‬هو‭ ‬الأب‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬يتولى‭ ‬مهمة‭ ‬التربية‭ ‬قبل‭ ‬التعليم‭. ‬وله‭ ‬صلاحيات‭ ‬كثيرة‭ ‬تعززها‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬والاحترام‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحظى‭ ‬به‭. ‬فهل‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬المعلم‭ ‬يتمتع‭ ‬بهذه‭ ‬الحظوة‭.  ‬

قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬الإشكالية‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬او‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬بقدر‭ ‬ماهي‭ ‬تغيرات‭ ‬تفرضها‭ ‬الظروف‭ ‬والتطورات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وفي‭ ‬المجالات‭ ‬كافة‭. ‬

 

رحلة‭ ‬زمنية

‮«‬هل‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬يعتبر‭ ‬تطويرا‭ ‬أم‭ ‬تغييرا؟‮»‬

سؤال‭ ‬طرحه‭ ‬أحد‭ ‬الأساتذة‭ ‬ونحن‭ ‬نناقش‭ ‬معه‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭. ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬سؤال‭ ‬تحتاج‭ ‬إجابته‭ ‬الى‭ ‬دراسات‭ ‬متعمقة‭. ‬

أستاذ‭ ‬آخر‭ ‬عندما‭ ‬ناقشنا‭ ‬معه‭ ‬موضوع‭ ‬التعليم،‭ ‬أكد‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬التدريس‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يطيق‭ ‬الاستمرار،‭ ‬وقرر‭ ‬التقاعد،‭ ‬وسبب‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬لخصه‭ ‬هو‭: ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬التعليم‭ ‬اليوم‭ ‬يخّرج‭ ‬كفاءات،‭ ‬وانما‭ ‬‮«‬جسد‭ ‬له‭ ‬خوار‮»‬‭.‬

إحدى‭ ‬الأمهات‭ ‬تقول‭: ‬إن‭ ‬بدء‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬أشبه‭ ‬بإجازة‭ ‬للأم‭ ‬تحديدا،‭ ‬حيث‭ ‬تحظى‭ ‬بوقت‭ ‬فراغ‭ ‬وراحة‭ ‬طوال‭ ‬الصباح،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬المساء‭ ‬ينشغل‭ ‬الأبناء‭ ‬بواجباتهم‭ ‬ولعبهم‭. ‬ولكن‭ ‬انقلبت‭ ‬الصورة‭ ‬اليوم،‭ ‬فبدء‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي‭ ‬بحسب‭ ‬قولها‭ ‬هو‭ ‬كابوس‭ ‬تعانيه‭ ‬الأمهات‭ ‬تحديدا،‭ ‬لأن‭ ‬مسؤولياتهن‭ ‬تتضاعف،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬الأبناء‭ ‬من‭ ‬المدرسة،‭ ‬لتبدأ‭ ‬هي‭ ‬معهم‭ ‬مشوار‭ ‬الأنشطة‭ ‬وشرح‭ ‬الدروس‭ ‬ومتابعة‭ ‬التحصيل‭ ‬الدراسي‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬جعلنا‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ننتقل‭ ‬برحلة‭ ‬زمنية‭ ‬حول‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم،‭ ‬بين‭ ‬ثلاثة‭ ‬أو‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬مضت‭ ‬وبين‭ ‬اليوم‭. ‬وفي‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬الزمنية‭ ‬نلتقي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬المتقاعدين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬طلابا‭ ‬ثم‭ ‬مدرسين‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬والثمانينيات‭ ‬والتسعينيات،‭ ‬واستمروا‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬حتى‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬مضت‭. ‬وهم‭ ‬الأقدر‭ ‬على‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم‭. ‬

وفي‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬نلتقي‭ ‬مجموعة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬المدرسين‭ ‬الشباب‭ ‬لنعرف‭ ‬رأيهم‭ ‬عن‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬اليوم‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بالسابق‭.‬

نظام‭ ‬التعليم

بعد‭ ‬26‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬التدريس،‭ ‬قرر‭ ‬الأستاذ‭ ‬حسن‭ ‬الملاح‭ ‬التقاعد‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬عطائه‭ ‬وشبابه‭. ‬ويختصر‭ ‬السبب‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬ضقت‭ ‬ذرعا‭ ‬بالوضع‮»‬‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬المواصلة‭. ‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬دفعنا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬نتوقف‭ ‬عنده‭ ‬كمحطة‭ ‬أولى‭ ‬في‭ ‬رحلتنا‭ ‬الزمنية‭ ‬للتعليم‭ ‬بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم‭. ‬ونطلب‭ ‬منه‭ ‬مقارنة‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ ‬والتسعينات‭.. ‬والوقت‭ ‬الراهن‭. ‬وننطلق‭ ‬في‭ ‬مقارنتنا‭ ‬بالمناهج‭ ‬التعليمية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أجاب‭ ‬عنه‭ ‬بقوله‭: ‬الامر‭ ‬الطبيعي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬المناهج‭ ‬وتتغير‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الطبيعي‭ ‬ولا‭ ‬المقبول‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬التغير‭ ‬للوراء،‭ ‬وان‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناهج‭ ‬تراجع‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬ضعف‭ ‬المهارات‭ ‬لدى‭ ‬الطلاب،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬طرق‭ ‬الإعداد‭. ‬وعندما‭ ‬نتمحص‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناهج‭ ‬نرى‭ ‬ان‭ ‬التغيير‭ ‬لم‭ ‬يبن‭ ‬للأسف‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمية‭ ‬صحيحة،‭ ‬وانما‭ ‬على‭ ‬ذوقيات‭ ‬واستحسانات،‭ ‬فمثلا‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬كتابان‭ ‬لمادة‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬ومع‭ ‬التطوير‭ ‬الغيا‭ ‬وصار‭ ‬هناك‭ ‬كتاب‭ ‬واحد‭ ‬للمسار‭ ‬التجاري‭ ‬فقط،‭ ‬وبالاطلاع‭ ‬عليه‭ ‬يمكنني‭ ‬التأكيد‭ ‬انه‭ ‬كتاب‭ ‬ممسوخ‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الا‭ ‬العنوان،‭ ‬وفيه‭ ‬خلط‭ ‬للمفاهيم‭ ‬وتجميع‭ ‬مشوه‭ ‬لمعلومات‭ ‬متكررة‭ ‬لكتب‭ ‬أخرى‭. ‬وهذه‭ ‬العشوائية‭ ‬خلقت‭ ‬ازمة‭ ‬للطالب‭. ‬والامر‭ ‬نفسه‭ ‬ينسحب‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المناهج‭ ‬منذ‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭. ‬والسؤال‭ ‬هنا‭: ‬لماذا‭ ‬نتخلى‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬مجرب‭ ‬اثبت‭ ‬فعاليته‭ ‬بأمر‭ ‬يسبب‭ ‬عقدا‭ ‬للطلاب؟‭ ‬فالتطوير‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬نتخلى‭ ‬عن‭ ‬جوانب‭ ‬فعالة‭ ‬اثبتت‭ ‬نجاحها‭. ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬يطالب‭ ‬نظام‭ ‬التقويم‭ ‬ان‭ ‬يراعي‭ ‬المراقي‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬كالتحليل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬المنهج‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬

*ماذا‭ ‬عن‭ ‬قدرات‭ ‬الطلاب‭ ‬أنفسهم‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر؟

**في‭ ‬رأيي،‭ ‬وبسبب‭ ‬هذا‭ ‬التخبط‭ ‬في‭ ‬المحتوى،‭ ‬صار‭ ‬الطالب‭ ‬يشعر‭ ‬بالإرهاق‭ ‬والتعب‭ ‬منذ‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية،‭ ‬يحفظ‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭. ‬وهذا‭ ‬مالم‭ ‬نعاني‭ ‬منه‭ ‬قبل‭ ‬عقدين‭ ‬او‭ ‬ثلاثة‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الطالب‭ ‬يرتقي‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬التهجي‭ ‬والمعلومات‭ ‬الأساسية‭ ‬البسيطة‭ ‬والقصص‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬القيم‭ ‬لديه‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬نجد‭ ‬حشوا‭ ‬مبالغا‭ ‬في‭ ‬المعلومات‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬الابتدائي‭ ‬بشكل‭ ‬يجبر‭ ‬الطالب‭ ‬على‭ ‬الحفظ‭ ‬لا‭ ‬الفهم‭. ‬

*ربما‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يقودنا‭ ‬الى‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬حاجة‭ ‬الطلاب‭ ‬الى‭ ‬المساعدة‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مألوفا‭ ‬من‭ ‬قبل؟

**الأسباب‭ ‬هنا‭ ‬مختلفة،‭ ‬فمن‭ ‬جانب‭ ‬لا‭ ‬ننفي‭ ‬القصور‭ ‬من‭ ‬المعلمين‭ ‬أنفسهم‭. ‬ولكن‭ ‬بنفس‭ ‬الوقت‭ ‬المعلم‭ ‬هو‭ ‬ضحية‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬أيضا،‭ ‬حيث‭ ‬يفرض‭ ‬عليه‭ ‬سقف‭ ‬زمني‭ ‬ومحتوى‭ ‬محشو،‭ ‬ووثائق‭ ‬تثبت‭ ‬كل‭ ‬خطواته،‭ ‬مما‭ ‬حول‭ ‬عمله‭ ‬ورقا‭ ‬وإثباتات‭. ‬ثم‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للمعلم‭ ‬ان‭ ‬يقنع‭ ‬الطالب‭ ‬بمحتوى‭ ‬فارغ؟‭ ‬

أضف‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬التعليم‭ ‬نفسه‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬فعندما‭ ‬ننظر‭ ‬الى‭ ‬اليات‭ ‬التقويم‭ ‬نجد‭ ‬انها‭ ‬لا‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬قدرات‭ ‬الطالب‭ ‬داخل‭ ‬الصف،‭ ‬وانما‭ ‬على‭ ‬أنشطة‭ ‬يمكن‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬جاهزة،‭ ‬فهناك‭ ‬مكتبات‭ ‬تبيع‭ ‬البحوث‭ ‬والواجبات‭ ‬تحت‭ ‬علم‭ ‬الوزارة،‭ ‬بدليل‭ ‬ان‭ ‬الإعلانات‭ ‬موجودة‭ ‬علنا‭! ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬التفاعل‭ ‬الصفي‭ ‬والمنافسة‭ ‬يلعبان‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬التقييم‭.‬

نعم‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كانت‭ ‬اعمال‭ ‬السنة‭ ‬تمثل‭ ‬15%‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬النهائية،‭ ‬وتطور‭ ‬الامر‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفعت‭ ‬النسبة‭ ‬الى‭ ‬50%‭ ‬أحيانا‭. ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬جيدة،‭ ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭. ‬فتوزيع‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬أنشطة‭ ‬لا‭ ‬تسمن‭ ‬ولا‭ ‬تغني‭ ‬من‭ ‬جوع،‭ ‬وتعتمد‭ ‬في‭ ‬جلها‭ ‬على‭ ‬النقل‭ ‬والمعلومات‭ ‬السطحية‭ ‬او‭ ‬على‭ ‬شرائها‭ ‬جاهزة‭ ‬كما‭ ‬أسلفت‭.   ‬

ومن‭ ‬المشكلات‭ ‬أيضا‭ ‬‭ ‬يتواصل‭ ‬الحديث‭ ‬للأستاذ‭ ‬حسن‭ ‬الملاح‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬التنافس‭ ‬والتسابق‭ ‬حاليا‭ ‬بات‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬المعدلات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬امر‭ ‬آخر،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المحتوى‭ ‬والتحصيل‭. ‬وهنا‭ ‬نعود‭ ‬أيضا‭ ‬الى‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬التقويم‭. ‬بل‭ ‬أن‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬الرسوب‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬صرامة‭ ‬من‭ ‬التفوق‭! ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬المخرجات‭. ‬

أضف‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬العوائل‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬مستويات‭ ‬الطلاب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الابوة‭ ‬والأمومة‭ ‬المفرطة‭. ‬فبدل‭ ‬تعليم‭ ‬الطفل‭ ‬المسؤولية‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس،‭ ‬صاروا‭ ‬يعلمونه‭ ‬الاتكالية‭ ‬وتوفير‭ ‬المساعدة‭ ‬والأنشطة‭ ‬الجاهزة‭ ‬والدروس‭ ‬الخاصة‭. ‬

*ولكن‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬شهدنا‭ ‬ارتفاعا‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬المخرجات‭ ‬التعليمية‭ ‬بدليل‭ ‬ان‭ ‬الحاصلين‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬95%‭ ‬بالمئات‭. ‬الا‭ ‬يعكس‭ ‬ذلك‭ ‬تطور‭ ‬قدرات‭ ‬الطلاب‭ ‬وتضاعف‭ ‬كفاءة‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية؟

**هنا‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الإشارة‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬المعدل‭ ‬التراكمي‭ ‬يعتبر‭ ‬امرا‭ ‬إيجابيا‭ ‬لأنه‭ ‬يضمن‭ ‬الا‭ ‬يضيع‭ ‬جهد‭ ‬الطالب‭ ‬ولا‭ ‬تتأثر‭ ‬نتائجه‭ ‬إذا‭ ‬واجه‭ ‬ظرفا‭ ‬طارئا‭ ‬في‭ ‬التوجيهي‭ ‬مثلا‭. ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬جوانب‭ ‬أخرى‭ ‬ضيعت‭ ‬هذه‭ ‬الإيجابيات‭. ‬فالمشكلة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الطلاب‭ ‬وانما‭ ‬في‭ ‬مفردات‭ ‬التقويم‭ ‬التي‭ ‬اوصلتهم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬بحيث‭ ‬ارتقى‭ ‬نظام‭ ‬التقويم‭ ‬بدرجات‭ ‬الطالب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يرتقي‭ ‬بقدراتهم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يستفيدوا‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬بدليل‭ ‬ان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬عندما‭ ‬يدخلون‭ ‬الجامعة‭ ‬يصدمون‭ ‬بالواقع‭ ‬ويحتاجون‭ ‬الى‭ ‬سنة‭ ‬تمهيدية‭! ‬وهذا‭ ‬مالم‭ ‬يكن‭ ‬موجودا‭ ‬في‭ ‬السابق‭. ‬

لذلك‭ ‬اقولها‭ ‬وانا‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬80%‭ ‬أو‭ ‬85%‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬أقوى‭ ‬وأكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬ممن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬99%‭ ‬اليوم،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يتخرج‭ ‬ولا‭ ‬يحقق‭ ‬ذلك‭ ‬المعدل‭ ‬الا‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ (‬تحكه‭) ‬المنظومة‭ ‬التعلمية‭ ‬بالكامل‭.‬

*في‭ ‬رأيك،‭ ‬هل‭ ‬تغير‭ ‬الأمر‭ ‬أيضا‭ ‬بالنسبة‭ ‬الى‭ ‬المعلمين‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القدرات‭ ‬او‭ ‬المكانة‭ ‬الاجتماعية؟

**هناك‭ ‬تغير‭ ‬كبير‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الكفاءة‭ ‬أو‭ ‬الطموح‭ ‬أو‭ ‬الجانب‭ ‬العلمي‭ ‬أو‭ ‬المكانة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ففي‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬المعلم‭ ‬يقوم‭ ‬بدوره‭ ‬كرسالة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وظيفة،‭ ‬والآن‭ ‬تحولت‭ ‬الى‭ ‬مهنة‭ ‬لا‭ ‬رسالة‭. ‬

ربما‭ ‬ان‭ ‬الأساتذة‭ ‬السابقين‭ ‬كانوا‭ ‬قساة‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬ولكنهم‭ ‬ربوا‭ ‬أجيالا‭ ‬وزرعوا‭ ‬فيهم‭ ‬القيم‭ ‬والثقافة‭. ‬كان‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬يضرب‭ ‬ويقسو‭ ‬ولكن‭ ‬يعامل‭ ‬الطلاب‭ ‬كأب‭ ‬يشعر‭ ‬بالمسؤولية‭. ‬والمشكلة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬اننا‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الولاء‭ ‬للمهنة‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة،‭ ‬منها‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬المعلمون‭ ‬وبشكل‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭. ‬بحيث‭ ‬تحول‭ ‬المعلم‭ ‬إلى‭ ‬اشبه‭ ‬بآلة‭ ‬صماء‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬عدة‭ ‬جهات‭ ‬وفقد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المكانة‭ ‬والصلاحيات،‭ ‬وبات‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬اللجان‭ ‬والتقييم،‭ ‬بل‭ ‬يمكنني‭ ‬الجزم‭ ‬انه‭ ‬حتى‭ ‬لجان‭ ‬التقييم‭ ‬تضم‭ ‬افرادا‭ ‬غير‭ ‬متخصصين‭ ‬ولم‭ ‬يعملوا‭ ‬مدرسين‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭. ‬هل‭ ‬تصدق‭ ‬ان‭ ‬احدى‭ ‬اللجان‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬علي‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الأعضاء‭ ‬خبير‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬جودة‭ ‬المصانع‭! ‬ألا‭ ‬يعرفون‭ ‬ان‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الطلاب‭ ‬والبشر‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الآلات‭ ‬والجمادات؟‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬نكون‭ ‬في‭ ‬مختبر‭ ‬بشري‭ ‬ونتعامل‭ ‬مع‭ ‬العقول‭ ‬والقدرات‭ ‬التفكيرية‭ ‬وليس‭ ‬مع‭ ‬مقاييس‭ ‬هندسية‭ ‬أو‭ ‬قدرات‭ ‬تصنيعية‭.‬

وفي‭ ‬احدى‭ ‬المرات‭ ‬كنت‭ ‬ادرس‭ ‬موضوعا‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬حول‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭. ‬والمشكلة‭ ‬ان‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يشرح‭ ‬الدرس‭ ‬يضم‭ ‬صورة‭ ‬غير‭ ‬واقعية‭ ‬ولا‭ ‬ترتبط‭ ‬بالدرس‭. ‬وخلال‭ ‬وجود‭ ‬موجهين‭ ‬اثنين‭ ‬اخبرت‭ ‬الطلاب‭ ‬بواقع‭ ‬الصورة‭. ‬وعندما‭ ‬ناقشني‭ ‬الموجهان‭ ‬تراهنت‭ ‬معهم‭ ‬ان‭ ‬يشرحوا‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬لهذه‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الدرس‭. ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬ان‭ ‬عجزوا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭. ‬ومثل‭ ‬هذا‭ ‬الامر‭ ‬تكرر‭ ‬معي‭ ‬مرات‭ ‬عدة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬عندما‭ ‬يعجزون‭ ‬يكون‭ ‬الرد‭: ‬ليس‭ ‬دورنا‭ ‬ان‭ ‬نجيب‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬وانما‭ ‬نكتب‭ ‬تقارير‭ ‬فقط‭. ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬انتقاصا‭ ‬من‭ ‬كفاءة‭ ‬الموجهين‭ ‬أو‭ ‬غيرهم،‭ ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬المحتوى‭ ‬والمعلومات‭ ‬والصور‭ ‬التي‭ ‬تقحم‭ ‬اقحاما‭ ‬وتكون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬منقولة‭ ‬عن‭ ‬كتب‭ ‬أخرى‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حول‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬الى‭ ‬حفظ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فهم‭. ‬وهنا‭ ‬عندما‭ ‬يتعامل‭ ‬المعلم‭ ‬مع‭ ‬منهج‭ ‬قوي‭ ‬يكون‭ ‬مضطرا‭ ‬الى‭ ‬التطور،‭ ‬خاصة‭ ‬وانه‭ ‬مطالب‭ ‬بامتلاك‭ ‬اضعاف‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬يحتويها‭ ‬المنهج‭. ‬علما‭ ‬ان‭ ‬المنهج‭ ‬القوي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬معلومات‭ ‬كثيرة‭ ‬ومقررات‭ ‬دسمة‭. ‬فأحيانا‭ ‬تكون‭ ‬وريقات‭ ‬معدودة‭ ‬أكثر‭ ‬فائدة‭ ‬وفاعلية‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬ضخم‭ ‬سطحي‭.‬

لذلك‭ ‬أقول‭ ‬ان‭ ‬مهنة‭ ‬التدريس‭ ‬متعبة‭ ‬ولكن‭ ‬تعبها‭ ‬لذيذ‭ ‬وممتع‭ ‬للمعلم‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬وكلما‭ ‬تعب‭ ‬كلما‭ ‬تطور‭ ‬أكثر‭. ‬ولكن‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬الحالية‭ ‬تسببت‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬حماس‭ ‬المدرسين‭ ‬وكفاءتهم‭ ‬وقدراتهم،‭ ‬واحد‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬الرغبة‭ ‬والدافع‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬الحوافز‭ ‬الكافية‭ ‬والترقيات،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬منهج‭ ‬اعتبره‭ ‬شخصيا‭ ‬سطحيا‭ ‬وغير‭ ‬محفز‭ ‬للطالب‭ ‬أو‭ ‬المعلم‭. ‬

*ولكن‭ ‬بالمقابل،‭ ‬ألم‭ ‬تساهم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬بقدرات‭ ‬الطلاب‭ ‬وكفاءتهم،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬بشكل‭ ‬عام؟

**المحتوى‭ ‬التعليمي‭ ‬أمر،‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬أمر‭ ‬آخر‭. ‬وعندما‭ ‬تسخر‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬بالشكل‭ ‬الصحيح‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬والعائلات‭ ‬والطلاب‭ ‬لخدمة‭ ‬المحتوى‭ ‬الجيد‭ ‬تكون‭ ‬النتائج‭ ‬إيجابية،‭ ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬ان‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬بالطريقة‭ ‬الحالية‭ ‬حولت‭ ‬حياتنا‭ ‬الى‭ (‬تَنَك‭ ‬لوجيا‭) ‬بدل‭ ‬ان‭ ‬تدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬متقدم‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الاستخدام‭ ‬الخاطئ‭ ‬حولناها‭ ‬الى‭ ‬وسيلة‭ ‬استهلاكية‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تنموية‭. ‬بل‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ (‬خيابة‭) ‬الطالب‭ ‬وكبح‭ ‬قدراته‭ ‬التفكيرية‭ ‬والتحليلية‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬صانع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬هو‭ ‬المستفيد،‭ ‬اما‭ ‬نحن‭ ‬فحولنا‭ ‬عقل‭ ‬المستعمل‭ ‬لها‭ ‬الى‭ ‬الاتكالية‭. ‬

*أمام‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬من‭ ‬ملاحظات،‭ ‬أين‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬برأيك؟

**أطراف‭ ‬عدة‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬الخلل‭ ‬الموجود‭. ‬فنظام‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬ومحتوى‭ ‬المناهج‭ ‬ونظام‭ ‬التقويم‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬المعلمين‭ ‬وحتى‭ ‬اللوائح‭ ‬الانضباطية‭ ‬كلها‭ ‬تعلب‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬تعليمية‭ ‬تعتبر‭ ‬تراجعا‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬عقود‭ ‬قليلة‭. ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬تقييم‭ ‬سلوكيات‭ ‬وانضباط‭ ‬الطلاب‭ ‬سلب‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬المدرسة‭.‬

أيضا‭ ‬يتحمل‭ ‬المعلمون‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬لاسيما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بانعدام‭ ‬الدافعية‭ ‬والحماس‭ ‬وتحويل‭ ‬التدريس‭ ‬الى‭ ‬مجرد‭ ‬وظيفة‭. ‬بل‭ ‬صار‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭ ‬ان‭ ‬نسمع‭ ‬المعلم‭ ‬يقول‭ (‬اعمل‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬راتبك‭). ‬وهذا‭ ‬امر‭ ‬طبيعي‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬غاب‭ ‬الحافز‭ ‬والدافع‭ ‬إلى‭ ‬التطور‭ ‬والتطوير‭. ‬وهنا‭ ‬إذا‭ ‬رأى‭ ‬الطالب‭ ‬المعلم‭ ‬محبطا‭ ‬وليس‭ ‬لديه‭ ‬حافز‭ ‬للعطاء،‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬ان‭ ‬يفقد‭ ‬هو‭ ‬الاخر‭ ‬الحافز‭ ‬والجدية‭. ‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬تتحمل‭ ‬الاسر‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبيرة‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجانب‭ ‬السلوكي‭. ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬الاسر‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬خلط‭ ‬بين‭ ‬مفهوم‭ ‬التربية‭ ‬والرعاية‭. ‬وحلت‭ ‬الرعاية‭ ‬محل‭ ‬التربية،‭ ‬بمعنى‭ ‬ان‭ ‬ولي‭ ‬الأمر‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬يوفر‭ ‬للطاب‭ ‬جميع‭ ‬التسهيلات‭ ‬والأجهزة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬وغيرها،‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬مفاهيم‭ ‬للرعاية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬التربية‭ ‬هي‭ ‬مبادئ‭ ‬وقيم‭ ‬وانضباط‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الصرامة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الطالب‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬ويطور‭ ‬مهاراته‭.‬

والى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬تلعب‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإعلامي‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نقل‭ ‬مخلفات‭ ‬المجتمعات‭ ‬والثقافات‭ ‬الأخرى‭ ‬وليس‭ ‬الإيجابيات‭ ‬الموجودة‭ ‬هناك‭. ‬ومع‭ ‬انتشار‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬وشعبيتها‭ ‬لدى‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬فإن‭ ‬تأثيرها‭ ‬يكون‭ ‬مضاعفا‭. ‬

*اسمح‭ ‬لي‭ ‬بسؤال‭ ‬شخصي،‭ ‬لماذا‭ ‬تقاعدت‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬عطائك‭ ‬وقوتك؟

**في‭ ‬الواقع‭ ‬اتخذت‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬منها‭ ‬شعوري‭ ‬بأنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬ان‭ ‬اواصل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬ككل‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المناهج‭ ‬وصلاحيات‭ ‬المعلم‭ ‬والبيئة‭ ‬التعليمية‭ ‬التي‭ ‬تفتقد‭ ‬الى‭ ‬الدسم‭ ‬العلمي‭ ‬والتي‭ ‬حولت‭ ‬الطالب‭ ‬الى‭ ‬مجرد‭ ‬متلقٍ‭ ‬يكرر‭ ‬ما‭ ‬يسمع،‭ ‬مع‭ ‬سلب‭ ‬المعلم‭ ‬كل‭ ‬صلاحياته‭ ‬ومكانته‭. ‬

الطالب‭ ‬بات‭ ‬يدخل‭ ‬الأول‭ ‬ابتدائي‭ ‬وهو‭ ‬ضامن‭ ‬انه‭ ‬سيتخرج‭ ‬من‭ ‬التوجيهي،‭ ‬لان‭ ‬العملية‭ ‬باتت‭ ‬تسير‭ ‬وفق‭ ‬خطة‭ ‬وخطوات‭ ‬مرسومة‭ ‬فقط‭!‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬ووفقا‭ ‬للمناهج‭ ‬ونظام‭ ‬التقويم‭ ‬الصارم‭ ‬لا‭ ‬يتخرج‭ ‬ويتخطى‭ ‬المراحل‭ ‬التعليمية‭ ‬الا‭ ‬إذا‭ ‬بذل‭ ‬مجهودا‭ ‬كبيرا‭.  ‬

صراع‭ ‬أجيال

الأستاذ‭ ‬علي‭ ‬جاسم‭ ‬المحاري،‭ ‬يدلي‭ ‬بدلوه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬بعد‭ ‬خبرة‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬عاما‭ ‬بين‭ ‬تدريس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬الإدارة،‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يقرر‭ ‬التقاعد‭. ‬يقول‭ ‬المحاري‭: ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬ككل‭ ‬تغيرت‭ ‬وفق‭ ‬تغير‭ ‬المجتمع،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬المناهج‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬افضل‭ ‬أم‭ ‬الآن‭ ‬لأن‭ ‬لكل‭ ‬وقت‭ ‬ظروفه‭ ‬واحتياجاته‭. ‬ولكن‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬تتطور‭ ‬جميع‭ ‬المناهج‭ ‬بذلك‭ ‬القدر‭ ‬الذي‭ ‬شهده‭ ‬تطور‭ ‬المجتمعات،‭ ‬فبعض‭ ‬المواد‭ ‬مازالت‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬النصوص،‭ ‬ولا‭ ‬يحدث‭ ‬التطوير‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‭ ‬وانما‭ ‬باستبدال‭ ‬نص‭ ‬بآخر‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬تحديث‭ ‬شامل‭ ‬للمنهج‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬تكامليا‭ ‬يلبي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الحالية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬تغيير‭ ‬نصوص‭ ‬او‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬المنهج‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬التكامل‭ ‬مع‭ ‬الوحدة‭ ‬الكلية‭ ‬للمادة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواد‭. ‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬تغييرا‭ ‬ملحوظا،‭ ‬فمثلا‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬كانت‭ ‬مناهج‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬مختلفة‭ ‬تماما،‭ ‬وكانت‭ ‬تقسم‭ ‬الى‭ ‬النصوص‭ ‬والبلاغة‭ ‬والأدب‭ ‬والنحو‭ ‬وغيرها،‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬منهج‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وحدة‭ ‬متكاملة،‭ ‬يضم‭ ‬تلك‭ ‬الأقسام‭. ‬وهنا‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬المناهج‭ ‬القديمة‭ ‬أكثر‭ ‬عمقا،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالبلاغة‭ ‬والقواعد،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الاخر‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬الوحدة‭ ‬المتكاملة‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬اللغة‭ ‬نفسها‭.‬

*وهل‭ ‬حدث‭ ‬ذات‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬مكانة‭ ‬المعلم‭ ‬ودوره‭ ‬سواء‭ ‬بالمجتمع‭ ‬او‭ ‬المدرسة؟

**قبل‭ ‬ان‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬مكانة‭ ‬المعلم‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭ ‬هل‭ ‬مازالت‭ ‬مكانة‭ ‬الأب‭ ‬هي‭ ‬نفسها؟‭ ‬بالطبع‭ ‬اختلفت،‭ ‬وعلاقتنا‭ ‬بآبائنا‭ ‬وأسلوب‭ ‬تعاملنا‭ ‬معهم‭ ‬مثلا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬أبنائنا‭ ‬اليوم‭. ‬وهذا‭ ‬مصداق‭ ‬قول‭ ‬الامام‭ ‬علي‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تؤدبوا‭ ‬أولادكم‭ ‬بأخلاقكم،‭ ‬لأنهم‭ ‬خلقوا‭ ‬لزمان‭ ‬غير‭ ‬زمانكم‏‮»‬،‭ ‬فالأمر‭ ‬أشبه‭ ‬بصراع‭ ‬أجيال‭. ‬وهنا‭ ‬عندما‭ ‬ننظر‭ ‬الى‭ ‬مكانة‭ ‬المدرس‭ ‬وعلاقة‭ ‬الطلاب‭ ‬به،‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬لدى‭ ‬المدرسين‭ ‬الشباب‭ ‬مشكلة‭ ‬لأنهم‭ ‬عايشوا‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬تقريبا‭ ‬ويعرفون‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭. ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تسأل‭ ‬المعلمين‭ ‬القدامى‭ ‬والمتقاعدين‭ ‬ستجد‭ ‬أن‭ ‬الجواب‭ ‬مختلف،‭ ‬وربما‭ ‬يؤكدون‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬مكانة‭ ‬المدرس‭ ‬واحترامه‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬تغير‭ ‬للأسوأ‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنه‭ ‬يقارن‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬بالجيل‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬عاصره‭.‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬الشخصية،‭ ‬اعتبر‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬تغيرا‭ ‬في‭ ‬السلوكيات‭ ‬والعلاقة‭ ‬نحو‭ ‬الأسوأ،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬المعلم‭ ‬تغير‭ ‬وانما‭ ‬تغيرت‭ ‬طبيعة‭ ‬الجيل‭ ‬وطبيعة‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭. ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬مهنة‭ ‬التدريس‭ ‬مرغوبة‭ ‬عند‭ ‬الكثيرين،‭ ‬لأن‭ ‬النظرة‭ ‬الى‭ ‬المعلم‭ ‬تغيرت‭ ‬ليس‭ ‬لدى‭ ‬الطلاب‭ ‬فحسب‭ ‬وانما‭ ‬حتى‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور،‭ ‬فكان‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬ينظرون‭ ‬الى‭ ‬المعلم‭ ‬على‭ ‬انه‭ ‬مربٍ،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بممارسة‭ ‬دور‭ ‬الأب‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭. ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المكانة‭ ‬تغيرت‭ ‬لان‭ ‬المجتمع‭ ‬كله‭ ‬تغير‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬للمعلم‭ ‬ذلك‭ ‬الدور‭ ‬التربوي‭ ‬والأبوي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يمارسه‭ ‬في‭ ‬السابق‭. ‬صحيح‭ ‬أننا‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬نسلم‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬نجمد‭ ‬تغير‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتغير‭ ‬فيه‭ ‬ظروف‭ ‬الحياة،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬نركز‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬أكثر‭ ‬احتراما‭ ‬للمعلم‭. ‬ففي‭ ‬السابق‭ ‬كانت‭ ‬نظرة‭ ‬التقدير‭ ‬تبقى‭ ‬للمعلم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭. ‬ولكننا‭ ‬اليوم‭ ‬بتنا‭ ‬نرى‭ ‬أشبه‭ ‬بحالة‭ ‬التصيد‭ ‬لنشر‭ ‬أي‭ ‬خطأ‭ ‬أو‭ ‬زلة‭ ‬او‭ ‬شكوى‭ ‬ضد‭ ‬المعلمين،‭ ‬لتنتشر‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬فمثلا‭ ‬هل‭ ‬قرأت‭ ‬مؤخرا‭ ‬موضوعا‭ ‬او‭ ‬قصة‭ ‬حول‭ ‬تجارب‭ ‬ناجحة‭ ‬للمعلمين؟‭ ‬وبالمقابل‭ ‬كم‭ ‬تسمع‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬شكاوى‭ ‬وانتقادات‭ ‬وقصص‭ ‬مسيئة‭ ‬للمعلمين؟‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬النظرة‭ ‬العامة‭ ‬للمعلم‭ ‬وعلى‭ ‬احترام‭ ‬الجيل‭ ‬له‭. ‬فمكانة‭ ‬المعلم‭ ‬إشكالية‭ ‬اجتماعية‭ ‬يساهم‭ ‬فيها‭ ‬ولي‭ ‬الامر‭ ‬والإدارة‭ ‬والوزارة‭ ‬والطالب‭ ‬ووسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬والتواصل‭.‬

*ألا‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬السلبي‭ ‬طال‭ ‬حتى‭ ‬قدرات‭ ‬الطلاب‭ ‬وامكانياتهم،‭ ‬بما‭ ‬جعلهم‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬أو‭ ‬المعاهد‭ ‬لاستكمال‭ ‬الأنشطة‭ ‬والمذاكرة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة‭ ‬سابقا؟

**هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يرتبط‭ ‬بطبيعة‭ ‬ومحتوى‭ ‬الواجبات‭ ‬والمواد‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬وسائل‭ ‬العرض‭ ‬والأدوات‭ ‬التعليمية‭ ‬المشوقة‭ ‬والجاذبة‭ ‬لدى‭ ‬المعلم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬فإن‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬محتوى‭ ‬وعمق‭ ‬بعض‭ ‬المناهج‭ ‬خاصة‭ ‬العلمية،‭ ‬بحيث‭ ‬يخرج‭ ‬الطالب‭ ‬من‭ ‬الحصة‭ ‬وهو‭ ‬مستمتع‭ ‬بالوسائل‭ ‬التعليمية‭ ‬الحديثة،‭ ‬ولكن‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬فجوة‭ ‬في‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬درسه،‭ ‬وهذه‭ ‬الفجوة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تسد‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬سيكون‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬ولي‭ ‬الامر‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬درس‭ ‬خصوصي‭ ‬وإلى‭ ‬مكملات‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬تحديا‭ ‬للمدرس‭ ‬خاصة‭ ‬الجديد،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬امتلاك‭ ‬قسط‭ ‬كاف‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬مؤهلا‭ ‬لتدريس‭ ‬المادة‭. ‬وهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬اغلب‭ ‬الطلبة‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الدعم‭ ‬في‭ ‬المنزل‭. ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الطالب‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬مساعدة‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬التسهيلات‭ ‬الحالية‭ ‬والمعاهد‭ ‬والدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬وغيرها‭. ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬مجبرا‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬يتعب‭ ‬نفسه‭ ‬ويجتهد‭ ‬أكثر‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬المنظومة‭ ‬تغيرت‭ ‬حاليا‭ ‬تماما،‭ ‬وأصبح‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬متاحا‭ ‬بل‭ ‬ومطلبا‭ ‬رئيسيا،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬مناقشة‭ ‬التقييم‭ ‬ومتابعة‭ ‬الأنشطة‭ ‬وغيرها‭ ‬بات‭ ‬مهمة‭ ‬ولي‭ ‬الامر،‭ ‬وهذا‭ ‬امر‭ ‬غير‭ ‬صحيح،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬الطالب‭ ‬متعودا‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬ولي‭ ‬الامر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬الجيل‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الامر‭ ‬يرتبط‭ ‬أيضا‭ ‬بالجانب‭ ‬التربوي‭.‬

*بصراحة‭.. ‬هل‭ ‬تفضل‭ ‬ان‭ ‬تدّرس‭ ‬في‭ ‬الجيل‭ ‬القديم‭ ‬ام‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي؟

**من‭ ‬الصعب‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬لكل‭ ‬مرحلة‭ ‬ظروفها‭ ‬ومميزاتها‭ ‬وعيوبها‭. ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬الخيار‭ ‬لعملت‭ ‬خلطة‭ ‬أخذت‭ ‬فيها‭ ‬مميزات‭ ‬كلا‭ ‬الجيلين‭. ‬فمثلا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمكانة‭ ‬المعلم‭ ‬ونظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬اليه‭. ‬كان‭ ‬المعلم‭ ‬يحظى‭ ‬باحترام‭ ‬أكبر‭ ‬سابقا،‭ ‬ولكن‭ ‬الخوف‭ ‬المبالغ‭ ‬من‭ ‬المعلم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بالأمر‭ ‬الجيد،‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬اننا‭ ‬كنا‭ ‬اذا‭ ‬رأينا‭ ‬المعلم‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬نهرب‭ ‬منه‭. ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬حاجز‭ ‬بين‭ ‬المعلم‭ ‬والطالب‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬الآن‭ ‬أيضا‭ ‬امر‭ ‬غير‭ ‬إيجابي‭. ‬

أيضا‭ ‬كان‭ ‬للمعلم‭ ‬دور‭ ‬تربوي‭ ‬أكبر‭ ‬سابقا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يشمل‭ ‬العقوبات‭. ‬وهنا‭ ‬فإن‭ ‬منع‭ ‬الضرب‭ ‬امر‭ ‬ايجابي،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬يجب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬ان‭ ‬نمنح‭ ‬المعلم‭ ‬وسائل‭ ‬أخرى‭ ‬لضبط‭ ‬الطالب‭ ‬وللتربية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتحول‭ ‬الى‭ ‬مدرس‭ ‬فقط‭ ‬وليس‭ ‬مربٍ‭.‬

استعادة‭ ‬الدور‭ ‬التربوي

محطة‭ ‬أخرى‭ ‬نقف‭ ‬عندها‭ ‬وهو‭ ‬الأستاذ‭ (‬ج‭.‬ج‭) ‬الذي‭ ‬فضل‭ ‬عدم‭ ‬ذكر‭ ‬اسمه‭. ‬وهو‭ ‬مدرس‭ ‬متقاعد‭ ‬قضى‭ ‬ردحا‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬التدريس،‭ ‬وعايش‭ ‬الجيل‭ ‬السابق‭ ‬كطالب‭ ‬ومدرس،‭ ‬والجيل‭ ‬الحالي‭ ‬كمدرس‭. ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يقارن‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬عدة‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬المناهج‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬يقول‭:‬

هناك‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬التغيير‭ ‬والتطوير‭. ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬هو‭ ‬تغيير‭ ‬وليس‭ ‬تطويرا‭ ‬لأن‭ ‬التطوير‭ ‬يكون‭ ‬للأفضل،‭ ‬وما‭ ‬نلمسه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الموضوعات‭ ‬في‭ ‬بطون‭ ‬الكتب‭ ‬شهدت‭ ‬تراجعا،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المناهج‭ ‬أكثر‭ ‬مصداقية‭ ‬وعمقا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬نجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬الآن‭ ‬تقحم‭ ‬اقحاما،‭ ‬ونسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬سطحية،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الطالب‭ ‬يحفظ‭ ‬ولا‭ ‬يستوعب‭ ‬أو‭ ‬يقتنع،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬اقتصار‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬وليس‭ ‬التربية‭. ‬

اجمالا‭ ‬أصبحت‭ ‬المناهج‭ ‬أصعب‭ ‬خاصة‭ ‬المواد‭ ‬العلمية‭. ‬ولا‭ ‬ننكر‭ ‬ان‭ ‬بعض‭ ‬المناهج‭ ‬شهدت‭ ‬تطويرا‭ ‬بالفعل‭ ‬مثل‭ ‬الرياضيات‭.‬

ثم‭ ‬للنظر‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬المعلم‭ ‬نفسه،‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬مربيا‭ ‬يحمل‭ ‬مسؤوليات‭ ‬الاب،‭ ‬ولكنه‭ ‬الان‭ ‬مجرد‭ ‬موظف‭. ‬كانت‭ ‬للمعلم‭ ‬خارج‭ ‬المدرسة‭ ‬هيبة‭ ‬ورهبة‭ ‬وكان‭ ‬قدوة‭ ‬للطلاب‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬تقلص‭ ‬الان‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭. ‬وللأسف‭ ‬تراجعت‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬المعلم‭ ‬فحسب‭ ‬وانما‭ ‬شملت‭ ‬حتى‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬والأب‭. ‬فطبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬تغيرت‭.‬

ومما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬دور‭ ‬ومكانة‭ ‬المعلم‭ ‬هو‭ ‬إدارات‭ ‬المدارس‭ ‬والوزارة‭ ‬نفسها‭. ‬فللأسف‭ ‬بات‭ ‬المعلم‭ ‬يشعر‭ ‬ان‭ ‬خصمه‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬هي‭ ‬الوزارة‭ ‬وليس‭ ‬الطالب‭ ‬او‭ ‬ولي‭ ‬الأمر‭. ‬فأي‭ ‬مشكلة‭ ‬تواجه‭ ‬المعلم‭ ‬مع‭ ‬الطالب‭ ‬او‭ ‬ولي‭ ‬الامر‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬ان‭ ‬له‭ ‬ظهرا‭ ‬يستند‭ ‬اليه،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬أي‭ ‬موظف‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وزارة‭ ‬أخرى‭ ‬يستند‭ ‬الى‭ ‬وزارته‭. ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬يرفع‭ ‬ولي‭ ‬امر‭ ‬او‭ ‬حتى‭ ‬طالب‭ ‬صوته‭ ‬على‭ ‬المعلم‭ ‬ويهينه،‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬المعلم‭ ‬من‭ ‬يدافع‭ ‬عنه‭ ‬او‭ ‬يأخذ‭ ‬حقه،‭ ‬وأي‭ ‬شكوى‭ ‬ترفع‭ ‬إلى‭ ‬الوزارة‭ ‬يدان‭ ‬فيها‭ ‬المعلم،‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬إرضاء‭ ‬للطلاب‭ ‬أو‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭. ‬وبالتالي‭ ‬اهتزت‭ ‬شخصية‭ ‬المعلم‭ ‬وفقد‭ ‬تدريجيا‭ ‬ذلك‭ ‬الاحترام‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحظى‭ ‬به‭. ‬فكيف‭ ‬ننتظر‭ ‬منه‭ ‬حماسا‭ ‬وتحفيزا‭ ‬وعطاء؟‭.‬

لذلك‭ ‬أنا‭ ‬أؤمن‭ ‬أننا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أردنا‭ ‬ان‭ ‬نطور‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬نجعل‭ ‬المعلم‭ ‬هو‭ ‬محور‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق‭. ‬فأيا‭ ‬كانت‭ ‬ظروف‭ ‬التعليم‭ ‬الحديث‭ ‬كالقول‭ ‬ان‭ ‬الطالب‭ ‬هو‭ ‬محور‭ ‬العملية،‭ ‬ومهما‭ ‬أجرينا‭ ‬تطويرات‭ ‬وتحديثات‭ ‬على‭ ‬المناهج،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬نحقق‭ ‬التطور‭ ‬المنشود‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬انصاف‭ ‬المعلم‭ ‬واستعادة‭ ‬مكانته‭ ‬ودوره‭ ‬التعليمي‭ ‬والتربوي‭.‬

*وهل‭ ‬يشمل‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬السلبي‭ ‬سلوكيات‭ ‬الطلاب‭ ‬وانضباطهم؟

**للأمانة‭ ‬يمكنني‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬يتميزون‭ ‬بجدية‭ ‬أكاديمية‭ ‬أكبر‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬حيث‭ ‬نلمس‭ ‬حرصا‭ ‬وتسابقا‭ ‬على‭ ‬تحصيل‭ ‬درجات‭ ‬أكبر،‭ ‬وهناك‭ ‬حرص‭ ‬مواز‭ ‬من‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬خاصة‭ ‬الأمهات‭ ‬على‭ ‬تحصيل‭ ‬أبنائهم‭ ‬معدلات‭ ‬اعلى‭. ‬ومما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬ذك‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬باتوا‭ ‬أكثر‭ ‬تعلما،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الفرص‭ ‬الجامعية‭ ‬وطبيعة‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬والفرص‭ ‬الوظيفية‭ ‬تجعل‭ ‬الطالب‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬معدل‭ ‬أكبر‭.‬

*إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬ساهمت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬بقدرات‭ ‬طلاب‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي؟

**في‭ ‬الواقع‭ ‬بات‭ ‬الطالب‭ ‬الأكثر‭ ‬تمرسا‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬التغيرات‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬اتضح‭ ‬خلال‭ ‬الجائحة‭ ‬والتعليم‭ ‬عن‭ ‬بعد‭. ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الأفضلية‭ ‬للطلاب‭ ‬الذين‭ ‬لديهم‭ ‬خبرة‭ ‬كافية‭ ‬بالأجهزة‭ ‬الحديثة‭.‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الاخر،‭ ‬نجد‭ ‬ان‭ ‬الأجهزة‭ ‬الذكية‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬فجوة‭ ‬بين‭ ‬الطلاب‭ ‬والكتب‭ ‬التقليدية‭. ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المناهج‭ ‬فنجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مواكبة‭ ‬للثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناهج‭ ‬بالفعل‭. ‬ولكن‭ ‬بقيت‭ ‬مناهج‭ ‬أخرى‭ ‬تقليدية‭ ‬لا‭ ‬تواكب‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭. ‬

*باختصار‭.. ‬هل‭ ‬تفضل‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬مدرسا‭ ‬في‭ ‬الجيل‭ ‬السابق‭ ‬أم‭ ‬الحالي‭ ‬ولماذا؟

**‭ ‬السابق‭ ‬لا‭ ‬شك‭. ‬فالحنين‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬الجميل‭ ‬هو‭ ‬الغالب،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬نظرنا‭ ‬الى‭ ‬مكانة‭ ‬المعلم‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وعلاقاته‭ ‬المميزة‭ ‬والعملية‭ ‬التعليمية‭ ‬المثمرة‭ ‬رغم‭ ‬بساطتها‭. ‬

وربما‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى‭ ‬شخصية،‭ ‬منها‭ ‬انني‭ ‬اشعر‭ ‬ان‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬قدرتي‭ ‬على‭ ‬مواكبتها‭. ‬

مناهج‭ ‬أكثر‭ ‬تطورا‭.. ‬ولكن

تساؤلاتنا‭ ‬ناقشناها‭ ‬أيضا‭ ‬مع‭ ‬الأستاذ‭ ‬فلاح‭ ‬السيد‭ ‬حسن‭ ‬هاشم،‭ ‬وهو‭ ‬أستاذ‭ ‬متقاعد،‭ ‬يمتلك‭ ‬من‭ ‬الخبرة‭ ‬العملية‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬مقارنة‭ ‬الماضي‭ ‬بالحاضر‭. ‬وربما‭ ‬تختلف‭ ‬وجهات‭ ‬نظره‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬عما‭ ‬طرحه‭ ‬الأساتذة‭ ‬في‭ ‬السطور‭ ‬السابقة‭. ‬

يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬فلاح‭: ‬يمكنني‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المناهج‭ ‬الحالية‭ ‬هي‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المحتوى‭ ‬والمعلومات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شهدت‭ ‬تحديثا‭ ‬وتطويرا‭ ‬يواكب‭ ‬الاحتياجات‭ ‬والتطورات‭. ‬كما‭ ‬باتت‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬تتمتع‭ ‬بأساليب‭ ‬وأدوات‭ ‬جديدة‭ ‬وانشطة‭ ‬جذابة‭. ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬هذه‭ ‬المناهج‭ ‬والتي‭ ‬يشكو‭ ‬منها‭ ‬الطلبة‭ ‬وأولياء‭ ‬الأمور‭ ‬هي‭ ‬الحشو‭ ‬المبالغ‭ ‬والكم‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يضطر‭ ‬الطالب‭ ‬إلى‭ ‬حفظه‭. ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تصلنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الملاحظات‭ ‬والشكاوى‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬المدرسين‭ ‬بشأن‭ ‬تضخم‭ ‬المناهج‭. ‬ربما‭ ‬ان‭ ‬التطورات‭ ‬تلزم‭ ‬بهذا‭ ‬الشيء‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬تزايد‭ ‬المعلومات‭ ‬وتسارعها‭. ‬ولكنها‭ ‬تبقى‭ ‬مشكلة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭.‬

*هل‭ ‬تعتقد‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬الطلاب‭ ‬إلى‭ ‬دروس‭ ‬إضافية‭ ‬خارج‭ ‬المدرسة‭ ‬ودعم‭ ‬في‭ ‬المنزل؟‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مألوفا‭ ‬في‭ ‬السابق؟‭ ‬

**هذه‭ ‬مشكلة‭ ‬حقيقية‭ ‬تعود‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬الاتكالية‭. ‬وحتى‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬وأساليب‭ ‬تربيتهم‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬روح‭ ‬الاتكالية‭ ‬عند‭ ‬أبنائهم‭ ‬وتجعلهم‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬الذاتي‭. ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬انهم‭ ‬باتوا‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬البحوث‭ ‬والأنشطة‭ ‬الجاهزة‭ ‬التي‭ ‬تبيعها‭ ‬المكتبات‭. ‬

أتذكر‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬مدرسا‭ ‬كنت‭ ‬أقول‭ ‬للطالب‭ ‬ان‭ ‬ورقة‭ ‬واحدة‭ ‬يعدها‭ ‬بجهده‭ ‬الذاتي‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬ورقة‭ ‬لبحث‭ ‬جاهز،‭ ‬لأن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬ليس‭ ‬تجميع‭ ‬أوراق‭ ‬وانشطة‭ ‬وانما‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المعلومة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬للأسف‭ ‬غائبا‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬توافر‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والأدوات‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬الطالب‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬وتحليلها‭. ‬

*ماذا‭ ‬عن‭ ‬المعلمين‭ ‬بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم؟

**على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنني‭ ‬مدرس‭ ‬قديم‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬فإنني‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬المدرسين‭ ‬الحاليين‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بطرق‭ ‬واليات‭ ‬التدريس‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬دراسة‭ ‬التعليم‭ ‬باتت‭ ‬أكثر‭ ‬توسعا‭ ‬وتخصصا‭. ‬وبالتالي‭ ‬بات‭ ‬المدرس‭ ‬يمتلك‭ ‬كفاءة‭ ‬ودراية‭ ‬اكاديمية،‭ ‬بدليل‭ ‬ان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المدرسين‭ ‬حاصلون‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الماجستير‭.‬

ولكن‭ ‬هناك‭ ‬جانب‭ ‬اخر‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬المعلم‭ ‬ومكانته،‭ ‬فللأسف‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬المعلم‭ ‬ونتيجة‭ ‬للتغيرات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬والمنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬فقد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هيبته‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعلمين‭ ‬يفكرون‭ ‬بالتقاعد‭ ‬المبكر‭ ‬ويستغلون‭ ‬اول‭ ‬فرصة‭ ‬لذلك‭ ‬لأن‭ ‬الوضع‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المعلم‭ ‬سيئ،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتعامل‭ ‬الطلبة‭ ‬مع‭ ‬المعلمين‭ ‬وتراجع‭ ‬احترام‭ ‬الطالب‭ ‬للمعلم‭.‬

وللأسف‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬الإجراءات‭ ‬والقرارات‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬وزارة‭ ‬التربية،‭ ‬ومنها‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬واهمال‭ ‬الجانب‭ ‬التربوي‭ ‬للمعلم‭. ‬فمثلا‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬ندعو‭ ‬الى‭ ‬العقاب‭ ‬البدني،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬يشعر‭ ‬الطالب‭ ‬أنه‭ ‬محصن‭ ‬وأن‭ ‬الوزارة‭ ‬تعاقب‭ ‬المعلم‭ ‬قبل‭ ‬الطالب،‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬ان‭ ‬تنقص‭ ‬قيمة‭ ‬المعلم‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الصف‭. ‬وهنا‭ ‬يكون‭ ‬المعلم‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بدوره‭ ‬التربوي‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الصف،‭ ‬وهذا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬شخصيته‭ ‬وقدراته‭ ‬الخاصة‭. ‬وربما‭ ‬يعاني‭ ‬الأساتذة‭ ‬غير‭ ‬البحرينيين‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬الطلاب‭ ‬الجادين‭ ‬وتحصيلهم‭.‬

*ماذا‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر؟

**لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬ننكر‭ ‬ان‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬خدمت‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭. ‬ومنذ‭ ‬ادخال‭ ‬مشروع‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬لمدارس‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬حدثت‭ ‬تطورات‭ ‬متلاحقة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬العوائق‭ ‬والتحديات‭. ‬وبالتالي‭ ‬باتت‭ ‬عملية‭ ‬التعليم‭ ‬أكثر‭ ‬تشويقا‭ ‬للطالب‭.‬

*في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬معدل‭ ‬85%‭ ‬او‭ ‬87%‭ ‬يعتبر‭ ‬مميزا‭ ‬ويشار‭ ‬اليه‭ ‬بالبنان،‭ ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬الجامعية‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬عدد‭ ‬الحاصلين‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬95%‭ ‬اليوم‭ ‬كبير‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬ان‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬التخصصات‭ ‬التي‭ ‬يحلمون‭ ‬بها‭. ‬هل‭ ‬يمثل‭ ‬ارتفاع‭ ‬المعدلات‭ ‬نموا‭ ‬في‭ ‬قدرات‭ ‬الطلاب؟‭ ‬أم‭ ‬هناك‭ ‬اسباب‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬رأيك؟

**هناك‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬وأسباب‭ ‬لهذا‭ ‬الأمر،‭ ‬منها‭ ‬رغبة‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬التقييم‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬النتائج‭ ‬أو‭ ‬العوامل‭. ‬فمثلا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الفترات‭ ‬كانت‭ ‬الوزارة‭ ‬تعاتب‭ ‬المدارس‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬نتائج‭ ‬الطلاب‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المعلم‭ ‬مضطرا‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬الدرجات‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الطالب‭ ‬مستحقا‭ ‬لها،‭ ‬وذلك‭ ‬إرضاء‭ ‬للوزارة‭. ‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬اخر،‭ ‬فإن‭ ‬أسلوب‭ ‬التقييم‭ ‬اختلف‭ ‬عن‭ ‬السابق،‭ ‬واختلفت‭ ‬الاليات‭ ‬والمعايير‭ ‬والمخطط‭ ‬التقييمي،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬جهد‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬وعلى‭ ‬الامتحانات‭ ‬والانضباط‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬دخلت‭ ‬الآن‭ ‬عوامل‭ ‬كثيرة،‭ ‬منها‭ ‬الأنشطة‭ ‬والبحوث‭ ‬والمشاركات‭ ‬الخارجية‭. ‬وبالتالي‭ ‬يلتزم‭ ‬المعلم‭ ‬بالمخطط‭ ‬الذي‭ ‬أمامه‭.‬

لذلك‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬ان‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحالية‭ ‬وتطور‭ ‬المناهج‭ ‬والأساليب‭ ‬الدراسية‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬قدرات‭ ‬الطلاب‭ ‬خاصة‭ ‬المجتهدين،‭ ‬ولكن‭ ‬بلوغ‭ ‬النتائج‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬بحيث‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬معدلات‭ ‬98%‭ ‬و99%‭ ‬كبير،‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬يدعو‭ ‬الى‭ ‬الحيرة‭ ‬ويضع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الاستفهام‭!‬

*لو‭ ‬منحتك‭ ‬الظروف‭ ‬فرصة‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬التدريس‭ ‬للجيل‭ ‬الماضي‭ ‬او‭ ‬الحاضر‭. ‬أين‭ ‬تجد‭ ‬نفسك؟

**‭ ‬بالتأكيد‭ ‬اختار‭ ‬الجيل‭ ‬القديم‭ ‬لأنه‭ ‬جيل‭ ‬يحترم‭ ‬المعلم‭ ‬ويقدر‭ ‬دوره‭. ‬وحتى‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬يحترمون‭ ‬المعلم‭ ‬ويعتبرونه‭ ‬مربيا‭ ‬له‭ ‬قيمة‭ ‬ومكانة‭ ‬اجتماعية‭. ‬وشخصيا‭ ‬درست‭ ‬جيل‭ ‬الثمانينيات‭ ‬والاجيال‭ ‬اللاحقة،‭ ‬وألمس‭ ‬الفارق‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭.‬

جهود‭ ‬كبيرة

محطتنا‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الموضوع‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬أستاذة‭ ‬لها‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬التدريس،‭ ‬وعشقت‭ ‬المهنة‭ ‬رغم‭ ‬صعوباتها‭. ‬حتى‭ ‬اضطرت‭ ‬الى‭ ‬التقاعد‭. (‬فضلت‭ ‬عدم‭ ‬ذكر‭ ‬اسمها‭). ‬

في‭ ‬حديث‭ ‬ودي‭ ‬معها‭ ‬سألناها‭ ‬عن‭ ‬رأيها‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬اليوم‭ ‬مقارنة‭ ‬بالجيل‭ ‬السابق‭.‬

وربما‭ ‬كانت‭ ‬نبرة‭ ‬الحسرة‭ ‬والحنين‭ ‬الى‭ ‬التدريس‭ ‬كافية‭ ‬لتعبر‭ ‬عن‭ ‬شوقها‭ ‬الى‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭. ‬قالت‭ ‬محدثتنا‭: ‬بالطبع‭ ‬شهدت‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬تطورات‭ ‬هائلة‭ ‬تواكب‭ ‬الاحتياجات‭ ‬والتطورات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭. ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬جوانب‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬للأسف‭ ‬تراجع‭. ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الدور‭ ‬التربوي‭ ‬للمعلم‭. ‬فاليوم‭ ‬اغلب‭ ‬المعلمين‭ ‬يشعرون‭ ‬ان‭ ‬التدريس‭ ‬وظيفة،‭ ‬وهي‭ ‬وظيفة‭ ‬صعبة‭ ‬وشاقة‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬نعتبرها‭ ‬هواية‭ ‬وحبا‭ ‬ودورا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬وتربويا‭ ‬نمارسه‭. ‬وكانت‭ ‬لدينا‭ ‬صلاحيات‭ ‬الاب‭ ‬والام‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭. ‬وكانت‭ ‬التربية‭ ‬فعلا‭ ‬تسبق‭ ‬التعليم‭.  ‬

كنا‭ ‬نندهش‭ ‬ونقف‭ ‬مشدوهين‭ ‬عندما‭ ‬نسمع‭ ‬خبرا‭ ‬عن‭ ‬مشاجرة‭ ‬بين‭ ‬طالب‭ ‬ومدرس‭. ‬وكان‭ ‬الآباء‭ ‬يوبخون‭ ‬أبناءهم‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬منهم‭ ‬أي‭ ‬تصرف‭ ‬مسيء‭ ‬تجاه‭ ‬المعلم‭. ‬

ومع‭ ‬استمرار‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النهج،‭ ‬الا‭ ‬اننا‭ ‬للأسف‭ ‬نجد‭ ‬ان‭ ‬العلاقة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تحولت‭ ‬الى‭ ‬اشبه‭ ‬بالندية‭ ‬بين‭ ‬المدرس‭ ‬وأولياء‭ ‬الأمور‭. ‬

من‭ ‬جانب‭ ‬اخر،‭ ‬شهدت‭ ‬الكتب‭ ‬والمناهج‭ ‬تطورات‭ ‬كبيرة‭. ‬ولكنها‭ ‬باتت‭ ‬محشوة‭ ‬بالمعلومات‭ ‬التي‭ ‬تتعب‭ ‬الطالب‭ ‬منذ‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭. ‬وتحوله‭ ‬الى‭ ‬آلة‭ ‬حفظ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬استيعاب‭ ‬وفهم‭. ‬وحتى‭ ‬مناهج‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬ابتدائي‭ ‬باتت‭ ‬تعج‭ ‬بالمعلومات‭ ‬التي‭ ‬ترهق‭ ‬الأطفال‭ ‬وتجعل‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬ينفرون‭ ‬من‭ ‬الصف‭ ‬الدراسي‭ ‬ومن‭ ‬المدرسة‭. ‬

ولكننا‭ ‬أمام‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬نقف‭ ‬احتراما‭ ‬للجهود‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬خاصة‭ ‬امام‭ ‬التحديات‭ ‬الجمة‭ ‬التي‭ ‬تواجهها،‭ ‬ومنها‭ ‬تزايد‭ ‬اعداد‭ ‬الطلبة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬والضغط‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬التعليمية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا