العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

الإنسانية المنتهكة في غزّة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٥ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الاعزاء،‭ ‬

منذ‭ ‬نشأة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬كان‭ ‬السلام‭ ‬الدولي‭ ‬هدفا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬أهدافها‭ ‬وركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬لنشأتها‭ ‬كمنظمة‭ ‬دولية‭ ‬محايدة‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إنفاذ‭ ‬أحكام‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الجوانب‭ ‬وتحقيق‭ ‬الحماية‭ ‬والاحترام‭ ‬اللازم‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬بما‭ ‬يحفظ‭ ‬الكرامة‭ ‬الانسانية،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬إعلان‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬التهديد‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬هدفاً‭ ‬أساسياً‭ ‬من‭ ‬أهدافها‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الافراد‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الثابت‭ ‬عجز‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬وعن‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬اللازمة،‭ ‬فالحروب‭ ‬التي‭ ‬اشتعل‭ ‬فتيلها‭ ‬طوال‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تفعيل‭ ‬دورها‭ ‬فيها‭ ‬كمنظمة‭ ‬دولية‭ ‬لمدة‭ ‬تفوق‭ ‬السبعين‭ ‬عاماً،‭ ‬تلك‭ ‬الحروب‭ ‬استمر‭ ‬بعضها‭ ‬سنوات‭ ‬طوالا،‭ ‬وكان‭ ‬وقودها‭ ‬خيرات‭ ‬البلاد‭ ‬المشاركة‭ (‬أو‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إقحامها‭ ‬للمشاركة‭) ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬وثرواتها‭ ‬البشرية‭ ‬والطبيعية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬دور‭ ‬محوري‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬إطفاء‭ ‬فتيلها،‭ ‬أو‭ ‬إنهائها،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬يعانيه‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬حرمانه‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وحقه‭ ‬في‭ ‬الارض‭ ‬والسكن‭ ‬وحرمانه‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬وغيرها،‭ ‬موقف‭ ‬المحايد،‭ ‬حيث‭ ‬تقتضي‭ ‬طبيعة‭ ‬وجودها‭ ‬وعملها‭ ‬إعمال‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬وعدم‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬كأضعف‭ ‬الايمان،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬وتطورت‭ ‬تحت‭ ‬أعينها‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الانسانية‭ ‬وبعيداً‭ ‬عن‭ ‬الاطماع‭ ‬الاستعمارية‭ ‬فإن‭ ‬قيام‭ ‬الحرب،‭ ‬أيّة‭ ‬حرب،‭ ‬سيكون‭ ‬الانسان‭ ‬حتماً‭ ‬أوّل‭ ‬ضحاياها،‭ ‬والانسان‭ ‬سيبقى‭ ‬دائماً‭ ‬جديراً‭ ‬باحترام‭ ‬وحماية‭ ‬حقوقه‭ ‬الطبيعية‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬لونه،‭ ‬دينه،‭ ‬جنسه،‭ ‬لغته،‭ ‬عرقه،‭ ‬أصله‭ ‬القومي،‭ ‬رأيه‭ ‬السياسي،‭ ‬أيديولوجياته،‭ ‬مكانته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فالإنسان‭ ‬هو‭ ‬الانسان‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬مسلما،‭ ‬يهوديا،‭ ‬مسيحيا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬دماء‭ ‬المدنيين‭ ‬المتضررين‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬من‭ ‬طرفيها‭ ‬او‭ ‬مجموعة‭ ‬الاطراف‭ ‬المشاركة‭ ‬هي‭ ‬دماء‭ ‬طاهرة‭ ‬بريئة‭ ‬حريّة‭ ‬بالحقن‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬من‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬عروقه‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬فلسطينيا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يهوديا،‭ ‬فلا‭ ‬ذنب‭ ‬للنساء‭ ‬ولا‭ ‬للأطفال‭ ‬ولا‭ ‬للرجال‭ ‬المدنيين‭ ‬الآمنين‭ ‬لتطولهم‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اشتراكهم‭ ‬في‭ ‬تشغيل‭ ‬ماكنتها،‭ ‬حيث‭ ‬ان‭ ‬ناتج‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬هو‭ ‬انتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬وحقوق‭ ‬الاسرة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وجه‭ ‬حق‭ ‬أو‭ ‬مبرر‭ ‬أو‭ ‬موجب‭ ‬قانوني‭ ‬يقتضي‭ ‬ذلك‭.‬

والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬سيبقى‭ ‬عالقاً‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬كل‭ ‬انسان‭ ‬يمتلك‭ ‬ذرّة‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬هذه‭ ‬الايام‭ ‬هو‭: ‬بأي‭ ‬دم‭ ‬بارد‭ ‬تتم‭ ‬إراقة‭ ‬دماء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة؟‭ ‬في‭ ‬مجازر‭ ‬تُشكّل‭ ‬انتهاكاً‭ ‬صارخاً‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الانساني،‭ ‬أين‭ ‬هي‭ ‬المدنية‭ ‬والتحضر؟‭ ‬أين‭ ‬ذهبت‭ ‬التعاليم‭ ‬السماوية‭ ‬التي‭ ‬تحضّ‭ ‬على‭ ‬التسامح‭ ‬واحترام‭ ‬الاخر‭ ‬وحقن‭ ‬دمائه؟

فإذا‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نحن‭ ‬الآمنين‭ ‬في‭ ‬أسرابنا‭ ‬قد‭ ‬أدمت‭ ‬قلوبنا‭ ‬قبل‭ ‬أعيننا‭ ‬وأرهقتنا‭ ‬أحداث‭ ‬غزّة‭ ‬وحجم‭ ‬القتل‭ ‬والدمار‭ ‬الممنهج‭ ‬الذي‭ ‬يحيق‭ ‬بها‭ ‬وبأهلها،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يرزحون‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬ويلاتها،‭ ‬ويعايشون‭ ‬رعب‭ ‬أصوات‭ ‬القنابل‭ ‬وخرابها‭ ‬وأشباح‭ ‬الفقد‭ ‬والقلق‭ ‬من‭ ‬المستقبل‭ ‬المعتم‭ ‬الذي‭ ‬ينتظرهم؟‭ ‬بلا‭ ‬ذنب‭ ‬ولا‭ ‬خطيئة‭ ‬سوى‭ ‬التمسك‭ ‬بحقهم‭ ‬في‭ ‬أرضهم؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وجعله‭ ‬يغضّ‭ ‬الطرف‭ ‬عما‭ ‬تتناقله‭ ‬الاخبار‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬وتدمير‭ ‬وتهجير‭ ‬وإبادة‭ ‬للرجال‭ ‬والنساء‭ ‬والاطفال‭ ‬بأيادٍ‭ ‬لا‭ ‬ترتجف‭ ‬وبعين‭ ‬لا‭ ‬ترفّ،‭ ‬بل‭ ‬الأغرب‭ ‬هو‭ ‬اعلان‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬مساندتها‭ ‬لإسرائيل‭ ‬دون‭ ‬اعتبار‭ ‬لإنسانية‭ ‬الانسان‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وحقوقه‭.‬

فالأكيد‭ ‬أن‭ ‬الانسانية‭ ‬تنتهك‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬بمباركة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مخالفة‭ ‬صارخة‭ ‬لأهداف‭ ‬الامم‭ ‬المتحدة‭.‬

كان‭ ‬الله‭ ‬مع‭ ‬غزّة‭ ‬وأهلها،‭ ‬إن‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬قريب‭ ‬وإن‭ ‬ينصركم‭ ‬الله‭ ‬فلا‭ ‬غالب‭ ‬لكم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا