العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

الكتابة في زمن النزاعات

بقلم: د. وجدان فهد .

الثلاثاء ٣١ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات‭ ‬والنزاعات‭ ‬يتجه‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬غضبه‭ ‬إما‭ ‬صوتاً‭ ‬أو‭ ‬كتابةً‭ ‬للتعبير‭ ‬عما‭ ‬يختزن‭ ‬في‭ ‬خبيئته‭ ‬الوجدانية،‭ ‬وألا‭ ‬تظل‭ ‬المشاعر‭ ‬والأفكار‭ ‬مكبوتة‭ ‬في‭ ‬دواخله،‭ ‬وحتماً‭ ‬ساعدت‭ ‬تطبيقات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬فضاء‭ ‬مباشر‭ ‬ومساحة‭ ‬شبه‭ ‬حرة‭ ‬للتعبير،‭ ‬لكنها‭ ‬ظلت‭ ‬مساحات‭ ‬مليئة‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬مفبرك‭ ‬ومزيف‭ ‬وسط‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حقيقي‭ ‬وواقعي،‭ ‬ما‭ ‬استدعى‭ ‬من‭ ‬المتابع‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭  ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يضبط‭ ‬تفاعله‭ ‬معها‭ ‬قبل‭ ‬إعادة‭ ‬النشر‭ ‬أو‭ ‬الرد‭.‬

ونكاد‭ ‬كلنا‭ ‬نشترك‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬جمعية‭ ‬عما‭ ‬نقلته‭ ‬حسابات‭ ‬تويتر‭ ‬سابقا‭ ‬‮«‬أكس‮»‬‭ ‬حاليا،‭ ‬وفيسبوك،‭ ‬و‮«‬يوتيوب‮»‬‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬هزت‭ ‬العالم‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬في‭ ‬2009‭ ‬ويحدث‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وعن‭ ‬صور‭ ‬غرق‭ ‬بعض‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬إثر‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬وذاك‭ ‬الطفل‭ ‬الأفغاني‭ ‬الذي‭ ‬تعلق‭ ‬على‭ ‬سور‭ ‬المطار‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬والديه‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الأفغانية‭ ‬ومحاولتهم‭ ‬إلحاقه‭ ‬بطواقم‭ ‬الطائرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المغادرة‭ ‬خوفاً‭  ‬عليه‭ ‬من‭  ‬عودة‭ ‬مصير‭ ‬دموي‭ ‬لحركة‭ ‬طالبان‭!. ‬

وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬للمدونات‭ ‬حضور‭ ‬طاغٍ‭ ‬ففي‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬سنة‭ ‬2003‭ ‬برزت‭ ‬مدونات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬باكس‮»‬‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وقد‭ ‬اقتبست‭ ‬الصحافة‭ ‬العالمية‭ ‬نصوصاً‭ ‬منها‭ ‬لتبدو‭ ‬مدونات‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كونها‭ ‬أداة‭ ‬لتفريغ‭ ‬المشاعر‭ ‬وسيلة‭ ‬للفت‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬النزاع‭.‬

وعلى‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬يشاع‭ ‬بأن‭ ‬المعاناة‭ ‬تخلق‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬المجالين‭ ‬الكتابي‭ ‬والتوثيقي،‭ ‬فهي‭ ‬أيضا‭ ‬تخنق‭ ‬الإبداع‭!! ‬فكيف‭ ‬لمن‭ ‬يعاني‭ ‬الفقر‭ ‬والقهر‭ ‬والفاقة،‭ ‬ويعيش‭ ‬وسط‭ ‬الترهيب،‭ ‬ويُمسي‭ ‬ويصبح‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬القنابل‭ ‬والنيران‭ ‬المشتعلة‭.. ‬أن‭ ‬يبدع‭!!‬

ولربما‭ ‬معاناة‭ ‬الكاتب‭ ‬اليمني‭ ‬علي‭ ‬المقري،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أشهر‭ ‬الروائيين‭ ‬العرب‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فهذا‭ ‬الكاتب‭ ‬وخلال‭ ‬محاضرة‭ ‬سابقة‭ ‬له‭ ‬بمركز‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬للثقافة‭ ‬والبحوث‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬قد‭ ‬سمعته‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬معاناته‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورة‭ ‬اليمنية‭ ‬سنة‭ ‬2011م،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬وابل‭ ‬الرصاص‭ ‬كان‭ ‬يفزعه،‭ ‬وقد‭ ‬لازمته‭ ‬حالة‭ ‬الفزع‭ ‬عندما‭ ‬فرّ‭ ‬إلى‭ ‬جيبوتي‭ ‬ومكث‭ ‬فيها‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬حتى‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬يستقر‭ ‬فيها‭ ‬الآن‭.  ‬

وأمثال‭ ‬المقري‭ ‬مبدعون‭ ‬كثيرون،‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬شهرته‭ ‬التي‭ ‬نالها‭ ‬بعد‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬اليهودي‭ ‬الحالي‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬تطرق‭ ‬فيها‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬اليهود‭ ‬العرب‭ ‬شبه‭ ‬منسي‭ ‬وربما‭ ‬مسكوت‭ ‬عنه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جلّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬المبدعين‭ ‬يجمعهم‭ ‬شعور‭ ‬الإحباط‭ ‬وعدم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬استمرارية‭ ‬العطاء‭ ‬داخل‭ ‬أوطان‭ ‬منكوبة‭ ‬تنهشها‭ ‬الفوضى‭ ‬والدمار‭ ‬والغوغائية‭. ‬

ولعمري‭ ‬إن‭ ‬المبدعين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يصنعون‭ ‬الكنوز‭ ‬الخالدة‭ ‬لأوطانهم‭ ‬بما‭ ‬ينتجونه‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الأدب‭ ‬والفنون‭ ‬والعلوم‭ ‬والابتكارات،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تقديرهم‭ ‬واحتضان‭ ‬إبداعاتهم‭ ‬واجبا‭ ‬وطنيا‭ ‬لا‭ ‬ترفا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا