العدد : ١٦٨٦٠ - الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٦٠ - الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

مقالات

(فلسطين) قضية الإنسانية جمعاء

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬أدركت‭ ‬الأمم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شهدت‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب‭ ‬وآثارها،‭ ‬حجم‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بالدول‭ ‬وطالت‭ ‬من‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‭ ‬وسلامته‭ ‬وأمنه،‭ ‬لذا‭ ‬توافقت‭ ‬على‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1945‭ ‬وارتضت‭ ‬أحكامه‭ ‬طلباً‭ ‬للتعايش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب،‭ ‬عالم‭ ‬يسوده‭ ‬السلام‭ ‬وتُحل‭ ‬فيه‭ ‬جميع‭ ‬النزاعات‭ ‬بالوسائل‭ ‬الدولية‭ ‬الودية‭ ‬السلمية،‭ ‬لذا‭ ‬جعلت‭ ‬الأمم‭ ‬هدفها‭ ‬الأساسي‭ ‬وهو‭ ‬الحفاظ‭  ‬على‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‭ ‬وعلى‭ ‬حِفظ‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬باعتبارها‭ ‬الركيزة‭ ‬الأساسية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لذا‭ ‬تتعهد‭ ‬فيه‭ ‬الدول‭ ‬بالامتناع‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬التهديد‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دولة‭ ‬ضد‭ ‬أخرى‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والأمان‭ ‬على‭ ‬شخصه‭ ‬وعلى‭ ‬ممتلكاته‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬التعهدات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬قيام‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬نهايتها‭ ‬الحتمية‭ ‬هي‭ ‬فناء‭ ‬البشرية،‭ ‬ولكن‭ ‬يثبت‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬أهداف‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الأساسية‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تستعر‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬وأخرى‭ ‬وتجرّ‭ ‬الويلات‭ ‬على‭ ‬قاطنيها‭ ‬وبُناها‭ ‬الفوقية‭ ‬والتحتية‭ ‬وتستنزف‭ ‬قواها،‭ ‬والأمثلة‭ ‬كثيرة‭.‬

ولكن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬وتلك‭ ‬تبقى‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬استنزافاً‭ ‬للبشر‭ ‬وللأموال‭ ‬والممتلكات،‭ ‬فلا‭ ‬يسلم‭ ‬مواطنوها‭ ‬الباقون‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬الأذى‭ ‬والانتهاكات‭ ‬ومذابح‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬وثّقها‭ ‬التاريخ‭ ‬عبر‭ ‬سبعين‭ ‬عاماً‭ ‬وخمسة‭ ‬ومازالت،‭  ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬نعايش‭ ‬الآن‭ ‬أحداث‭ ‬غزّة‭ ‬الأليمة،‭ ‬حيث‭ ‬تضجّ‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بصور‭ ‬وفيديوهات‭ ‬القتل‭ ‬والخراب‭ ‬والتدمير‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والأرض‭ ‬والممتلكات‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬التي‭ ‬ترزح‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬تحت‭ ‬الحصار‭ ‬وقطع‭ ‬الإمدادات‭ ‬الأساسية‭ ‬من‭ ‬غذاء‭ ‬وماء‭ ‬وكهرباء‭ ‬وغاز‭ ‬وعلاج‭  ‬مع‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬المخالف‭ ‬لجميع‭ ‬القواعد‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‭ ‬المكتوبة‭ ‬والعرفية،‭ ‬والتي‭ ‬طالت‭ ‬المدنيين‭ ‬الآمنين‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والمدارس‭ ‬وأبادت‭ ‬أسرُ‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيها‭ ‬وارتفعت‭ ‬فيها‭ ‬أعداد‭ ‬القتلى‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬صارخ‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭ ‬على‭ ‬مسمع‭ ‬ومرأى‭ ‬من‭ ‬أعين‭ ‬العالم‭ ‬كله‭.‬

وإن‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬سياسات‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تضمنها‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬وثيقة‭ ‬تعاهديه‭ ‬بين‭ ‬الإرادة‭ ‬الملكية‭ ‬السامية‭ ‬وإرادة‭ ‬الشعب،‭ ‬وتتمثل‭ ‬سياستها‭ ‬في‭ ‬حرص‭ ‬المملكة‭ ‬بغير‭ ‬حدود‭ ‬على‭ ‬مساندة‭ ‬كل‭ ‬قضايا‭ ‬الحق‭ ‬العربي،‭ ‬وعلى‭ ‬التزامها‭ ‬بدعم‭ ‬أشقائها‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬قضاياهم‭ ‬المصيرية،‭ ‬وتأكيدها‭ ‬مساندتها‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬المشروعة،‭ ‬وعلى‭ ‬الأخص‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستـقلة‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭. ‬وتؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬عودة‭ ‬واحترام‭ ‬كل‭ ‬الحقوق‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قواعد‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬وقد‭ ‬عززّت‭ ‬الفقرة‭ (‬أ‭) ‬من‭ ‬المادة‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬بتأكيد‭ ‬أن‭ ‬سلامة‭ ‬الوطن‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬سلامة‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الكبير،‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه‭ ‬واجب‭ ‬مقدس‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭.‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يخلو‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬السامي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القمم‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والآسيوية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وآخرها‭ ‬خطاب‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬الخليجية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬رابطة‭ ‬الآسيان،‭ ‬والتي‭ ‬حرص‭ ‬جلالته‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬ستبقى‭ ‬أولويتنا‭ ‬الكبرى‭ ‬وبأن‭ ‬موقف‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬وتأييد‭ ‬جهود‭ ‬السلام‭ ‬الشاملة‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلّ‭ ‬عادل‭ ‬لها‭ ‬لهو‭ ‬موقف‭ ‬ثابت‭ ‬لا‭ ‬حياد‭ ‬عنه‭ ‬وبما‭ ‬يضمن‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الشقيق‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة‭ ‬ذات‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭. ‬

وعليه‭ ‬،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬للكتابة‭ ‬أثر،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الملائم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬موضوع‭ ‬آخر‭ ‬الآن‭ ‬سوى‭ ‬موضوع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وأحداث‭ ‬غزّة‭ ‬المؤسفة‭ ‬واللاإنسانية،‭ ‬فإنني‭ ‬أحثّ‭ ‬كلّ‭ ‬صاحب‭ ‬قلم‭ ‬لنجتمع‭ ‬معاً‭ ‬بصوت‭ ‬واحد‭  ‬على‭ ‬مطالبة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬باتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬إنساني‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬أحكام‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬والمواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬الخاصة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التي‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬والرقابة‭ ‬على‭ ‬التزام‭ ‬الدول‭ ‬بتعهداتها‭ ‬بتعزيز‭ ‬واحترام‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ليوظّفها‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬الساعة‭ ‬في‭ ‬غزّة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ولاسيما‭ ‬غزّة‭ ‬الآن‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬هي‭ ‬المحكّ‭ ‬الحقيقي‭ ‬للإعمال‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وذلك‭ ‬باتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬دولي‭  ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬غزّة‭ ‬وأهلها‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬وبشكل‭ ‬فوري،‭ ‬فالقضية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬قضية‭ ‬حق‭ ‬شعب‭ ‬في‭ ‬أرضه‭ ‬بل‭ ‬تجاوزتها‭ ‬لتكون‭ ‬قضية‭ ‬حق‭ ‬شعب‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والأمان‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وشخصه‭ ‬وممتلكاته‭ ‬وكرامته‭ ‬الإنسانية‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا