العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

نُريد قانون أسرة يُنصف المرأة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠١ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

تؤكد‭ ‬الفقرة‭ (‬أ‭) ‬من‭ ‬المادة‭ ‬الخامسة‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬أن‭ ‬الأسرة‭ ‬أساس‭ ‬المجتمع،‭ ‬قوامها‭ ‬الدين‭ ‬والأخلاق‭ ‬وحب‭ ‬الوطن،‭ ‬يحفظ‭ ‬القانون‭ ‬كيانها‭ ‬الشرعي،‭ ‬ويقوي‭ ‬أواصرها‭ ‬وقيمها،‭ ‬ويحمي‭ ‬في‭ ‬ظلها‭ ‬الأمومة‭ ‬والطفولة،‭ ‬ويرعى‭ ‬النشء،‭ ‬ويحميه‭ ‬من‭ ‬الاستغلال،‭ ‬ويقيه‭ ‬الإهمال‭ ‬الأدبي‭ ‬والجسماني‭ ‬والروحي‭.. ‬الخ‭ ‬النص‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬الأسرة‭ ‬تحظى‭ ‬بأهمية‭ ‬بالغة‭ ‬باعتبارها‭ ‬عنصرا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬المجتمع‭ ‬وبنائه،‭ ‬فهي‭ ‬تُمثّل‭ ‬اللبنة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬نشأة‭ ‬المجتمعات،‭ ‬لذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬تُشكّل‭ ‬المقومات‭ ‬الأساسية‭ ‬للمجتمع،‭ ‬ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬بشأنها‭ ‬أن‭ ‬الدستور‭ ‬قد‭ ‬أسبغ‭ ‬حماية‭ ‬على‭ ‬الأمومة‭ ‬والطفولة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأسرة‭ ‬مانحاً‭ ‬بذلك‭ ‬فئتين‭ ‬مهمتين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬حماية‭ ‬خاصة‭ ‬يقتضيها‭ ‬المركز‭ ‬القانوني‭ ‬الأضعف‭ ‬لتينك‭ ‬الفئتين‭ ‬وهما‭ ‬المرأة‭ ‬الأم‭ ‬والطفل،‭ ‬اللذين‭ ‬قد‭ ‬يقعان‭ ‬عرضة‭ ‬لانتهاك‭ ‬حقوقهم‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬الأسرة‭ ‬ذاتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ممارسة‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬المادي،‭ ‬الجسدي،‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬العاطفي‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬العنف‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نعلمها‭ ‬والتي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المحيط‭.‬

وقد‭ ‬أطلق‭ ‬الاتحاد‭ ‬النسائي‭ ‬البحريني‭ ‬مؤخرا‭ ‬حملة‭ ‬للمطالبة‭ ‬بتعديل‭ ‬مواد‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬رقم‭ ‬19‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالزواج‭ ‬والطلاق‭ ‬والنفقة‭ ‬والحضانة‭ ‬في‭ ‬الشقين‭ ‬السني‭ ‬والجعفري‭ ‬بما‭ ‬يُنصف‭ ‬المرأة‭ ‬ويُسهم‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة،‭ ‬مع‭ ‬توحيد‭ ‬بعض‭ ‬بنود‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬الشقين‭ ‬السني‭ ‬والجعفري‭ ‬بالأفضلية،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬حماية‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬جميعاً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬أو‭ ‬ظلم‭ ‬قد‭ ‬يلحق‭ ‬بأحدهم‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬مؤسسة‭ ‬الزواج‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬انفصام‭ ‬عُرى‭ ‬الزوجية‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬المرأة‭ ‬الأم‭ ‬والأطفال‭ ‬باعتبارهم‭ ‬أكثر‭ ‬المتضررين‭.‬

وحيث‭ ‬إن‭ ‬طبيعة‭ ‬حياة‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬تغيّر‭ ‬مستمر،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬مؤسسة‭ ‬الزواج‭ ‬مسؤولية‭ ‬مطلقة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الرجل‭ ‬ربّ‭ ‬الأسرة،‭ ‬فهو‭ ‬الزوج‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يتحمل‭ ‬جميع‭ ‬المسؤوليات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالأسرة‭ ‬من‭ ‬إنفاق‭ ‬وتربية‭ ‬وقضاء‭ ‬حاجات‭ ‬أفرادها‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬أصبحت‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬بشكل‭ ‬متساوٍ،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بدأ‭ ‬يحدث‭ ‬الاختلال‭ ‬في‭ ‬توازن‭ ‬المسؤولية‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬بحيث‭ ‬انتقلت‭ ‬لتقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬المرأة،‭ ‬وتظهر‭ ‬تبعات‭ ‬ذلك‭ ‬عند‭ ‬انفصام‭ ‬عُرى‭ ‬الزوجية،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬الزوج‭ ‬قد‭ ‬اعتاد‭ ‬عدم‭ ‬حمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬الانفاق‭ ‬والرعاية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تضيع‭ ‬حقوق‭ ‬الأبناء‭ ‬والأمهات،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يستوجب‭ ‬وجود‭ ‬قانون‭ ‬أسرة‭ ‬معاصر‭ ‬يُحقق‭ ‬الحماية‭ ‬للمرأة‭ ‬والأبناء‭.‬

وحيث‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬التشريعات‭ ‬مكمّلة‭ ‬لبعضها،‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬بمكان‭ ‬مراجعة‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬حماية‭ ‬الطفل‭ ‬ومصالحه‭ ‬الفُضلى‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬الأولوية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القرارات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالطفولة‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬قانون‭ ‬الطفل‭ ‬البحريني،‭ ‬وما‭ ‬نصّت‭ ‬عليه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬والتي‭ ‬انضمت‭ ‬إليها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ (‬والتي‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬لا‭ ‬يتوافق‭ ‬معها‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يُحقق‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬المساواة‭ ‬وعدم‭ ‬التمييز‭ ‬بسبب‭ ‬الجنس‭ ‬والتي‭ ‬كفلها‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كأهم‭ ‬ركيزة‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬المجتمع‭ ‬إذ‭ ‬تضمن‭ ‬له‭ ‬العدالة‭ ‬واستقرار‭ ‬كيانه‭ ‬القائم‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل،‭ ‬وبما‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬تقدّم‭ ‬المرأة‭ ‬سياسياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬وثقافياً،‭ ‬ويُزيح‭ ‬عن‭ ‬كاهل‭ ‬النساء‭ ‬العالقات‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬المحاكم‭ ‬بين‭ ‬معلّقة‭ ‬تنتظر‭ ‬لحظة‭ ‬الخلاص‭ ‬بلا‭ ‬بصيص‭ ‬ضوء‭ ‬يُنبئ‭ ‬بحلولها،‭ ‬وبين‭ ‬متضررة‭ ‬شخصياً‭ ‬أو‭ ‬متضررة‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬أطفالها‭ ‬وضيق‭ ‬الحال‭ ‬وقلة‭ ‬مبالغ‭ ‬النفقة‭ ‬التي‭ ‬يُحكم‭ ‬لهم‭ ‬بها،‭ ‬فالقانون‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬الحماية‭ ‬للمرأة‭ ‬والطفل‭ ‬إعمالاً‭ ‬للنص‭ ‬الدستوري‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قيام‭ ‬الزوجية‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬انتهائها‭. ‬

لذا‭.. ‬تضامناً‭ ‬مع‭ ‬عدالة‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬الإنساني‭ ‬المهم‭ ‬الذي‭ ‬يستهدف‭ ‬حماية‭ ‬الأسرة‭ ‬والمرأة‭ ‬والطفل‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقانون،‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تتعاون‭ ‬سلطات‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬قانون‭ ‬أسرة‭ ‬مواكب‭ ‬للتطورات‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بالأسرة،‭ ‬ويوازي‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬إعداد‭ ‬قضاة‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الأسرة‭ ‬يجمع‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬بين‭ ‬أصول‭ ‬العلوم‭ ‬الشرعية‭ ‬والفقهية‭ ‬وبين‭ ‬علوم‭ ‬القانون‭ ‬الوضعي‭ ‬بشقيه‭ ‬الموضوعي‭ ‬والاجرائي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا