العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

مدونة مي زيادة
أحدثكم عن الزمن الجميل

السبت ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لماذا‭ ‬تتردد‭ ‬كثيرا‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬الزمن‭ ‬الجميل‮»‬‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬سنينه‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬جيل‭ ‬‮«‬المحظوظين‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬وصفهم؟‭... ‬ولماذا‭ ‬يزداد‭ ‬ترديد‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬‮«‬الجميل‮»‬‭ ‬كلما‭ ‬تقدم‭ ‬الزمن؟‭ ‬ولماذا‭ ‬صارت‭ ‬الأغاني‭ ‬العاطفية‭ ‬القديمة‭ ‬لعباقرة‭ ‬الغناء‭ ‬والموسيقى‭ ‬والشعر‭ ‬هي‭ ‬أغاني‭ ‬‮«‬الزمن‭ ‬الجميل»؟‭... ‬وأفلام‭ ‬الأسود‭ ‬والأبيض،‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية،‭ ‬الكوميدية‭ ‬والتراجيدية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬الحروب‭ ‬والإثارة،‭ ‬القديمة،‭ ‬كلها‭ ‬توصف‭ ‬بأفلام‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل‮»‬؟‭... ‬ولماذا‭ ‬بات‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬‮«‬الجميل‮»‬‭ ‬يتردد‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد؟‭ ‬وكأنه‭ ‬يتحسر‭ ‬على‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬يعشه،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬تفاصيله‭ ‬الدقيقة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬آباؤهم‭.‬

ردا‭ ‬على‭ ‬تساؤلاتي،‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬ظاهرة‭ ‬سيسيولوجية‭ ‬تستحق‭ ‬البحث،‭ ‬سأتحدث‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬البسيطة،‭ ‬بإيجاز،‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬عناصر‭ ‬وأسباب‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة؛‭ ‬ولربما‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬إيجابية‭ ‬تكون‭ ‬دافعا‭ ‬للتمسك‭ ‬ببعض‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬الزمن‭ ‬الجميل‮»‬،‭ ‬لمنع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬التردي‭ ‬القيمي‭ ‬الذي‭ ‬يجتاح‭ ‬المجتمعات،‭ ‬والذي‭ ‬وصفه‭ ‬الدكتور‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الكندي‭ ‬آلان‭ ‬دونو‭ ‬بـ«نظام‭ ‬التفاهة»؟

بداية‭ ‬وبإيجاز،‭ ‬إن‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬به‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬قرن‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬قياسه‭ ‬بمقاييس‭ ‬الحروب‭ ‬المدمرة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬زمننا‭ ‬الحالي‭ ‬لتمييز‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬العصرين،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬القديمة‭ ‬كانت‭ ‬حروب‭ ‬العسكر،‭ ‬وليس‭ ‬حروب‭ ‬محاربين‭... ‬والفرق‭ ‬بينهما‭ ‬يتلخص‭ ‬بإيجاز‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬للعسكر‭ ‬قيَما‭ ‬ومبادئ‭ ‬تهتم‭ ‬أكثر‭ ‬بالانتصار‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالشرف‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يملكه‭ ‬المحارب‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬بهدف‭ ‬الانتصار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قتل‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬العدو؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬قيم‭ ‬المحارب‭ ‬هي‭ ‬القتل،‭ ‬والتدمير،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬غيرهما،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يلخص‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬حروب‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان،‭ ‬وحروب‭ ‬زمن‭ ‬التفاهة‭. ‬

ولو‭ ‬تركنا‭ ‬الشأن‭ ‬السياسي‭ ‬جانبا،‭ ‬يمكننا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬الرومانسي‭ ‬للقرن‭ ‬العشرين،‭ ‬الذي‭ ‬تميز‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬ذلك‭ ‬القرن،‭ ‬تعويضا‭ ‬عن‭ ‬سنوات‭ ‬الحروب‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها،‭ ‬وما‭ ‬رافقها‭ ‬من‭ ‬سنوات‭ ‬الكساد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ومآسيه‭ ‬المدمرة‭.‬

هي‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬عشناها‭ ‬نحن‭ ‬العرب،‭ ‬مع‭ ‬سنوات‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وسنوات‭ ‬التنمية‭ ‬والرفاه‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وانتشار‭ ‬التعليم،‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬بأفواج‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الخليج‭ ‬وشبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تتوافد‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬جامعاتها‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنين‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬الأخوة‭ ‬العربية،‭ ‬للتقدم‭ ‬بالعلم‭ ‬وبناء‭ ‬نظام‭ ‬تعليمي‭ ‬متميز،‭ ‬كان‭ ‬الصدق‭ ‬والأمانة‭ ‬شعارهم‭... ‬ومع‭ ‬الازدهار‭ ‬العلمي‭ ‬والثقافي‭ ‬حظي‭ ‬العربي‭ ‬بفرصة‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬العلوم،‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬الأدب‭ ‬العالمي‭ ‬عبر‭ ‬سلسلة‭ ‬منظمة‭ ‬من‭ ‬الترجمة‭ ‬كمؤشر‭ ‬على‭ ‬الانفتاح‭ ‬والتعارف‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭ ‬والأمم‭ ‬عبر‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون،‭ ‬والآداب‭.‬

في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬الوردي‭ ‬كان‭ ‬الاحتفاء‭ ‬يتم‭ ‬بأسماء‭ ‬أبطال‭ ‬الثورات‭ ‬وقصصهم،‭ ‬وبتضحيات‭ ‬الأمهات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أوطانهم،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بأبطال‭ ‬قصص‭ ‬الأفلام‭ ‬الراقية‭ ‬في‭ ‬قيم‭ ‬الشجاعة‭ ‬والأمانة‭ ‬والجمال‭... ‬كان‭ ‬البطل‭ ‬القومي‭ ‬يقاس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قيم‭ ‬ابن‭ ‬الجيران‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬ابنة‭ ‬حارته،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬نذالة‭ ‬الخائن‭ ‬لوطنه‭ ‬تقاس‭ ‬بنذالة‭ ‬التاجر‭ ‬غير‭ ‬الأمين‭ ‬الذي‭ ‬يغش‭ ‬في‭ ‬الكيل‭ ‬والميزان‭.‬

في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬كانت‭ ‬قيم‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وجميع‭ ‬الأديان،‭ ‬تُمارس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأخلاق‭ ‬والعفاف‭ ‬والعدل‭ ‬والإنصاف،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬المنابر‭ ‬تشتم‭ ‬أو‭ ‬تنبذ‭ ‬أو‭ ‬تتوعد‭ ‬وتنذر‭ ‬أو‭ ‬تُحرّم‭ ‬وتحلل‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭.‬

وفي‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬كانت‭ ‬الثقافة‭ ‬قيمة‭ ‬أخلاقية‭ ‬بدونها‭ ‬يعيش‭ ‬الإنسان‭ ‬معزولا‭ ‬منبوذا‭... ‬وكان‭ ‬الوعي‭ ‬يقاس‭ ‬بمقدار‭ ‬إنسانية‭ ‬الإنسان‭ ‬وما‭ ‬يملكه‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬الحب‭ ‬والعواطف‭ ‬النبيلة‭ ‬الشريفة‭ ‬والصادقة‭... ‬فكان‭ ‬لأصحاب‭ ‬الكفاءات‭ ‬العلمية‭ ‬مرتبة‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الثروات‭... ‬كما‭ ‬كان‭ ‬لأصحاب‭ ‬الثقافة‭ ‬والوعي‭ ‬السليم‭ ‬درجات‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المناصب‭ ‬والسيارات‭ ‬الفارهة‭. ‬

في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل،‭ ‬والجميل‭ ‬جدا،‭ ‬كان‭ ‬للفن‭ ‬والأدب‭ ‬والموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬قيمة‭ ‬إنسانية‭ ‬راقية،‭ ‬فتميزت‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬بعمالقة‭ ‬الفن‭ ‬والأدب‭ ‬والرواية‭ ‬والترجمة‭ ‬والغناء،‭ ‬وعمالقة‭ ‬من‭ ‬الملحنين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعوضنا‭ ‬الزمن‭ ‬عنهم‭... ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬احترام‭ ‬كبير‭ ‬لخصوصية‭ ‬الإنسان‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬مشهورا،‭ ‬وكان‭ ‬الناس‭ ‬ينبذون‭ ‬الابتذال‭ ‬والعري‭ ‬وإشهار‭ ‬الخصوصيات،‭ ‬وهوس‭ ‬الثراء‭.‬

بإيجاز،‭ ‬في‭ ‬زمننا‭ ‬هذا‭ ‬نحن‭ ‬نتحسر‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل؛‭ ‬لأننا‭ ‬نعيش‭ ‬عصرا‭ ‬ماديا‭ ‬حتى‭ ‬النخاع،‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جمال‭ ‬إنساني‭ ‬وأخلاقي‭ ‬راقٍ،‭ ‬ومن‭ ‬المصداقية‭ ‬والوقار،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عصر‭ ‬تافه‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬آلان‭ ‬دونو‭... ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬رسالتي‭ ‬قد‭ ‬وصلت،‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬وقتا‭ ‬لأشرح‭ ‬المزيد‭. ‬

ولكن‭ ‬سيبقى‭ ‬للحديث‭ ‬بقية‭..‬

 

مي‭ ‬زيادة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا