العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

مقالات

الموازنة بين حقوق العمالة المنزلية والكفيل

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لا‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬العمالة‭ ‬المنزلية‭ ‬احتراماً‭ ‬لحق‭ ‬العمالة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬خضوعهم‭ ‬للسخرة‭ ‬وحفظاً‭ ‬لكرامتهم‭ ‬الإنسانية‭.‬

وقد‭ ‬طُرح‭ ‬أمام‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬مؤخراً‭ ‬مقترح‭ ‬نيابي‭ ‬حول‭ ‬قانون‭ ‬بشأن‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬ومن‭ ‬في‭ ‬حكمهم‭ ‬ينص‭ ‬ضمن‭ ‬أحكامه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يتحمل‭ ‬العامل‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬هروبه‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭ ‬متسببا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كافة‭ ‬المصاريف‭ ‬التي‭ ‬تكبدها‭ ‬صاحب‭ ‬المنزل‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تكلفة‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬بلده‭ ‬ويتحمل‭ ‬دفع‭ ‬قيمة‭ ‬تذكرة‭ ‬السفر‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬رغبته‭ ‬شخصياً‭ ‬في‭ ‬مغادرة‭ ‬البلاد‭ ‬لأي‭ ‬سبب‭ ‬من‭ ‬الأسباب،‭ ‬ومنع‭ ‬استقدام‭ ‬خدم‭ ‬المنازل‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬مكتب‭ ‬مرخص‭... ‬إلى‭ ‬آخره‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬من‭ ‬المواضع‭ ‬الشائكة‭ ‬لطرفيها‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬ثوابت‭ ‬فيها،‭ ‬حيث‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬رب‭ ‬العمل‭  ‬في‭ ‬أحوال‭ ‬كثيرة‭ ‬المثل‭  ‬الشعبي‭: (‬يا‭ ‬من‭ ‬شرى‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬حلاله‭ ‬علّة‭) ‬لذا‭ ‬فهو‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬أما‭ ‬العاملون‭ ‬فكان‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عونهم‭ ‬أيضاً،‭ ‬إذ‭ ‬اضطرتهم‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاغتراب‭ ‬ومفارقة‭ ‬أحبتهم‭ ‬طلباً‭ ‬للرزق،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬أحوج‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬الرأفة‭ ‬والرحمة‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬القوانين‭ ‬القاسية،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬بالتحديد‭ ‬يصعب‭ ‬تحديد‭ ‬الظالم‭ ‬من‭ ‬المظلوم،‭ ‬لذا‭ ‬يبقى‭ ‬دائما‭ ‬موضوع‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬حقوق‭ ‬هذين‭ ‬الطرفين‭ ‬من‭ ‬المواضيع‭ ‬الصعبة‭ ‬جداً،‭ ‬وربما‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬تأخر‭ ‬صدور‭ ‬قانون‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬ولو‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬ضرورة‭ ‬لصدور‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬ويُكتفى‭ ‬بشروط‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬عمل‭ ‬نموذجي‭ ‬موحد‭.‬

إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬التطبيق‭ ‬العملي‭ ‬المتعلق‭ ‬بالعاملين‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬يُرجّح‭ ‬كفّة‭ ‬العامل‭ ‬على‭ ‬كفة‭ ‬رب‭ ‬العمل،‭ ‬ويجعل‭ ‬من‭ ‬الأخير‭ ‬الطرف‭ ‬الأضعف‭ ‬الذي‭ ‬يتوجب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتكبد‭ ‬أكثر‭ ‬خسارات‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة،‭ ‬فعندما‭ ‬تهرب‭ ‬العاملة‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬للبعض‭ ‬تسميته‭ (‬تترك‭ ‬العمل‭) ‬يكون‭ ‬على‭ ‬ربّ‭ ‬العمل‭ ‬تحمّل‭ ‬كلفة‭ ‬ما‭ ‬أنفقه‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬استقدامها‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الرسوم‭ ‬الأخرى‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتراخيص‭ ‬بقائها‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬وكلفة‭ ‬جديدة‭  ‬لاستقدام‭ ‬أخرى‭ ‬جديدة،‭ ‬وتختفي‭ ‬الأولى‭  ‬كأنها‭  ‬إبرة‭ ‬في‭ ‬كومة‭ ‬قش،‭ ‬ثم‭ ‬تغيب‭ ‬لسنوات‭  ‬وتظهر‭ ‬فجأة‭ ‬لتطالب‭ ‬بتذكرة‭ ‬سفر‭ ‬إلى‭ ‬بلادها،‭ ‬يتحملها‭ ‬رب‭ ‬العمل‭ ‬المكلوم‭ ‬الذي‭ ‬هربت‭ ‬منه‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬نسى‭ ‬اسمها‭ ‬ونسى‭ ‬وجودها‭ ‬أصلا‭.‬

أو‭ ‬عندما‭ ‬تستلم‭ ‬العاملة‭ ‬رواتبها‭ ‬الشهرية‭ (‬على‭ ‬داير‭ ‬مليم،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬المصري‭) ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬اثبات‭ ‬ذلك‭ ‬بأرصدة‭ ‬استلام‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬من‭ ‬حُسن‭ ‬نوايا‭ ‬الشخص‭ ‬العادي‭ ‬والثقة‭ ‬المتبادلة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬رب‭ ‬العمل‭ ‬صاحب‭ ‬المنزل‭ ‬باعتبارها‭ ‬فردا‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة،‭ ‬ثم‭ ‬تطالبه‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مدة‭ ‬عملها‭ ‬بأجور‭ ‬شهور‭ ‬سنوات‭ ‬الخدمة‭ ‬كلها‭ ‬متكئة‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬اثبات‭ ‬الاستلام،‭ ‬ويصطدم‭ ‬رب‭ ‬العمل‭ ‬أيضاً‭ ‬بأنه‭ ‬مُلزم‭ ‬بسداد‭ ‬الأجور‭ ‬مُجدداً‭ ‬بحكم‭ ‬قضائي‭.‬

أما‭ ‬القصص‭ ‬والتفاصيل‭ ‬الكثيرة‭ ‬الأخرى‭ ‬المرتبطة‭ ‬بعاملات‭ ‬المنازل‭ ‬فسأتركها‭ ‬لخيال‭ ‬القارئ،‭ ‬وأعود‭ ‬إلى‭ ‬المقترح‭ ‬النيابي‭ ‬موضوع‭ ‬المقال‭.‬

فقد‭ ‬تطرق‭ ‬المقترح‭ ‬إلى‭ ‬تفاصيل‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬بجديد‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬موضع‭ ‬التطبيق‭ ‬حالياً،‭ ‬مثل‭ ‬الاتفاق‭ ‬بين‭ ‬المكاتب‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬العامل‭ ‬وبلد‭ ‬رب‭ ‬العمل‭ ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬أساسيات‭ ‬عمل‭ ‬مكاتب‭ ‬استقدام‭ ‬العمالة‭ ‬الاجنبية،‭ ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬هناك‭ ‬بالفعل‭ ‬ضوابط‭ ‬لاستقدام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عاملة‭ ‬منزلية‭ ‬واحدة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأصل‭ ‬بأن‭ ‬لكل‭ ‬أسرة‭ ‬عاملة‭ ‬واحدة‭ ‬لغرض‭ ‬معين‭ ‬ومع‭ ‬توافر‭ ‬ضوابط‭ ‬معينة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭.‬

وأتفق‭ ‬بشدة‭ ‬مع‭ ‬تحميل‭ ‬العمالة‭ ‬المنزلية‭ ‬كلفة‭ ‬استقدامها‭ ‬وترحيلها‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬هروبها‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬رب‭ ‬العمل‭ ‬نفسه،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تحمّل‭ ‬نتائج‭ ‬أهواء‭ ‬وتصرفات‭ ‬العاملة‭ ‬المنزلية‭ ‬الشخصية‭.‬

إلا‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬المقترح‭ ‬في‭ ‬اشتراط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬استقدام‭ ‬العمالة‭ ‬المنزلية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المكاتب‭ ‬الرسمية،‭ ‬لأنه‭ ‬يتضمن‭ ‬تضييقاً‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬المكاتب‭ ‬المتخصصة‭ ‬أو‭ ‬الاستقدام‭ ‬بمعرفته‭ ‬وسيحرم‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬تستطيع‭ ‬استقدام‭ ‬عمالتها‭ ‬بواسطة‭ ‬علاقاتها‭ ‬الشخصية‭ ‬ومعارفها‭ ‬برسوم‭ ‬بسيطة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬رسوم‭ ‬الاستقدام‭ ‬وتذكرة‭ ‬السفر،‭ ‬ويلزمهم‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬مكاتب‭ ‬الاستقدام‭ ‬ودفع‭ ‬رسوم‭ ‬أعلى،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬أن‭ ‬يتضمن‭ ‬نصا‭ ‬ينظم‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭ ‬بشكل‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬المواطن‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يُثقل‭ ‬كاهل‭ ‬المواطنين‭. ‬

ويقفز‭ ‬إلى‭ ‬ذاكرتي‭ ‬شعار‭ ‬المؤتمر‭ ‬الذي‭ ‬نظمه‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬لنقابات‭ ‬عمال‭ ‬البحرين،‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬وزير‭ ‬العمل‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬بعنوان‭ (‬رحلة‭ ‬عمل‭ ‬آمنة‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬المنشأ‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬المقصد‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬حرص‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬واحترام‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬العمالة‭ ‬المنزلية‭ ‬يضع‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬موضوع‭ ‬التطبيق،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يُضمن‭ ‬لصاحب‭ ‬المنزل‭ ‬حماية‭ ‬لحقوقه‭ ‬وخصوصيته‭ ‬وحقوق‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬سواء،‭ ‬فالمركز‭ ‬القانوني‭ ‬الضعيف‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬للعاملة‭ ‬حيناً‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬لصاحب‭ ‬المنزل‭ ‬أحياناً‭ ‬كثيرة‭.‬

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا