العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

في كل كبدٍ رطبة أجر

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٠ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،‭ ‬

استرعي‭ ‬انتباهي‭ ‬خبر‭ ‬منشور‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬حول‭ ‬فرض‭ ‬أول‭ ‬غرامة‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬لقيامه‭ ‬بإطعام‭ ‬الحيوانات‭ ‬السائبة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬السابقة‭ ‬الأولى‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭. ‬وبالبحث‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬السبق‭ ‬في‭ ‬معاقبة‭ ‬مُطعمي‭ ‬الحيوانات‭ ‬السائبة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬كان‭ ‬لبلدية‭ ‬المحرق‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬لأحد‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلسها‭ ‬البلدي‭ ‬أن‭ ‬صرّح‭ ‬مُحذراً‭ ‬عبر‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬المحلية‭ ‬من‭ ‬إطعام‭ ‬الطيور‭ ‬والحيوانات‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والميادين‭ ‬العامة،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬البلدية‭ ‬برفع‭ ‬لافتات‭ ‬منع‭ ‬إطعام‭ ‬الحيوانات‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬وتسجيل‭ ‬مخالفة‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مبلغ‭ ‬300‭ ‬دينار‭ ‬على‭ ‬المخالفين،‭ ‬بهدف‭ ‬منع‭ ‬الآثار‭ ‬المؤذية‭ ‬للبيئة‭ ‬وعلى‭ ‬جمال‭ ‬المنطقة‭.‬

وللأمانة،‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬جدير‭ ‬بأن‭ ‬يستوقف‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الإنسانية‭ ‬والدستورية‭ ‬والقانونية،‭ ‬ودعونا‭ ‬نتجاوز‭ ‬موضوع‭ ‬الناحية‭ ‬القانونية‭ ‬ونكتفي‭ ‬منها‭ ‬فقط‭ ‬بالتذكير‭ ‬بأحد‭ ‬أهم‭ ‬المبادئ‭ ‬الدستورية‭ ‬والجنائية‭ ‬العامة،‭ ‬وهو‭ ‬مبدأ‭ ‬الشرعية‭ ‬الجنائية‭ ‬إذ‭ (‬لا‭ ‬جريمة‭ ‬ولا‭ ‬عقوبة‭ ‬إلا‭ ‬بقانون‭) ‬مكتوب‭ ‬ومُحدّد‭ ‬يحصر‭ ‬الفعل‭ ‬بدلالة‭ ‬واضحة‭ ‬وغير‭ ‬قابلة‭ ‬للتأويل،‭ ‬لأقف‭ ‬عند‭ ‬الناحية‭ ‬الإنسانية‭ ‬والدينية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الجميع‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التخصص‭.‬

ففي‭ ‬حديث‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬عن‭ ‬الرسول‭ ‬صلّى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬عن‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬شكر‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬وغفر‭ ‬له‭ ‬إثر‭ ‬سُقياه‭ ‬لكلبٍ‭ ‬كان‭ ‬يلهث‭ ‬عطشاً،‭ ‬وحين‭ ‬سأله‭ ‬صحابته‭ ‬يا‭ ‬رسولَ‭ ‬اللهِ‭ ‬إنَّ‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬البهائمِ‭ ‬أجرًا؟‭ ‬فقال‭ (‬ص‭): ‬نعم‭! ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬كبدٍ‭ ‬رطبةٍ‭ ‬أجرٌ،‭ ‬والسؤال‭ ‬هو‭ ‬أين‭ ‬متخذي‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬وهذا‭ ‬الأجر؟‭!‬

كما‭ ‬يروي‭ ‬التاريخ‭ ‬عن‭ ‬الخليفة‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬انتهى‭ ‬الفقر‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬فقير‭ ‬يستحق‭ ‬أموال‭ ‬الزكاة،‭ ‬يُقال‭ ‬بأنه‭ ‬أمر‭ ‬بتجهيز‭ ‬الجيش‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬وتزويج‭ ‬الشباب،‭ ‬ثم‭ ‬قضاء‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬المدينين،‭ ‬وأمر‭ ‬بشراء‭ ‬القمح‭ ‬بالفائض‭ ‬منها‭ ‬ونثره‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الجبال،‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يُقال‭ ‬جاع‭ ‬طير‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المسلمين،‭ ‬والسؤال‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬أين‭ ‬مُتّخذي‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬ومن‭ ‬أثر‭ ‬السلف‭ ‬الصالح؟‭! ‬بل‭ ‬أين‭ ‬متخذي‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬أحكام‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬التي‭ ‬قضت‭ ‬بأن‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬مصدر‭ ‬رئيسي‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬التشريع؟‭! ‬الشريعة‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬كبدٍ‭ ‬رطبة‭ ‬أجر،‭ ‬ليأتي‭ ‬القرار‭ ‬ليقطع‭ ‬الأجر‭ ‬ويخالف‭ ‬الدستور‭ ‬وأحكام‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬كان‭ ‬بإمكان‭ ‬المجلس‭ ‬البلدي‭ ‬باعتباره‭ ‬أحد‭ ‬جناحي‭ ‬البلدية‭ ‬لتلافي‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تلحق‭ ‬بنظافة‭ ‬الأماكن‭ ‬وجمال‭ ‬المدينة،‭ ‬كان‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬حلولاً‭ ‬جمالية‭ ‬لهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬بحيث‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬جمال‭ ‬المدينة‭ ‬ولا‭ ‬يحرم‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الأجر‭ ‬وجمع‭ ‬الحسنات‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬مبتغاهم،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يحرم‭ ‬الحيوانات‭ ‬السائبة‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قوتها‭ ‬ولا‭ ‬يحرم‭ ‬البلاد‭ ‬بأكملها‭ ‬من‭ ‬البركة‭. ‬إذ‭ ‬بالإمكان‭ -‬كمقترح‭- ‬تخصيص‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض،‭ ‬ويمكن‭ ‬بناء‭ ‬معلم‭ ‬جميل‭ ‬يُزين‭ ‬المكان‭ ‬ويكون‭ ‬وعاء‭ ‬لطعام‭ ‬الحيوانات‭ ‬السائبة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬فتأكل‭ ‬الحيوانات‭ ‬السائبة‭ ‬منه‭ ‬ويتحقق‭ ‬أجر‭ ‬إطعامها‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬جمالية‭ ‬الأماكن‭.‬

 

‭ ‬Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا