العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

مرحلة التشكيك

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الاثنين ٠٧ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء‭ ‬

من‭ ‬أهم‭ ‬سمات‭ ‬المرحلة‭ ‬المعاصرة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬الشخصية‭- ‬أنها‭ ‬فترة‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬طابع‭ ‬انعدام‭ ‬الثقة‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬أسلوب‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬نوعان‭ ‬من‭ ‬التشكيك؛‭ ‬أحدهما‭ ‬يُشكل‭ ‬مساساً‭ ‬بالنوع‭ ‬البشري‭ ‬وفلسفة‭ ‬خلقه،‭ ‬والآخر‭ ‬يمسّ‭ ‬بالدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬دون‭ ‬الأديان‭ ‬جميعها‭ ‬السماوية‭ ‬منها‭ ‬والوضعية،‭ ‬فالأول‭ ‬والأكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬هو‭ ‬مسألة‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬جنس‭ ‬المولود‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬ظهر‭ ‬اتجاه‭ ‬يطالب‭ ‬بعدم‭ ‬تحديد‭ ‬جنس‭ ‬المولود‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ذكراً‭ ‬أو‭ ‬أنثى‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُترك‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬له‭ ‬ليُقرره‭ ‬حينما‭ ‬يُصبح‭ ‬مميزاً‭ ‬بحسب‭ ‬شعوره‭ ‬وميوله‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬جنس‭ ‬ينتمي،‭ ‬ويأتي‭ ‬ذلك‭ ‬ضمن‭ ‬خطة‭ ‬ممنهجة‭ ‬لتقويض‭ ‬مكانة‭ ‬الأسرة‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭.‬

‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬والذي‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬نصيب‭ ‬الأسد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ ‬التالية،‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تستحق‭ ‬مسمى‭ ‬مرحلة‭ ‬التشكيك،‭ ‬وقد‭ ‬أسهمت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بشكل‭ ‬محوري‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬ذلك‭ ‬وتسهيل‭ ‬إيصاله‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬البشرية‭ ‬وبمختلف‭ ‬مستوياتهم‭ ‬العمرية‭ ‬على‭ ‬اطلاقها،‭ ‬ولن‭ ‬نستثني‭ ‬الأطفال‭ ‬منها‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الطفل‭ ‬المعاصر‭ ‬بمجرد‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬تحريك‭ ‬يديه‭ ‬يصبح‭ ‬بقدرة‭ ‬قادر‭ ‬حاملاً‭ ‬لأحد‭ ‬الأجهزة‭ ‬أو‭ ‬الألواح‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ويستطيع‭ ‬التنقل‭ ‬بين‭ ‬المواقع‭ ‬الالكترونية‭ ‬بكل‭ ‬حرية‭ ‬وأريحية‭. ‬

ويُعد‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أسلحة‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإسلام،‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يقضّ‭ ‬مضاجع‭ ‬غير‭ ‬المسلمين‭ ‬دولاً‭ ‬وشعوباً،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬الحقد‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬يسوقهم‭ ‬سوقاً‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬كل‭ ‬المظاهر‭ ‬المسيئة‭ ‬له‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬الإساءة‭ ‬إلى‭ ‬رسوله‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬حرق‭ ‬أهم‭ ‬مقدساته‭ ‬وهو‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والإساءة‭ ‬إليه،‭ ‬إشفاءً‭ ‬لغليلهم‭ ‬الذي‭ ‬يزيده‭ ‬سلوكهم‭ ‬اشتعالاً‭ ‬ومرارة،‭ ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتهت‭ ‬مرحلة‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬ذريعة‭ ‬لتشويه‭ ‬صورة‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬ورسمت‭ ‬صورة‭ ‬ذهنية‭ ‬تربط‭ ‬الإسلام‭ ‬بالإرهاب‭. ‬

وإن‭ ‬كانت‭ ‬حرب‭ ‬غير‭ ‬المسلمين‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬يُبررها‭ ‬حب‭ ‬السلطة‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬الإسلام‭ ‬وتزايد‭ ‬انتشاره،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يُبرر‭ ‬حرب‭ ‬المسلمين‭ ‬أنفسهم‭ ‬عليه؟‭ ‬إذ‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬مبرر‭ ‬للمسلمين‭ ‬وبالأخص‭ ‬المحسوبين‭ ‬على‭ ‬رجال‭ ‬الدين،‭ ‬الذين‭ ‬يحاولون‭ ‬زعزعة‭ ‬ثوابت‭ ‬الإسلام‭ ‬والتشكيك‭ ‬فيما‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬النبوية‭ ‬الشريفة‭ ‬التي‭ ‬حفظتها‭ ‬الأحاديث‭ ‬التي‭ ‬نقلت‭ ‬عن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭. ‬

حيث‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬المواضيع‭ ‬المثيرة‭ ‬للجدل‭ ‬التي‭ ‬تثار‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬ظهرت‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬مُجدداً‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬منصّات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬هو‭ ‬تصريح‭ ‬لصاحب‭ ‬موسوعة‭ ‬علوم‭ ‬الحديث‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬قال‭ ‬فيه‭: (‬إن‭ ‬95%‭ ‬من‭ ‬أحاديث‭ ‬صحيح‭ ‬البخاري‭ ‬مكذوبة‭ ‬عن‭ ‬الرسول‭ ‬وبفعل‭ ‬ذلك‭ ‬ورثنا‭ ‬ديناً‭ ‬مُحرّفاً‭ ‬وأدخلنا‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬لبس‭ ‬فيه‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬خلص‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭ ‬بعد‭ ‬بحث‭ ‬واعتكاف‭ ‬على‭ ‬الأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬الشريفة‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬بحسب‭ ‬روايته،‭ ‬وأعقبة‭ ‬تأييداً‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬تصريحات‭ ‬لأحد‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الشباب‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬ضجة‭ ‬ضده‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

وتأتي‭ ‬إعادة‭ ‬نشر‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬تزايدت‭ ‬فيها‭ ‬وتيرة‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإسلام،‭ ‬فما‭ ‬الفائدة‭ ‬المرجوّة‭ ‬منها‭ ‬الآن؟‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استقرت‭ ‬الأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬الشريفة‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬الصحيحين‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬المسلمين‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬ألف‭ ‬وأربعمائة‭ ‬عام؟

ففي‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬نتاج‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬والآراء‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬سوى‭ ‬زعزعة‭ ‬الإيمان‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تواتر‭ ‬وتم‭ ‬تناقله‭ ‬من‭ ‬أحكام‭ ‬شرعية‭ ‬وتعاليم‭ ‬دينية‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬إلى‭ ‬قول‭ ‬الرسول‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬السلام‭: (‬يأتي‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬زمان‭ ‬القابض‭ ‬على‭ ‬دينه‭ ‬كالقابض‭ ‬على‭ ‬الجمر‭).‬

وبناء‭ ‬عليه‭ ‬فإن‭ ‬احترام‭ ‬الدين،‭ ‬أي‭ ‬دين‭ ‬أو‭ ‬معتقد،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينبثق‭ ‬أساساً‭ ‬من‭ ‬قناعات‭ ‬ومسلك‭ ‬معتنقيه،‭ ‬وتمسكهم‭ ‬بثوابته‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬المتفقهون‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬ثوابت‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬هي‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وسنّة‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬السلام،‭ ‬أو‭ ‬فلنقل‭ ‬ما‭ ‬نقل‭ ‬عنه‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬صحابته‭ ‬الطيبين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬آل‭ ‬البيت‭ ‬الطاهرين،‭ ‬الذي‭ ‬استودعهما‭ ‬الرسول‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬المسلمين‭ ‬عامة‭ ‬قائلاً‭: (‬إني‭ ‬تاركٌ‭ ‬فيكم‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تمسَّكتُم‭ ‬به‭ ‬لن‭ ‬تضلُّوا‭: ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬وسنتي،‭ ‬وفي‭ ‬رواية‭ ‬أخرى‭ ‬وعِترتي‭ ‬أهل‭ ‬بيتي،‭ ‬فإنَّهما‭ ‬لن‭ ‬يفترقَا‭ ‬حتى‭ ‬يرِدَا‭ ‬عليَّ‭ ‬الحوضَ‭)‬،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬طال‭ ‬أحدهما‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬فيه،‭ ‬تزعزعت‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬بأكمله‭ ‬لدى‭ ‬الجيل‭ ‬المعاصر،‭ ‬أما‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬فإنها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأصل‭ ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬سلطة‭ ‬وتأثير‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭- ‬فإنها‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬أرضاً‭ ‬صلبة‭ ‬للدين‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬عليها،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تعزيز‭ ‬ثوابته‭ ‬واحترامها‭ ‬وحمايتها‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الرسمي‭ ‬والأهلي،‭ ‬فديننا‭ ‬أمانة‭ ‬في‭ ‬أعناقنا‭ ‬وواجبنا‭ ‬جميعاً‭ ‬حماية‭ ‬ثوابته‭. ‬

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا