العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

إدمان المديونية والسلف

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٤ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

ينطبق‭ ‬نص‭ ‬الآية‭ (‬273‭) ‬من‭ ‬سورة‭ ‬البقرة‭: (‬يَحْسَبُهُمُ‭ ‬الجَاهِلُ‭ ‬أغنياءَ‭ ‬مِنَ‭ ‬التعَفُّفِ‭)‬‮ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬فلا‭ ‬يعلم‭ ‬سرّ‭ ‬أوضاعهم‭ ‬المادية‭ ‬سوى‭ ‬الله،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ظاهرهم‭ ‬يُنبئ‭ ‬بغير‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬الظاهر‭ ‬تُفتح‭ ‬على‭ ‬البعض‭ ‬أبواب‭ ‬طلبات‭ ‬المساعدات‭ ‬أو‭ ‬السلف‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬يحسبونهم‭ ‬من‭ ‬الأغنياء‭ ‬وهم‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك،‭ ‬والذين‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬أغنياء‭ ‬فإنهم‭ ‬يخضعون‭ ‬لحكم‭ ‬الآية‭ (‬219‭) ‬من‭ ‬السورة‭ (‬يسألونك‭ ‬ماذا‭ ‬يُنفقون،‭ ‬قُل‭ ‬العفو‭) ‬أي‭ ‬ما‭ ‬فاض‭ ‬عن‭ ‬حاجتك‭ ‬ولا‭ ‬يُجهد‭ ‬مالك‭.‬

والسبب‭ ‬في‭ ‬إثارتي‭ ‬لهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬حدثين‭ ‬مختلفين‭ ‬أحدهما‭ ‬ما‭ ‬دار‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬يوم‭ ‬أمس‭ ‬مع‭ ‬احدى‭ ‬شقيقاتي،‭ ‬حيث‭ ‬وصلتها‭ ‬أثناء‭ ‬جلوسنا‭ ‬معاً‭  ‬رسالة‭ ‬نصية‭ ‬وتفاجأت‭ ‬بها‭ ‬تقول‭: (‬هالناس‭ ‬كله‭ ‬عبالهم‭ ‬عندنا‭ ‬فلوس‭) ‬واتضح‭ ‬بأن‭ ‬الرسالة‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬معارفنا‭ ‬المشتركين‭ ‬تطلب‭ ‬منها‭ ‬مبلغاً‭ ‬مالياً‭ ‬لتسيير‭ ‬أوضاعها‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة،‭ ‬وتصلني‭ ‬كما‭ ‬تصل‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬يقرؤني‭ ‬الآن‭ ‬رسائل‭ ‬مثلها‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬يومي،‭ ‬ودار‭ ‬الحديث‭ ‬بيننا‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬المعيشي،‭ ‬وتحدثت‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬كفاية‭ ‬معاشها‭ ‬التقاعدي‭ ‬لتغطية‭ ‬نفقاتها‭ ‬الشهرية،‭ ‬وكيف‭ ‬أنها‭ ‬بالكاد‭ ‬تستطيع‭ ‬النجاة‭ ‬بما‭ ‬يتبقى‭ ‬من‭ ‬معاشها‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬الشهر‭ ‬بل‭ ‬وأنها‭ ‬قد‭ ‬تخفق‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭.      ‬

ولست‭ ‬ضد‭ ‬اللجوء‭ ‬وقت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬تثق‭ ‬فيهم‭ ‬للوقوف‭ ‬بجانبك‭ ‬مادياً‭ ‬ومعاونتك‭ ‬إن‭ ‬استطاعوا‭ (‬فالناس‭ ‬للناس‭) ‬والأيام‭ ‬دول‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الأوّلون،‭ ‬ولكنّي‭ ‬لست‭ ‬مع‭ ‬إدمان‭ ‬طلب‭ ‬المساعدة‭ ‬مالياً‭ ‬أو‭ ‬الاقتراض‭ (‬التسلف‭)‬،‭ ‬وتكرار‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬فجّ،‭ ‬لاسيما‭ ‬وأن‭ ‬القاعدة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬المبلغ‭ ‬المُستلف‭ ‬لا‭ ‬يُردّ‭.‬

أما‭ ‬الحدث‭ ‬الثاني‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬قبلها‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬حيث‭ ‬لفت‭ ‬نظري‭ ‬خبر‭ ‬صحفي‭ ‬هام‭ ‬عنوانه‭: (‬ارتفاع‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬لمديونية‭ ‬الأفراد‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬المصرف‭ ‬المركزي‭ ‬البحريني،‭ ‬وتصدر‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬الصفحة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬جريدة‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مديونية‭ ‬الأفراد‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬تساوي‭ ‬نصف‭ ‬اجمالي‭ ‬القروض،‭ ‬بواقع‭ ‬خمسة‭ ‬مليارات‭ ‬و766‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭.‬

وإن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬يجرّنا‭ ‬إلى‭ ‬تساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬بعضها‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأفراد‭ ‬والأخرى‭ ‬موجهة‭ ‬للبنوك‭ ‬وهي‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬أسباب‭ ‬ارتفاع‭ ‬مديونية‭ ‬الأفراد؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الأفراد‭ ‬للاقتراض‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬الكبير؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬مُلحّة‭ ‬فعلية‭ ‬تستوجب‭ ‬الاقتراض؟

أعلم‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬بأنك‭ ‬قد‭ ‬أجبت‭ ‬بشكل‭ ‬تلقائي‭ ‬على‭ ‬الأسئلة‭ ‬بمجرد‭ ‬قراءتها‭ ‬وربما‭ ‬تهكمت‭ ‬على‭ ‬طرحها،‭ ‬وبأن‭ ‬الجواب‭ ‬هو‭ ‬ضعف‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للمواطن‭ ‬وحاجته‭ ‬لاستكمال‭ ‬بعض‭ ‬اللوازم‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬هامة‭ ‬لتسيير‭ ‬يومه‭ ‬كقرض‭ ‬التأثيث‭ ‬أو‭ ‬الترميم‭ ‬أو‭ ‬شراء‭ ‬سيارة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأساسية‭ ‬والهامة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الجواب‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الكل،‭ ‬فالبعض‭ ‬يقترض‭ ‬لأسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بالرفاهية‭ ‬كالسفر‭ ‬وغيره،‭ ‬ودون‭ ‬حاجة‭ ‬حقيقية‭ ‬للاقتراض‭.‬

والأسئلة‭ ‬الموجهة‭ ‬بالبنوك‭ ‬وتدور‭ ‬حول‭ ‬آلية‭ ‬منح‭ ‬القروض،‭ ‬والتحقق‭ ‬من‭ ‬جدية‭ ‬احتياج‭ ‬المواطن‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬القرض؟،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يحدث،‭ ‬لأن‭ ‬أقصى‭ ‬اهتمام‭ ‬البنك‭ ‬هو‭ ‬ضمان‭ ‬قدرة‭ ‬المقترض‭ ‬على‭ ‬سداد‭ ‬الدين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يوقع‭ ‬الكثيرين‭ ‬في‭ ‬شرك‭ ‬المديونية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬إدماناً‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬فيُسدد‭ ‬القرض‭ ‬بقرض‭ ‬جديد‭ ‬ويبقى‭ ‬مقيداً‭ ‬بالمديونية‭ ‬حتى‭ ‬الموت،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬البنوك‭ ‬باعتبارها‭ ‬اشخاصا‭ ‬اعتبارية‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬البلاد،‭ ‬عليها‭  ‬أيضا‭ ‬التزام‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬ومطلوب‭ ‬منها‭ ‬القيام‭ ‬بدورها‭ ‬كشريك‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للمواطن‭ ‬بالامتناع‭ ‬عن‭ ‬اثقال‭ ‬كاهله‭ ‬بالقروض‭ ‬البنكية،‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬ثبوت‭ ‬الحاجة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لها‭. ‬

والخلاصة‭ ‬المراد‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬هي‭ ‬بأن‭ ‬الحل‭ ‬دائماً‭ ‬وأبداً‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للمواطن‭ ‬بحيث‭ ‬تتحقق‭ ‬له‭ ‬الكفاية‭ ‬من‭ ‬دخله‭ ‬الشهري‭ ‬وتحدّ‭ ‬من‭ ‬حاجته‭ ‬إلى‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬أو‭ ‬استجداء‭ ‬سلفة‭ ‬من‭ ‬أقاربه‭ ‬أو‭ ‬معارفه‭ ‬لإكمال‭ ‬متطلبات‭ ‬المتبقي‭ ‬من‭ ‬الشهر‭. ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الحلول‭ ‬الجانبية،‭ ‬فأولها‭ ‬هو‭ ‬وضع‭ ‬برامج‭ ‬توعوية‭ ‬مُكثّفة‭ ‬للمواطنين‭ ‬حول‭ ‬إيجابيات‭ ‬وسلبيات‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬والأوضاع‭ ‬التي‭ ‬تستوجب‭ ‬اللجوء‭ ‬عليها،‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬تعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬عدم‭ ‬الاقتراض‭ ‬إلا‭ ‬للضرورة‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭.   ‬

ومن‭ ‬ثم‭ ‬يوازي‭ ‬ذلك‭ ‬صدور‭ ‬تشريع‭ ‬بتنظيم‭ ‬عملية‭ ‬الاقتراض‭ ‬بحيث‭ ‬توضع‭ ‬اشتراطات‭ ‬تحمي‭ ‬المواطن‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬شرك‭ ‬الدين‭ ‬وفوائده،‭ ‬بحيث‭ ‬يُقنن‭ ‬عدد‭ ‬مرات‭ ‬الاقتراض‭ ‬وقيمة‭ ‬مبلغ‭ ‬القرض‭ ‬والاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬جدولة‭ ‬الديون‭ ‬ودمجها‭ ‬في‭ ‬دين‭ ‬واحد‭ ‬تخفيفاً‭ ‬للعبء‭ ‬على‭ ‬المواطن‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا