العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

وداع الأحبة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٣ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،‭ ‬

تُشكلّ‭ ‬الأمثال‭ ‬الشعبية‭ ‬والمقولات‭ ‬المأثورة‭ ‬جانبا‭ ‬حيويا‭ ‬من‭ ‬موروثنا‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يختصر‭ ‬المعنى‭ ‬ويشرح‭ ‬الموقف‭ ‬والمقصد‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬قصيرة‭ ‬في‭ ‬طولها‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬مرماها،‭ ‬ومن‭ ‬المقولات‭ ‬التي‭ ‬تنُمّ‭ ‬عن‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬الهم‭ ‬مقولة‭ (‬فراقه‭ ‬عيد‭)‬،‭ ‬لذا‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬الثابتة‭ ‬في‭  ‬ذاكرتي‭ ‬دائما‭ ‬مع‭ ‬قدوم‭ ‬ورحيل‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬،‭ ‬حوار‭ ‬قديم‭  ‬دار‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وقد‭ ‬كاد‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬خلاف‭ ‬بيننا‭ ‬بسبب‭ ‬مفهوم‭ ‬الجملة‭ ‬السابقة،‭ ‬إذ‭ ‬فاجأني‭ ‬ذات‭ ‬حوار‭ ‬حول‭ ‬أحواله‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬بقوله‭ (‬فراقه‭ ‬عيد‭) ‬حيث‭ ‬استنكرت‭ ‬عليه‭  ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬وظهر‭ ‬منّي‭ ‬بوادر‭ ‬الغضب،‭ ‬فيما‭ ‬أخذ‭ ‬هو‭ ‬يضحك‭ ‬و‭ ‬يشرح‭ ‬لي‭ ‬بأنه‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬يأتي‭ ‬عيد‭ ‬الفطر،‭ ‬إذًا‭ ‬رحيله‭ ‬وفراقه‭ ‬عيد،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬كلامه‭ ‬صحيحاً‭ ‬حرفياً،‭ ‬لكني‭ ‬أصررت‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬اختيار‭ ‬المفردات‭ ‬والأدب‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬حول‭ ‬ضيفنا‭ ‬الحبيب‭.‬

ومن‭ ‬الجميل‭ ‬في‭ ‬عاداتنا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬عنصرا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬موروثنا‭ ‬الشعبي،‭ ‬أنها‭ ‬تمنح‭ ‬الأماكن‭ ‬والأزمنة‭ ‬طعماً‭ ‬ونكهة‭ ‬خاصة،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ (‬الوداع‭) ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬التقاليد‭ ‬الرمضانية‭ ‬التي‭ ‬تمزج‭ ‬بين‭ ‬منح‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬نكهة‭ ‬جميلة‭ ‬وخاصة،‭ ‬وبين‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬الحزن‭ ‬لفراق‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬ومشاعر‭ ‬الفرح‭ ‬بحسن‭ ‬الصيام‭ ‬والقيام‭ ‬وإتمام‭ ‬الطاعات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالشهر‭ ‬المبارك،‭ ‬ومشاعر‭ ‬البهجة‭ ‬المترقبة‭ ‬لثبوت‭ ‬رؤية‭ ‬هلال‭ ‬شوال‭ ‬وإعلان‭ ‬قدوم‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬المبارك‭.‬

فيتم‭ ‬توديعه‭ ‬بهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬وغيرها‭:‬

‭(‬سلامُ‭ ‬سلام‭.. ‬سلامُ‭ ‬عليكم‭ ‬فردّوا‭ ‬السلام

أول‭ ‬ما‭ ‬بندي‭ ‬نصلّي،‭ ‬صلّوا‭ ‬عليه‭ ‬يا‭ ‬من‭ ‬حضر‭ ‬

بسم‭ ‬النبي‭ ‬محمد،‭ ‬يالله‭ ‬صلّوا‭ ‬عليه،‭ ‬

يالوداع‭ ‬يالوداع‭ ‬يا‭ ‬رمضان‭.. ‬عليك‭ ‬السلام‭ ‬يا‭ ‬شهر‭ ‬الصيام،‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬يا‭ ‬كريم‭.. ‬الشكر‭ ‬لله‭ ‬يا‭ ‬عظيم‭.. ‬والعبد‭ ‬لي‭ ‬طاع‭ ‬ربّه‭ ‬فاز‭ ‬فوز‭ ‬عظيم‭ ‬يالوداع‭ ‬عليك‭ ‬السلام‭ ‬يا‭ ‬شهر‭ ‬الصيام‭.‬

ودعتك‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬رمضان‭.. ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬القرع‭ ‬والبيديان‭)‬

و‭(‬الوداع‭) ‬هو‭ ‬من‭ ‬المظاهر‭ ‬التي‭ ‬تطورت‭ ‬لدينا‭ ‬بمرور‭ ‬الزمان،‭ ‬وفيه‭ ‬يجوب‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المبدعين‭ ‬طرقات‭ ‬المدينة‭ ‬أو‭ ‬القرية‭ ‬حاملين‭ ‬الأدوات‭ ‬الموسيقية‭ ‬التقليدية‭ ‬كالدفوف‭ ‬والطبول‭ ‬ومرددين‭ ‬بأصواتهم‭ ‬الجميلة‭ ‬أهازيج‭ ‬الوداع‭ ‬الشعبية،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ (‬المسحّر‭) ‬في‭ ‬السابق‭ ‬يؤديها‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬مصحوباً‭ ‬بشخصين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬ولا‭ ‬يكاد‭ ‬يسمع‭ ‬فيها‭ ‬صوته‭ ‬أمام‭ ‬قوة‭ ‬صوت‭ ‬الطبل،‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬شعبية‭ ‬متخصصة‭ ‬تمارس‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬وتتنافس‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬إبداعاتها‭ ‬التي‭ ‬تمنحها‭ ‬خصوصيتها‭ ‬وتستقطب‭ ‬إقبال‭ ‬الجمهور‭ ‬عليها‭.‬

وقد‭ ‬اشتهرت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬مسيرات‭ ‬وداع‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬التي‭ ‬يُشارك‭ ‬فيها‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الشعبيين‭ ‬المعروفين‭ ‬مثل‭ ‬يوسف‭ ‬المالود،‭ ‬راشد‭ ‬النعيمي‭ ‬وإسكندر‭ ‬الجودر‭ ‬وغيرهم‭ ‬وتستخدم‭ ‬فيها‭ (‬الفريسة‭) ‬والميكروفونات‭ ‬والسيارات‭ ‬المزينة‭ ‬بالإضاءات‭ ‬المختلفة‭ ‬والعبارات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التعريفية‭ ‬ويحرص‭ ‬المهتمون‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬المجاورة‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬ومتابعة‭ ‬هذه‭ ‬المسيرات‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬ومن‭ ‬أشهرها‭ ‬وداع‭ ‬قلالي،‭ ‬مدينة‭ ‬عيسى،‭ ‬الرفاع،‭ ‬مدينة‭ ‬الحد‭ ‬ومدينة‭ ‬حمد‭ ‬وغيرها‭.‬

والأصل‭ ‬إنني‭ ‬شخصياً‭ ‬لا‭ ‬أحضر‭ ‬مسيرات‭ ‬الوداع‭ ‬وأكتفي‭ ‬بمتابعتها‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ولكن‭ ‬دعوة‭ ‬كريمة‭ ‬من‭ ‬الفنان‭ ‬الشعبي‭ ‬المبدع‭ ‬جمعة‭ ‬سرور،‭ ‬حرّضتني‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬هذا‭ ‬الطقس‭ ‬الجميل‭ ‬وأتاحت‭ ‬لي‭ ‬فرصة‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بجمال‭ ‬العرض‭ ‬والكلمات‭ ‬والأداء‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭  ‬في‭ ‬عرض‭ ‬خاص‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬المجتمع‭ ‬المهتمة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬حمد،‭ ‬ثم‭ ‬بعدها‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬وداع‭ ‬قلالي‭ ‬ذائع‭ ‬الصيت‭ ‬الذي‭ ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬فرقة‭ ‬شباب‭ ‬قلالي‭ ‬المشهورة‭ ‬بفن‭ ‬الصوت‭ ‬والفنون‭ ‬البحرية‭ ‬وجميع‭ ‬ألوان‭ ‬الفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬بقيادة‭ ‬الفنان‭ ‬سالم‭ ‬ربيعة‭ ‬وإبداعات‭ ‬يعقوب‭ ‬بوجفال‭ ‬ووائل‭ ‬العلان‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬تحضرني‭ ‬أسماؤهم‭. ‬

وها‭ ‬قد‭ ‬مضى‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬ولكن‭ ‬الإبداع‭ ‬باقٍ،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬وددت‭ ‬تأكيده‭ ‬هنا،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬ثريّة‭ ‬بمواهبها‭ ‬وإبداعاتها‭ ‬وفنانيها‭ ‬الذين‭ ‬يستطيعون‭ ‬بما‭ ‬يقدمونه‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬مشاعرك‭ ‬فيضحكونها‭ ‬أحيانا‭ ‬ويبكونها‭ ‬أخرى،‭ ‬وتلك‭ ‬سمة‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬الإبداع‭ ‬والتأثير،‭ ‬لذا‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬على‭ ‬المختصين‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الفئة،‭ ‬والعناية‭ ‬بفنهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬احتضانهم‭ ‬وتنمية‭ ‬قدراتهم‭ ‬وإبداعاتهم‭ ‬رفعة‭ ‬لاسم‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬فالموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬هويّة‭ ‬تميّز‭ ‬الشعوب‭ ‬ويجب‭ ‬عليهم‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭. ‬

‭ ‬وتقبل‭ ‬الله‭ ‬طاعاتكم‭ ‬جميعا،‭ ‬عيدكم‭ ‬مبارك‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخير‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا