العدد : ١٧٤٣٨ - السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٣٨ - السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

أخبار البحرين

أدوات التأثير الاستراتيجي.. القوة الذكية في العلاقات الدولية

بقلم: سميرة بن رجب

السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

المفهوم الاستراتيجي المتقدم للقوة الذكية يجمع بين أدوات القوة الصلبة وأدوات القوة الناعمة

المعادلة‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬والتأثير،‭ ‬وإما‭ ‬تصبح‭ ‬أنت‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬من‭ ‬يملكها


القوة‭ ‬الناعمة‭(‬Soft‭ ‬Power‭)  ‬مفهوم‭ ‬مركزي‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬والسياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬صاغه‭ ‬الأكاديمي‭ ‬والسياسي‭ ‬الأمريكي‭ ‬جوزيف‭ ‬ناي‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وطوره‭ ‬في‭ ‬كتاباته‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭.‬

وتُعرّف‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬بأنها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬وجذبهم‭ ‬وكسب‭ ‬تأييدهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجاذبية‭ ‬الثقافية،‭ ‬والقِيَم،‭ ‬والسياسات‭ ‬المشروعة،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإكراه،‭ ‬والتهديدات‭ ‬العسكرية،‭ ‬والعقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬الدفع‭ ‬المالي‭ (‬المساعدات،‭ ‬والرشاوى‭) ‬التي‭ ‬تُعرف‭ ‬بـالقوة‭ ‬الصلبة‭ (‬Hard‭ ‬Power‭).‬

في‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ (‬2003‭) ‬صاغ‭ ‬جوزيف‭ ‬ناي‭ ‬مصطلحا‭ ‬آخر‭ ‬اسمه‭ ‬القوة‭ ‬الذكية‭ (‬Smart‭ ‬Power‭)‬،‭ ‬وطوره‭ ‬لاحقاً‭ ‬كرد‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬بشكل‭ ‬منفرد‭ ‬إما‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬الصلبة‭ ‬الخام‭ (‬كما‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬العراق‭) ‬وإما‭ ‬على‭ ‬التفاؤل‭ ‬المفرط‭ ‬بالقوة‭ ‬الناعمة؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المتقدم‭ ‬للقوة‭ ‬الذكية‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬الصلبة‭ (‬العسكرية،‭ ‬الاقتصادية‭) ‬وأدوات‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ (‬الثقافة،‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬القيم‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬كمجرد‭ ‬مزيج‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬استخدام‭ ‬استراتيجي‭ ‬متكامل‭ ‬ومتناسق‭ ‬لهذه‭ ‬الأدوات‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬الحكمة‭ ‬والذكاء‮»‬،‭ ‬لمعرفة‭ ‬متى‭ ‬وأين‭ ‬وكيف‭ ‬تستخدم‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬بأعلى‭ ‬فعالية‭ ‬وأقل‭ ‬كلفة‭.‬

 

مكونات‭ ‬القوة‭ ‬الذكية

وبحسب‭ ‬جوزيف‭ ‬ناي‭ ‬فالمكونات‭ ‬الثلاثة‭ ‬للقوة‭ ‬الذكية‭ ‬هي‭: ‬1‭- ‬القوة‭ ‬الصلبة‭ (‬سياسة‭ ‬العصا‭ ‬والجزرة‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬2-‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ (‬بعض‭ ‬الجاذبية‭)‬،‭ ‬و3‭- ‬قوة‭ ‬الذكاء‭ (‬الحكمة‭ ‬الاستراتيجية‭)‬،‭ ‬مثال‭ ‬عدم‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬المباشرة‭ ‬عندما‭ ‬يكفي‭ ‬دعم‭ ‬الجهود‭ ‬الدبلوماسية‭ (‬استخدام‭ ‬المساعدات‭ ‬التنموية‭ ‬لبناء‭ ‬شراكات‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬شراء‭ ‬الولاء‭ ‬المؤقت‭).‬

من‭ ‬أهم‭ ‬مميزات‭ ‬وفوائد‭ ‬نهج‭ ‬القوة‭ ‬الذكية‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬أعلى‭ ‬فعالية‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬المشكلة‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬زوايا؛‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬النجاح،‭ ‬ويقلل‭ ‬الكلفة‭ ‬بمقارنة‭ ‬الحل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بالتكاليف‭ ‬الباهظة‭ ‬للحروب‭ ‬المباشرة‭... ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نتائجها‭ ‬أكثر‭ ‬استدامة،‭ ‬حيث‭ ‬الحلول‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الإقناع‭ ‬والشراكة‭ ‬أكثر‭ ‬ديمومة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المفروضة‭ ‬بالقوة،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬نتائجها‭ ‬أكثر‭ ‬شرعية‭ ‬لأن‭ ‬المزج‭ ‬بين‭ ‬الأدوات‭ ‬يمنح‭ ‬السياسة‭ ‬مظهراً‭ ‬أكثر‭ ‬توازناً‭ ‬وتقبلاً‭ ‬دولياً‭.‬

 

التحديات‭ ‬والصعوبات

وكما‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬القوة،‭ ‬تواجه‭ ‬القوة‭ ‬الذكية‭ ‬بعض‭ ‬التحديات‭ ‬والصعوبات‭ ‬في‭ ‬التطبيق،‭ ‬كصعوبة‭ ‬التنسيق‭ ‬عندما‭ ‬يحتاج‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬تعاون‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬والثقافية‭ (‬وزارات‭ ‬الدفاع،‭ ‬والخارجية،‭ ‬والثقافة‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يصعب‭ ‬تحقيقه‭ ‬بيروقراطياً،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المفارقة‭ ‬في‭ ‬التوقيت،‭ ‬حيث‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬بطيئة‭ ‬المفعول،‭ ‬بينما‭ ‬الضغوط‭ ‬السياسية‭ ‬تتطلب‭ ‬نتائج‭ ‬سريعة،‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬الصلبة؛‭ ‬بجانب‭ ‬بعض‭ ‬المعوقات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تُفقِد‭ ‬القوة‭ ‬الذكية‭ ‬مصداقيتها،‭ ‬وصلاحيتها‭ ‬للقياس‭.‬

علمياً؛‭ ‬تعد‭ ‬القوة‭ ‬الذكية‭ ‬فنا‭ ‬سياسيا‭ ‬معقدا‭ ‬يتطلب‭ ‬تشخيصاً‭ ‬دقيقاً‭ ‬للواقع،‭ ‬ووضوحا‭ ‬في‭ ‬الأهداف،‭ ‬والتدرج‭ ‬في‭ ‬الأولويات،‭ ‬ومرونة‭ ‬تكتيكية‭ ‬لتحويل‭ ‬الأدوات‭ ‬بحسب‭ ‬تطوير‭ ‬الموقف؛‭ ‬لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتقن‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬نفوذها،‭ ‬بينما‭ ‬التي‭ ‬تفتقد‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬تدفع‭ ‬ثمناً‭ ‬باهظاً‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬حققت‭ ‬مكاسب‭ ‬تكتيكية‭.‬

في‭ ‬العالم‭ ‬المتشابك‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬القوة‭ ‬الصلبة‭ ‬وحدها‭ ‬كافية؛‭ ‬والقوة‭ ‬الناعمة‭ ‬وحدها‭ ‬ضعيفة‭ ‬أمام‭ ‬مَن‭ ‬لا‭ ‬يتشاركون‭ ‬في‭ ‬القيَم،‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬الدول‭ ‬أمام‭ ‬سؤال‭ ‬صعب،‭ ‬هو‭: ‬كيف‭ ‬تحقق‭ ‬أهدافك‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬معقد،‭ ‬باستخدام‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬جعبتك‭ ‬بحكمة؟

والسؤال‭ ‬الأهم‭: ‬ما‭ ‬مدى‭ ‬خسارة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القوتين،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي؟

لربما‭ ‬يعد‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬العملي‭ ‬والاستراتيجي‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬الأصعب‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬إذ‭ ‬يتطلب‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬العواقب‭ ‬الواقعية‭ ‬للدول‭ ‬الضعيفة‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬القوة‭ ‬الدولية؛‭ ‬وكيف‭ ‬تتعامل‭ ‬الدول‭ ‬الأضعف‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬تهيمن‭ ‬عليه‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى؟‭ ‬وماذا‭ ‬يحدث‭ ‬للدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬أدوات‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية؟

بإيجاز،‭ ‬إن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬الصلبة‭ (‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭)‬،‭ ‬والقوة‭ ‬الناعمة‭ (‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭)‬،‭ ‬تواجه‭ ‬مصيراً‭ ‬صعباً‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬حيث‭ ‬تصبح‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬كائنات‭ ‬مُفعولا‭ ‬بها‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فاعلة،‭ ‬وخسائرها‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬مادية،‭ ‬بل‭ ‬وجودية‭ ‬واستراتيجية‭.‬

وتتفاوت‭ ‬مستويات‭ ‬الخسارة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الضعيفة‭ ‬بين‭: ‬1‭- ‬دول‭ ‬تتعرض‭ ‬لخسارة‭ ‬السيادة‭ ‬والقرار‭ ‬المستقل،‭ ‬بما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ابتزاز‭ ‬وضغط،‭ ‬وتأثير‭ ‬الوكلاء،‭ ‬والشروط‭ ‬المجحفة،‭ ‬مثال‭ ‬لبنان‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭ ‬إقليمي،‭ ‬واليمن‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة‭ ‬وساحة‭ ‬حرب‭ ‬مباشرة،‭ ‬وفي‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭ ‬المقيدة‭ ‬بقيود‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬القاسية‭ ‬على‭ ‬سياساتها‭ ‬الاقتصادية‭. ‬2‭- ‬دول‭ ‬تتعرض‭ ‬للتهميش‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬وتغيب‭ ‬من‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬التحالفات،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬مصالحها،‭ ‬ولربما‭ ‬أكبر‭ ‬وأوضح‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬هي‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭. ‬3‭- ‬دول‭ ‬تُفرض‭ ‬عليها‭ ‬التبعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وهجرة‭ ‬العقول‭ ‬والتبعية‭ ‬الثقافية‭. ‬4‭- ‬دول‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الضعف‭ ‬الأمني‭ ‬والهشاشة،‭ ‬لعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حدودها،‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬الإرهاب‭ ‬والنزاعات‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬وانعدام‭ ‬الاستقرار‭ ‬الدائم‭ ‬لما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬وجودية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬والصومال‭ ‬والسودان‭ ‬بالتحديد‭.‬

بإيجاز،‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬القوتين‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬مفرغة،‭ ‬تبدأ‭ ‬بضعف‭ ‬سيادي،‭ ‬وتدهور‭ ‬اقتصادي،‭ ‬وهجرة‭ ‬الكفاءات،‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬محصلتها‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الضعف،‭ ‬لتنتهي‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الخارج،‭ ‬لتتحول‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬كيان‭ ‬جغرافي‭ ‬تُدار‭ ‬شؤونه‭ ‬من‭ ‬عواصم‭ ‬أخرى،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬فراغ‭ ‬تُملأ‭ ‬بالفوضى‭.‬

 

هل‭ ‬هناك‭ ‬مخرج؟‭ ‬

في‭ ‬استراتيجيات‭ ‬التعويض‭ ‬النسبي

حاولت‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أنه‭ ‬يشغل‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬المعقد‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬التحولات‭ ‬وقوة‭ ‬الهيمنة،‭ ‬وكانت‭ ‬المحصلة‭ ‬بعض‭ ‬المعلومات‭ ‬المقتضبة،‭ ‬ولكن‭ ‬واضحة؛‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬تحاول‭ ‬تعويض‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬القوتين،‭ ‬الصلبة‭ ‬والناعمة،‭ ‬عبر‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬والأفعال‭ ‬الأقل‭ ‬تأثيراً‭ ‬ولكنها‭ ‬تمثل‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الآمنة،‭ ‬منها‭: ‬1‭- ‬القوة‭ ‬الذكية‭ ‬للضعفاء،‭ ‬وتعني‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬ناعمة‭ ‬متخصصة،‭ ‬مثال‭ ‬دولة‭ ‬الفاتيكان‭ ‬بنفوذها‭ ‬الديني،‭ ‬أو‭ ‬سويسرا‭ ‬بمصداقيتها‭ ‬السياسية‭ ‬والمالية‭. ‬2‭- ‬الدبلوماسية‭ ‬التحالفية؛‭ ‬أي‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬تحالفات‭ ‬إقليمية‭ ‬قوية،‭ ‬مثال‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬رغم‭ ‬التفاوت‭ ‬بينها‭. ‬3‭- ‬موقف‭ ‬الحياد‭ ‬الإيجابي؛‭ ‬أي‭ ‬تحويل‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬حيادية‭ ‬للحوار‭ ‬والوساطة،‭ ‬والأمثلة‭ ‬العربية‭ ‬المتنافسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬عديدة‭. ‬وهناك‭ ‬أيضاً‭ ‬4‭- ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬حيوية؛‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬الدولة‭ ‬لاعباً‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬محدد،‭ ‬مثال‭ ‬دول‭ ‬الممرات‭ ‬البحرية،‭ ‬أو‭ ‬منتج‭ ‬لغذاء‭ ‬استراتيجي‭.‬

 

في‭ ‬عالم‭ ‬القوة‭.. ‬الضعف‭ ‬ليس‭ ‬خيارا

حيث‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬لا‭ ‬يرحم،‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬مقومات‭ ‬القوة‭ ‬تُفرض‭ ‬عليها‭ ‬أجندات‭ ‬الآخرين،‭ ‬وتُستهلك‭ ‬مواردها‭ ‬وكفاءاتها،‭ ‬وتُترك‭ ‬لتواجه‭ ‬مصيرها‭ ‬عند‭ ‬أول‭ ‬أزمة‭ ‬كبرى‭.‬

‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬محكوم‭ ‬عليها‭ ‬بالفشل،‭ ‬لكن‭ ‬مسارها‭ ‬أصعب‭ ‬كثيراً‭ ‬مما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تملك‭ ‬القوة،‭ ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أذكى‭ ‬استراتيجياً‭ ‬لتعويض‭ ‬نقص‭ ‬القوة‭ ‬المادية،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬قوي‭ ‬أو‭ ‬بيع‭ ‬موقعها‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬كأهم‭ ‬أصولها‭ ‬المتبقية‭. ‬

المعادلة‭ ‬القاسية‭ ‬هي‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬والتأثير،‭ ‬وإما‭ ‬تصبح‭ ‬أنت‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬من‭ ‬يملكها‭.‬

 

sr@sameerarajab‭.‬net

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا