منذ خطواتها الأولى في المطبخ، رسمت الشيف فاطمة دسمال مسارًا مهنيًا يقوم على الدقة والإبداع، لتصنع لنفسها هوية خاصة في عالم الحلويات تجمع بين الأصالة البحرينية والابتكار العصري. وتواصل فاطمة رحلتها المهنية من خلال عملها شيف حلويات في فندق ذي كي، حيث تطور مهاراتها وتقدم تجارب ذوقية تعكس روح المكان وتلبي معايير الفندقة الراقية.
ويعود شغف فاطمة بالمطبخ إلى طفولتها، إذ كان الشغف حاضرًا مبكرًا، غير أن عالم الحلويات ظل الأقرب إلى قلبها. وتقول إن انجذابها الحقيقي بدأ عندما أدركت أن الحلويات ليست مجرد وصفات، بل مساحة تتطلب دقة عالية وحسًا إبداعيًا متوازنًا.
وبعد تخرجها، قررت تحويل هذا الشغف إلى مهنة، فكانت بدايتها الفعلية بالعمل مع والدها في محل صغير للحلويات والآيسكريم، حيث تعلمت أساسيات العمل اليومي، وتطوير النكهات، وفهم تفاصيل المهنة من الداخل.
وتصف فاطمة تلك المرحلة بأنها الانطلاقة الحقيقية لمسيرتها، مؤكدة أن اختيارها لهذا المجال كان قرارًا صائبًا، لأنه أتاح لها التعبير عن ذاتها وصناعة شيء جميل ولذيذ في آن واحد.
وتعتمد الشيف فاطمة دسمال على تزاوج النكهات بين النكهة البحرينية الأصيلة والطرق الحديثة. فهي تحرص على استخدام مكونات محلية وروائح مألوفة من المطبخ البحريني، مثل الهيل والزعفران وماء الورد والتمور، لكن بأسلوب حديث يواكب الذائقة المعاصرة. وتؤكد أن لمستها الخاصة تظهر في تحقيق التوازن بين المذاق والشكل، بحيث تسرّ القطعة العين قبل أن تترك أثرها في الذوق.
وترى فاطمة أن الحلويات الناجحة هي تلك التي تمنح المتذوق شعور الدفء والبساطة، مع نكهة عميقة ومميزة، مشيرة إلى أن هدفها الدائم هو أن تبقى وصفاتها عالقة في الذاكرة وتحمل جزءًا من شغفها وشخصيتها.
وتصف فاطمة تجربتها مع فندق ذي كي بأنها محطة مفصلية في مسيرتها المهنية، خاصةً كونها تجربتها الأولى في مجال الفندقة. فقد شكلت هذه المرحلة تحديًا حقيقيًا، وأسهمت في توسيع آفاقها الإبداعية، إلى جانب ما تلقته من دعم متواصل من الإدارة وبرامج تدريب مكثفة.
وتؤكد أن الفندق لعب دورًا كبيرًا في تطوير مهاراتها ومنحها مساحة واسعة للابتكار، سواء في ابتكار نكهات جديدة أو في طرق التقديم والتزيين الاحترافية. كما ساعدتها بيئة العمل المنضبطة وعالية الجودة على الارتقاء بمستوى أدائها وأفكارها، واكتشاف جوانب جديدة في شخصيتها المهنية.
وتوضح أن من أبرز التحديات التي واجهتها في مجال الفندقة سرعة وتيرة العمل ودقة المعايير المطلوبة، إذ تختلف بيئة الفنادق كليًا عن العمل في المحلات الصغيرة أو المشاريع الخاصة. فالالتزام بالجودة، والتنظيم العالي، والقدرة على التعامل مع ضغط الطلبات اليومية، كلها عناصر أساسية في هذا المجال.
وتشير إلى أنها تعاملت مع هذه التحديات عبر التعلم المستمر، والاستفادة من خبرات الفريق المحيط بها، والمشاركة الفاعلة في التدريبات التي يوفرها الفندق. ومع مرور الوقت، أصبحت أكثر مرونة وقدرة على إدارة المهام تحت الضغط، معتبرة أن كل تحدٍ يشكّل فرصة حقيقية للنمو والتطور.
وترى فاطمة أن المواسم الكبيرة في الفنادق تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرات الشيف، إذ يرتفع الطلب على الحلويات الفاخرة بشكل ملحوظ. وتوضح أن التعامل مع هذه الفترات يتطلب تخطيطًا مسبقًا، وجدولة دقيقة للإنتاج، وتجهيز المكونات الأساسية قبل الموسم لتوفير الوقت.
كما تؤكد على أهمية العمل الجماعي وتوزيع المهام بذكاء، إلى جانب الحفاظ على الهدوء والتركيز في اتخاذ القرارات. وبالنسبة لها، فإن هذه المواسم، رغم ضغطها، تشكل فرصة لإبراز الإبداع وتقديم أفضل ما لدى الفريق للضيوف.
وضمن توجهها المهني، تحرص على تقديم حلويات تبرز النكهات الطبيعية دون مبالغة في الإضافات، إيمانًا منها بأن قوة الحلو تكمن في نقاء مكوّناته. كما تولي اهتمامًا خاصًا بتقديم خيارات صحية وخالية من السكر أو الجلوتين، مناسبة لمرضى السكري أو لمن يتبعون أنظمة غذائية خاصة، مع الحفاظ على الطعم اللذيذ والمتعة الكاملة.
وتعتبر أن هذا التوازن بين الصحة والمذاق جزء أساسي من هويتها المهنية ولمستها الخاصة في عالم الحلويات.
وتلاحظ فاطمة تغيرًا إيجابيًا في ذوق العملاء في البحرين خلال السنوات الأخيرة، مع ازدياد الاهتمام بالصحة وجودة المكونات. وتشير إلى أن الطلب لم يعد مقتصرًا على الحلويات التقليدية الفاخرة، بل توسع ليشمل خيارات خفيفة وصحية، ما أتاح لها فرصة إعادة صياغة هويتها وتقديم وصفات تناسب أذواقًا ومتطلبات متنوعة.
وتؤكد أن الابتكار إلغاء الأصالة، بل تقديمها بأسلوب معاصر يفهمه الجميع. فهي تبدأ دائمًا بالتعرف على جمهورها وثقافاتهم المختلفة، ثم تدمج النكهات البحرينية بطريقة ذكية ومتوازنة. وتضرب مثالًا بتقديم التيراميسو بنكهة الهيل والزعفران، معتبرة أن هذه الإضافة تمنح الحلوى روحًا بحرينية دون المساس بهويتها الأصلية. وتوجه الشيف فاطمة دسمال رسالة إلى الشباب والشابات الراغبين في دخول عالم الحلويات، داعية إياهم إلى الثقة بشغفهم وعدم الالتفات إلى نظرة المجتمع، مؤكدة أن هذا المجال أصبح مهنة احترافية ذات مستقبل واعد وفرص نجاح حقيقية.
أما على صعيد طموحاتها، فتؤكد أنها تركز حاليًا على تطوير مهاراتها داخل الفندق والاستفادة من كل فرصة للتعلم والابتكار، على أمل أن تقدم في المستقبل وصفات وابتكارات تمثل البحرين بأسلوب مميز يجمع بين النكهة التقليدية والمعايير الحديثة، ويمنح الجمهور تجربة فريدة تليق بالمطبخ البحريني في حلته الجديدة.


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك