بغداد - (أ ف ب): بعد انتخاب البرلمان العراقي الجديد، تنطلق مرحلة اختيار رئيس للوزراء يشكّل الحكومة المقبلة، في بلد يشهد عادة تشرذما سياسيا وتعقيدات تُطيل التوافق على مرشّح. وتصدّر الائتلاف الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني نتائج الانتخابات التشريعية، وفق ما أظهرت نتائج أولية أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مساء الأربعاء. غير أن ذلك لا يكفيه لتشكيل حكومة، فهو يواجه حاليا مهمّة صعبة تتمثل في تأمين الدعم من الأطراف المُنافسة له خصوصا من الغالبية الشيعية، في مسعاه للحصول على ولاية حكومية ثانية.
وفي ظلّ عدم وجود غالبية مطلقة في البرلمان المؤلف من 329 مقعدا، قد تقضي الأطراف الرئيسية أسابيع أو حتى أشهرا، في التفاوض على تحالفات لبناء كتلة كبرى تتمكّن من فرض رئيس الوزراء المقبل. وفي حين نُشرت نتائج فرز الأصوات لكل محافظة على حدة، يُفترض أن يُعلن لاحقا توزيع المقاعد في البرلمان. ومنذ أول انتخابات متعددة شهدها البلد في 2005 بعد عامَين من الغزو الأمريكي الذي أطاح بنظام صدام حسين، أصبح رئيس الوزراء شيعيا، وهو الممثل الفعلي للسلطة التنفيذية، ورئيس الجمهورية كُرديا ورئيس مجلس النواب سنيا، في العراق، بناء على نظام محاصصة بين القوى السياسية النافذة.
وشهدت تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة عقب الانتخابات في السنوات الماضية الكثير من التعقيدات، واستغرق التوافق أشهرا عدّة. ففي البرلمانات السابقة، كانت الأحزاب الشيعية التي تحصل على العدد الأكبر من المقاعد تتوصل إلى تسويات لتشكيل حكومة، وكان يؤدي ذلك غالبا إلى استبعاد مرشحين أقوياء قبل التوافق على اسم. وتُستخدم المقاعد كأوراق مساومة، ويمكن للمشرّعين المنتخبين التخلّي عن كتلهم والانتقال إلى أخرى.
ومنذ 2005، لم يأتِ مرّتين إلى سدة رئاسة الحكومة إلّا نوري المالكي (2006-2014). وعلى الرغم من اتهامات واسعة طالته بالفساد وإثارة التوترات الطائفية والفشل في منع انتشار تنظيم الدولة الإسلامية، لا يزال المالكي يشكّل قوة رئيسية في السياسة العراقية. وبعد جمود استمرّ أكثر من عام نتيجة خلافات سياسية بين التيار الصدري و«الإطار التنسيقي» المؤلف من أحزاب شيعية موالية لإيران، جاء الإطار الذي كان يحظى بأكبر كتلة في البرلمان المنتهية ولايته، بالسوداني رئيسا للحكومة في 2022. ولم يكن السوداني في حينه معروفا على نطاق واسع أو يتمتع بقاعدة شعبية تذكر.
وصرّح سياسي بارز لوكالة فرانس برس الشهر الماضي بأن «الإطار التنسيقي» منقسم بشأن دعم السوداني لتولّي ولاية ثانية. ويُقلق تنامي سلطة السوداني الذي اعتمد سياسة تحافظ على توازن دقيق بين حليفي العراق العدوين، واشنطن وطهران، القوى السياسية الكبرى في العراق. وواجه السوداني اتهامات بأن موظفين في مكتبه كانوا مسؤولين عن التنصت على هواتف سياسيين بارزين، وقد وصفها رئيس الحكومة بأنها «كذبة القرن». ولا شيء مستبعد في العراق حيث المصالح السياسية والانقسامات الطائفية تسير في خطين متوازيين. فمثلما قد يتمكّن السوداني من حشد الدعم من منافسيه بين الأحزاب الشيعية لتشكيل حكومة جديدة، قد تتحدّ تلك الأحزاب ضده.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك