صعّدت قطر هجومها الإعلامي على إسرائيل مستخدمةً برنامج «ما خفي أعظم» الذي تبثّه قناة الجزيرة، كمنصّة استراتيجية لكشف جرائم الحرب في غزة وتعبئة الرأي العام الدولي ضد الجيش الإسرائيلي، في خطوة وُصفت بأنها «رد إعلامي من العيار الثقيل» على الغارة التي استهدفت الدوحة في سبتمبر الماضي.
التحقيق الأول بعنوان «الملاحقون» تناول جريمة مقتل الطفلة الفلسطينية هند رجب (6 أعوام) وعائلتها في حي تل الهوى بمدينة غزة في 29 يناير 2024. وقدّم التحقيق تسجيلات صوتية ومكالمات استغاثة بين هند وفريق الإسعاف، كشفت كيف تُركت الطفلة محاصرة داخل سيارة وسط جثث عائلتها قبل أن تُقتل برصاص سرية «إمبراطورية مصاصي الدماء» التابعة للواء 401 المدرّع الإسرائيلي.
التحقيق عرض وثائق حصرية من مؤسسة هند رجب تثبت إصدار أمر مباشر من الضابط شون غلاس بإطلاق النار رغم معرفة هوية المدنيين، كما كشف أسماء جنود مزدوجي الجنسية متورطين في الجريمة، ما يفتح الباب أمام ملاحقات قضائية أوروبية.
أما التحقيق الثاني «قائمة الطيارين» فضم وثيقة سرّية مسرّبة تتضمن بيانات نحو 30 ألف طيار إسرائيلي شاركوا في قصف غزة منذ أكتوبر 2023، تشمل الأسماء الكاملة وأرقام الهوية والوحدات الجوية. وقدّم التحقيق شهادات لضباط إسرائيليين سابقين أقرّوا بتعمّد استهداف المدنيين ضمن سياسة «الضغط الأقصى». كما وثّق غارات على مستشفى المعمداني التي أودت بحياة أكثر من 500 شخص.
ويرى خبراء قانونيون أن هذه الوثيقة تشكّل أداة إدانة قضائية يمكن استخدامها أمام المحكمة الجنائية الدولية، فيما وصف الخبير الإسرائيلي يوسي ميلمان التسريب بأنه «كابوس لإسرائيل»، نظراً الى احتمال اعتقال الطيارين في أوروبا.
وردّت إسرائيل بحملة إعلامية مضادة، واتهمت الجزيرة بشن «هجوم منظم لتشويه صورة الجيش»، بينما تدرس وزارة الدفاع الإسرائيلية إجراءات قانونية ضد القناة، وارتفعت أصوات يمينية في الكنيست تطالب بإغلاق مكتبها في القدس المحتلة.
في المقابل، أكدت مصادر قطرية أن الدوحة تنسّق مع منظمات حقوقية دولية لتوثيق الأدلة وتقديمها أمام المحاكم، في إطار ما وصفه مراقبون بأنه «تحويل الإعلام إلى سلاح دبلوماسي».
وتصدّرت وسوم مثل «ما خفي أعظم» الترند العالمي على منصة «إكس»، وحقق المقطع الترويجي للتحقيق أكثر من 10 ملايين مشاهدة خلال 48 ساعة، واعتبر المتابعون أن الجزيرة «أعادت الى الضحايا صوتهم»، في حين قلّلت إسرائيل من أهمية التحقيقات ووصفتها بـ«الدعاية القطرية».
يرى محللون أن التحقيقين شكّلا ردًّا إعلاميًا مباشرًا على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت الدوحة في 9 سبتمبر، والتي وُصفت في الأوساط الدبلوماسية بأنها «اختبار لحدود الصبر القطري» بعد ضمانات أمريكية - إسرائيلية بعدم المساس بقادة حماس المقيمين في قطر. واعتبرت الدوحة الغارة «خيانة» وردّت عليها بـ«قنبلة إعلامية» أربكت تل أبيب قانونياً ومعنوياً.
وتؤكد هذه التطورات أن قطر باتت تستخدم الإعلام كسلاح استراتيجي يوازي القوة السياسية، مستندة إلى نفوذ قناة الجزيرة وتأثيرها الدولي، بينما تجد إسرائيل نفسها أمام جبهة جديدة من الحرب، لا تُخاض بالصواريخ، بل بالصور والتسجيلات والوثائق المسربة.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك