كتبت: زينب علي
في زمن يتسارع فيه إيقاع السفر وتزداد فيه خيارات التنقل، يعود القطار ليجد مكانه من جديد كوسيلة تجمع بين الراحة والمتعة والاستدامة. لم يعد مجرد وسيلة للوصول من نقطة إلى أخرى، بل تجربة قائمة بحد ذاتها؛ رحلة تسير على وتيرة الطبيعة وتنساب بهدوء بين المدن والجبال والأنهار، لتمنح المسافر متعة التفاصيل التي لا توفرها الطائرات أو السيارات.
ويجمع عشاق السفر على أن القطارات تعيد تعريف مفهوم الرحلة، إذ تمتزج فيها المتعة بالهدوء، والسرعة بالتأمل، والتقنية الحديثة بسحر الماضي.
وتصف زينب اليوسف، هاوية السفر، علاقتها بالقطار بأنها علاقة شغف ودهشة متجددة، وتقول: «القطار يجعل الرحلة جزءًا من التجربة لا مجرد وسيلة انتقال. ففي كل مرة أستقل القطار، أشعر وكأنني أعيش مغامرة متجددة، أراقب القرى الصغيرة والجبال والأنهار من النافذة، وأشارك متابعي تلك اللحظات التي لا تمنحها الطائرة أو الحافلة بنفس العمق».
وترى اليوسف أن القطار خيار متوازن يجمع بين الراحة والتجربة، موضحة: «الطائرة تمنح السرعة لكنها تفتقر إلى تفاصيل الطريق، والحافلة مرهقة لطول الوقت وضيق المساحة. أما القطار فيمنحني حرية الحركة والراحة ووقتًا أستثمره في القراءة أو إعداد محتوى رحلاتي في أجواء ممتعة وهادئة».
وتضيف أن المناظر الطبيعية تأتي أولاً في اختياراتها: «ما زلت أذكر رحلتي بين ويندرمير ولندن، حيث بدا المشهد كلوحة سينمائية تجمع بين البحيرات الصافية والمساحات الخضراء».
أما عن إحساسها أثناء السفر، فتقول: «القطار يمنحني شعورًا بالطمأنينة والاستقرار، خاصة في الأجواء الضبابية أو الماطرة، فحركته أكثر سلاسة ومساراته ثابتة، وهذا يجعلني أشعر بالثقة والراحة».
وبينت: «أتمنى أن تتطور الخدمات الرقمية أكثر، مع إنترنت سريع وقطارات مهيأة للعائلات ومساحات تعكس ثقافة المناطق عبر مأكولات محلية ولمسات فنية، لتصبح الرحلة نفسها تجربة سياحية متكاملة».
من جانبها، ترى فاطمة رضي، المهتمة بالسفر البري، أن القطار يمثل توازنًا بين الرفاهية والوعي البيئي، وتقول: «السفر بالقطار بالنسبة لي تجربة تمتزج فيها الراحة مع الهدوء. أحب إحساس الانطلاق البطيء من المحطة، وصوت العجلات وهي تلامس السكة بإيقاع ثابت يبعث على الطمأنينة».
وتضيف: «القطار بالنسبة لي هو خيار واعٍ ومسؤول أكثر من كونه مغامرة. هو وسيلة النقل الأكثر احترامًا للبيئة بين الوسائل التقليدية، وهذه نقطة محورية في اختياري. عندما أستقل القطار، أشعر أنني أشارك في تقليل البصمة الكربونية لرحلاتي، وهو شعور لا يقدر بثمن».
وترى رضي أن القطار يوفر مساحة للتأمل: «خلال الرحلات الطويلة أجد نفسي أكتب ملاحظات أو أراجع خططي القادمة. حتى الحديث مع الركاب أحيانًا يكون ممتعًا، فهو يفتح آفاقًا جديدة ويكشف عن قصص إنسانية جميلة».
وتتابع قائلة: «ما يميز السفر بالقطار هو التنوع في المشاهد، خصوصًا في الدول الأوروبية، حيث تمر على قرى صغيرة وغابات وجبال مكسوة بالثلوج في الشتاء. وكل نافذة تطل على لوحة مختلفة، وكل محطة تروي جزءًا من الحكاية».
وأضافت: «أتمنى أن تتوسع تجربة القطارات في منطقتنا العربية، خصوصًا في الرحلات السياحية الداخلية. فوجود شبكات تربط المدن والمعالم السياحية سيغيّر مفهوم السفر كليًا، ويمنحه طابعًا أكثر استدامة ومتعة».
بين شغف زينب اليوسف الذي يرى في القطار رحلة فنية مفعمة بالهدوء والتأمل، ووعي فاطمة رضي الذي يربط السفر بالقطار بالاستدامة والمسؤولية البيئية، يتضح أن القطارات عادت لتحتل مكانتها كوسيلة سفر تلبي احتياجات الإنسان المعاصر الباحث عن تجربة تمنحه التوازن بين الراحة والوعي والدهشة. فالرحلة بالقطار لم تعد وسيلة انتقال فحسب، بل أسلوب حياة يعيد صياغة علاقتنا بالسفر والطبيعة والزمن.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك