كتبت: زينب علي
في قلب صحراء البحرين الجنوبية، تقف شجرة معمّرة وحيدة تعرف بـ«شجرة الحياة»، رمز للثبات وقوة الطبيعة في مواجهة قسوة الصحراء. يقدر عمر الشجرة بأكثر من 440 عاماً، وتواصل نموها واخضرارها رغم ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة، لتبقى لغزاً بيئياً يثير الفضول منذ قرون.
ويصف الزوار شجرة الحياة بأنها معجزة طبيعية، تمتد أغصانها العريضة لتوفر الظل والراحة في منطقة يندر فيها أي شكل من أشكال الحياة النباتية. ومع مرور الزمن، تحولت الشجرة إلى مقصد سياحي وثقافي بارز، يجذب نحو 50 ألف زائر سنوياً، يأتون لاستكشاف أسرارها البيئية والتقاط الصور بجوارها.
ورغم الدراسات العديدة، لم يحسم الجدل العلمي حول مصدر المياه الذي يغذيها؛ فبينما يرى بعض الباحثين أن جذورها تمتد عميقاً لتصل إلى مخزون جوفي بعيد، يعتقد آخرون أن تكوينها البيولوجي الفريد يمنحها قدرة استثنائية على التكيف مع المناخ الصحراوي القاسي.
إلى جانب قيمتها الطبيعية، تحيط بالشجرة العديد من الأساطير الشعبية، حيث ارتبطت لدى البعض برمز الحياة الأبدية، ولدى آخرين بقصص تاريخية عن الحضارات القديمة التي استوطنت البحرين.
وفي عام 2022، زار البابا البحرين وذكر شجرة الحياة عدة مرات في خطابه، لتصبح بذلك واحدة من أبرز المعالم السياحية والثقافية في المملكة. وقد تم إنشاء معرض بالقرب منها للتعريف بها وبالقطع الأثرية المكتشفة حولها، كما يحتضن المدرج الصغير المجاور فعاليات فنية في الهواء الطلق. وتشكل الشجرة محطة مثالية لالتقاط الصور، ويحرص بعض السياح على إحضار زجاجات ماء صغيرة لريها، نظراً الى ابتعادها عن أي مصدر مياه قريب.
تنتمي شجرة الحياة إلى فصيلة أشجار الأكاسيا، وتعرف محلياً باسم العوسج، وتقع على هضبة رملية بصحراء الصخير، على بعد نحو 35 كيلومتراً جنوب العاصمة المنامة. ويبلغ ارتفاعها حوالي 10 أمتار، وتتميز بأغصانها الطويلة الملتوية التي تصل أحياناً إلى الأرض، ما يتيح إمكانية تسلقها بسهولة. ويتميز جذعها بقدم عمره وهرمته، بينما تبقى أوراقها خضراء ونضرة، وكأنها تجمع بين مرحلتي شباب وكهولة الطبيعة في آن واحد.
وبالقرب من الشجرة، اكتشفت مجموعة من اللقى الأثرية، بعضها قد يعود إلى حضارة دلمون القديمة، كما عثر على بقايا مستوطنات بشرية يزيد عمرها على 500 عام. ويعد عمر الشجرة الاستثنائي دليلاً على قدرتها على الصمود لثلاثة أسباب رئيسية: البقاء في صحراء قاحلة بمعدل أمطار لا يتجاوز 150 ملم سنوياً، واستمرار اخضرارها من دون تأثر بتغير المناخ، وعمرها الطويل مقارنة بنوع الأشجار نفسه.
جدير بالذكر أنه تم إنشاء مركز للزوار يضم معلومات عن الشجرة والقطع الأثرية المحيطة بها، بالإضافة إلى سور دائري يمثل مساراً تعليمياً وثقافياً يوضح رمزية الأشجار حول العالم، على غرار شجرة الأرز في لبنان، وشجرة الزيتون في اليونان، وشجرة البلوط في الولايات المتحدة. ويستضيف المدرج الصغير القريب الذي يتسع لـ 500 زائر عروضاً فنية بين الحين والآخر، ما يعزز من قيمة الشجرة كمعلم ثقافي وطبيعي متميز.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك