شهدت مدينة نانجينغ الصينية في أغسطس من عام 2013 انطلاقة استثنائية للنسخة الثانية من دورة الألعاب الآسيوية للشباب، بمشاركة أكثر من 2400 لاعب ولاعبة يمثلون 45 دولة آسيوية تنافسوا في 112 فعالية رياضية ضمن 16 لعبة، وقد جاءت الدورة بعد أربع سنوات من النسخة الافتتاحية في سنغافورة 2009 لتؤكد نجاح رؤية المجلس الأولمبي الآسيوي في بناء منظومة قارية متخصصة بفئة الشباب، وصناعة جيل من الأبطال القادرين على تمثيل قارتهم في المنافسات العالمية والأولمبية.
انطلقت المنافسات في 16 أغسطس 2013 واستمرت حتى 24 من الشهر ذاته، وسط أجواء احتفالية احتضنتها مدينة نانجينغ، التي تمتلك تاريخًا ثقافيًا ورياضيًا عريقًا، وجاء اختيار المدينة ليعكس جاهزية الصين التنظيمية، إذ خُصصت الدورة لتكون تجربة ميدانية استباقية لـ الألعاب الأولمبية للشباب 2014 التي استضافتها المدينة لاحقًا، لتتحول نسخة 2013 إلى اختبار واقعي للبنية الرياضية والإدارية الصينية في إدارة الأحداث الكبرى.
اتسع البرنامج الرياضي في نانجينغ مقارنة بالنسخة الأولى، إذ ضم ألعاب القوى، السباحة، كرة القدم، الجودو، المبارزة، رفع الأثقال، التايكواندو، التنس، تنس الطاولة، الريشة الطائرة، الرماية، الغولف، السكواش، كرة السلة، والتزلج على الماء. وقد استقطبت ألعاب القوى والسباحة العدد الأكبر من المشاركين، إذ شارك في الأولى أكثر من 400 رياضي ورياضية، وشهدت منافساتها تحطيم 26 رقمًا قياسيًا آسيويًا جديدًا، ما أكد المستوى العالي للرياضيين الواعدين في القارة.
أما على صعيد النتائج، فقد واصلت الصين هيمنتها على صدارة جدول الميداليات بحصدها 46 ميدالية ذهبية و23 فضية و16 برونزية، تلتها كوريا الجنوبية بـ 27 ذهبية ثم اليابان بـ 20 ذهبية، فيما سجلت دول مثل إيران وتايلند وكازاخستان حضورًا قويًا في رياضات القوة والسرعة. وبلغ إجمالي الميداليات الموزعة خلال الدورة أكثر من 280 ميدالية، لتكون من أكثر البطولات كثافة في المنافسة والنتائج منذ انطلاق المشروع الآسيوي للشباب.
وإلى جانب التنافس الرياضي، شكّلت هذه الدورة منصة حقيقية لاكتشاف المواهب التي أصبحت لاحقًا أبطالًا عالميين وأولمبيين. ففي السباحة، تألق الماليزي ليم تشينغ هوانغ بعد فوزه بذهبية سباق 200 متر حرة، ليواصل مسيرته لاحقًا ويحصد ألقابًا آسيوية مع منتخب بلاده. كما سطعت مارتينا ليندسي فيلوسو من سنغافورة التي كانت أصغر المشاركات في الدورة بعمر 13 عامًا، حين فازت ببرونزية الرماية الهوائية لمسافة 10 أمتار، قبل أن تتوج بعد عام واحد فقط بذهبية بطولة العالم 2014 وتصبح بطلة كومنولث 2018 وممثلة بلادها في أولمبياد ريو 2016.
في ألعاب القوى، لمع اسم يوكي نيشيمورا من اليابان بفوزه بذهبية سباق 110 أمتار حواجز، ليتحول لاحقًا إلى بطل آسيوي في فئته عام 2015. كما تألقت العداءة الهندية دوتي تشاند التي شاركت في سباقات السرعة ضمن الدورة، قبل أن تصبح لاحقًا أول عداءة هندية تتأهل إلى نصف نهائي سباق 100 متر في الألعاب الأولمبية. وفي رفع الأثقال، فازت الصينية جيانغ هويهوا بذهبية وزن 48 كجم، لتتوج لاحقًا بطلة للعالم عامي 2015 و2018، وتُدرج ضمن أبرز رباعات الصين في التاريخ الحديث.
وفي المبارزة، تألق اللاعب السنغافوري زاكاري تشين يي بفوزه بميدالية برونزية في سلاح الإيبيه، بينما في الريشة الطائرة برز التايلندي كونلافوت فيتيدسارن الذي وصل إلى نصف النهائي وهو في سن 14 عامًا فقط، ليصبح لاحقًا بطل العالم للرجال عام 2023 وأحد أبرز نجوم اللعبة عالميًا، كما كانت اليابانية ناعومي أوساكا ضمن قائمة المشاركات في البرنامج الشبابي التدريبي للتنس خلال الدورة، قبل أن تصبح بعد سنوات من أبرز نجمات اللعبة عالميًا بحصدها أربعة ألقاب كبرى في بطولات الغراند سلام بين 2018 و2021.
لم تقتصر دورة نانجينغ على التميز الرياضي فحسب، بل جسدت أيضًا مفهوم الرياضة كجسر للتواصل الثقافي والتربوي. فقد تضمن برنامج الدورة أكثر من 20 فعالية تعليمية وثقافية تناولت قيم الروح الأولمبية، والتسامح، والقيادة، والمسؤولية الاجتماعية، بالإضافة إلى جولات ميدانية للمشاركين للتعرف على تراث المدينة ومواقعها التاريخية. وقد أشاد المجلس الأولمبي الآسيوي بهذا التوجه الذي دمج بين المنافسة الرياضية والتربية الإنسانية، مما جعل الدورة نموذجًا متكاملًا لبناء الشخصية الرياضية الآسيوية الواعية والمتفوقة.
على المستوى التنظيمي، برزت نانجينغ كإحدى أكثر المدن جاهزية في إدارة الأحداث الرياضية الكبرى بفضل بنيتها التحتية الحديثة وتطبيقها أحدث أنظمة إدارة النتائج الإلكترونية والبث الفوري للمنافسات. واحتضنت القرية الرياضية المخصصة للحدث أكثر من ألفي رياضي ومسؤول، في بيئة متكاملة وفّرت للرياضيين تجربة احترافية حقيقية. وقد لاقت الدورة إشادة واسعة من الاتحادات الآسيوية والمراقبين الدوليين الذين وصفوها بأنها أحد أنجح النسخ الشبابية في تاريخ القارة من حيث التنظيم والمخرجات الفنية والإنسانية.
لقد جسدت دورة نانجينغ 2013 مرحلة فاصلة في مسيرة الرياضة الآسيوية للشباب، إذ أكدت أن الاستثمار في الفئات العمرية الصغيرة هو الطريق الأمثل لصناعة الأبطال المستقبليين. فمن رحم هذه الدورة خرجت أسماء أصبحت أبطالًا عالميين وأولمبيين، ومن خلال نجاحها التنظيمي والرياضي رسخت آسيا موقعها كقارة شابة تفيض بالمواهب والطموح، وهكذا، تبقى نانجينغ علامة مضيئة في سجل الرياضة الآسيوية، ودليلًا على أن المستقبل يبدأ من مضامير الشباب الذين حملوا راية التحدي والإبداع من قلب الصين إلى منصات التتويج العالمية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك