تلعب الشركات الصناعية الكبرى دورًا محوريا في رسم ملامح الاقتصاد الوطني، ليس فقط من خلال الإنتاج والتصدير، بل عبر إسهاماتها في بناء منظومة تنموية متكاملة تعزز من استدامة الاقتصاد وتنوعه. إن وضع استراتيجيات متطورة لهذه الشركات يعني توظيف طاقاتها الهائلة بطريقة تضمن كفاءة التشغيل، رفع الإنتاجية، وتحقيق قيمة مضافة للمجتمع والاقتصاد معًا.
من أبرز الأبعاد التي يجب التركيز عليها هو بناء الكفاءات الوطنية، بحيث يتم إحلال البحريني مكان الأجنبي في المناصب الإدارية الحساسة وفق خطة مدروسة تمتد خمس سنوات، تضمن التدريب والتأهيل اللازمين، وصولاً إلى تحقيق نسبة 80% بحريني مقابل20% أجنبي، بما يحقق تكافؤ الفرص ويعزز من رأس المال البشري الوطني.
على المستوى التشغيلي، فإن توظيف نظام المستودعات الذكية (Just in Time) يُعد نقلة نوعية في إدارة سلاسل التوريد، حيث يسهم في خفض تكاليف التخزين، تحسين التدفق النقدي، وتقليل مخاطر تقلب أسعار التأمين على البضائع. وإلى جانب ذلك، فإن وضع استراتيجيات لتنويع مصادر استيراد المواد الخام من أكثر من جهة، يضمن كسر أي احتكار محتمل ويعزز استقرار سلاسل الإنتاج حتى في ظل الأزمات أو التوترات الجيوسياسية.
كما أن إعادة توزيع القوى العاملة داخل الأقسام وفق معايير الإنتاجية، وربطها بتقارير أسبوعية عن السلامة والأمن البيئي، يسهمان في خلق ثقافة مؤسسية قائمة على الكفاءة والاستدامة. هذه الثقافة لا ترفع من أداء الأفراد فحسب، بل تُضاعف إنتاجية الشركات ككل، وتضع معايير أعلى للأمن الصناعي والمسؤولية البيئية.
وعلى الصعيد المالي، فإن تخصيص جزء من أرباح الشركات الصناعية للاستثمار في أسهم عالمية وشراكات استراتيجية خارجية، يسهم في تنويع مصادر الدخل ويجعل هذه الشركات أكثر مرونة في مواجهة تقلبات السوق المحلي. كما أن رفع تقارير شهرية لمجلس الوزراء لقياس الإنتاجية والأرباح يرسخ مبدأ الشفافية والمساءلة، ويعزز التكامل بين القطاعين العام والخاص.
ولا يكتمل البناء المؤسسي من دون خطة خمسية لمواجهة الكوارث الطبيعية أو الطارئة، تكون معززة بالحلول التقنية وأفضل الممارسات العالمية. مثل هذه الخطط تجعل الشركات الصناعية أكثر استعدادًا، وتحمي الاقتصاد الوطني من أي اضطرابات مفاجئة.
إن هذه الاستراتيجيات مجتمعة تجعل من الشركات الصناعية الكبرى في البحرين أكثر من مجرد كيانات إنتاجية؛ بل محركات للتنمية الاقتصادية المستدامة، قادرة على توظيف الموارد بكفاءة، تعزيز تنافسية المملكة عالميًا، وضمان مستقبل مشرق يقوم على المعرفة، الكفاءة، والاستدامة.
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية (MIE)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك