أوسلو - (أ ف ب): قبل شهر واحد من موعد مَنحِ جائزة نوبل للسلام تُشدّد لجنة نوبل النرويجية على حريتها في اتخاذ القرار رغم هوَس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالفوز باللقب المرموق؛ فمنذ عودته إلى البيت الأبيض، لم يُخفِ الرئيس المنتمي إلى الحزب الجمهوري رغبته في الفوز بجائزة نوبل التي سبق أن نالها قبله بشكل مفاجئ أحد أبرز خصومه من الحزب الديمقراطي هو باراك أوباما (2009-2017)، بعد مدة وجيزة من توليه منصبه. ولا يفوّت الملياردير البالغ 79 عاما فرصة إلاّ ويُكرّر فيها أنه يستحق هذه الجائزة، مستندا إلى دور يقول إنه يؤديه في حل النزاعات، رغم استمرار الحربين على أشدّهما في قطاع غزة وأوكرانيا.
ولفت أمين سر لجنة نوبل كريستيان بيرغ هاربفيكن في أوسلو إلى أن «ثمة اهتماما إعلاميا كبيرا بمرشحين مُعينين»، لكنه أكّد أن ذلك «لا يؤثر على المناقشات الجارية داخل اللجنة». وأوضح في مقابلة مع وكالة فرانس برس أن «اللجنة تنظر في كل ترشيح وفقا لمزايا صاحبه». ويُعلن الفائز بجائزة نوبل للسلام في العاشر من أكتوبر المقبل. ويدعم ترامب حملته من خلال إبرازه ترشيح عدد من القادة الأجانب إياه أو تأييدهم منحه الجائزة، من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف. إلاّ أنه من غير المؤكد أن تكون هذه الترشيحات وصلت في الوقت المناسب لسنة 2025، إذ تولى ترامب منصبه في 20 يناير، قبل 11 يوما فحسب من الموعد النهائي لتقديم الترشيحات.
وشدّد هاربفيكن على أن «الترشيح ليس بالضرورة إنجازا عظيما، فالإنجاز الحقيقي هو الفوز بالجائزة». وذكّر بأن «قائمة الأشخاص الذين يمكنهم اقتراح (مرشح) طويلة جدا». وتشمل هذه القائمة آلاف الأشخاص، من برلمانيين ووزراء من كل الدول، وفائزين سابقين بالجائزة، وبعض أساتذة الجامعات. وبلغ عدد المرشحين هذه السنة 338 فردا ومنظمة، وتبقى القائمة سرية. ومن بين كل الترشيحات يجري اختيار تلك التي تُعَدُّ الأكثر استحقاقا للتأهل للقائمة القصيرة، ويتولى خبير تقويم كل ترشيح على حدة.
وشرح بيرغ هاربفيكن أن «مداولات اللجنة تحصل ضمن إطار قاعدة المعلومات هذه، ولا تتأثر بهذا المقال الصحفي أو ذاك». وأضاف: «نبذل قصارى جهدنا لتنظيم العملية وحتى الاجتماعات بطريقة لا نتأثر فيها بأي حملة». ولاحظ أن «قلّة هم في التاريخ من وجهوا مسيرتهم نحو الفوز بجائزة نوبل للسلام وفازوا بها في النهاية». وأفادت صحيفة «داغنز نارينغسليف» النرويجية بأن دونالد ترامب تطرّق مباشرة إلى جائزة نوبل خلال محادثة هاتفية عن الرسوم الجمركية أجراها أواخر يوليو مع وزير المال النرويجي ينس ستولتنبرغ الذي يعرفه جيدا منذ تولي هذا الوزير رئاسة حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأكدت الوزارة حصول هذه المكالمة، لكنها لم تؤكد المعلومات المتعلقة بجائزة نوبل.
وأكّدت لجنة نوبل أنها تتخذ قراراتها بشكل مستقل عن السلطة السياسية، مع أن أعضاءها الخمسة يُعَيَّنون من البرلمان النرويجي؛ فهي مثلا تجاهلت تحذيرات سرية من الحكومة النرويجية، ومنحت جائزة السلام عام 2010 للمعارض الصيني ليو شياوبو، ما تسبب في خلاف دبلوماسي بين بكين وأوسلو. وأشار أمين سر اللجنة إلى أنها «تعمل باستقلالية تامة، ولا يمكنها أن تراعي هذه الاعتبارات عند النظر في الترشيحات».
وفي النرويج، الدولة الملتزمة بشدة بعالم يقوم على التعددية التي كان ألفريد نوبل (1833-1896) من المنادين بها، ونسفها نهج دونالد ترامب «أمريكا أولا»، يشكك الخبراء في فرص فوز الرئيس الأمريكي بالجائزة. ورأى مدير الأبحاث في المعهد النرويجي للشؤون الدولية هالفارد ليرا أن «هذا النوع من الضغط عادة ما يُفضي إلى نتائج عكسية». وقال لوكالة فرانس برس: «لو منحت اللجنة الجائزة لترامب الآن، لاتُهمت بالإذعان لرغبته»، ولنسفت بذلك صدقية ما تؤكده في شأنه استقلاليتها.
وفي أغسطس الفائت، ذهب ثلاثة مؤرخين لجائزة نوبل إلى أبعد من ذلك، إذ أشاروا إلى أسباب متعددة لعدم منح ترامب الجائزة؛ ومن هذه الأسباب إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي شنّ الحرب على أوكرانيا، ودعمه لإسرائيل فيما يُطلق عدد متزايد من الخبراء صفة «الإبادة الجماعية» في غزة، وعلى نطاق أوسع، ابتعاده عن مُثُل جائزة نوبل المُتمثلة في التعاون الدولي، ونزع السلاح، والديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان. وكتب هؤلاء المؤرخون في مقال صحفي أن فوز ترامب «يتطلب أن يكون أعضاء لجنة نوبل قد فقدوا عقولهم».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك