51 قضية تنفيذ حق الرؤية أمام نيابة الأسرة في 8 أشهر
رئيس نيابة الأسرة نورة المعلا: نلجأ إلى الحلول الودية قبل الحبس والغرامة
شهدت الأيام القليلة الماضية تحركات نيابية تتعلق بقضايا الحضانة والرؤية للأطفال، بهدف تطبيق المصلحة الفضلى للطفل وحمايته نفسيا واجتماعيا في نفس الوقت لتحقيق الغاية من الزيارة، وحفظ العلاقة بين الطفل ووالده أو والدته غير الحاضنين، حيث تناولت المقترحات توسيع أماكن زيارة الوالدين المنفصلين للطفل لتشمل مجمعات تجارية أو مقاهي عائلية أو أماكن ألعاب، كما تضمنت تعديل قانون العقوبات وتشديد عقوبة كل من حرض الطفل بأي وسيلة على الامتناع عن زيارة أو اصطحاب الطفل للزيارة وفقا لحكم الزيارة الصادر لمحصلته.
وحرصا من «أخبار الخليج» على إلقاء الضوء على هذا الملف المهم، التقت رئيس النيابة نورة جمال المعلا رئيس نيابة الأسرة والطفل، التي كشفت عن مباشرة النيابة العامة منذ يناير العام الحالي حتى 30 أغسطس 2025، 51 قضية متعلقة بتنفيذ حق الرؤية، كما أكدت أن المشرع البحريني جعل من عقوبتي الحبس والغرامة جزاءً للطرف الممتنع عن تمكين الطرف الآخر عن زيارة الطفل أو رؤيته وفق ما نص عليه حكم الرؤية، وذلك يعكس مدى اهتمام المشرع البحريني بتمكين الطفل من التعرف على والديه وقضاء الوقت اللازم معهما.
وأكدت أن قانون العقوبات تطرق إلى (الجرائم التي تمس الدين والأسرة) وتحديداً في الفصل الأول تحت عنوان (المساس بالأسرة) والتي تتعلق بالطفل سواء من ناحية منع الطفل من الرؤية أم من ناحية الامتناع عن تسليمه لمن حُكِم له بحضانته بموجب حكم صادر عن المحاكم الشرعية المختصة، وبالعودة الى نص المادة 318 مكرر من قانون العقوبات نجد أن المشرع البحريني جعل من عقوبتي الحبس والغرامة جزاءً للطرف الممتنع عن تمكين الطرف الآخر عن زيارة الطفل أو رؤيته وفق ما نص عليه حكم الرؤية، وذلك يعكس مدى اهتمام المشرع البحريني بتمكين الطفل من التعرف على والديه وقضاء الوقت اللازم معهما ما ينعكس بالإيجاب على تنشئة الطفل ومراعاة كافة الجوانب المؤثرة على صقل شخصيته منذ الصغر، فضلاً عن تحدث المادة 318 من القانون ذاته سالف البيان عن حالة الامتناع عن تسليم الصغير لمن حكم له بحضانته أو حفظه بعد طلبه منه بموجب حكم شرعي مع مراعاة أن هذا النص يسري ولو كان المتكفل بالطفل هو أحد والديه أو الجدين، بحيث جعل المشرع عقوبتي الحبس أو الغرامة جزاءً لمخالفة أحكام الامتناع عن تسليم الطفل للحاضن.
مصلحة الطفل الفضلى
كما أوضحت رئيس نيابة الأسرة أن النيابة باشرت منذ الأول من يناير 2025 وحتى 30 أغسطس 2025 باشرت نيابة الأسرة والطفل التحقيق والتصرف في عدد (51) قضية متعلقة بتنفيذ حق الرؤية، وقالت «إننا كنيابة متخصصة بالتحقيق والتصرف في القضايا الأسرية وتلك المتعلقة بالطفل نجعل من معيار تحقيق المصلحة الفُضلى للطفل حجر الأساس حال اتخاذ أي إجراء متعلق بالطفل، وعند الحديث عن حق الرؤية والذي بلا شك يكمُن تنفيذه بحسب المجرى العادي للأمور في زيارة الطفل ورؤيته لطرفي العلاقة الأسرية - سواء الأم أو الأب -، وإذ إننا نحرص في النيابة العامة على تمكين طرفي الأسرة من رؤية أبنائهم ولنا في ذلك تفعيل الإجراءات الودية بقدر الإمكان، وتيسير العقبات وتذليل الصعوبات المانعة لتنفيذ حكم الرؤية بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية ذات الصلة، جاعلين من تنفيذ وإيقاع العقوبات المنصوص عليها في المادة 318 مكرر والتي أشرنا إليها سلفاً خياراً أخيراً لمواجهة تعنت أحد الأطراف من تمكين الطرف الآخر زيارة الطفل ورؤيته، إذ ينبغي أن تُولى قضايا الطفل - ومنها مسألة الزيارة والرؤية - اهتماماً خاصاً وتعاملاً فريداً من نوعه غايتنا من ذلك حماية الطفل ومراعاة مصالحهِ الفضلى».
وأكدت أن التنشئة السليمة للطفل تبدأ منذ الصَغر، ولا شك أن لها انعكاسات على تنشئة الطفل، وتشكيل شخصيته، وتقويم أخلاقه وسلوكياته، فكلما حرص الوالدين -أياً كانت طبيعة العلاقات والخلافات التي تربط فيما بينهما- على إيلاء طفلهما الاهتمام والوقت اللازمين لتنشئته تنشئة سليمة وقويمة كلما كان ذلك ذا انعكاس جلي على مستقبله واختياراته بل وعلى نمط تفكيره وسلوكه وأخلاقياته، فينبغي على أطراف العلاقة الحرص أيُما حِرص على النأي بأطفالهما عن مكامن الخلافات، وإبراز الصورة المثالية أمام أبنائهم.
مستشار أسري:
منع الرؤية يحطم الطفل نفسيا
أوضح المستشار الزوجي والأسري حمد محمد الخان أن علماء (علم النفس) اتفقوا على أن الشخصية تتكون في أول 6 -7 سنوات من عمر الطفل، ولذلك كل ما يراه ويشاهده ويعيشه سيؤثر على شخصيته سلباً أو إيجاباً، فإذا كان يسمع الصراخ عليه أو على أمه أو الخلافات بين والديه، فهذا قد يجعله يرى كوابيس أو يخاف من أبسط الأمور أو التأتأة أو التبول اللاإرادي أو انخفاض الثقة بالنفس، وهذه الأمور تختلف من شخص إلى آخر ولكن كلها مؤشرات تدل على وجود ماضٍ مؤلم أو تجارب قاسية.
كما أن هذه التأثيرات النفسية تختلف بحسب عمر الطفل وتمييزه، فالطفل الصغير والذي هو دون 7 سنوات، لا يستوعب الأمور كلها بشكل واضح ولا يميز أو يفهم سبب الخلاف، فربما يتهم نفسه أو يخاف أو ما شابه، والطفل الذي يكون عمره 7 سنوات فأكثر، يبدأ بالتمييز والفهم والإدراك القليل وربما لا يلوم نفسه لكنه يعيش بين والديه وهما في صراع وخلاف مستمر فهذا يؤثر على نظرته للحياة، وللزواج، وأما عند البلوغ فالتأثر غالباً يظهر على النفسي والسلوكي، وهو أن الابن أو البنت ليس لديه من يتابعه أو يمنعه من الخطأ أو ينصحه وربما عاش طفولة صعبة فلا يلجأ إلى أحد والديه في شيء، وهنا ربما يصبح ضحية للمفترسين من الصحبة السيئة والسلوكيات الهدامة والتي قد تدخلهم إلى عالم مظلم، والواقع يشهد أن كثيرا ممن هم في سجون الأحداث أو دخلوا في طريق تعاطي المخدرات كانت لديهم مشاكل وخلافات أسرية، ويتأثر أحد الوالدين أو كلاهما خصوصا إذا كان هناك حرمان من أبنائه وقد يصل الوالدان الى سنوات من القضايا والنزاع والصراع والانتقام وكل هذا بعد الطلاق، وما ذنب الأبناء في مشاكل والديهم؟! لا ذنب لهم!
ويوضح أنه بعد الطلاق لا تنتهي العلاقة الوالدية، وأن الأبناء ليس لهم ذنب في خلافاتهم الشخصية، وأنهم بحاجة الى والديهم ودعمهم وتوجيههم وقربهم وتنشئتهم تنشئة صالحة سوية بعيدة عن العقد والاضطرابات النفسية، وأنه ليس عيباً أن يستشير الوالدان المختصين في مجال الزواج والأسرة قبل اللجوء إلى القضايا والصراع، وأما الأطفال فهم بحاجة إلى والديهم في المقام الأول وأن تكون العلاقة الوالدية قائمة حتى بعد الطلاق، فيكون الاحترام والتفهم والتقدير وعدم تشويه صورة الأب أو الأم امامهم وقضاء وقت معهم ونعلم الأطفال الحديث والتعبير عن المشاعر وأنهم يشقون طريقهم الى النجاح والتطور والتميز بعيدا عن العيش في الماضي.
محامون يطالبون بالضبطية القضائية
لموظفي المراكز الاجتماعية لتنفيذ الرؤية
المحامون كونهم طرفا أساسيا في قضايا الأسرة ومن واقع تنفيذ الرؤية والحضانة أشاروا إلى أن تنفيذ أحكام الرؤية والحضانة تستدعي وضع حلول سواء التشريعية أو التطبيقية بسبب خلافات كثيرة داخل المراكز الاجتماعية بين الأبوين أثناء تنفيذ الزيارة ورفض الابناء لتنفيذ الزيارة سواء خوف أو مجاملة لأحد والديه.
حيث اقترحوا منح موظفي المركز الاجتماعي سلطة الضبط القضائي بحيث يمنحهم القانون رخصة ضبط اي نوع من التعدي أثناء تنفيذ الزيارة وتحرير محاضر وإحالتها الى نيابة الاسرة والطفل مع ضرورة وجود شرطة المجتمع من أجل تنظيم الزيارة وإخضاع الأطفال لدورات تأهيلية في حال تفكك الأسرة وتنظيم أنشطة دورية وصيفية في المراكز الاجتماعية للأطفال الذين يتم تنفيذ الزيارة لهم داخل المركز حتى يألفون المكان ويعتادون عليه.
حيث يقول المحامي أحمد الشيخ: إنه بالرغم من وجود تشريعات واضحة تنظم الزيارة، فإن الواقع العملي يشهد العديد من المعوقات والتحديات التي تنال من تنفيذ الزيارة بالنحو الطبيعي، ويعود السبب الرئيسي في ذلك في كثير من الأحيان إلى تغليب أحد الوالدين أو كلاهما للطابع الشخصي والعاطفي بإحالة الخلافات الخاصة بهما الى الأولاد، ما يجعل من الأولاد ضحية للوالدين ويؤثر وبشكل كبير على مصلحة الطفل النفسية والاجتماعية ولربما الأكاديمية.
وأوضح أنه على سبيل المثال لا الحصر تُسند الحضانة إلى أحد الأبوين – وغالبًا ما تكون للأم في بداية نشأة الطفل – ويُمنح الأب حق زيارة الأطفال في أوقات محددة، غير أن هذا «الحق» كثيرًا ما يتحوّل إلى أداة صراع بين الوالدين، فتُعطّل الزيارات، وتُستخدم كوسيلة للضغط أو الانتقام، من دون اعتبار للأثر النفسي الذي يتركه هذا السلوك على الطفل، بالإضافة إلى تعمد الحاضن منع الزيارة أو تقيدها بذرائع غير منطقية تعد أكبر المعوقات التي تنال من تنفيذ الزيارة، كادعاء عدم رغبة الطفل في رؤية والده او التذرع بالانشغال او الخوف من التأثير السلبي، ويضيف أن بث أفكار غير عقلانية للأولاد من أحد الوالدين عن الآخر وتشويه صورته لديهم ابتغاء النيل من تقبل الأولاد والحد من تواصلهم معه ابتغاء التفرد بهم، وممكن ان يكون التلقين والتأثير والتشويه من كلاهما، وبالمجمل العام فإن هذه السلوكيات الشاذة تولد لدى الأولاد صراعًا داخليًا وخللًّا في تكوينه العاطفي والثقافي بسبب المدخلات الخاطئة التي يدسها أحد الوالدين إليه.
كما تضيف المحامية زينب السيد جواد أن العديد ممن لهم حق الرؤية يواجهون صعوبات في تنفيذ مواعيد الزيارة المتفق عليها، بشكل يؤثر سلبًا على الأطفال، حيث إنه قد يشعر أحد الأبوين بالظلم نتيجة الحكم القضائي الذي منح الحضانة للطرف الآخر، ما يجعله يتجنب الالتزام بمواعيد الزيارة كنوع من الانتقام او يكون القلق على مصلحة الطفل هو الدافع وراء عدم تنفيذ الزيارة، ومن خلال المتابعة لساحات المحاكم يكون سبب عدم تنفيذ الرؤية راجع الى تعنت الابوين وقليلاً ما يكون سببه الطفل ذاته.
رجال دين:
منع الرؤية حرام شرعا
أكد الدكتور الشيخ زياد السعدون المأذون الشرعي والوسيط الشرعي، ان الانفصال بين الزوجين، رغم ما يحمله من تبعات اجتماعية ونفسية، لا يعني أبداً أن تنتهي روابط الأبوة أو الأمومة، مشيرا إلى أن الشرع الحنيف واضح في هذا الجانب؛ فهو يحرص على بقاء الروابط وصلة الرحم، قال الله تعالى: (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) «البقرة: 237»، كما قال سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) «المائدة: 2». ومن السنة النبوية، قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «من فرَّق بين والدةٍ وولدِها فرَّق اللهُ بينه وبين أَحِبَّتِه يومَ القيامةِ» وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «كلُّكُم راعٍ، وكلُّكُم مسؤول عن رعيته»، وهو توجيه صريح بأن المسؤولية تجاه الأبناء مستمرة، بغض النظر عن وضع العلاقة بين الأبوين، لذا يحرم على الحاضن أن يحرم الطفل من رؤية الوالد أو الوالدة الذي ليست لديه حضانة، بل يأثم مرتين، مرة لحرمان الطفل ومرة لحرمان الاب مثلاً.
كما أوضح د. ياسر بن عبدالرحمن المحميد دكتور حقوق الإنسان جامعة البحرين، عضو محكمة الاستئناف الشرعية السنية سابقاً، خطيب جامع كانو بالمحرق، ان من أهم ما يجب مراعاته بعد الطلاق أن يبقى الأبناء بعيدين عن دائرة الخلافات، فلا يجوز أن يتحول الطلاق إلى وسيلة لتعذيبهم نفسيًا أو حرمانهم من أحد والديهم فالطفل بحاجة إلى حنان أمه ورعاية أبيه معًا، وأي مساس بهذا الحق يترك أثرًا سلبيًا على تكوينه النفسي والاجتماعي.
والأب، وإن لم يكن هو الحاضن، يبقى وليًّا مسؤولًا عن أبنائه، له حق التربية والتوجيه والمتابعة، وهي ولاية أقرّها الشرع وأكدتها القوانين ومن هنا، كان من الواجب على الأم الحاضنة أن تتعاون مع الأب في تسهيل الزيارة، وأن تدرك أن هذا التعاون مصلحة للأبناء قبل أن يكون حقًا للأب.
وأشار إلى ان حسن التعاون بين المطلقين في هذا الباب ليس مجرد التزام قانوني، بل هو عبادة يُتقرب بها إلى الله، وصورة من صور الرحمة التي تحفظ للأبناء استقرارهم العاطفي، وتغرس فيهم الثقة بأنهم ما زالوا موضع حب ورعاية من كلا الوالدين، مهما فرقت الظروف بينهما.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك