البحرين في المرحلة الثالثة للتدوين المؤسسي للأوقاف
أكد مشاركون في ندوة بعنوان «الوقف عطاء متجدد» أهمية تكثيف الجهود لتوسيع دائرة الوقف وتشجيع الأفراد والمؤسسات على المساهمة في هذا المجال، بما يعود بالنفع على المجتمع ويعزز من قيم التكافل والتعاون، مؤكدين أن مساحة الأوقاف واسعة وهي مجال للابتكار والإبداع وإخراج صيغ مبتكرة للأوقاف جديدة تتماشى مع العصر وتخدم المجتمع؛ منها على سبيل المثال تخصيص أرض لمشروعات الأمن الغذائي والمائي وغيرها من المشاريع، داعين أهل الإحسان والفضل والخير الذين يبادرون في الخير لتكون لهم بصمة في الأوقاف مع وجود مجالات متنوعة.
جاء ذلك خلال ندوة نوعية دشن بها مركز عبدالرحمن كانو الثقافي أولى فعاليات الفصل الأخير من موسمه الثقافي الثلاثين بالتعاون مع الإدارة العامة للأوقاف السنية. وشارك في الندوة كل من أحمد خليل خيري مدير عام الأوقاف السنية، والشيخ الدكتور حبيب النامليتي رئيس مجموعة الإرشاد الديني، وعبدالعزيز رشدان الناظر على أحد الأوقاف، وعمر أيوب مدير مبرة المرحوم راشد الزياني، وأدارها الشيخ فيصل بن فهيد، وذلك بحضور نخبة من المهتمين بالشأن الثقافي والديني والاجتماعي.
وأشاروا إلى أن الوقف رافد مهم من روافد التنمية المستدامة في المجتمعات الإسلامية ويحقق هدفاً عظيماً من الأهداف العالمية الإنسانية.
وتحدث أحمد خليل خيري مدير عام الأوقاف السنية عن أن نظام الوقف في مملكة البحرين من أبرز نظم التكافل الاجتماعي في المجتمع البحريني، وقد بادر الأهالي قديماً إلى الوقف وخصصوا جزءا من أملاكهم وممتلكاتهم لخدمة المجتمع والمحتاجين وأهاليهم لضمان حياة كريمة لهم، مشيراً إلى وجود وقفيات في البحرين منذ عام 1700 ولكن لم يبادر الناس لتسجيلها.
وأوضح أن الوقف مر بمراحل؛ حيث تم تدوين الوقفيات، ثم توثيقها، وتلاه التنظيم المؤسسي، إذ إن المرحلة الأولى هي التدوين العرفي، حيث كان لدى الناس وقفيات يسردونها، وهذه الوقفيات لم تكن منتظمة أو مكتوبة بصورة صحيحة، مبيناً أنه في عام 1927 دعا الشيخ عيسى بن علي القضاة في تلك الفترة إلى القيام بعملية تسجيل الوقفيات في أوراق تلاها تسجيلها في دفاتر ولا تزال هذه الدفاتر الكبيرة القديمة محفوظة في إدارة الأوقاف السنية، ويتم الرجوع إليها حالياً لاستخراج أصل وثائق الوقفيات المكتوبة والموثقة فيها هذه الوقفيات في حال طلب بعض القضاة بعض الوثائق.
وأشار إلى التنظيم المؤسسي في تنظيم الوقفيات الآن، حيث تقوم إدارة الأوقاف السنية بإصدار وثائق وقف شرعية تسجل وتنظم وتدون ويطبع لها وثيقة صحيحة بحيث تكون مطابقة لشرط الوارث.
وذكر أن مملكة البحرين حالياً في المرحلة الثالثة من التدوين المؤسسي، فالواقف يذهب إلى المحاكم الشرعية ويصدر وثيقة تسجيل هذا الوقف، وبعدها يأخذ هذه الوثيقة الشرعية ويذهب إلى الأوقاف السنية ويجلب معه وثيقة الملكية والحكم الشرعي لهذا الواقف، ويقدم طلبا في الأوقاف السنية لتسجيل هذا الوقف وتقدم الأوقاف السنية طلبا للتسجيل العقاري ويتم تسجيله في جهاز المساحة والتسجيل العقاري، وبموجب هاتين الوثيقتين يصدر الحكم الشرعي، بالإضافة إلى ملكية العقار يتم استصدار ملكية جديدة للعقار للمرحوم، وبعدها يتم إدراج الوثيقة في سجلات الأوقاف السنية ويتم حفظها في خزانات مخصصة محمية وفي أمان.
وعن القواعد والإجراءات في تعيين الناظر على الوقف أوضح مدير عام الأوقاف السنية أن الأصل في التعيين يكون الواقف نفسه الذي يعين ناظرا على الوقف، ويجب أن يكون هذا الناظر الذي يعينه أميناً ولديه كفاءة، وأمانة، ويحقق شرط الواقف وتنفيذه، مضيفاً أنه بحسب القرار رقم 3 لعام 2021 أن تعيين الناظر وعزله يكون من قبل إدارة الأوقاف السنية، موضحاً أن الناظر يتم تعيينه من قبل إدارة الأوقاف السنية، ويقدم الناظر تقارير بحسب الاتفاق مع الإدارة السنية وتكون هذه التقارير شهرية، موسمية، سنوية، ويجب أن يكون هذا التقرير شاملا جميع الإيرادات والمصروفات على الوقف، كما يجب تحقيق شروط الواقف بحسب الوثيقة التي صدرت.
من جانبه، قال الشيخ الدكتور حبيب النامليتي إن النصوص الشرعية ترغب في الصدقة، والوقف نوع من أنواع الصدقة، ولكنه يتميز عن أنواع الصدقة الأخرى في استمراريته، مضيفاً أن تخصيص مبلغ في مشروع وقفي يدر على المصرف ويستمر الانتفاع به بشكل دائم، مؤكداً أن الوقف فيه منفعة مزدوجة حيث إن المجتمع ينتفع بالوقف وكذلك الواقف ينتفع سواء في حياته أو بعد موته.
وتحدث د. النامليتي عن أن الوقف يتميز بأنه نظام مرن، وهو من أسباب استمراريته إلى اليوم، والناظر في النصوص الشرعية من القرآن والسنة ينظر إلى أن الأدلة أتت بالقواعد العامة ما يعني فكرة الوقف، وكثير من الاشتراطات والقيود صيغت على مدار العصور، لذلك نجد إلى اليوم أن فكرة الأوقاف مقبولة عند الناس ويسعون دائماً إلى وقف أموالهم والسؤال عن الوقف، كما أن من مرونة الأوقاف تعدد المصارف، ورغبة الواقف في تحديد المصرف جعل للوقف نوعاً من الاستمرارية، مع اختلاف اهتمامات الناس.
واستعرض وجود أوجه للخدمات التي تقدمها مصارف الأوقاف للمجتمع التي تشمل 5 أقسام، منها الديني الذي يعد أصل الوقف والكثير من الأوقاف مبينة على رعاية الأمور الدينية على رأسها المساجد وهي أوضح وأسهل فكرة، حيث كانت المساجد في البحرين قديماً لها وقف يدر عليها للمصاريف التشغيلية.
وأشار إلى وجود مجالات متنوعة في الأوقاف التعليمية إلى جانب المدارس مثل إمكانية إيقاف كتب أو أوقاف لكفالة طلاب، ومن الأوقاف المعاصرة وقف عيسى بن سلمان التعليمي الخيري وهو من الأوقاف الفاعلة ويتكفل بتدريس طلاب، مضيفاً أن هناك الكثير من المدارس الوقفية قديماً في البحرين قبل الدراسة النظامية.
وتابع أن من مجالات الأوقاف المجال الصحي، وكذلك الأوقاف الاجتماعية وهي متنوعة منها الأوقاف على الأرامل واليتامى والمساكين وذوي الاحتياجات الخاصة، لافتاً إلى وجود أوقاف تقدم خدمة في المجتمع ولها أثر في البحرين هي المقابر، وخدمة تغسيل وتكفين ودفن الميت مجانية ومتوافرة للعموم، حيث إن هناك من أوقف من أجدادنا أوقافا متخصصة في هذا المجال سواء مقبرة أو من يقوم على هذه العملية، وليس هناك حاجة إلى كفن وغيرها من مصاريف، مضيفاً أن من البنود الأساسية في الفقه إذا توفي إنسان أول ما يُعزل من التركة قبل قسمة التركة مصاريف الدفن وخلافها.
وأشار إلى دور المرأة في الوقف وأن لها بصمة واضحة في الأوقاف منذ بدايات الوقف، إلا أنه أوضح أن غالبية من يدير الوقف في البحرين حالياً من الرجال.
وذكر وجود أوقاف كثيرة في البحرين متعلقة بالنساء بعضها مثل الأضاحي أو الختمات، إلى جانب وجود بعض الأوقاف الغريبة الموقوف عليهن من النساء في البحرين وهو وقف «دراعات» لكبار السن من النساء بحيث يتم شراء ملابس للمرأة الكبيرة المحتاجة. بالإضافة إلى وجود أوقاف متعلقة بإكرام الضيوف لإكرام رواد مجلسه.
وأكد أن مساحة الأوقاف واسعة وهي مجال للابتكار والإبداع وإخراج صيغ مبتكرة للأوقاف جديدة تتماشى مع العصر وتخدم المجتمع، حيث إن الإنسان الواقف هو ابن بيئته وهو ينظر إلى احتياجات الناس في مجتمعه ويأتي بأوقاف مبتكرة سواء من ناحية الإدارة أو النظارة أو من ناحية صرف الرعي، مضيفاً أن المجالات اليوم متنوعة جداً ومفتوحة لكن على أهل الإحسان والفضل والخير الذين يبادرون في الخير تكون لهم بصمة في الأوقاف.
وأشار إلى أن بعض الدول وصلت في الوقف إلى مجالات متقدمة، والوقف له مجالات متنوعة وارتباطات بأمور كثيرة متعلقة بالمجتمع.
بدوره، اقترح عبدالعزيز رشدان الناظر على أحد الأوقاف تقليل النسب التي يتم استقطاعها من إيرادات الوقف للناظر والصيانة والتعمير، بحيث تكون النسبة المقترحة للصيانة 5% والتعمير 10% من أجل استفادة الورثة.
وأشاد بالتسهيلات المقدمة من الأوقاف السنية لفتح وقف حساب في المصارف، وكذلك التسهيلات لتوزيع الوقف وتذهب المبالغ إلى الحسابات المصرفية.
من جهته، ذكر عمر أيوب مدير مبرة المرحوم راشد الزياني أن القطاع الخاص يلعب دوراً مهماً جداً مهم في عمل الخير حيث إن المبرة تأسست في عام 2009 على يد أبنائه لتحمل اسمه ويستمر عمل الخير باسم الوجيه راشد الزياني، مستذكراً أول مشروع وهو عبارة عن أرض في الجسرة تم تخصيصها كمرفأ عام لاستفادة الصيادين من دون مقابل مادي بعد اكتشاف أن الصيادين ليس لديهم مكان لإيقاف «لنجاتهم»، مضيفاً أنه لا يزال ساحل ومرفأ راشد الزياني في الجسرة، ودائماً تركز المبرة على المصلحة العامة من دون أي مقابل مادي.
وأشار إلى أن المبرة ارتأت الاستمرار في المشاريع الوقفية، وتم الدخول في الجوامع، حيث تم إنشاء جامعين هما جامع راشد الزياني وجامع محفوظة الزياني في الجنبية ومراكز التحفيظ، إضافة إلى أوقاف أخرى تشمل صالات خيرية ومراكز لاحتواء المجتمع، مؤكداً أن القطاع الخاص يحاول دائماً أن يكون له بصمة للمجتمع وخدمة المجتمع من دون مقابل، والمبرة مستمرة في هذا الأمر ودائماً تؤمن بضرورة لعب الدور مع إدارة الأوقاف السنية المتعاونة جداً وتسهم في إيجاد الأماكن الأكثر نفعاً للناس.
وبحثت الندوة موضوعها من خلال أربعة محاور رئيسة عن الوقف في مملكة البحرين، شملت نظرة تاريخية على نشأة الوقف وتطوره، والإجراءات المتبعة في تعيين الناظر وتسجيل الأوقاف رسميًا، كما استعرضت الندوة فضائل الوقف في الشريعة الإسلامية، وإدارته وفقًا لشروط الواقف، والتحديات التي تواجه النظار، وناقشت الندوة دور القطاع الخاص والمساهمات العائلية في دعم الأوقاف وتعزيز المبادرات المجتمعية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك