بغداد – (أ ف ب): يثير مشروع قانون تنظيم قوات الحشد الشعبي جدلا واسعا في البرلمان العراقي في ظل اعتراض أمريكي عليه وخلاف داخلي حاد، ما دفع النواب الى التريث قبل التصويت على نصّ قد يعزّز نفوذ هذه الفصائل المسلحة واستقلاليتها. ولم ترشح تفاصيل كثيرة عن المشروع، لكن مسودته تقترح إنشاء أكاديمية عسكرية خاصة بالحشد الشعبي، بالإضافة إلى «استقلال مالي» لهذه المؤسسة، وفقا لتقرير برلماني أعدته لجنة الأمن والدفاع ونشر في وسائل إعلام رسمية. ويضم الحشد الشعبي أكثر من 200 ألف منتسب ينتمون إلى عشرات الفصائل، وتم تشكيله عام 2014 بناء على دعوة من المرجعية الشيعية في العراق لحمل السلاح في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وتتبع هيئة الحشد الشعبي التي تتألف في أغلبيتها من فصائل شيعية مدعومة من إيران، رسميا رئاسة الحكومة العراقية، وهي جزء من تحالف «الإطار التنسيقي»، صاحب الأغلبية البرلمانية. وأعربت واشنطن عن قلقها من مشروع القانون المطروح، إذ اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية أنه سيؤدي إلى «تأسيس لنفوذ إيراني ويقوّي الجماعات الإرهابية المسلحة»، محذرة من أنه «يهدّد سيادة العراق».
وردّا على الانتقادات الأمريكية، قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني: إن القانون سيكون جزءا من «الإصلاح الأمني» الذي تقوم به الحكومة، مشيرا إلى تشريعات مماثلة تتعلق بأجهزة أمنية أخرى. وذكر السوداني في بيان رسمي أن الحشد الشعبي «مؤسسة عسكرية عراقية رسمية تعمل في ظل صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة». ويوضح مصدر حكومي عراقي لوكالة فرانس برس طالبا عدم ذكر اسمه، أن معارضي القانون يعتبرونه حجر الأساس «لما يشبه الحرس الثوري الإيراني». إلا أن المحلل السياسي ريناد منصور يرى أن الهدف من القانون «المزيد من الانخراط لقوات الحشد الشعبي في الدولة». ويوضح منصور لفرانس برس أن بعض المراقبين يعتبرون مشروع القانون خطوة مهمة لضمان استمرار انخراط الحشد «داخل النظام، لأن استبعادهم قد يشجعهم على لعب دور (المفسدين)». ويضيف «لكن يعتبر آخرون التشريع وسيلة للحشد لتعزيز نفوذه والحصول على مزيد من التمويل والمعدات والتكنولوجيا». ويرمي مشروع القانون الى استبدال قانون ينظّم وضع الحشد الشعبي منذ عام 2016، وأُدرج الحشد بموجبه ضمن منظومة القوات الأمنية النظامية. ويعتبر المحلل السياسي علي البيدر أن طرح القانون «محاولة من أطراف سياسية وحتى جماعات مسلحة لتحصين نفسها» في ظل التوتر الإقليمي المستمر وضعف موقع إيران وحلفائها جراء الحروب مع إسرائيل، وبينهم حزب الله اللبناني الذي أصدرت الحكومة اللبنانية قرارا بنزع سلاحه بحلول نهاية العام.
وعلى مدار العقد الماضي، اكتسبت فصائل الحشد الشعبي نفوذا واسعا في البرلمان والحكومة، رغم فرض عقوبات أمريكية على عدد من قادتها بمن فيهم رئيس هيئة الحشد. وأسس الحشد عام 2022 شركة عامة للمقاولات الإنشائية والهندسية معروفة باسم شركة «المهندس» برأس مال يبلغ عشرات الملايين من الدولارات. وفي كلمة أمام البرلمان العراقي، قال النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي الشهر الماضي، إن التشريع المقترح «الذي نحرص على تمريره» يهدف إلى «تنظيم هيكلية وعمل» هيئة الحشد الشعبي، ويحدد صلاحياتها وواجباتها، «كما يسهم في تعزيز القدرات القتالية للمجاهدين، واستحداث تشكيلات جديدة تُعنى بتطوير هذه المؤسسة الأمنية»، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية.
لكن رغم اعتمادها على سلطة البلاد لتأمين رواتب مقاتليها، ما زالت بعض الفصائل تتحرك خارج إطار الدولة، بحسب المعترضين، وتعتبر أن ولاءها الأساسي هو لـ«محور المقاومة» الذي تقوده طهران. ويرى منصور أنه من الصعب أن يتحوّل الحشد الشعبي في هذه المرحلة إلى نموذج الحرس الثوري، لأنه «ليس مؤسسة متماسكة، هناك مجموعات متعددة وقيادات مختلفة تماما وصراعات داخلية». في المقابل، يقول مصدر مقرب من فصائل الحشد الشعبي لفرانس برس رافضا كشف هويته، إن الهدف الأساسي للأحزاب الشيعية هو الحصول على «قانون خاص يؤكد بقاء الحشد الشعبي كمؤسسة عسكرية مستقلة، حالها كحال وزارات الدفاع والداخلية».
ويواجه التشريع الجديد رفضا من النواب السنة والأكراد على حد سواء، كما لم يحظَ بإجماع الأحزاب الشيعية، وفقا للمسؤول الحكومي، ما يجعله عالقا حتى الآن تحت قبة البرلمان الذي لم يدرجه بعد على التصويت.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك