في الثاني من أغسطس عام 1990، الذي صادف أمس، استيقظ العالم على نبأ اجتياح القوات العراقية للكويت، في خطوة مفاجئة قلبت الموازين السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط. دخلت الدبابات العراقية العاصمة الكويت خلال ساعات، في عملية خاطفة أذهلت المجتمع الدولي، وأعلنت بغداد ضم الكويت كجزء من العراق. وشكل هذا الغزو بداية أزمة إقليمية كبرى امتدت آثارها عقودا.
لم يكن الغزو مجرد احتلال عسكري، بل كان ضربة قاسية للنظام العربي الإقليمي. واجهت الكويت صدمة الاجتياح بينما بدأ شعبها رحلة مقاومة وشتات، وشهد العالم انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وجرائم موثقة ضد المدنيين. ومع اتساع رقعة الأزمة بدأ الخليج يغلي سياسيًا وعسكريًا، وبدأت تحركات دولية واسعة للرد على هذه الخطوة.
وسرعان ما تشكّل تحالف دولي ضخم بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت، حيث شهدت المنطقة حشدًا عسكريًا غير مسبوق في التاريخ الحديث. وجاءت عملية «عاصفة الصحراء» في يناير 1991 لتطلق شرارة حرب تحرير الكويت، التي انتهت في غضون أسابيع بهزيمة الجيش العراقي وانسحاب قواته وسط حرائق آبار النفط ودمار واسع.
لكن تداعيات الغزو لم تنته بخروج الجيش العراقي، بل بدأت معها مرحلة جديدة من العزلة السياسية لبغداد، وفرضت عليها عقوبات دولية خانقة أثرت على الاقتصاد العراقي وملايين المدنيين. كما دخل العراق في دوامة صراعات داخلية، واضطرابات دامت حتى الغزو الأمريكي للعراق في 2003، الذي أنهى حكم صدام حسين بالكامل.
من ناحية أخرى، رسّخت هذه الحرب الحضور العسكري الأمريكي في الخليج، وغيرت العقيدة الأمنية لدول المنطقة، التي بدأت تعيد حساباتها بشأن التوازنات والتهديدات. كما شكّل الغزو لحظة تحوّل في العلاقة بين الدول الخليجية والعالم، وخاصة الولايات المتحدة، التي أصبحت الضامن الأمني الأساسي لمعظم الأنظمة في المنطقة.
اليوم، بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على الغزو، لا تزال ذكراه جرحًا مفتوحًا في ذاكرة الكويتيين والعرب عمومًا. إنه تذكير دائم بمخاطر الانزلاق في صراعات داخلية وتغليب الحسابات الشخصية على المصالح الوطنية، ودرس سياسي باهظ الثمن في ضرورة احترام السيادة وتغليب الحوار على السلاح.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك