في قلب مستشفى ناصر بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة يكشف جناح علاج سوء التغذية عن مأساة صامتة يعيشها أطفال فقدوا حتى القدرة على البكاء. جدران الجناح تزدان برسومات لأطفال يضحكون ويلعبون، لكنها لا تعكس الواقع المؤلم حيث ترقد أجساد صغيرة منهكة من شدة الجوع. الصمت في أروقة هذا القسم ليس هدوءًا بل علامة على أن أجساد الأطفال أوشكت على التوقف، كما يؤكد الأطباء.
زينة رضوان، إحدى الأمهات، لا تجد ما تطعم به طفلتها ماريا، ولا تستطيع إرضاعها بسبب معاناتها هي الأخرى من سوء التغذية. هذه القصة تتكرر في المستشفى مع عشرات الحالات، حيث قضى صحفيو (رويترز) خمسة أيام رصدوا خلالها إدخال 53 طفلا يعانون من سوء تغذية حاد. معظمهم كانوا بصحة جيدة عند الولادة، لكن نقص الغذاء دفعهم إلى حافة الموت، كحال الطفلة وتين التي تزن الآن أقل مما كانت عليه عند ولادتها بثلاثة أشهر.
الطواقم الطبية في مجمع ناصر تعمل تحت ضغط يفوق طاقتها، وسط نقص حاد في الإمدادات العلاجية الأساسية، بحسب ما صرحت به منظمة الصحة العالمية. حتى الأطفال الذين يبدون أنهم تحسنوا قليلا ويغادرون المستشفى يظلون مهددين بالخطر في منازل لا تجد فيها العائلة ما تأكله. ومثلما خرجت ماريا بعد تحسن طفيف، فإن زينب، ذات الأشهر الخمسة، لم تستطع النجاة، وتوفيت بسبب تسمم الدم الناتج عن الجوع الحاد.
الوضع لا يزداد إلا تفاقما؛ ففي الأسبوعين الأولين من يوليو وحده تلقى أكثر من خمسة آلاف طفل علاجا من سوء التغذية، 18% منهم في حالة حرجة. الزيادة الحادة مقارنة بشهر يونيو تكشف عمق الكارثة التي تتجاوز قدرة المراكز الطبية القليلة المتبقية على الاستجابة، مع انعدام الأدوية والمكملات الغذائية اللازمة.
ورغم هذه الظروف القاسية يواصل الأطباء والممرضون محاولاتهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط عجز المجتمع الدولي عن تأمين الاحتياجات الإنسانية الأساسية لأطفال غزة. بين كل حالة وفاة وطفل ينجو مؤقتًا تبقى الحقيقة أن آلاف الأطفال لا يملكون ما يسد رمقهم، وبعضهم، في مفارقة موجعة، لا يملك حتى القدرة على البكاء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك