لطالما كانت الثورات والحروب نقطة انطلاق للأصوات الوطنية، فمن خلالها تتجلى آمال الشعوب وطموحاتها في تحقيق العدالة والحرية. نحن في زمن تزدحم فيه الأصوات وتمتزج، ويبقى أعلاها صوت الوطنية الذي لا يموت بداخلنا ما حيينا، فهو يتجسد في أفعالنا وينطلق عبر أقلامنا وتجسيدنا للأحداث لتدوين التاريخ. ثورة يوليو 1952 تمثل واحدة من تلك اللحظات الفارقة في التاريخ المصري، إذ أحدثت تأثيرًا عميقًا على جميع جوانب الحياة، من السياسة إلى الثقافة، بل وساهمت في تغيير مجرى الفنون، وبالأخص السينما.
كانت ولاتزال السينما المصرية أداة فعالة في توثيق تلك التحولات، حيث عرضت مجموعة من الأفلام التي تناولت مواضيع الفساد والظلم الاجتماعي قبل الثورة، جنبًا إلى جنب مع التغيرات الكبيرة التي أعقبتها وكان من بين هذه الأعمال، فيلم "الله معنا" الذي أخرجه أحمد بدرخان عام 1955، يحكي الفيلم قصة اليوزباشي أحمد جمال، الذي يشارك في حرب فلسطين ويكتشف فساد إمدادات الأسلحة.
بعد ذلك، جاء فيلم "رد قلبي" عام 1957 ليقدم تصورًا عميقًا عن فترة ما قبل الثورة من خلال قصة حب مستحيلة بين ابن جنايني وأميرة، أخرجه عز الدين ذو الفقار. الفيلم يعكس الفوارق الطبقية السائدة، وكيف أن الثورة غيرت موازين القوى، مما أتاح الفرصة لتحقيق العدالة الاجتماعية، و جسد الفيلم الآمال والطموحات التي حملتها الثورة في قلوب الناس.
وفي أعقاب الثورة، قدم فيلم "الأيدي الناعمة" عام 1963 رؤية جديدة تعكس التغيرات التي طرأت على الطبقة الأرستقراطية. يروي الفيلم قصة أمير فقد كل شيء بسبب التغيرات السياسية، ويجد نفسه مضطرًا للاندماج في المجتمع الجديد. يستعرض الفيلم آثار الثورة على العلاقات الاجتماعية وكيفية تفاعل الأفراد مع هذه التحولات.
أما فيلم "القاهرة 30" الذي أُنتج عام 1966، فيقدم لمحة عن الفساد الاجتماعي والسياسي الذي كان سائدًا في الثلاثينيات. استند الفيلم إلى رواية الأديب نجيب محفوظ "القاهرة الجديدة"، وأخرجه صلاح أبو سيف. يتناول قصة الشاب محجوب عبد الدايم الذي ينتقل إلى القاهرة باحثًا عن فرصة عمل، ويكتشف عالمًا مليئًا بالفساد. أما فيلم أيام السادات فقد تناول، تحت قيادة المخرج محمد خان، مسيرة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بدءًا من مشاركته في ثورة 23 يوليو مع جمال عبد الناصر والضباط الأحرار، وصولاً إلى لحظة اغتياله. شارك في بطولة الفيلم، الفنان الراحل أحمد زكي، ميرفت أمين، ومنى زكي. سعت السينما المصرية من خلاله إلى إعادة سرد أحداث ثورة 23 يوليو، التي تُعد من أبرز الثورات في منتصف القرن العشرين، لمواصلة تسليط الضوء على التحولات السياسية والاجتماعية والصراع الطبقي خلال تلك الفترة. أرّخت السينما المصرية أحداثًا مهمة بكل جرأة وواقعية، فمن خلال قصص متشابكة وأحداث معقدة، استطاعت هذه الأعمال أن تعكس قضايا الفساد والظلم الاجتماعي، مما جعلها جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة الثقافية المصرية فالسينما بشكل عام هي مرآة تعكس واقع المجتمع وتاريخه، وكان للسينما المصرية دورًا بارزًا بل محوريًا في تشكيل الوعي الجماعي وتعزيز الهوية الوطنية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك