العدد : ١٧٢٨٧ - الثلاثاء ٢٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٧ - الثلاثاء ٢٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ محرّم ١٤٤٧هـ

الصفحة الأخيرة

«عيون الدمية».. وهم الجمال الذي يهدد البصر والروح

الثلاثاء ٢٢ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬سباق‭ ‬محموم‭ ‬خلف‭ ‬الكمال‭ ‬بدأت‭ ‬ملامح‭ ‬‮«‬عيون‭ ‬الدمية‮»‬‭ ‬تغزو‭ ‬وجوه‭ ‬الفتيات‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حيث‭ ‬يعتمد‭ ‬هذا‭ ‬التريند‭ ‬على‭ ‬حقن‭ ‬الفيلر‭ ‬تحت‭ ‬العين‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬نظرة‭ ‬واسعة‭ ‬ومظهر‭ ‬طفولي‭ ‬مستوحى‭ ‬من‭ ‬الدمى‭ ‬البلاستيكية‭. ‬المشهد‭ ‬يبدو‭ ‬بريئاً‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى،‭ ‬لكنه‭ ‬يخفي‭ ‬خلفه‭ ‬تهديداً‭ ‬صحياً‭ ‬ونفسياً‭ ‬خطيراً،‭ ‬جعل‭ ‬الأطباء‭ ‬يدقون‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬الإقبال‭ ‬من‭ ‬فتيات‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬المراهقة،‭ ‬لا‭ ‬يدركن‭ ‬حجم‭ ‬المجازفة‭ ‬ولا‭ ‬فداحة‭ ‬الثمن‭.‬

المتخصصون‭ ‬في‭ ‬الجلدية‭ ‬والعيون‭ ‬يحذرون‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬ما‭ ‬تحت‭ ‬العين‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مساحة‭ ‬تجميلية،‭ ‬بل‭ ‬ساحة‭ ‬معقدة‭ ‬من‭ ‬الأوعية‭ ‬الدقيقة‭ ‬المرتبطة‭ ‬مباشرة‭ ‬بتدفق‭ ‬الدم‭ ‬إلى‭ ‬العين،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬خطأ‭ ‬بسيط‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مضاعفات‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬البصر‭. ‬وفي‭ ‬حالات‭ ‬وثّقها‭ ‬الأطباء‭ ‬هاجرت‭ ‬مادة‭ ‬الفيلر‭ ‬إلى‭ ‬الخدود‭ ‬أو‭ ‬تسببت‭ ‬بتكتلات‭ ‬وتشوهات،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬خضعت‭ ‬لعمليات‭ ‬جراحية‭ ‬لإزالة‭ ‬الأثر‭ ‬أو‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬الرؤية‭.‬

المشكلة‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬الأضرار‭ ‬الجسدية،‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬خلل‭ ‬أعمق‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬الجمال‭ ‬والقبول‭ ‬الذاتي،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬الطفلة‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬12‭ ‬عاماً‭ ‬ترى‭ ‬ملامح‭ ‬وجهها‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مناسبة‭ ‬للترند‮»‬،‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬رضا‭ ‬رقمي‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬التشابه‭ ‬مع‭ ‬صورة‭ ‬وهمية‭ ‬مرسومة‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭. ‬والمفارقة‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬العيادات‭ ‬تستجيب‭ ‬لهذا‭ ‬الطلب‭ ‬بلا‭ ‬تقييم‭ ‬طبي‭ ‬جاد،‭ ‬ما‭ ‬يحوّل‭ ‬التجميل‭ ‬من‭ ‬وسيلة‭ ‬علاجية‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬ضغط‭ ‬نفسي‭ ‬وإساءة‭ ‬مهنية‭.‬

في‭ ‬قلب‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الفيلر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يُستخدم‭ ‬لأغراض‭ ‬طبية‭ ‬واضحة‭ ‬كعلاج‭ ‬التجاويف‭ ‬أو‭ ‬التجاعيد،‭ ‬بل‭ ‬بات‭ ‬وسيلة‭ ‬لتقليد‭ ‬مظهر‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬ملامح‭ ‬الوجه‭ ‬الواقعية‭. ‬الأطباء‭ ‬يشددون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الانجرار‭ ‬خلف‭ ‬‮«‬عيون‭ ‬الدمية‮»‬‭ ‬قد‭ ‬يخلّف‭ ‬مظهراً‭ ‬مشوهاً‭ ‬ومضاعفات‭ ‬يصعب‭ ‬تداركها،‭ ‬محذرين‭ ‬من‭ ‬مغبة‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يبدأ‭ ‬بحقنة‭ ‬بسيطة‭ ‬وينتهي‭ ‬بعجز‭ ‬دائم‭ ‬أو‭ ‬جراحة‭ ‬معقّدة‭.‬

أما‭ ‬الجانب‭ ‬النفسي‭ ‬فلا‭ ‬يقل‭ ‬خطورة؛‭ ‬فوفقاً‭ ‬لأطباء‭ ‬النفس‭ ‬تسعى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬المظهر‭ ‬بدافع‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬القبول‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتحقيق‭ ‬‮«‬النجاح‭ ‬الرقمي‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭. ‬هذا‭ ‬الهوس‭ ‬بالمظهر‭ ‬يُضعف‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬ويُنتج‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬باضطراب‭ ‬تشوّه‭ ‬صورة‭ ‬الجسد،‭ ‬حيث‭ ‬تبالغ‭ ‬الفتاة‭ ‬في‭ ‬تصور‭ ‬العيوب‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬نفسها‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬فتدخل‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التجميلية‭ ‬التي‭ ‬تُفاقم‭ ‬المشكلة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬علاجها‭.‬

وهنا‭ ‬تظهر‭ ‬مسؤولية‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬فتعزيز‭ ‬تقدير‭ ‬الذات‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬المنزل،‭ ‬بدعم‭ ‬المواهب‭ ‬والمهارات‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالشكل‭. ‬النجاح‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يُقاس‭ ‬بعدد‭ ‬المتابعين‭ ‬أو‭ ‬الإعجابات،‭ ‬بل‭ ‬بمدى‭ ‬نضج‭ ‬الفتاة‭ ‬الداخلي،‭ ‬وثقتها‭ ‬بنفسها،‭ ‬وإيمانها‭ ‬بأن‭ ‬جمالها‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يصنعه‭ ‬فيلتر‭ ‬ولا‭ ‬تريند،‭ ‬بل‭ ‬يتجذر‭ ‬في‭ ‬كيانها،‭ ‬وتغذيه‭ ‬المعرفة،‭ ‬والثقة،‭ ‬والتوازن‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا