في سباق محموم خلف الكمال بدأت ملامح «عيون الدمية» تغزو وجوه الفتيات على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يعتمد هذا التريند على حقن الفيلر تحت العين للحصول على نظرة واسعة ومظهر طفولي مستوحى من الدمى البلاستيكية. المشهد يبدو بريئاً للوهلة الأولى، لكنه يخفي خلفه تهديداً صحياً ونفسياً خطيراً، جعل الأطباء يدقون ناقوس الخطر، وخاصة مع تزايد الإقبال من فتيات في سن المراهقة، لا يدركن حجم المجازفة ولا فداحة الثمن.
المتخصصون في الجلدية والعيون يحذرون من أن منطقة ما تحت العين ليست مجرد مساحة تجميلية، بل ساحة معقدة من الأوعية الدقيقة المرتبطة مباشرة بتدفق الدم إلى العين، ما يعني أن أي خطأ بسيط قد يؤدي إلى مضاعفات تصل إلى فقدان البصر. وفي حالات وثّقها الأطباء هاجرت مادة الفيلر إلى الخدود أو تسببت بتكتلات وتشوهات، بل هناك من خضعت لعمليات جراحية لإزالة الأثر أو فشلت في استعادة الرؤية.
المشكلة لا تتوقف عند الأضرار الجسدية، بل تمتد إلى خلل أعمق في مفاهيم الجمال والقبول الذاتي، حيث أصبحت الطفلة في عمر 12 عاماً ترى ملامح وجهها «غير مناسبة للترند»، وتبحث عن رضا رقمي لا يأتي إلا من التشابه مع صورة وهمية مرسومة على الشاشات. والمفارقة أن بعض العيادات تستجيب لهذا الطلب بلا تقييم طبي جاد، ما يحوّل التجميل من وسيلة علاجية إلى أداة ضغط نفسي وإساءة مهنية.
في قلب هذه الظاهرة نجد أن الفيلر لم يعد يُستخدم لأغراض طبية واضحة كعلاج التجاويف أو التجاعيد، بل بات وسيلة لتقليد مظهر غير طبيعي لا يتناسب مع ملامح الوجه الواقعية. الأطباء يشددون على أن الانجرار خلف «عيون الدمية» قد يخلّف مظهراً مشوهاً ومضاعفات يصعب تداركها، محذرين من مغبة الاستخفاف بهذا النوع من الإجراءات الذي قد يبدأ بحقنة بسيطة وينتهي بعجز دائم أو جراحة معقّدة.
أما الجانب النفسي فلا يقل خطورة؛ فوفقاً لأطباء النفس تسعى كثير من الفتيات وراء هذا المظهر بدافع الحاجة إلى القبول الاجتماعي وتحقيق «النجاح الرقمي» عبر منصات التواصل. هذا الهوس بالمظهر يُضعف الثقة بالنفس ويُنتج ما يُعرف باضطراب تشوّه صورة الجسد، حيث تبالغ الفتاة في تصور العيوب حتى تصبح غير قادرة على رؤية نفسها كما هي، فتدخل في دوامة لا تنتهي من الإجراءات التجميلية التي تُفاقم المشكلة بدلاً من علاجها.
وهنا تظهر مسؤولية الأسرة والمجتمع بشكل واضح، فتعزيز تقدير الذات يبدأ من المنزل، بدعم المواهب والمهارات وليس فقط الاهتمام بالشكل. النجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد المتابعين أو الإعجابات، بل بمدى نضج الفتاة الداخلي، وثقتها بنفسها، وإيمانها بأن جمالها الحقيقي لا يصنعه فيلتر ولا تريند، بل يتجذر في كيانها، وتغذيه المعرفة، والثقة، والتوازن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك