خبراء يحذرون من استنزاف العرب في حرب لمشاريع
كتبت: ياسمين العقيدات
تصوير: عبدالامير السلاطنة
نظم تجمع الوحدة الوطنية ندوة فكرية بعنوان «حرب إيران والكيان.. الدروس المستفادة»، شارك فيها نخبة من المفكرين والكتاب والأكاديميين العرب، ناقشوا خلالها أبعاد التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، وانعكاساته على الأمن الإقليمي، ومستقبل النظام العربي.
وتناولت الندوة التي شهدت تباينًا في وجهات النظر الخلفيات التاريخية والاستراتيجية للصراع، وتحليلات معمّقة حول أهداف الأطراف المتنازعة، ودور القوى الإقليمية والدولية، إضافة إلى الموقف العربي المطلوب في ظل ما وصفه المشاركون بـ«تحولات خطرة» تهدد استقرار المنطقة.
العلم.. أنتج الفارق في الصراع
أكد الدكتور محمد الرميحي أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت أن ما حدث في 7 أكتوبر كان مخططا له مسبقًا، وأن هناك أطرافا كانت على علم بتفاصيله، معتبرًا أن أولويات فهم الصراع في الشرق الأوسط يجب أن تتركز على ما يحدث اليوم في غزة، حيث يعيش المدنيون تحت القتل والحصار والدمار، وهو ما لا يستطيع إنسان سويّ أن يتغاضى عنه.
وأضاف أن المشهد الراهن يكشف استخدامًا واضحًا من الجانب الإيراني للملف الفلسطيني كمدفعية غير منضبطة، حيث تدخلت إيران في عدد من الدول العربية تحت شعار الدفاع عن فلسطين، لكن ما يحدث حاليًا من اشتباك مباشر بين إيران وإسرائيل هو نتيجة، وليس سببًا، لصراع خفي تعتقد إيران أنها كانت تديره خارج حدودها. وأوضح أن الرأي العام العربي أصبح مدركًا تمامًا أن إيران، رغم شعاراتها، لن تحرر شبرًا واحدًا من فلسطين.
وتطرق الرميحي إلى إشكالية العلاقة المأزومة مع الماضي في التاريخ السياسي الإيراني، مؤكدًا أن فكرة «ولاية الفقيه» في الفقه الشيعي بدأت كمناقشات فكرية، لكنها تحولت لاحقًا إلى قضية عقدية، بعد أن أصبحت الولاية في نظر أنصارها ليست جزئية، بل مطلقة. وبيّن أن هذا التحول العقائدي أسهم في تعقيد المشهد الإقليمي، ولا سيما مع طموحات إيران التوسعية التي انعكست على الواقع السياسي والأمني في عدة دول عربية.
وأشار إلى أن جماعة الحوثي، على سبيل المثال، ترتبط بعلاقة وثيقة بإيران، حيث تمكّنت من إرسال صواريخ عابرة للقارات إلى إسرائيل. وتساءل: هل اليمن يمتلك مصانع لإنتاج هذه الصواريخ؟ بالطبع لا.. قدراتهم العلمية لا تسمح بذلك، وما يحدث هو دليل واضح على دور إيران في إشعال الاشتباك.
وتابع الرميحي متسائلًا: بعد كل هذا الاشتباك، هل ستتراجع إيران عن عقيدتها التوسعية؟ وهل ستمتنع عن تخريب الدول العربية؟ مؤكدًا أن غالبية الدول العربية، مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن، دفعت ثمن هذا التدخل الإيراني، حيث ساهم الوجود الإيراني في تعميق الأزمات وتدمير البنية السياسية والاجتماعية فيها، مشددًا على أن «هذا الأمر يجب أن يتوقف».
وقال إن إسرائيل نفسها، رغم امتلاكها لسلوك سياسي مأزوم مرتبط بالماضي، استطاعت أن تقارب الإشكاليات الكبرى من منظور علمي، عبر تخصيص مبالغ سنويًا لتطوير البحث العلمي والتقنية، في حين أن الدول العربية تنفق أقل بكثير، معتبرًا أن العلم هو الأداة التي أنتجت الفارق في الصراع، وأضاف: لولا هذا العلم، لبقيت إسرائيل ضعيفة، وإذا لم نمتلك نحن العرب أدوات المعرفة والعلم فلن نستطيع مواجهتها.
وختم الدكتور محمد الرميحي حديثه بالتأكيد أن القرار في إيران لا يُتخذ إلا من خلال مؤسسات تمر عبر موافقة «الولي الفقيه»، مشددًا على أن العملية أكبر مما نراه وأوسع من مجرد اشتباك، وقال: إذا استمرت إيران في هذا النهج، وإذا استمر الفلسطينيون في الاعتماد على ورائيات الماضي من دون استراتيجية واضحة، فسنظل عالقين في نفس الحلقة المغلقة.
عدوان مدبر
من جانب آخر، عارض الدكتور محمد إدريس أستاذ العلوم السياسية ومستشار مركز الاهرام للدراسات السياسية ما طرحه الدكتور محمد الرميحي بشأن توصيف الاشتباك القائم بين إيران وإسرائيل، مؤكدًا أن ما يحدث ليس اشتباكًا عابرًا، بل «عدوان مدبر» تقف خلفه الولايات المتحدة الأمريكية، مشددًا على أن إسرائيل لم تكن لتجرؤ على مواجهة إيران لولا اعتمادها الكامل على الدعم الأمريكي.
وأضاف إدريس أن النجاحات التي تحقّقها إسرائيل في بعض الملفات لا يمكن فصلها عن تطورها العلمي، لكنه اعتبر أن هذا التطور لا يُبرر العدوان، قائلًا: «ما جرى ضد إيران هو عدوان أمريكي بغطاء إسرائيلي، وليس العكس». وأكد أن القوة يجب أن تُحسب بدقة، ولا يمكن تجاهل تأثير الولايات المتحدة على توازنات الصراع.
وانتقد إدريس الطريقة التي تتعامل بها القوى الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، مع الدول العربية، مشيرًا إلى أن هذا التعامل يتم دائمًا من منطلق استعلائي، وكأن العرب أقل شأنًا. وأوضح أن ما يحكم إسرائيل اليوم هو «تيار يميني توراتي»، يدفع نحو التصعيد ويغذي العنف في المنطقة.
وتساءل إدريس عن التوقيت الحقيقي للعدوان على إيران، مستحضرًا تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي سبقت الهجوم بيومين فقط، والتي قال فيها إن «إسرائيل لن تسمح بقيام قوة إقليمية كبرى مثل تركيا»، متسائلًا: «لماذا لم يذكر إيران؟ لأنه كان يعتقد أنه أنهى ملفها بالكامل». وأضاف: «إسرائيل كانت تسعى لتفردها كقوة إقليمية عظمى، ولهذا أقدمت على هذا العدوان بهدف إخراج إيران من المعادلة الإقليمية».
وبيّن أن إسرائيل كانت على يقين بأنها لن تستطيع تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وقد فشلت في ذلك رغم الدعم الأمريكي، مشيرًا إلى أن النتائج على الأرض أثبتت أن إسرائيل لم تنتصر، حتى وإن شاركت الولايات المتحدة في القصف الذي طال أجزاء من المنشآت النووية الإيرانية.
وأكد إدريس أن نتنياهو نفسه هو من طلب من الرئيس الأمريكي وقف الحرب، في دلالة واضحة على أن إسرائيل هي من بادرت بطلب إنهاء التصعيد، وليس العكس. وقال: «لم تنتصر إسرائيل، ولم تُهزم إيران، بل بقيت طهران قوة إقليمية معتبرة، لها مكانتها وقدراتها، وتدرك الآن تمامًا الأخطاء التي ارتكبتها، سواء من حيث الطيران أو اختراق المخابرات».
وأضاف أن إيران تقيّم ما جرى بعناية، بينما تأخذ إسرائيل هذه الدروس بعين الاعتبار، لأن ما حدث ليس نهاية الحرب، بل مجرد وقف لإطلاق النار. ولفت إلى أن الضربات الإيرانية طالت أهدافا حساسة، منها منشأة «ديمونة»، في رسالة مفادها أن إيران قادرة على الرد والوصول.
واختتم الدكتور إدريس حديثه بالتأكيد على ضرورة التفكير في مستقبل النظام الإقليمي العربي، متسائلًا: «ما هو مستقبل العرب في هذا السياق؟ وهل ينبغي لنا تأسيس محور حضاري إسلامي جديد؟». وشدد على أن الموقف العربي يجب أن يكون مختلفًا هذه المرة، داعيًا إلى بلورة رؤية سياسية موحدة تحفظ للعرب مكانتهم في الخارطة الإقليمية المتغيرة.
موقف سياسي موحد
وقالت الكاتبة الصحفية فوزية رشيد إن تفتيت المنطقة العربية لم يكن وليد اللحظة، بل هو مشروع استعماري قديم بدأ قبل تشكيل جهاز «الموساد» الإسرائيلي في القرن الماضي، حيث كانت هناك قناعة راسخة في الغرب بأن الحضارة الإسلامية هي التهديد الحقيقي الوحيد للحضارة الغربية، ولذلك كان لا بد من منعها من التوحد أو النهوض مجددًا.
وأشارت رشيد إلى أن إيران حاولت، في مرحلة من المراحل، أن تخرج عن هذا المسار المرسوم، متوهمة أنها قادرة على السيطرة على الشعوب العربية من خلال مشروع توسعي، ظنّت أنه عالمي، وأوضحت أن هذا الطموح الإيراني اصطدم لاحقًا بإدراك الكيان الإسرائيلي أن الدور الذي لعبته طهران في إضعاف وتشتيت العرب قد وصل إلى نهايته، وحان الوقت لتفكيك المشروع الإيراني نفسه.
وأكدت أن الحرب على إيران لا يمكن فصلها عن خلفية التنافس بين مشاريع السيطرة والنفوذ في المنطقة، معتبرة أن ما يحدث يعكس صراعًا إقليميًا ودوليًا متعدد المستويات. ولفتت إلى أن العامل الخارجي وحده لا يكفي لفهم المعادلة، بل يجب أن يكون للعرب، وخاصة دول الخليج، دور محوري في صناعة المستقبل.
وشددت الكاتبة على أهمية أن تتجه الدول العربية نحو الجانب التنموي بشكل جاد، وفي الوقت ذاته تتخذ موقفًا سياسيًا قويًا وموحدًا تجاه محاولات الهيمنة، سواء من إيران أو من القوى الدولية. واعتبرت أن ضرب الطموح الإيراني في المنطقة لم يأتِ فقط نتيجة معادلة صراع النفوذ، بل لأن إيران تجاوزت دورها ولم تعد أداة صالحة في مشروع التفتيت.
وختمت رشيد بالتأكيد أن القوى الاستعمارية الكبرى تمارس سياساتها من خلال تحالف غير مرئي بين قمة الحداثة التقنية والعسكرية من جهة، وعقلية صهيونية ذات طابع ديني متطرف من جهة أخرى، وهو ما يجعل من ضرورة وجود محور عربي إسلامي حضاري متنور أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
الضرر الأكبر
أكد عبدالله الحويحي مستشار الشؤون السياسية في تجمع الوحدة الوطنية أن مصلحة الأمة العربية يجب أن تكون في مقدمة الأولويات في قراءة المشهد الإقليمي الراهن، مشددًا على أن العرب لا يعتبرون إيران عدوًا بطبيعتها، لكن تدخلاتها المستمرة في الشؤون الداخلية للدول العربية هي التي تسببت في توتر العلاقة، وأضاف: «على إيران أن تراجع سياساتها تجاه الأمة العربية إذا كانت تريد أن تكون مقبولة من الشعوب العربية».
وتساءل الحويحي عن هوية المنتصر في الحرب الأخيرة، مؤكدًا أن «كل طرف يدّعي النصر»، لكن المتضرر الأكبر من هذه الحروب والصراعات هو الأمة العربية، معتبرًا أن هذه الحرب لم تكن مواجهة فقط بين قوتين، بل كانت جزءًا من مشروع يستهدف المنطقة بأكملها، وقال: «كيف نفسر عدم الاستقرار المستمر في المنطقة منذ أربعة عقود؟ هذا وحده كفيل بأن يعطينا انطباعًا بأن منطقتنا مستهدفة بشكل ممنهج».
وأشار إلى أن الصراع الذي نشب مؤخرًا يجب فهمه ضمن سياق أكبر، وهو صراع بين مشروعين متناقضين: المشروع الصهيوني الغربي، الذي يهدف إلى تقسيم الوطن العربي وإبقائه في حالة تخلف دائم، وتحديدًا من خلال ما يعرف اليوم بمشروع «الشرق الأوسط الجديد»، في مواجهة أي مشروع نهضوي عربي أو إسلامي يسعى إلى التوحّد والتنمية.
وأوضح الحويحي أن هذا المشروع الغربي المتجدد لم يأتِ عبر أدوات تقليدية فقط، بل تم تمريره باستخدام أدوات داخلية وإقليمية، تستند إلى إشعال النزاعات الطائفية والإثنية داخل البلدان العربية، وذلك بهدف تقسيم ما هو مقسم، وإبقاء المنطقة في حالة احتراب دائم، تُمكِّن المشروع الصهيوني من البقاء والتفوق دون مواجهة حقيقية.
وختم حديثه بالتأكيد على ضرورة تحمّل الشعوب والحكومات العربية مسؤولية فهم ما يدور حولها، والعمل على بناء وعي جماعي يُمكّن الأمة من تجاوز هذه المشاريع المفروضة من الخارج، معتبرًا أن «الحل يبدأ من الداخل، بإعادة ترتيب الأولويات وبناء مشروع عربي متماسك وقوي».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك