العدد : ١٧٢٤٧ - الخميس ١٢ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٧ - الخميس ١٢ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

المال و الاقتصاد

قمة آسيان « مجلس التعاون الخليجي» الصين.. فصل جديد في تعاون الجنوب العالمي

بقلم‭: ‬هوي‭ ‬فان

الأربعاء ١١ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬ظل‭ ‬تصاعد‭ ‬التوترات‭ ‬التجارية‭ ‬وتنامي‭ ‬السياسات‭ ‬الحمائية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬جذبت‭ ‬القمة‭ ‬الثلاثية‭ ‬الأولى‭ ‬بين‭ ‬رابطة‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ (‬آسيان‭) ‬ومجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬والصين،‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬تحت‭ ‬رئاسة‭ ‬ماليزيا‭ ‬لرابطة‭ ‬آسيان‭ ‬لعام‭ ‬2025،‭ ‬اهتمامًا‭ ‬عالميًا‭ ‬واسعًا‭. ‬وتمثل‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬خطوة‭ ‬إضافية‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬بما‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬الإقليمية‭ ‬والنمو‭ ‬العالمي‭.‬

أسس‭ ‬متينة‭ ‬للشراكة

ترتبط‭ ‬الأطراف‭ ‬الثلاثة‭ ‬بعلاقات‭ ‬تاريخية‭ ‬واقتصادية‭ ‬عميقة‭ ‬الجذور‭. ‬فمنذ‭ ‬قرون،‭ ‬أسهم‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬ثقافي‭ ‬وتجاري‭ ‬واسع‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭. ‬واليوم،‭ ‬تظل‭ ‬الصين‭ ‬شريكًا‭ ‬تجاريًا‭ ‬محوريًا‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬آسيان‭ ‬ودول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭. ‬ويُعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬مفاوضات‭ ‬منطقة‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وآسيان‭ (‬المرحلة‭ ‬3‭.‬0‭) ‬دليلًا‭ ‬على‭ ‬الجهود‭ ‬المستمرة‭ ‬نحو‭ ‬تعميق‭ ‬التكامل‭ ‬الاقتصادي‭. ‬وقد‭ ‬شكلت‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬والمتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬أرضية‭ ‬صلبة‭ ‬لتوسيع‭ ‬مجالات‭ ‬التعاون‭.‬

رؤية‭ ‬مشتركة‭ ‬لنمو‭ ‬شامل

جددت‭ ‬الأطراف‭ ‬الثلاثة‭ ‬خلال‭ ‬القمة‭ ‬التزامها‭ ‬بالأسواق‭ ‬المفتوحة‭ ‬وبالعمل‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬التعددية،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تتجه‭ ‬فيه‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬المتلقي‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الفاعل‭ ‬المؤثر‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الدولي‭. ‬وأكدت‭ ‬النقاشات‭ ‬أهمية‭ ‬نظام‭ ‬تجاري‭ ‬عالمي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬القواعد،‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬العادلة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التنافس‭ ‬الصفري‭. ‬وتتقاطع‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬مع‭ ‬الدعوات‭ ‬المتزايدة‭ ‬نحو‭ ‬عولمة‭ ‬شاملة‭ ‬تعود‭ ‬بالنفع‭ ‬على‭ ‬الجميع‭.‬

تكامل‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬والمزايا

تتمتع‭ ‬كل‭ ‬منطقة‭ ‬بمزايا‭ ‬تنافسية‭ ‬فريدة‭: ‬لدى‭ ‬آسيان‭ ‬قاعدة‭ ‬شبابية‭ ‬كبيرة‭ ‬وموارد‭ ‬طبيعية،‭ ‬فيما‭ ‬تمتلك‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ثروات‭ ‬طاقوية‭ ‬ورؤوس‭ ‬أموال‭ ‬مالية‭ ‬ضخمة،‭ ‬أما‭ ‬الصين‭ ‬فتملك‭ ‬سوقًا‭ ‬استهلاكية‭ ‬ضخمة‭ ‬وقدرات‭ ‬تصنيعية‭ ‬متقدمة‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬استثمار‭ ‬هذه‭ ‬المزايا‭ ‬المتكاملة،‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬تخفيض‭ ‬في‭ ‬التكاليف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالطاقة‭ ‬والموارد،‭ ‬وتحسين‭ ‬الكفاءة‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭ ‬اللوجستية‭ ‬والمالية‭. ‬وسيُسهم‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬القدرة‭ ‬التنافسية‭ ‬والمرونة‭ ‬لجميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬ويُعد‭ ‬أمرًا‭ ‬حيويًا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تقلبات‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬واستمرار‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاضطرابات‭ ‬التجارية‭.‬

تكامل‭ ‬يُحقق‭ ‬قيمة‭ ‬مضاعفة

وقد‭ ‬بدأت‭ ‬ثمار‭ ‬التعاون‭ ‬الثلاثي‭ ‬بالظهور‭. ‬إذ‭ ‬أعلن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الصيني‭ ‬لي‭ ‬تشيانغ‭ ‬خلال‭ ‬القمة‭ ‬منح‭ ‬تأشيرات‭ ‬دخول‭ ‬متعددة‭ ‬لخمس‭ ‬سنوات‭ ‬للمواطنين‭ ‬المؤهلين‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬آسيان‭ ‬لأغراض‭ ‬الأعمال‭ ‬وغيرها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬منح‭ ‬إعفاء‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬التأشيرات‭ ‬لجميع‭ ‬مواطني‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭. ‬كما‭ ‬يجري‭ ‬الإعداد‭ ‬لتأسيس‭ ‬مجلس‭ ‬أعمال‭ ‬إقليمي‭ ‬مشترك،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مسار‭ ‬موحد‭ ‬للتعاون‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬متنوعة‭ ‬تشمل‭: ‬التكامل‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ربط‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة‭ ‬واستدامتها،‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬والابتكار،‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والزراعة،‭ ‬وتوسيع‭ ‬التبادلات‭ ‬الثقافية‭ ‬والإنسانية‭.‬

ويُشكل‭ ‬التحالف‭ ‬الثلاثي‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬ربع‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬ونحو‭ ‬ربع‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬قوة‭ ‬محركة‭ ‬باتجاه‭ ‬إقليمية‭ ‬منفتحة‭ ‬وتعاونية‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬المشتركة،‭ ‬كالحروب‭ ‬التجارية‭ ‬واضطرابات‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد‭. ‬وبفضل‭ ‬تحسين‭ ‬الربط‭ ‬اللوجستي‭ ‬وتيسير‭ ‬التجارة،‭ ‬يمكن‭ ‬لهذا‭ ‬التعاون‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬تكاملًا‭ ‬يتجاوز‭ ‬مجرد‭ ‬جمع‭ ‬قدرات‭ ‬الأطراف‭ ‬الثلاثة‭.‬

نموذج‭ ‬يُحتذى‭ ‬لتعاون‭ ‬الجنوب‭ ‬‭ ‬الجنوب

في‭ ‬خضم‭ ‬الحروب‭ ‬التجارية‭ ‬والتعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬المتصاعدة،‭ ‬تبدو‭ ‬أفضل‭ ‬طريقة‭ ‬لتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬العقبات‭ ‬هي‭ ‬تعزيز‭ ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭. ‬وقد‭ ‬أثبت‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الثلاثي‭ ‬أن‭ ‬التعاون‭ ‬العابر‭ ‬للأقاليم‭ ‬يمكّن‭ ‬من‭ ‬التصدي‭ ‬للآثار‭ ‬السلبية‭ ‬للسياسات‭ ‬الأحادية،‭ ‬عبر‭ ‬فتح‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة‭ ‬للتجارة‭ ‬والاستثمار،‭ ‬وتنويع‭ ‬الشركاء‭ ‬التجاريين،‭ ‬وتقليص‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الأسواق‭ ‬التقليدية‭.‬

ويمثل‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬الموحد‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الثلاثة‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬الأسواق‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬بمشاركة‭ ‬الفوائد‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬ويضخ‭ ‬جرعة‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭. ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬توحيد‭ ‬جهود‭ ‬ثلاث‭ ‬قوى‭ ‬عالمية‭ ‬رئيسية،‭ ‬يقدم‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬المتجدد‭ ‬والشامل‭ ‬والعملي‭ ‬التزامًا‭ ‬صريحًا‭ ‬بنظام‭ ‬تجاري‭ ‬دولي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬القواعد،‭ ‬تتوسطه‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬ويُعد‭ ‬خطوة‭ ‬ملموسة‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬يسوده‭ ‬السلام‭ ‬والازدهار‭ ‬والعدالة‭.‬

دفعة‭ ‬قوية‭ ‬للعولمة

في‭ ‬عالم‭ ‬مترابط‭ ‬مليء‭ ‬بالتحديات‭ ‬المشتركة،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬العولمة‭ ‬تحتفظ‭ ‬بإمكاناتها‭ ‬التحويلية‭ ‬‭ ‬لكن‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬الدول‭ ‬التعاون‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الانعزال‭. ‬وتجسد‭ ‬قمة‭ ‬آسيان‭ ‬‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬‭ ‬الصين‭ ‬مثالًا‭ ‬مبتكرًا‭ ‬على‭ ‬آلية‭ ‬تعاون‭ ‬بين‭ ‬شركاء‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬تُظهر‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لمناطق‭ ‬متنوعة‭ ‬توحيد‭ ‬مصالحها‭ ‬لدعم‭ ‬الأطر‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬وتعزيز‭ ‬التجارة‭ ‬العادلة‭.‬

وقد‭ ‬أرسلت‭ ‬القمة‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭: ‬إن‭ ‬التضامن‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬تطابقًا‭ ‬كاملاً،‭ ‬بل‭ ‬يزدهر‭ ‬حين‭ ‬تجسر‭ ‬الدول‭ ‬اختلافاتها‭ ‬عبر‭ ‬تعاون‭ ‬منظم‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للحوار‭ ‬والترابط‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬يمكن‭ ‬للدول‭ ‬تحويل‭ ‬التباينات‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬وتعزيز‭ ‬التقدم‭ ‬المشترك‭. ‬ففي‭ ‬عالم‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات،‭ ‬لا‭ ‬يُعد‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬مثاليًا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬ضرورة‭ ‬حتمية‭ ‬لبناء‭ ‬مستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬توازنًا‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭.‬

مراقبة‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬بكين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا