بقلم: الأستاذ الدكتور وهيب عيسى الناصر*
سعدت بدعوتي ومشاركتي في مناقشات الطاولات المستديرة، تحت رعاية الرئيسة التنفيذية لمعهد البحرين للؤلؤ والأحجار الكريمة (دانات) نورة جمشير، والتي حملت هذا العام شعار «المحيطات في الخطوط الأمامية وموضوعها إزالة الكربون وتسخير النظم البيئية البحرية من أجل العمل المناخي»، وذلك في 15 أبريل 2025 ، وهو موضوع في صميم السياسات البيئية وسياسات الطاقة، وكان فريق البحث من جامعة الخليج العربي قد تناول عرض دراسة وتحليل تأثيرات التغير المناخي الحالي والمستقبلي على مهاد (حاضنات) محار اللؤلؤ والحشائش البحرية، وتقدير كميات الكربون التي تخزنها هذه الموارد البحرية الطبيعية.
وشد انتباهي جدا محاضرة الأستاذة الدكتورة إيريس فان دير فيكن، المديرة التنفيذية والأمينة العامة لمبادرة الساعات والمجوهرات 20230 (WJI2030)، جنيف بسويسرا، التي أوضحت دور المبادرة في تحقيق وتشجيع العمل في أهداف التنمية المستدامة العالمية السبعة عشر والتطلعات الى صناعة عالمية مستدامة للمجوهرات والساعات، وأشارت إلى كيف أطلقت إدارة صناعات كارتييه للساعات والمجوهرات والشركات الأخرى في المجوهرات مثل سواروفسكي وجوسي وغيرها، منذ إنشاء المبادرة في أكتوبر 2021 م، شعار الأهداف القائمة على العلم (SBT) والتركيز على الأهداف المناخية القائمة على العلم، وحماية التنوع البيولوجي، وابتكار المواد ونماذج الأعمال، بهدف تشجيع وتمكين التحول الصناعي والابتكار عند التصنيع الحالي والمستقبلي، وكيف باتت صناعة الساعات والمجوهرات تراعي خفض الانبعاثات عند انتاجها وتصنيعها، والمحافظة قدر المستطاع على البيئة، رغم أن التنجيم للحصول على مكونات صناعة الساعات والمجوهرات يؤثر على بيئة سطح الأرض وصحة العاملين في تلك المناجم.
ومن خلال حديثها استوقفتني فكرة «انتاج تجارة لؤلؤ بحريني خال من الانبعاثات الكربونية»، فتاريخ البحرين في صيد (استخراج) اللؤلؤ والتجارة فيه عريق، ومشهود عالميا بالجودة ونقاء المعاملة فكيف لا يمكن للبحرين أن تتصدر وتبادر العالم في مجال المجوهرات باستخدام سفن تعمل بالطاقة النظيفة، وتحديدا الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح (الشراع تقليديا ولكن يمكن استخدام توربينات الرياح الصغيرة تقنيا) للإبحار إلى مصائد اللؤلؤ.
وبحسب الدراسات المسحية فإن انتاج كل ساعة كارتييه يصاحبها انبعاث حوالي 2 كجم من ثاني أكسيد الكربون ؛ ولكن بحسب حساباتي السريعة فإن كل لؤلؤة، بافتراض أن وزن كل لؤلؤة متوسطة (قطر 1 ملم) هو 1 جرام أي حوالي 5 قراريط(كل 1 قيراط يساوي 0.2 جرام، وكل جرام يساوي 5 قراريط)، وبافتراض أن كل رحلة صيد للهيرات تتطلب قطع 100 كيلومتر (ذهابا وايابا)، وإن وقود الجازولين المستهلك لماكينة القارب لهذه الرحلة هو 100 كيلوجرام (135 ليترا) ، أي ينتج عنه نفث 311 كجم من ثاني اكسيد الكربون، وهو الغاز الأكثر سببا لحبس الحرارة ودفء الأرض أو تغيير المناخ، وبافتراض أن نتاج الصيد في كل رحلة هو 100 جرام من اللؤلؤ (يعادل حوالي 100 حبة لؤلؤ )، فهذا يعني أن كل حبة لؤلؤ (1 جرام أو 5 قراريط) يرافقها نفث 3.1 كيلوجرامات من ثاني اكسيد الكربون!
وتجدر الإشارة الى أنه في نوفمبر من عام 2019 م عثر غواص بحريني على لؤلؤتين كبيرتين (تزن الأولى 18 قيراطا (3.6 جرامات) والثانية 9 قراريط (1.8 جرام) في منطقة الهيرات شمال مملكة البحرين، علما بأنه يقدر متوسط وزن اللؤلؤ المعتاد هو ما بين قيراط إلى قيراطين، وبحسب شهادة مركز دانات لفحص اللؤلؤ، فهما من نوعية «البينكتادا ريدياتا» التي تشتهر بتوافر المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ من مختلف الأنواع والأحجام.
ولإنتاج لؤلؤ خالٍ من الانبعاثات الكربونية في البحرين، يجب تطبيق ممارسات صديقة للبيئة في جميع مراحل الإنتاج، من الزراعة إلى الحصاد إلى التوزيع متمثلة في التالي:
* التحول إلى الطاقة المتجددة النظيفة، وذلك من خلال استخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لتشغيل السفن أو القوارب التي تبحر إلى مناطق الهيرات؛ فسابقا كانت السفن تبحر بالشراع (طاقة الرياح)، وهي طاقة نظيفة، وهذا يعني أن تاريخ البحرين سابقا معروف بإنتاج لؤلؤ خال من الانبعاثات الكربونية.
* الاعتماد على استخدام سفن أو قوارب كهربائية أو هجينة بالكهرباء النظيفة عند الإبحار وصيد اللؤلؤ بدلا من السفن والقوارب التقليدية (بالديزل).
* تكون كهرباء أماكن تصنيع اللؤلؤ، والمجوهرات المرتبطة به، نظيفة (الشمس أو الرياح).
* تقليل عدد الرحلات باستخدام تقنيات مراقبة ذكية عن بُعد.
* تعزيز التنوع البيولوجي البحري، ومنها الحفاظ على النُظم البيئية المحيطة بمزارع اللؤلؤ مثل الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية؛ فاللؤلؤ نفسه يمتص الكربون من خلال ترسيب كربونات الكالسيوم، لذا يمكن اعتباره عاملًا مخففًا للكربون.
* المراقبة والتحليل البيئي من خلال تركيب أجهزة مراقبة لقياس استهلاك الطاقة والانبعاثات في كل مرحلة.
* السعي نحو الحصول على شهادة «خالٍ من الكربون» من خلال لتعاون مع مؤسسات اعتماد دولية أو محلية لتوثيق العملية مثل ISO 14067 أو برامج تعويض الكربون (Carbon Offset)
*أستاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة الخليج العربي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك