أكد السفير الألماني لدى مملكة البحرين كليمنس هاخ أن المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس يعتمد على الأولويات الاقتصادية والأمنية وتعزيز الشراكات الدولية، وخصوصًا مع دول الخليج.
جاء ذلك خلال حوار خاص مع «أخبار الخليج» بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تحدّث عن أثر الحرب في تشكيل الهوية الألمانية الحديثة، وأهمية المصالحة، والدروس المستفادة من تلك الحقبة. كما استعرض مكانة ألمانيا في النظام الدولي، ودور الاتحاد الأوروبي كضامن للسلام. وتطرّق إلى التحولات السياسية بعد انتخاب السيد فريدريش ميرتس مستشارًا جديدا للجمهورية الألمانية.
ودعا السفير الألماني شعوب المنطقة إلى الإيمان بإمكانية المصالحة وبناء السلام، على خطى أوروبا ما بعد الحرب.
حوار خاص مع السفير الألماني بمناسبة الذكرى الـ80 لنهاية الحرب العالمية الثانية:
ألمانيا لا تزال تحمل آثار الانقسام ما بعد الحرب العالمـية الثـانـيـة
لا ينبغي أن تُنسى ذكرى هذه الحرب
علينا أن نتذكر هذه الأحداث جيدًا كي لا تتكرر
النظام الدولي وضع لمنع تكرار هذه الكوارث مستقبلا
المستشار فريدريش ميرتس يسعى إلى توثيق التعاون مع دول الخليج
بيننا قواسم مشتركة فيما يتعلق بالتجارة الدولية والنظام العالمي القائم على القواعد
في إطار إحياء الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية أجرينا هذا اللقاء الخاص مع سعادة سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى مملكة البحرين السيد كليمنس هاخ، وقد تطرّقنا إلى دلالات هذه الذكرى في الذاكرة الألمانية الحديثة، وأثرها في الهوية الوطنية، إضافة إلى مكانة ألمانيا في النظام الدولي، ومستقبل الاتحاد الأوروبي، والتغيرات السياسية الأخيرة في برلين.
* تصادف هذه الأيام وبالتحديد تاريخ 8 مايو 2025 الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية. كيف تنظر ألمانيا الحديثة إلى هذه الذكرى؟ وما رمزيتها السياسية والاجتماعية؟
- الهوية الألمانية الحديثة مرتبطة بشكل وثيق بتاريخ الحرب العالمية الثانية وتداعياتها. لا تزال ألمانيا تحمل آثار الانقسام الذي استمر أكثر من أربعين عامًا، وكانت نتيجة مباشرة لتلك الحرب، لدينا في ألمانيا اليوم شريحة واسعة من السكان من أصول ألمانية تم تهجيرهم بعد الحرب من مناطق في أوروبا الشرقية، مثل بولندا وجمهورية التشيك ودول البلطيق وروسيا، فحياة العائلات الألمانية اليوم لا تزال تحمل جروح تلك المأساة الكبرى.
نحيي هذه الذكرى من خلال فعاليات تذكارية منتشرة في مختلف أنحاء البلاد، تتوج في الثامن من مايو في كل عام، وهو اليوم الذي استسلمت فيه القوات المسلحة الألمانية عام 1945. وتشهد هذه الفعاليات مشاركة من ممثلين عن ضحايا الحرب من دول أخرى مثل بولندا وأوكرانيا وروسيا، تأكيدًا لأهمية المصالحة بعد عقود من المعاناة.
* برأيكم، هل يمكن أن تُنسى فظائع الحرب وتضحياتها؟
- لا ينبغي أن تُنسى هذه الذكرى إذ تذكّرنا بضرورة الحفاظ على ذاكرة الجرائم والانتهاكات التي وقعت في الحرب التي بدأت في عام 1939 عندما هاجمت ألمانيا والاتحاد السوفيتي معًا بولندا ودول البلطيق، وقسّماها بينهما آنذاك، لذا علينا أن نتذكر هذه الأحداث جيدًا كي لا تتكرر، وإن النظام الدولي الحالي وضع لمنع تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلا.
* كم عدد الأشخاص الذين تأثروا بالحرب؟
- الأرقام ضخمة؛ فعلى سبيل المثال خسر الاتحاد السوفيتي حوالي عشرين مليون شخص، والعدد الإجمالي للضحايا والمصابين والمُهجّرين يصل إلى مئات الملايين، على امتداد أوروبا والعالم أجمع.
* ذكرتم أن النظام الدولي الحالي بني على أنقاض تلك الحرب! ما مدى أهمية الحفاظ عليه اليوم؟
- النظام الدولي القائم على القواعد صمم لحماية الدول الصغيرة من تهديدات الكبار، من خلال مبادئ مثل احترام السيادة، وعدم التدخل، وحظر استخدام القوة، هذا النظام اليوم مهدد، وفي قضايا مثل فلسطين يُنتقد الغرب بازدواجية المعايير، ومع ذلك علينا الحفاظ عليه لأنه الضامن الوحيد لأمن الدول في حالة البحرين كمثال، كدولة صغيرة وسط جيران أقوياء، تأسست وفقًا لقرار من مجلس الأمن عام 1971، فإن استمرار هذا النظام أمر جوهري لأمنها.
* كيف تُحيي ألمانيا هذه الذكرى في الداخل؟
- هناك فعاليات متعددة في مختلف الولايات والمدن الألمانية، تتناسب مع خصوصية كل منطقة وما شهدته من أحداث خلال الحرب، لكن الحدث المركزي تنظمه الحكومة الفيدرالية في برلين يوم 8 مايو من كل عام، وهو يمثل الذكرى الرسمية لنهاية الحرب.
* الاتحاد الأوروبي ولد من رماد الحرب، هل لا يزال يمثل مشروع سلام؟
- نعم، هذا هو جوهره الأساسي؛ ففي 9 مايو نحتفل بإعلان شومان، الذي أرسى دعائم التعاون بين فرنسا وألمانيا بعد الحرب. كان الهدف هو توحيد الاقتصادات لمنع نشوب حروب مستقبلية. واليوم، مع وجود تهديدات خارجية مثل الحرب في أوكرانيا، وفتور الشراكة مع الولايات المتحدة، أصبح الاتحاد الأوروبي ضرورة وجودية لنا كأوروبيين، من أجل ضمان السلام داخليا وخارجيا.
* هل حصل ضحايا الحرب على تعويضات؟
- نعم، ألمانيا دفعت تعويضات لمجموعات مختلفة من الضحايا، أبرزهم اليهود. كما تم تقديم مليارات الدولارات للاتحاد السوفيتي بعد توحيد ألمانيا لبناء مساكن للقوات السوفيتية المغادرة، كما شملت التعويضات عمال السخرة من القطاع الخاص أيضًا، ومازالت بعض التعويضات مستمرة حتى اليوم رغم مرور ثمانية عقود.
* ألمانيا دخلت مرحلة سياسية جديدة بانتخاب السيد فريدريش ميرتس مستشارًا، ما المتوقع في ظل قيادته؟
- بالفعل، تم انتخاب السيد فريدريش ميرتس مستشارًا قبل عدة أيام، كل التوقعات تشير إلى نهج اقتصادي براغماتي يركز على النمو، وقد ضمن بالفعل تمويلا بقيمة 500 مليار يورو لتحسين البنية التحتية. كما يهدف إلى تقليل أسعار الطاقة وتسهيل بيئة الأعمال خارجيا. وهناك تركيز كبير على تعزيز التعاون الأوروبي، وخصوصًا في الأمن والدفاع، في ظل تراجع الالتزام الأمريكي وتصاعد التهديد الروسي.
* هل هناك توجّه ألماني لتعزيز العلاقات مع الخليج؟
- بالتأكيد، أحد المحاور التي طرحها السيد ميرتس هو توثيق التعاون مع دول الخليج. نحن نشعر أن بيننا قواسم مشتركة فيما يتعلق بالتجارة الدولية والنظام العالمي القائم على القواعد، كما أن الصين تظل شريكًا مهما لنا، رغم التنافس.
* هل يحظى ميرتس بتأييد شعبي؟ وماذا عن المعارضة؟
- نعم، هناك تفاؤل واسع ببرنامجه الإصلاحي، لكن لدينا معارضة قوية من اليمين المتطرف الذي حصل على 20% في الانتخابات، ويركز على قضايا الهجرة، وهناك معارضة يسارية تنتقد مواقف الحكومة من تغير المناخ وغيرها؛ لذا فأمام الحكومة تحديات كبيرة خلال السنوات الأربع المقبلة.
* سؤال أخير: ما الرسالة التي تودون إيصالها إلى شعوب المنطقة في هذه الذكرى؟
- أهم رسالة هي أن المصالحة بين الأعداء ممكنة. أوروبا اليوم تنعم بالسلام بفضل شجاعة الشعوب التي مدّت يد المصالحة بعد الحرب، وهذا درس يجب أن نضعه نصب أعيننا عند النظر إلى الصراعات المعاصرة، فالمصالحة ليست فقط ممكنة، بل مفيدة لجميع الأطراف.
المستشار فريدريش ميرتس
فريدريش ميرتس هو سياسي ألماني بارز من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، ومن المتوقع أن يتولى منصب مستشار ألمانيا في 6 مايو 2025، خلفًا لأولاف شولتس، بعد تشكيل ائتلاف حكومي بين الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD).
النشأة والتعليم
ولد ميرتس في 11 نوفمبر 1955 في مدينة بريلون بولاية شمال الراين- وستفاليا. درس القانون والعلوم السياسية في جامعتي بون وماربورغ، وأكمل تدريبه القانوني في محكمة ساربروكن.
المسيرة السياسية
انضم ميرتس إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عام 1972، وبدأ مسيرته السياسية كعضو في البرلمان الأوروبي من 1989 إلى 1994، ثم انتُخب عضوًا في البوندستاغ (البرلمان الألماني) من 1994 حتى 2009، وعاد إليه في عام 2021. شغل منصب رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي الديمقراطي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU) بين عامي 2000 و2002، وعاد لتولي هذا المنصب في عام 2022.
بعد فترة من العمل في القطاع الخاص، بما في ذلك منصب رئيس مجلس إدارة «بلاك روك» في ألمانيا، عاد ميرتس إلى السياسة. وفي يناير 2022 انتخب رئيسًا لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وقاد الحزب في الانتخابات الفيدرالية لعام 2025.
التوجهات السياسية
يُعرف ميرتس بتوجهاته المحافظة، إذ يدعو إلى سياسات اقتصادية ليبرالية، وتقليل البيروقراطية، وتعزيز الاستثمارات. كما يُعتبر مؤيدًا قويا للعلاقات عبر الأطلسي، ويدعو إلى دور ألماني أكثر نشاطًا في الناتو، وزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا.
الحياة الشخصية
ميرتس متزوج من القاضية شارلوت ميرتس منذ عام 1981، ولهما ثلاثة أبناء، ويعيش مع عائلته في مدينة آرنسبرغ.
التحديات المقبلة
مع توليه منصب المستشار يواجه ميرتس تحديات كبيرة، بما في ذلك إنعاش الاقتصاد الألماني، وإدارة قضايا الهجرة، وتعزيز مكانة ألمانيا في السياسة الأوروبية والدولية.
السفير كليمنس هاخ
* تاريخ الميلاد: 20فبراير 1970 في الجزائر العاصمة، الجزائر.
* الحالة الاجتماعية: متزوج وله ستة أبناء.
* المؤهلات العلمية:
* حصل على شهادة البكالوريا (Baccalauréat) عام 1988.
* أدى الخدمة العسكرية بين عامي 1988 و1990.
* درس الاقتصاد في جامعة بون بين عامي 1990 و1991.
* أكمل دراسته في الدراسات الشرقية والقانون الدستوري والتاريخ الاجتماعي والاقتصادي في جامعة بون بين عامي 1991 و1999.
* التحق بالخدمة الدبلوماسية العليا في ألمانيا بين عامي 1999 و2001.
المسيرة الدبلوماسية
* عمل في سفارات ألمانيا في كل من كاراكاس (فنزويلا)، وسان خوسيه (كوستاريكا)، ودار السلام (تنزانيا)، وواشنطن (الولايات المتحدة)، وبوغوتا (كولومبيا).
* شغل مناصب مختلفة في وزارة الخارجية الألمانية، بما في ذلك نائب رئيس قسم، ورئيس قسم.
* منذ أغسطس 2022 يشغل منصب سفير ألمانيا لدى مملكة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك