هل ينجح العالم في تفادي آثار الحرب التجارية؟
التنوع الاقتصادي طوق النجاة في الخليج
شهدت جلسات منتدى باب البحرين 2025 الذي نظمته غرفة صناعة وتجارة البحرين برعاية صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أمس مناقشة عديد من الملفات الاقتصادية والتجارية الساخنة على المستويين الإقليمي والدولي، بحضور فريد من نوعه لممثلين من منظمة العمل الدولية، ومنظمة التجارة العالمية، وغرفة التجارة الدولية، والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ووزراء التجارة، وقادة غرف التجارة العربية والخليجية.
الجلسات تميزت بقدر كبير من الصراحة والوضوح في طرح التحديات والحلول المقترحة للتغلب عليها، وعلى رأسها تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة، وكذلك التخوف من حرب تجارية عالمية، ومحافظة الدولار على مكانته في التجارة الدولية، بالإضافة إلى الفرص المتاحة لاقتصادات البحرين ودول مجلس التعاون في التعاطي مع هذه المتغيرات والتحولات.
شارك في الجلسة الأولى من المنتدى التي جاءت تحت عنوان «التعامل مع التحول الاقتصادي: تأثير التكتلات العالمية المتغيرة على الاستقرار والنمو»، كل من جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون الخليج، د. الشيخ عبدالله بن أحمد وزير المواصلات والاتصالات، عبدالله بن عادل فخرو وزير الصناعة والتجارة، نجوزي أوكونجو إيويالا المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، وجيلبرت هونغبو المدير العام لمنظمة العمل الدولية.
ورغم المخاوف من التأثيرات السلبية للرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة على الاقتصاد العالمي، إلا أن المشاركين في الجلسة أجمعوا على أن التنوع الاقتصادي هو أحد عوامل القوة التي تميز منطقة الخليج وأنه الوسيلة التي يمكن من خلالها مجابهة المتغيرات المحيطة بها، مشددين على أهمية استمرار المفاوضات الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين لتلافي أي حرب تجارية عالمية.
في البداية شددت نجوزي أوكونجو إيويالا المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية أهمية الوصول إلى آليات واضحة في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة، لأنه لا مخرج من أزمة الرسوم الجمركية الأخيرة إلا من خلال منهجية تعاونية بين الدول الكبرى لتفادي الآثار السلبية، لافتة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية طرحت العديد من الأمور على طاولة المفاوضات ومنها الحدود والهجرة غير الشرعية والأدوية وغيرها.
وأشارت إلى أنه على الدول أن تتجه إلى التخلص من الاعتمادية وتنويع سلاسل التوريد للتخلص من أي آثار سلبية محتملة للإجراءات الأمريكية والتي جاءت بعد الممارسات التجارية الصينية التي تتطلب تصحيح المسار وتعديل لبعض السياسات التي تمارسها الصين.
ولفتت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية إلى أنه يمكن لمنظمة التجارة العالمية أن تلعب دورا في تصحيح الوضع من خلال نظرة شمولية، تراعي مصالح الجميع، وتحافظ على حرية التجارة الدولية.
وبشأن توقعاتها بانخفاض حجم التجارة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وتأثير ذلك على بلدان العالم، أوضحت نجوزي أوكونجو إيويالا المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية أن معدلات التجارة الصينية إلى الولايات المتحدة قد تتوقف، وهذا ما قد يدفع هذه التجارة نحو بلدان أخرى ما قد يؤثر على اقتصاداتها، وأن منظمة التجارة العالمية عليها أن تدرس التعامل مع هذه الظروف الاستثنائية، ويجب على هذين البلدين عقد مناقشات ومشاورات مباشرة لإدارة هذه المسارات التجارية من دون تأثير على البلدان الأخرى.
ودعت الصين إلى استخدام قدر كبير مما تنتجه داخل الصين نفسها، كما أن على الولايات المتحدة أن تراجع سياساتها الداخلية، مشيرة إلى أن هذه حلول يمكن طرحها، للخروج من نمط الحروب التجارية، ويجب أن نشجعهم على الحوار المشترك.
وبشأن تأثير المواجهة الصينية الأمريكية على التعامل بالدولار كعملة في التجارة الدولية، أوضحت نجوزي أوكونجو إيويالا المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية أن التأثير المباشر في الوقت الراهن هو أن الدولار آخذ في الانخفاض، وعلى الرغم من أنها حرصت على تشجيع التبادل التجاري بعملات أخرى في ظل التنويع الاقتصادي، إلا أنها استبعدت استبدال الدولار كعملة رئيسية في التجارة الدولية، ولكن هناك مدرسة تشير إلى تقليل إسهامات الدولار في التجارة.
واختتمت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية حديثها، مؤكدة أنه على الرغم من الأزمة الراهنة، إلا أن التجارة الدولية مازالت حرة، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة مازالت تشكل نسبة محدودة من التجارة الدولية، معبرة عن أن منطقة الخليج هي منطقة أمل ومتطورة في التحول الرقمي، كما أن أنظمة التجارة الدولية قوية وصلبة.
بدوره، أكد جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن دول الخليج محظوظة بسياساتها التي أسهمت في خلق أسس اقتصادية متينة، منوها إلى أن البحرين ودول الخليج تتمتع بالمرونة الاقتصادية التي تمكنها من مواجهة تداعيات المتغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم.
وقال البديوي: نحن الحاضر والمستقبل، لافتا إلى أن صندوق النقد الدولي أصدر تقريرا مشجعا عن دول مجلس التعاون رصد من خلاله البرامج المتنوعة في المنطقة، والبرامج التنموية، ومعدلات النمو الاقتصادي.
ولفت إلى أن ركود الاقتصاد العالمي هو أحد التهديدات التي تشكلها المتغيرات الاقتصادية الأخيرة، مشيرا إلى دول الخليج العربية تمكنت من تجاوز العديد من العواصف الاقتصادية والمالية العالمية بفضل المرونة الاقتصادية التي تتمتع بها.
وتابع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، معبرا عن فخره بالسياسات التي تنتجها دول التعاون، في تنظيم علاقاتها التجارية مختلف دول العالم، لافتا إلى أن هناك مشاورات خليجية مباشرة مع الولايات المتحدة والصين، مؤكدا الحرص الخليجي على استمرار وجود علاقات ممتدة مع كلٍ من الصين والولايات المتحدة.
ونوه إلى حرص دول الخليج على تبني مبادرات تنويع مصادر الدخل، مشيرا إلى أن هذا لن يتحقق إلا من خلال سوق مفتوح، وتوقيع اتفاقيات حرة مع مختلف دول العالم، وهذا ما تعمل عليه دول الخليج، في إطار سعيها إلى خفض الاعتماد على النفط في الناتج المحلي الإجمالي.
وتطرق إلى وجود تحول اقتصادي في دول التعاون قائم على التنافسية والبحث عن إيجاد أفضل سبل للوصول إلى الأسواق العالمية المختلفة، ولهذا يجري التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة مع عديد من دول العالم، وكشف عن أنه سيتم اليوم الأربعاء التوقيع على اتفاقية تجارة حرة بين دول الخليج ونيوزيلندا، كما تم التوقيع مع كوريا الجنوبية، وتم التوقيع الجزئي مع الصين، ومازال هناك مشاورات مع الاتحاد الأوروبي، والمفاوضات جارية مع تركيا واليابان واندونيسيا في الشأن نفسه.
وشدد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن دول التعاون لا تتنافس ولكن تتكامل، ورغم الأزمات في المناطق المحيطة، لدينا عوامل قوة في دول التعاون، التنوع والمرونة وغيرها من العوامل الأخرى.
من جانبه، كشف د. الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة وزير المواصلات والاتصالات عن أن قرية الشحن في مطار البحرين الدولي سيتم افتتاحها الشهر المقبل، وذلك بعد اكتمال حجز المرحلة الأولى بالكامل، وأنه جارٍ العمل على المرحلة الثانية منها، في إشارة منه إلى جهود مملكة البحرين لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط والغاز في الناتج المحلي.
واستعرض إمكانات المنطقة اللوجستية، وما توفره من بنية تحتية متقدمة، وداعمة لهذا القطاع، لافتا إلى أن البحرين هي بوابة لدول مجلس التعاون، وأن المنطقة اللوجستية سوف تسهم في تعزيز التجارة البينية.
وحول وجود مناطق لوجستية في دول خليجية أخرى، قال وزير المواصلات إن هناك مساحة للجميع، ونحن نكمل بعضنا البعض في دول الخليج، ولدينا البنى التحتية والسياسات الموحدة، لدينا الاستقرار والمرونة، والتعاون بين القطاعين العام والخاص، ولدينا غرف تجارية مهمة، وإذا كان لدينا منصة لوجستية في البحرين فهي تتكامل مع بقية دول مجلس التعاون.
وأشار إلى أن تنوع الاقتصاد البحريني هو أحد العوامل التي يمكن من خلالها الحد من الآثار المباشرة للمتغيرات الاقتصادية الأخيرة.
وحول تأُثير الرسوم الأمريكية على صادرات البحرين من الألمونيوم، أشار د. عبدالله بن أحمد إلى أن نسبة مبيعات شركة ألبا من الألمونيوم إلى الولايات المتحدة الأمريكية تشكل 18% من المبيعات، كما أن الشركة لديها قائمة طويلة من المشترين الحريصين على التعاون مع ألبا بسبب المرونة والشراكات الممتدة.
بدوره، أكد عبدالله بن عادل فخرو وزير الصناعة والتجارة أن العلاقات البحرينية الأمريكية وطيدة وممتدة، وأن هناك انفتاحا في النقاش مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الرسوم الأمريكية الأخيرة، منوها إلى أن البحرين منصة مفتوحة للتجارة، نحن نرحب بالتشاور مع الولايات المتحدة الأمريكية.
واستبعد وزير الصناعة والتجارة استبدال الدولار بعملات أخرى في التجارة الدولية، وقال لا أرى أي مخاطر على سيطرة الدولار على التجارة الدولية، ولا أعتقد أن هناك أي مخاوف على الدولار، مشيرا إلى أن التأثيرات الحالية هي على المدى القصير فقط أو في تذبذب أسواق المال، ولكن على المدى البعيد لا أعتقد أن الدولار سوف يتأثر.
وبشأن مبيعات ألبا، أوضح عبدالله بن عادل فخرو إلى حرص المملكة على تنويع البلدان التي يتم التصدير لها، ويجب زيادة شبكة المستوردين من دول التعاون للمحافظة على تنوعنا.
وقال وزير الصناعة والتجارة إن دول الخليج أمامها الفرص لرفع التجارة البينية، من خلال العمل على مواءمة استراتيجياتنا في الصناعات، بحيث يمكن لكل بلد أن يتخصص في صناعة معينة، وهذا أمر مهم ويخدم التكامل والوحدة بين دول الخليج، قائلا: نريد أن نتكامل في مختلف القطاعات بما يخدم بعضنا البعض، فالتعاون والتكامل يحقق المرونة.
وأشار جيلبرت هونغبو المدير العام لمنظمة العمل الدولية إلى أن ما يشغل المنظمة هو أن تؤدي التحولات الأخيرة إلى تأُثير مباشر على التجارة الدولية، ما ينعكس سلبا على حجم العمالة، داعيا إلى ضرورة الدخول في مفاوضات مباشرة للحد من تأثيرات هذه المتغيرات، منوها إلى أنه يمكن تقليص هذه التداعيات من خلال التكنولوجيا والتعاون بين دول الجوار.
وشدد على ضرورة تعاون أطراف الإنتاج الثلاثة، بما يضمن توفير بيئة عمالية آمنة.
وبشأن رؤيته لأوضاع العمالة في المنطقة، نوه المدير العام لمنظمة العمل الدولية إلى أن هناك العديد من المبادرات المطروحة في البحرين للتعامل مع العمالة الأجنبية، كما أشار إلى ضرورة العمل على سد الفجوة بين الجنسين في العمل، مشيرا إلى هذه التحديات لا تخص دول الخليج فحسب، ولكن الكثير من دول العالم.
وأكد أهمية الاستفادة من التطور التكنولوجي الذي سوف يحقق الاستدامة والمرونة الاقتصادية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك