كتبت نوال عباس:
شهدت أسواقُ المال في جميع أنحاء العالم موجةً من التقلباتِ الحادة في أعقاب قرارِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عديدٍ من دول العالم، وامتدت تأثيراتُ هذه القرارات إلى البورصات الخليجية التي تعرضت لأسبوع من تراجع مختلف المؤشرات في ظل التخوفات من تباطؤ التجارة العالمية، على الرغم من أن منطقة الخليج ليست المستهدف المباشر من هذه الرسوم.
«أخبار الخليج» تواصلت مع عدد من الاقتصاديين للحديث عن التأثيرات الراهنة والمستقبلية لهذه الرسوم، إلى رصد توقعاتهم للتعاطي مع تداعيات التراجعات الحادة في أسواق المال العالمية، حيث عبر غالبيتهم عن أن وضع البورصة البحرينية مستقر، فيما كشفوا عن أن انخفاض أسعار الأسهم العالمية يشكل فرصة للصناديق السيادية الخليجية.
البحرين وضع مستقر
وقالت الخبيرة الاقتصادية نورة الفيحاني لـ(أخبار الخليج): «بالرغم من مواصلة الانخفاضات الجماعية في وول ستريت ومؤشر Dow Jones تراجع 0.84% - مؤشر S&P 500 تراجع بنسبة 1.57%، وانخفاض الأسهم السعودية إلى أكثر من 1.5%، وانخفاض أسهم أرامكو بنسبة 0.6%، وتسجيل أدنى مستوى منذ 4 سنوات لنفط برنت ليصل إلى أدنى من 60 دولارا، إلا أن البحرين مازالت في وضع مستقر في بورصتها التي سجلت انخفاضا طفيفا في مؤشرها العام بنسبة 0.16%، والذي يعد الأقل تأثرا في المنطقة، منذ بداية حرب الرسوم الأمريكية، ولا يمكن تفسير ذلك إلا بكون البحرين سوقا ثانويا بعيدا عن مركز زلزال تلك الحرب، لكن يجب في المرحلة المقبلة العمل على إيجاد وسائل استقرار للسوق المحلي بعدة إجراءات منها فتح أسواق جديدة، وتنويع مصادر الدخل بصناعات مستحدثة، والموازنة بين المصروفات والإيرادات وإيجاد عوامل حماية للاستثمارات المحلية من تداعيات الأسواق الدولية».
وأضافت الفيحاني: «إن التأثيرات المباشرة للرسوم الجمركية الأمريكية في اقتصادات دول الخليج من المتوقع أن تكون محدودة، نظرًا إلى أن نسبة التبادل التجاري المباشر بين الولايات المتحدة ودول الخليج ليست كبيرة. ومع ذلك، الأثر الأكبر والأكثر أهمية يأتي من خلال القنوات غير المباشرة، وخصوصاً تأثير هذه الرسوم في أسعار النفط العالمية. نظرًا لاعتماد دول الخليج الكبير على إيرادات النفط، فإن أي انخفاض في أسعار النفط نتيجة للمخاوف من تباطؤ النمو العالمي يمكن أن يكون له تأثير سلبي في هذه الاقتصادات. ومع ذلك، نظرًا للتنوع الاقتصادي الجيد الذي تتمتع به دول الخليج، قد يكون هذا التأثير محدودًا».
وأشارت الفيحاني إلى أنه بالنسبة إلى البورصات المحلية والخليجية، فإنها تتأثر بشكل كبير بتقلبات الأسواق العالمية، وبالأخص السوق الأمريكية، ولكن المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، والتي تفاقمت بسبب الرسوم الجمركية، والتي تؤدي إلى تقلبات في التوقعات الاقتصادية وبالتالي تؤثر سلبًا في أداء مؤشرات البورصة في الخليج. وهذه التقلبات تؤكد أهمية الاستعداد والمرونة في السياسات الاقتصادية لدول الخليج للتعامل مع هذه الأوضاع المتغيرة.
تحدي الرسوم الجمركية
واعتبرت الفيحاني أن الرسوم الجمركية تظل تحديًا، إلا أن البحرين -بفضل قاعدتها الصلبة وبنيتها الضريبية الجاذبة وخطط التنويع الاقتصادي- قادرة ليس فقط على تجنب الآثار السلبية، بل أيضًا على تحويل التحديات إلى فرص لتعزيز حضورها في الأسواق العالمية، وخاصة مع تزايد توجه الشركات الدولية نحو مراكز الأعمال ذات التكاليف التنافسية مثل البحرين. على الرغم من أن صادرات البحرين من الألمنيوم -والتي تُعد من أهم منتجاتها الموجهة للسوق الأمريكي- كانت من بين السلع المتأثرة سابقًا بهذه الرسوم منذ عهد ترامب واستمرارها خلال إدارة بايدن، إلا أن المملكة حافظت على موقعها التنافسي، ويعود ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها: الامتيازات الضريبية حيث تتمتع البحرين بمعدلات ضرائب وتكاليف تشغيل أقل مقارنة بالعديد من المنافسين، مما يعزز قدرتها على استيعاب الصدمات التجارية. وتنويع الشركاء التجاريين عبر تعزيز التبادل مع أسواق آسيوية وأوروبية كبدائل عن الاعتماد المفرط على السوق الأمريكي.
كما تسعى دول الخليج، بما فيها البحرين، إلى تعزيز التعاون الإقليمي وتنويع الشراكات الاقتصادية لتخفيف الآثار السلبية المحتملة. كما أن التوجه نحو تعزيز الصناعات المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات قد يكون أحد الحلول الاستباقية.
ونوهت الفيحاني بأن يبقى الحوار والتفاوض الدوليان العاملين الأبرز في تخفيف حدة هذه الأزمة، بينما يترقب العالم الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة والتي قد تؤدي إلى تعديل هذه السياسة. في الوقت الراهن، يتطلب الأمر تعاونًا دوليًا لضمان استقرار الأسواق العالمية وحماية الاقتصادات الناشئة من الصدمات المتتالية.
ركود كبير
ويقول الخبير الاقتصادي عدنان يوسف: «من الطبيعي أن تتأثر البورصات المحلية بسبب تأثرها من فرض الضرائب الجمركية الأمريكية، ولكن التخوف يكون من الركود الذي من المتوقع أن يكون بشكل أكبر مع استمرار فر ض الضرائب مع العلم أن دول أوروبا تعاني من الركود من فترة طويلة، ولكن فرض الضرائب سيكشفه بشكل أكبر، أما بالنسبة إلى الصادرات فإن دول الخليج ستتأثر كثيرا من صادراتها النفطية بسبب انخفاض الأسعار، ولكن من الممكن أن تستفيد الصناديق السيادية عن طريق شراء أسهم بعض الشركات العالمية بسبب انخفاضها بشكل حاد».
انخفاض أسعار الأسهم
ومن جانبها تقول الخبير المصرفي د. غنية الدرازي: «يمكن أن يكون تأثير التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة في بورصات دول مجلس التعاون الخليجي متعدد الجوانب، ويعتمد على عوامل مختلفة مثل طبيعة التعريفات، والقطاعات المتأثرة، والبيئة الاقتصادية العامة، ولكن التأثيرات الأكثر وضوحا في الوقت الحالي أن التعريفات الجمركية تُسبب حالة من عدم اليقين في الأسواق، مما يؤدي إلى انخفاض ثقة المستثمرين، ويؤدي هذا إلى انخفاض أسعار الأسهم في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي والعالم أجمع».
وأشارت إلى أنه إذا أدت التعريفات الجمركية الأمريكية إلى تباطؤ اقتصادي عالمي قد تشهد دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة تلك المعتمدة على صادرات النفط والغاز، تقلبات في الطلب على منتجاتها. وقد يؤثر هذا سلبًا في أسعار أسهم الشركات المدرجة عموما وبالأخص الشركات العامة في هذه القطاعات.
وأشارت إلى أنه يمكن ألا تكون كل ردود الفعل سلبية، وقد تؤدي زيادة الرسوم الجمركية إلى إعادة تقييم استراتيجيات الاستثمار الأجنبي العالمي، إذا رأى المستثمرون الأجانب مخاطر أعلى في السوق الأمريكية، فقد يسعون إلى اغتنام فرص في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي والتي نسبيا تدفع ضريبة أقل من غيرها من الدول، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأسهم في هذه الدول ، مشيرة إلى أنه ستعتمد الآثار المحددة على تفاصيل التعريفات الجمركية والظروف الاقتصادية الراهنة في كل من الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وستوفر مراقبة ردود فعل المستثمرين وأداء القطاعات رؤى أوضح بمرور الوقت.
الزلزال الاقتصادي
وأضافت الدرازي: «تتأثر دول الخليج بالزلزال الاقتصادي الذي تسببت به الضرائب الأمريكية الجديدة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، إذ تصدر دول الخليج ومنها البحرين الألمنيوم وغيرها من السلع إلى الولايات المتحدة وبالتالي سوف تكون هذه الصادرات عرضة إلى ضريبة الـ10 بالمئة المفروضة على الخليج، الأمر الذي سوف يقلل من أرباح الشركات الخليجية المصدرة إلى أمريكا ومن السيولة النقدية التي تضخها هذه الشركات في اقتصادات دول الخليج».
وتقول: «كذلك ترفع الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة احتمالية زيادة التضخم، فعندما تُفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة، فإنها ترفع تكلفة هذه السلع، بالإضافة إلى ذلك، تُعطل الرسوم الجمركية سلاسل التوريد وتُقلل من المنافسة، مما قد يُفاقم ارتفاع الأسعار، إذا رفع المنتجون أسعارهم استجابةً لارتفاع تكاليف المواد المستوردة، فقد يُحدث ذلك تأثيرًا تضخميًا أوسع نطاقًا، وقد تستجيب البنوك المركزية، مثل الاحتياطي الفيدرالي، لارتفاع التضخم برفع أسعار الفائدة، ويؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى إبطاء النمو الاقتصادي، مما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي في دول الخليج وجميع دول العالم إذا كانت الضغوط التضخمية كبيرا»، لافتة إلى أنه التباطؤ الاقتصادي سوف يلحق الضرر باقتصادات دول الخليج حيث ينزل الطلب على النفط الأمر الذي يؤثر سلبا في ميزانيات دول الخليج جميعا.
تأثيرات محدودة
ويقول الخبير الاقتصادي إسماعيل الصراف: «فيما يتعلق بالرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب، من المهم أن ندرك أن تأثيرها المباشر في البحرين ودول الخليج قد يبدو محدودًا في البداية، من حيث الصادرات، حيث يشكل نسبة صغيرة فقط من إجمالي حجم صادراتنا، ولكن القلق الأكبر في التأثيرات غير المباشرة لهذه الرسوم، خاصة بالنسبة إلى البحرين التي تمتلك أعلى سعر تعادل مالي للنفط في المنطقة (fiscal breakeven). لقد أدت هذه الرسوم إلى خلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي العالمي، مما أثر سلبًا في التوقعات الخاصة بنمو الطلب ووضع ضغوط نزولية على أسعار النفط. نظرًا لاعتماد اقتصادنا بشكل كبير على إيرادات النفط، فإن انخفاض أسعار النفط الناجم عن مثل هذه المخاوف التجارية الدولية يمكن أن يكون له تأثير سلبي كبير، وربما يكون أكثر خطورة من أي حواجز تجارية مباشرة مع الولايات المتحدة، وذلك يطرح ذلك تحديات، يجب أن يحفزنا أيضًا على مواصلة تنويع قاعدتنا الاقتصادية وتعزيز قدرتنا على التحمل ضد الصدمات الاقتصادية العالمية، ومن الضروري أن نظل يقظين ونشطين في التخفيف من هذه المخاطر، لضمان استمرارية ازدهار البحرين في المشهد الاقتصادي العالمي المتغير بسرعة.
وأضاف: «التأثيرات المباشرة للرسوم الجمركية الأمريكية على اقتصادات دول الخليج من المتوقع أن تكون محدودة، نظرًا إلى أن نسبة التبادل التجاري المباشر بين الولايات المتحدة ودول الخليج ليست كبيرة ومع ذلك، الأثر الأكبر والأكثر أهمية يأتي من خلال القنوات غير المباشرة، وخصوصاً تأثير هذه الرسوم على أسعار النفط العالمية. نظرًا إلى اعتماد دول الخليج الكبير على إيرادات النفط، فإن أي انخفاض في أسعار النفط نتيجة للمخاوف من تباطؤ النمو العالمي يمكن أن يكون له تأثير سلبي في هذه الاقتصادات ومع ذلك نظرًا إلى التنوع الاقتصادي الجيد الذي تتمتع به دول الخليج، قد يكون هذا التأثير محدودًا».
أما بالنسبة إلى البورصات المحلية والخليجية، فإنها تتأثر بشكل كبير بتقلبات الأسواق العالمية، وبالأخص السوق الأمريكية، ولكن المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، والتي تفاقمت بسبب الرسوم الجمركية، التي تؤدي إلى تقلبات في التوقعات الاقتصادية وبالتالي تؤثر سلبًا في أداء المؤشرات البورصية في الخليج، والتي تؤكد أهمية الاستعداد والمرونة في السياسات الاقتصادية لدول الخليج للتعامل مع هذه الأوضاع المتغيرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك