الحوار الإسلامي الإسلامي بالمنامة شدد على وقف التنابذ بين الفريقين
ضياع أدب الاختلاف فيما بيننا أسهم في ضياع الطريق من تحت أقدامنا
قال الرسول صلى الله عليه وسلم «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته»
الادعاءات بأن الشيعة والسنة لديهم مصاحف مختلفة هي أكاذيب مفضوحة
أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن الأمة الإسلامية تملك أسسًا متينة للوحدة، مستندة إلى عوامل مثل الجغرافيا المشتركة، واللغة الواحدة، والجنس الموحد، والدين المشترك أو الديانات السماوية، مشيرًا إلى أن عدد المسلمين يتجاوز مليارًا ونصف المليار، يجمعهم إله واحد وقبلة واحدة وعقيدة موحدة.
وتحدث شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين في برنامجه «الإمام الطيب» عن أهمية مؤتمر الحوار الإٍسلامي الإسلامي الذي استضافته العاصمة البحرينية المنامة، مؤكدا أن الإسلام كرس أدب الاختلاف، مشددا على أن ضياع هذا الأدب فيما بيننا أسهم في ضياع الطريق من تحت أقدامنا، لأن الاختلاف يقوم على احترام كل رأي للآخر، واحترام كل صاحب رأي لصاحب الرأي المخالف.
وتابع قائلا: إن هذه الخطوة الأولى التي نطالب بها كل من السنة والشيعة معا، وسنطالب كلا الفريقين بالتوقف عن الإساءة للفريق الآخر، ووقف التنابذ، لأن هذا التنابذ جعل من الشعب الواحد أعداء، ولننظر لما يحدث في اليمن، وكذلك في العراق.
وأشار شيخ الأزهر إلى أن الفتيل السريع للانفجار هو يقوم على إحياء الفتنة بين السنة والشيعة، وهذا ما يحرص عليه أعداء الأمة، وهي سياسة الاستعمار التي تقوم على مبدأ «فرق تسد».
وقال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إن الاختلاف بيننا وبين إخواننا الشيعة هو اختلاف فكر ورأي وليست فرقة دين، ودليل ذلك ما ورد عن النبي «صلى الله عليه وسلم» في حديثه المعجز، الذي استشرف فيه المستقبل فحذرنا من مخاطر الانقسام التي قد تنبني على ذلك حين قال: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ» بمعنى نحسد بعض دولنا على بعض، ونحسد بعض شعوبنا على بعض، ثم قال: «وَهِيَ الْحَالِقَةُ، وَلَكِنْ حَالِقَةُ الدَّيْنِ»، ثم فسر قائلا: لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، فاستكمل: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثْبِتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بينكم»، بمعنى رسخوا السلام بينكم وعيشوا فيه معا.
وبيِن الإمام الطيب، أنه قد حدثت بعض الخلافات بين صحابة النبي «صلى الله عليه وسلم» ومن ذلك ما حدث على الخلافة، وقد قيل فيه «ما سل سيف في الإسلام مثلما سل على هذا الأمر»، كما اختلفوا في عهده «صلى الله عليه وسلم»، لكنهم لم يسلوا السيوف على أنفسهم، موضحا أن الخلاف بين السنة وإخوانهم الشيعة لم يكن خلافا حول الدين.
وأكد شيخ الأزهر، أن الأمة الإٍسلامية حاليا في أشد الحاجة إلى الوحدة في القوة والرأي لمجابهة تحديات العصر والانتصار على أعداء الأمة، فهناك كيانات عالمية اتحدت من دون وجود ما يوحدها، كما اتحدت دول الاتحاد الأوروبي، وغيرها، ليس لشيء سوى أنها رأت ذلك ضرورة من الضرورات الحياتية العملية، ونحن أولى منهم بذلك بكل ما بيننا من مشتركات.
وأضاف أن هذا اختلاف طبيعي في ذلك الوقت، خضع في تغليب أحدنا على الآخر لضرورات حياتية عملية فرضتها الظروف حينها، ولا يجب أن يكون هذا الاختلاف سببا في أن يكفر أحدنا الآخر، بل يجب فهم أن في هذا النوع من الاختلاف رحمة، فالصحابة رضوان الله عليهم قد اختلفوا، وقد أقر النبي «صلى الله عليه وسلم» اختلافهم، ولكن لم يكفر أحد أحدا من الصحابة، كما أننا نحن السنة لدينا الكثير من المسائل الخلافية، فلدينا المذهب الحنفي والمذهب الشافعي وغيرها من المذاهب، بكل ما بينها من أمور خلافية.
وتطرق فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الى أن مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي خصص جلسة نقاشية لاستعراض دور المرأة في تعزيز الحوار الإسلامي، مشيدا بما تم طرحه من المشاركات في المؤتمر من آراء ثاقبة، باعتبار أن للمرأة دورا مهما غرس هذه القيم في نفوس النشء، بما يمهد الأجواء الصحيحة في أن الجميع هو مسلم وله حق الاختلاف لكن في إطار النظرة الكلية الإسلامية.
وأوضح الطيب أن القرآن الكريم يمثل ركيزة أساسية للوحدة الإسلامية، نافيًا الادعاءات التي تروّج لها بعض الأصوات بأن الشيعة أو السنة لهم مصاحف مختلفة، واصفًا هذه الروايات بأنها «أكاذيب مفضوحة».
وأضاف أن المستشرقين فشلوا في إثبات وجود مصحف آخر، مثل «مصحف فاطمة عليها السلام» المزعوم، مؤكدًا أن البحث في مكتبات اليمن وغيرها لم يكشف إلا عن المصحف الواحد الذي يقرأه المسلمون كما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم.
وأشار إلى أن التوجيهات الدينية الإلهية تدعم هذه الوحدة، مستشهدًا بحديث البخاري: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله، فلا تخفروا الله في ذمته »، مضيفا إلى أن الحديث أشار إلى الصلاة والقبلة وأن يكون منخرطا في المجتمع وليس خارجا عليه، وأن من ينطبق عليه هذه الشروط له عهد وذمة علينا، أي أنه عقد اجتماعي لا بد على المجتمع أن يقبله، ولا يجب الخروج عليه ويصان ماله وعرضه وأهله وممتلكاته، موضحًا أن من يشترك في هذه الأصول يجب أن يُعامل كمسلم يُحفظ دمه وماله وعرضه.
وانتقد في الوقت نفسه الجماعات التي تتلقى دعمًا ماليًّا وعسكريًّا لتشويه الإسلام، مؤكدًا أن هذه الأفعال ليست نظرية مؤامرة بل «لعب مكشوف» يهدف إلى النيل من صورة الدين، داعيًا إلى مواجهتها بالوعي والحقائق.
وقال شيخ الأزهر إن أعداء الإسلام يقفون وراء عدم توحد المسلمين، وابحث عن أعداء المسلمين، لأنهم يدركون أن المسلمين إذا ما توحدوا سوف يقفون ضدهم، لذا يحاولون قدر إمكانهم وقدر مكرهم وغدرهم بأن يبقى المسلمون «شبه الغريق».
وشدد على أنه لن يخرجنا من هذا الوضع إلا الوحدة، بمعنى أن يكون لنا في مشكلاتنا الكبرى رأي واحد.
وبشأن دور الأزهر الشريف في تعزيز الحوار الإسلامي الإسلامي، أوضح فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أن الأزهر الشريف تنبه إلى خطورة الفرقة في العالم الإسلامي وكذلك علماء الشيعة من قم، حيث نبتت فكرة التقريب بين المذاهب داخل الأزهر الشريف، بداية مع الشيخ محمود شلتوت والمرجع الديني محمد تقي القمي، منذ عام 1949، من خلال دار مخصصة لهذا الشأن استمرت حتى 1957، وأصدرت 9 مجلدات تضم أكثر من 4 آلاف صفحة خلال هذه الفترة.
وتابع قائلا: إننا نحاول أن نعيد الوضع من الجديد على مصارحة وأخوة، وعلى أن يترك كل فريق للفريق الآخر مذهبه ونظريته في الإمامة والخلافة.
وشدد شيخ الأزهر على أنه لا يؤمن بوجود حرب بين السنة والشيعة في القديم، والاختلاف ليس من منظور الإمامة والخلافة، ولكن بشأن أحقية قيادة المسلمين في ذلك الوقت.
وأوضح أن البداية العلمية للمذاهب جاءت في نهاية القرن السابع وأوائل القرن الثامن الهجري، حينما كتب علامة شيعي في العراق كتابا بعنوان «منهاج الكرامة» ورد عليه «ابن تيمية» بكتاب «منهاج السنة النبوية» ومن ذلك بدأ الشقاق المذهبي، موضحا أن الشقاق المذهبي إذا ما خرج عن إطاره الشرعي والفكري يؤدي إلى الحروب.
جدير بالذكر أن مملكة البحرين استضافة النسخة الأولى من الحوار الإسلامي الإسلامي في فبراير الماضي برعاية سامية من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم وأكد البيان الختامي للمؤتمر أن «وحدة الأمة عهد وميثاق»، وأن «التفاهم والتعاون على تحقيق مقتضيات الأخوة الإسلامية واجبٌ متعينٌ على المسلمين جميعًا». مشيرًا إلى أن «الحوار الإسلامي المطلوب اليوم، والذي تحتاج اليه الأمة ليس حوارًا عقائديًّا ولا تقريبيًّا، بل هو حوار تفاهم بَنَّاء، يستوعب عناصر الوحدة الكثيرة، في مواجهة التحديات المشتركة، مع الالتزام بآداب الحوار وأخلاقه».
وحث المؤتمر على التعاون المشترك بين المرجعيات الدينية والعلمية والفكرية والإعلامية لمواجهة ثقافة الحقد والكراهية، مؤكدًا تجريم الإساءة واللعن بكل حزم من كل الطوائف. وأشار إلى أن التراث الفكري والثقافي في مدارس المسلمين جميعًا لا يخلو من أخطاء اجتهادية ينبغي أن تُتَجاوز، داعيًا إلى التزام الحكمة والجرأة في النقد الذاتي لبعض المقولات، وإعلان الأخطاء فيها؛ استئنافًا لما بدأه الأئمة السابقون، والعلماء المتبوعون من كافة المدارس الإسلامية.
وشدد على «ضرورة توحيد الجهود نحو قضايا الأمة الملحّة كدعم القضية الفلسطينية، ومقاومة الاحتلال، ومواجهة الفقر والتطرف؛ إذ حين يتكاتف المسلمون جميعًا باختلاف مدارسهم لدعم هذه القضايا عمليًّا، تذوب الخلافات الثانوية تلقائيًّا تحت مظلة «الأخوّة الإسلامية» التي أمر بها القرآن».
ودعا المؤتمر المؤسسات العلمية الإسلامية الكبرى الى إنجاز مشروع علمي شامل، يُحصي كافَّة قضايا الاتفاق بين المسلمين في العقيدة والشريعة والقِيَم، مؤكدًا أن هذا المشروع سيكون له الأثر الكبير في معرفة الأمة بنفسها، وإصلاح تصوُّر بعضها عن بعض، وتنمية ثقافتها الإسلامية المشتركة، وتعزيز دعوتها الإنسانية.
وأكد أن «الوحدة الإسلامية يجب أن تصير نظامًا مؤسسيًّا يبدأ من مناهج التعليم، ويمتد إلى خطب المساجد والإعلام»، داعيًا إلى أن تتحول «ثقافة التفاهم» إلى سياسات ملموسة في كتبٍ تُعلِّم فقه الاختلاف، ومنصاتٍ تقوض خطاب الكراهية، ومشاريع اجتماعية تنموية وحضارية مشتركة.
ونوه المؤتمر بدور المرأة في ترسيخ قيم الوحدة في الأمة، وتعزيز التفاهم بين أبنائها، سواء من خلال أدوارها داخل الأسرة، أو عبر حضورها العلمي والمجتمعي. كما دعا إلى وضع استراتيجية جديدة للحوار الإسلامي الإسلامي تأخذ بعين الاعتبار قضايا الشباب وطموحاتهم، وتعتمد على الوسائل الحديثة في التواصل ونقل المعرفة، بحيث يكون الخطاب الديني متفاعلًا مع واقعهم الرقمي والتكنولوجي، وأن يعكس رؤيتهم لمستقبل الإسلام في عالم متغير.
وأشار إلى أهمية تعزيز منصات الحوار الإسلامي بإنشاء لجان متخصصة تحت مظلة المؤسسات الدينية الكبرى؛ لرعاية الحوار بين الشباب المسلم من كافة المذاهب الإسلامية، وتنظيم مبادرات وبرامج شبابية للحوار، بما في ذلك الشباب المسلم في الغرب لربطه بتراثه الإسلامي، وتعزيز قيم التفاهم والعمل المشترك بين المذاهب الإسلامية، وتقديم نماذج إيجابية تعزز هويتهم الدينية، وإطلاق مبادرات علمية ومؤسسية للحوار بين المسلمين من كافة المذاهب، لإزالة الصور النمطية المتبادلة، ونزع أسباب التوتر بينهم، باعتبار ذلك الطريق الأمثل لتحسين صورة المسلمين، ومواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا.
وأوصى المؤتمر بإنشاء (رابطة الحوار الإسلامي) من قبل مجلس حكماء المسلمين للعمل فتح قنواتِ اتصالٍ لكل مكونات الأمة الإسلامية من دون إقصاءٍ، استمدادًا من الاصطلاح النبوي الشريف الذي يجعل أمة الإسلام أمة واحدة.
كما أطلق المؤتمر نداء بعنوان (نداء أهل القبلة)، داعيًا إلى صياغة خطاب دعوي من وحي هذا النداء تستنير به المدارس الإسلامية تحت شعار (أمة واحدة ومصير مشترك).
وفي السياق نفسه، أعلنت الأمانة العامة لمجلس حكماء المسلمين أنها ستتابع خطوات تشكيل لجنة مشتركة للحوار الإسلامي، والخطوات العملية اللازمة لتنفيذ مقررات هذا المؤتمر، وبدء التحضيرات بالتنسيق مع الأزهر الشريف، لتنظيم المؤتمر الثاني للحوار الإسلامي الإسلامي بالقاهرة تلبية لما أعلن عنه فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في كلمته بالمؤتمر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك