أكدت أبرار المغلق اختصاصية نفسية أن التربية الدينية ليست مجرد نقل للتعاليم العقائدية أو تلقينٍ للنصوص المقدسة، بل هي عملية نفسية عميقة تسهم في تشكيل شخصية الفرد وتوجيه سلوكه الاجتماعي فمن منظور علم النفس، تتكون القيم الدينية لدى الطفل عبر بيئته المباشرة، حيث يكون للتجربة والنموذج القدوة تأثير يفوق التعليم المباشر أو التقليدي. فالطفل لا يكتسب القيم الدينية من الأوامر والتعليمات فقط، بل من خلال المحاكاة ومعايشة المشاعر والسلوكيات التي يراها في أسرته ومحيطه.
وأضافت أن في حال قُدّمت التربية الدينية بأسلوب صارم يعتمد على التخويف والعقاب، فقد تتشكل لدى الطفل صورة سلبية عن الدين، مما يؤدي إلى اضطراب نفسي بين الامتثال الظاهري والرفض الداخلي. أما إذا غُرست القيم الدينية من خلال التشجيع، والتجربة الحياتية، وربطها بالمعاني الإنسانية كالرحمة والتسامح، فإن الطفل ينمو بروح متوازنة، يرى فيها الدين مصدرًا للطمأنينة والأمان النفسي، وليس مجرد منظومة صارمة من القواعد التي تسلبه حريته. فالتربية الدينية الناجحة هي التي تجعل الطفل يعيش القيم الدينية لا أن يحفظها فقط، حيث يتبناها عن اقتناع داخلي، وليس استجابةً لضغط خارجي.
وبينت أن الصوم ليس مجرد انقطاع عن الطعام والشراب، بل هو تجربة نفسية واجتماعية تهدف إلى تهذيب النفس وتعزيز الروابط الإنسانية. وهنا تبرز الأسرة باعتبارها المدرسة الأولى التي تغرس في الطفل معنى الصيام، ليس كواجب ديني فحسب، بل كقيمة حياتية تعكس مفاهيم إنسانية جوهرية مثل الصبر، والانضباط، والتضامن مع الآخرين، كما يتطلب غرس هذه القيمة في الطفل نهجًا تدريجيًا بسيطًا يتناسب مع مستوى إدراكه وطاقته الجسدية، بحيث يُفضل تعريفه بالصيام بشكل مرن قبل سن التكليف، مما يجعله يستكشف التجربة دون شعور بالإجبار، كما أن التهيئة العقلية للطفل تلعب دورًا أساسيًا، من خلال تقديم شرح واضح لمفهوم الصيام بأساليب محفزة، مثل القصص التربوية، أو النمذجة، أو الحوار الإيجابي، أو حتى إدماج اللعب كوسيلة تعليمية، مما يمنحه مساحة للتساؤل والفهم الذاتي.
فلو رأينا الأمر من منظور نفسي، فإنّ وعي الطفل يتشكل من خلال اللعب والتجربة والمعايشة أكثر من اعتماده على الأوامر المجردة. فعلى سبيل المثال، عندما يرى الطفل والديه يصومان برضا وسكينة، يبدأ في تكوين ارتباط شرطي إيجابي بالصيام، مدركًا أنه ليس مجرد حرمان جسدي، بل وسيلة للسمو الروحي. أما إذا ارتبط الصيام لديه بالتذمر والشكوى والغضب، فقد يتحول إلى عبء نفسي بدلاً من كونه تجربة روحانية تنمي شخصيته، كما لا يمكن إغفال دور التشجيع والثواب في تعزيز السلوك المرغوب، فالسلوك الذي يتم دعمه إيجابيًا يصبح أكثر ترسخًا. على سبيل المثال، عندما يُكافأ الطفل بطريقة غير مادية -مثل الإشادة بجهوده، أو منحه تجربة ممتعة بعد الإفطار- فإنه يربط الصيام بمشاعر إيجابية، مما يعزز دافعيته لممارسته برغبة داخلية بدلاً من الشعور بأنه التزام مفروض.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك