شركات التأمين تتحمل مسئولية غياب الوعي بأهمية التأمين على المنازل
2384 حريقا في المنازل بالمملكة خلال ثلاث سنوات.. أغلبها من دون تأمين
تشير إحصائيات الإدارة العامة للدفاع المدني، إلى أن الإدارة باشرت في العام الماضي (2024) 826 بلاغ حريق في المنشآت السكنية من المنازل والمباني متعددة الطوابق، وفي عام 2023 تم مباشرة 809 بلاغات حريق، فيما باشرت الإدارة 749 بلاغ حريق عام 2022. وهو ما يعني أنه خلال ثلاث سنوات تلقت الإدارة 2384 بلاغا يتعلق بالحرائق. وتنوعت الأسباب بين تماس كهربائي وارتفاع درجة الحرارة والإهمال وتسرب الغاز أو الوقود والضغط العالي.
هذه الأرقام التي تعكس خسائر لحقت بالمنازل تقتصر على الحرائق، وبالطبع فإن العدد يكون أكبر بكثير إذا ما أضفنا تلك الخسائر التي وقعت بسبب الأمطار أو السرقات وغيرها. والسؤال هنا: كم من هذه المنازل كان مؤمنا عليه؟!
للأسف، في الوقت الذي يعد التأمين على المنازل من أهم الأولويات لحفظ الممتلكات، وحماية العقارات والأصول، وهو في كثير من المجتمعات من الضروريات لا الكماليات، فإن هذه الثقافة مازالت شبه غائبة عن مجتمعاتنا. ومازالت فكرة التأمين على المنازل ضعيفة لدينا.
فخلال إعداد هذا الموضوع عمدنا إلى سؤال عدد من الأفراد من مختلف الفئات والطبقات، عما كانوا يمتلكون تأمينا على المنازل، والمفاجأة أن الجواب المجمع عليه كان (لا)، على الرغم من أن منازل بعضهم فخمة وفي أرقى المناطق والمدن الحديثة بالمملكة. وبسؤالهم عن الأسباب، تراوحت الإجابات بين: «لا حاجة لذلك حيث ننعم بالأمن والأمان»، «لا أستطيع تحمل تكلفة إضافية»، «الله هو الحافظ وعليه نتوكل وهذا أفضل تأمين»، «لم أفكر في ذلك وليس لدي معلومات عن التأمين على المنازل».
بيت العمر
ولكن من الممكن أن نتساءل أيضا، ما أهمية التأمين على المنازل في مجتمع ينعم بالأمن الى حد كبير، وليس مهددا بكوارث طبيعية؟ ألا تتحمل شركات التأمين نفسها مسؤولية في غياب هذه الثقافة؟ ما المنتجات التأمينية المتوفرة في البحرين للمنازل؟ ثم.. هل تأمين المنازل مكلف كما يتصور البعض؟ أم أنه وكما أكد لنا أحد المختصين بالتأمين أرخص بكثير على اعتبار أن نسبة التأمين على البيت هي في الغالب 1 على الألف، في حين أن النسبة المحتسبة للسيارة أعلى بكثير وتصل إلى 2.5% من قيمة السيارة.
تساؤلات ناقشناها مع مسؤولين في بعض شركات التأمين، والبداية مع ياسمين أميري، رئيس قسم الاكتتاب الفني في سوليدرتي البحرين، لنسألها بداية عن أهمية التأمين على العقارات في البحرين بشكل عام. وهذا ما تعلق عليه بقولها:
** لكي نجيب عن هذا السؤال، علينا أن نطرح سؤالا آخر، وهو ما أهمية العقار بالنسبة إلى أي شخص؟ فكما نعلم أن الفرد يعمل سنوات طويلة ويسعى جاهدا إلى توفير مبلغ من المال يمكِّنه من امتلاك منزل للعائلة، وهو بيت العمر كما نسميه. وهذا ما يعني أن توفير المنزل يمثل حصيلة جهد وعمل وادخار سنوات طوال. والسؤال هنا: ألا يستحق المنزل بعد هذا العناء أن توفر له غطاء تأمينيا مناسبا يضمن لك سلامته والتعويض المناسب لو حدث مكروه لا قدر الله؟!
ثم إن رب الأسرة يعمل على تأمين كثير من الأمور المتعلقة بأسرته بما في ذلك مستقبل الأبناء والدراسة وضمان العيش الكريم لهم وحمايتهم من أي مخاطر. ولكن عندما ننظر إلى ما يمكن اعتباره أغلى الأصول التي يمتلكها أي شخص وهو المنزل، يتردد في التأمين عليه!. ولو لا قدر الله حدث أي ظرف أو حادث، فسيجد نفسه في وضع يصعب فيه تعويض الخسارة، وقد يفقد حصيلة ما عمل من أجله سنوات طوال. لذلك نقول دائما إن التأمين هو تحويل المخاطر والخسائر المحتملة إلى شركة مختصة تتحمل المسؤولية. ويكون لدى الشركة محفظة تعوض من خلالها الخسائر.
أضف إلى ذلك أن التأمين ينعكس إيجابا على نفسية الفرد ويوفر له راحة البال والاستقرار النفسي والاطمئنان على بيت العمر، نتيجة ثقته بأن أي حادث لا قدر الله سيتم تعويضه مباشرة.
* ولكن عندما ننظر إلى طبيعة الوضع في البحرين مثلا، لا نعاني من كوارث طبيعية كبيرة أو نسبة جرائم عالية مقارنة بكثير من المجتمعات الأخرى، فما الحاجة إذن إلى مثل هذا التأمين؟
** أبدا، لا يقلل ذلك من أهمية التأمين على المنازل تحديدا. فالحوادث والمشكلات قد تحدث في أي وقت. وليس بالضرورة أن تكون كارثة طبيعية. انظر إلى ما حدث في العام الماضي مثلا وتحديدا في أبريل عندما هطلت الأمطار بمنسوبات عالية جدا من دون سابق إنذار. كم عدد المنازل التي تضررت؟ لذلك وعلى الرغم من أننا ولله الحمد ننعم بالأمن والأمان، ولا نعاني من تهديدات بيئية مستمرة، إلا أنه لو وقع حادث واحد فإنه كما ذكرت كفيل بأن يجعل الفرد يخسر الكثير في بيت العمر. ودائما نقول إن الاحتياط أفضل من الوقوع في المشكلة ثم محاولة إصلاحها. وللأسف كثيرا ما نفكر في الحلول بعد وقوع الأزمة والمشكلة، ولا نحتاط لها مسبقا.
لذلك عندما هطلت الأمطار في العام الماضي مثلا، تعاملنا في شركة سوليدرتي مع حالات كثيرة جدا تعرضت لتلفيات في المنازل، وكانت أشبه بحالة طوارئ لدى فريق العمل لتقييم الأضرار والتعويضات. وبنفس الوقت لمسنا ارتفاعا في نسبة الإقبال على التأمين على المنازل بعد تلك الأمطار، خاصة مع الحملات التوعوية التي نفذناها.
واللافت هنا أن الأمطار هطلت على فترتين في أبريل ومايو، وبعد الأضرار التي لحقت ببعض المنازل في الفترة الأولى، بادر البعض إلى التأمين على منازلهم، وعندما هطلت الأمطار في الفترة الثانية استفادوا من هذا التأمين بعد أن لحقت بمنازلهم أضرار متفاوتة.
كما أننا نلمس توجهات إيجابية في هذا الجانب. فمثلا نجد أن الكثير من المواطنين يشترون منازلهم من خلال تمويل بنكي، وهنا يكون التأمين إجباريا من قبل البنوك، وهذا ما يجعل عددا كبيرا من المنازل مؤمنة.
وهناك الكثير من الأشخاص يبادرون من أنفسهم لتأمين منازلهم. بل يمكنني التأكيد أن التأمين على المنازل هو ثاني أعلى تأمين على الممتلكات بعد التأمين على المركبات. وهناك وعي تراكمي متزايد حول أهمية التأمين.
ولكن إجمالا يمكن القول إنه للأسف يبقى دون المستوى المطلوب ودون المعدل الدولي.
* أين المشكلة تحديدا؟
** أتوقع أنها تكمن في الوعي بأهمية هذا التأمين أكثر من أي عامل آخر، خاصة إذا ما علمنا أن التأمين على المنازل أرخص بكثير من أي تأمين آخر، وبالتالي فإن الجانب المادي لا يمثل عائقا.
أضف إلى ذلك أن التأمين على المركبات إجباري، في حين أن التأمين على المنازل اختياري، ولا يفكر فيه الكثيرون إلا إذا ما وقعت المشكلة. والبعض يفكر بمنطق: لماذا أؤمن على بيتي؟ لا توجد مخاطر أو تهديدات حقيقية، والله هو الحافظ.
وإلى جانب ذلك، أنك عندما تشتري التأمين فإنك لا تحصل على سلعة ملموسة تستفيد منها فورا. وإنما هي خدمات تقدم عند الحاجة.
* ألا تتحمل شركات التأمين مسؤولية غياب مثل هذا الوعي؟
** الشركات تتحمل مسؤولية كبيرة في التوعية، ولكن بالمقابل هذا الأمر يتطلب أكثر من تلك الجهود لأنه يرتبط بثقافة مجتمعية. فمثلا نجد أن ثقافة التأمين سائدة في المجتمعات الغربية على الرغم من أنها اختيارية. وهذه الثقافة لا تزال محدودة لدينا. لذلك في تصوري أن الأمر يتطلب أكثر من مجرد حملات إعلانية، ويبدأ في غرس هذه الثقافة في السنوات التعليمية الأولى للنشء، وهذا ما يجعل الفرد مقتنعا بأهمية التأمين منذ صغره وتصبح جزءا من ثقافته الشخصية. وهذا أفضل من محاولة إقناعه في الكبر أو اضطراره إلى التأمين عند تعرضه لمشكلة.
ولكن كما أشرت، تتحمل شركات التأمين دورا كبيرا في هذا الجانب، وهو ما نسعى إلى أن نقوم به في شركة سوليدرتي من خلال حملات توعوية ننظمها بشكل دوري وفي جميع مناطق البحرين وعبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا. وإدارة الشركة تركز على هذا الجانب بشكل مكثف، بل بات أحد أسس استراتيجية الشركة.
* أشرتِ قبل قليل إلى أن تكلفة التأمين على المنازل أقل من باقي المنتجات التأمينية، كيف ذلك؟
** نعم، كثير من الأفراد يعتمدون على المقارنة ويعتقدون أن التأمين على المنازل أعلى بكثير، وهذا أمر غير واقعي تماما. فعندما تؤمن على منزل قيمته 80-100 ألف دينار، فإن القسط السنوي يبدأ من 30 دينارا فقط. وبالطبع كلما زادت الخدمات والتغطية وسعر المنزل، يزيد القسط، ولكنه يبقى أقل بكثير من الكثير من المنتجات التأمينية الأخرى. وبالتالي ألا يستحق بيت العمر أن تدفع له هذا المبلغ البسيط كي تضمن التعويض المناسب لو حدث له أي مكروه لا قدر الله؟، خاصة أن عقود التأمين في البحرين تشمل الكثير من الخدمات والتغطيات.
درع يمنح الأمان
هذا الموضوع ناقشناه أيضا مع الرئيس التنفيذي للاكتتاب - التكافل العام في شركة التكافل الدولية، فجر عبدالعزيز، والتي تؤكد في مقدمة حديثها أن التأمين على الممتلكات يعد عنصرًا أساسيًا في حماية أصحاب المنازل من الخسائر المالية غير المتوقعة التي قد تنشأ نتيجة لحوادث مختلفة، مثل الحرائق وأضرار المياه والسرقة والكوارث الطبيعية وغيرها من الأحداث غير المتوقعة. فمن خلال توفير تغطية مالية شاملة، يسهم التأمين على الممتلكات في تخفيف الأعباء المالية المترتبة على الأفراد، مما يضمن عدم اضطرارهم إلى تحمل التكاليف الباهظة المرتبطة بإصلاح أو استبدال ممتلكاتهم المتضررة.
إلى جانب ذلك، يوفر هذا النوع من التأمين مستوى عاليا من الأمان والاستقرار المالي، مما يتيح لأصحاب المنازل الشعور بالطمأنينة والثقة في قدرتهم على مواجهة أي ظرف طارئ دون المساس باستقرارهم الاقتصادي. كما أنه يحمي أحد أهم الأصول التي يمتلكها الأفراد، وهو المنزل، الذي يمثل استثمارًا طويل الأجل وقيمة جوهرية في حياتهم.
* ولكن ما مدى الحاجة إلى مثل هذا التأمين في البحرين مع عدم وجود تهديدات فعلية تتعلق بالمناخ أو انتشار الجرائم مثلا؟
** في حين أن مملكة البحرين قد لا تواجه ظروفًا جوية قاسية أو معدلات جرائم مرتفعة، إلا أن المخاطر المحتملة لا تزال قائمة، مثل الحرائق، والأضرار العرضية، وتسربات المياه الداخلية. كما أن بعض العوامل الأخرى، مثل الدوائر الكهربائية القصيرة، وتسربات الغاز، والتآكل الطبيعي، قد تؤدي إلى أضرار غير متوقعة يمكن أن تؤثر في سلامة الممتلكات وقيمتها.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت السنوات الأخيرة هطول أمطار غزيرة غير متوقعة، تسببت في أضرار مائية طالت العديد من المنازل والممتلكات. وبالتالي يمثل التأمين درعًا ماليًا يمنح الأمان والاستقرار، مما يتيح للأفراد الحفاظ على ممتلكاتهم دون القلق من الأعباء المالية غير المتوقعة.
* ما المنتجات التأمينية المتوفرة في البحرين بشأن العقارات؟
** يتوفر عديد من المنتجات التأمينية المصممة لحماية العقارات من المخاطر المحتملة، وتعد شركة التكافل الدولية من أبرز الشركات التي تقدم حلولًا تأمينية متوافقة مع أسس الشريعة الإسلامية الغراء، وتشمل منتجات التأمين التي تقدمها الشركة تأمين المنازل، المعروف بتأمين الحريق والمخاطر الإضافية، والذي يغطي الأضرار الناجمة عن الحريق، الصواعق، الانفجارات، العواصف، الأعاصير، الفيضانات، تسرب المياه، الاصطدام، إضافةً إلى الأضرار العرضية لبعض الأدوات المنزلية مثل التلفزيون أو الأدوات الصحية، فضلاً عن المسؤولية تجاه الغير.
كما توفر الشركة تغطية التأمين ضد الحريق مع الأخطار الخاصة والسرقة، والتي تشمل الحماية ضد السرقة المصحوبة بالدخول أو الخروج القسري من المبنى. وبالإضافة إلى ذلك، تتيح التكافل الدولية خيارات تغطية السكن البديل، لتعويض تكاليف الإقامة البديلة إذا أصبح المسكن غير صالح للسكن بسبب حادث مغطى، وكذلك تغطية خسارة الإيجار لتعويض المالك في حال فقدان الإيجار بسبب الحادث. كما توفر الشركة تغطيات إضافية تشمل الحماية ضد أعمال الشغب والتخريب، وخدمة الطوارئ للمنازل. وتشمل التغطيات أيضًا التأمين ضد المسؤولية العامة، والذي يحمي الأفراد وملاك العقارات من المسؤولية القانونية عن الإصابات الجسدية أو الأضرار التي قد تلحق بممتلكات الغير نتيجة الإهمال.
* لا يمكن أن ننكر أن ثقافة التأمين على المنازل لا تزال دون المستوى المطلوب في البحرين، ألا تعتقدون أن شركات التأمين تتحمل مسؤولية غياب مثل هذا الوعي؟ خاصة وأنه حتى التقارير السنوية للتأمين تخلو في الغالب من بيانات التأمين على العقارات؟
** في الواقع حققت البحرين تقدماً ملحوظاً في مجال نشر الوعي بأهمية التأمين. ولعبت كل من جمعية التأمين البحرينية والشركات الخاصة دوراً ريادياً في المبادرات الهادفة إلى تثقيف الجمهور حول منتجات التأمين وفوائدها الجوهرية.
وفي شركة التكافل الدولية، لا يقتصر نهجنا على مجرد تقديم المعلومات الشفافة والدقيقة عبر القنوات الرقمية، بل نؤمن إيماناً راسخاً بأهمية بناء علاقة تواصل فعالة ثنائية الاتجاه مع عملائنا. كما قامت الشركة بتنظيم أول منتدى للتأمين المستدام في ديسمبر 2023 بالتعاون مع بنك البحرين المركزي ومعهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية. وكلها جهود تصب في صالح التوعية الشاملة.
أما بالنسبة إلى التقارير، فقد يرجع غياب بيانات التأمين على العقارات في التقارير السنوية في الغالب إلى منهجية التصنيف المعتمدة في إعداد هذه التقارير، حيث يتم إدراج تأمين العقارات ضمن فئات أوسع مثل تأمين الحريق أو تأمين الممتلكات، مما قد يجعل من الصعب فصل بيانات تأمين المنازل أو العقارات بشكل مستقل. ومع ذلك، ندرك أهمية توفر بيانات أكثر تفصيلاً حول تأمين العقارات، ونعمل مع الجهات ذات العلاقة على تحسين آليات جمع البيانات وتصنيفها لتقديم صورة أوضح عن هذا القطاع.
* يعتقد الكثيرون أن التأمين على المنازل مكلف، فيما تؤكد شركات التأمين أنه ربما أرخص من التأمين على المركبات. ما رأيكم بذلك؟
** هذه من المفاهيم الخاطئة الشائعة. ففي الواقع، يعد تأمين المنازل ميسورَ التكلفة مقارنةً بتأمين السيارات، حيث قد يكون القسط السنوي لوثيقة تأمين المنازل الأساسية أقل بكثير من تكلفة تأمين المركبات، خاصةً وأن المطالبات المتعلقة بالممتلكات تكون عادةً أقل تكرارًا من مطالبات التأمين على السيارات.
على سبيل المثال، يمكن لمالك المنزل الحصول على تغطية تأمينية مقابل جزء بسيط من قيمة ممتلكاته، في حين أن أقساط تأمين السيارات تكون غالبًا أعلى نظرًا للمخاطر المرتبطة بالطرق وكثرة الحوادث. لهذا، نشجع دائمًا العملاء المحتملين على استكشاف خياراتهم ومقارنة التكاليف، حيث قد يفاجأون بمدى سهولة الحصول على تأمين المنازل وفعاليته من حيث التكلفة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك