العدد : ١٧١٤٤ - السبت ٠١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٤٤ - السبت ٠١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ رمضان ١٤٤٦هـ

الاسلامي

حرية التفكير في الإسلام.. ومساوئ إلزام الناس بالرأي الواحد

الجمعة ٠٣ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

لقد‭ ‬فطر‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬الناسَ‭ ‬على‭ ‬فُهُومٍ‭ ‬مختلفة،‭ ‬وجعل‭ ‬بينهم‭ ‬تفاوتا‭ ‬في‭ ‬استيعاب‭ ‬الأمور،‭ ‬وتقديرات‭ ‬المواقف،‭ ‬وقد‭ ‬مضت‭ ‬سنته‭ ‬سبحانه‭ ‬في‭ ‬خلقه،‭ ‬أنهم‭ ‬يختلفون،‭ ‬ويحصل‭ ‬التنوع‭ ‬بينهم،‭ ‬ويكون‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬منهم‭ ‬رؤيته،‭ ‬وفهمه‭ ‬للأحداث،‭ ‬ولا‭ ‬عيب‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬تكامل‭ ‬مطلوب‭ ‬لتسير‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الأرض‭.‬

ولما‭ ‬نزلت‭ ‬شريعة‭ ‬الله‭ ‬للناس‭ ‬أقرت‭ ‬هذا‭ ‬الاختلاف،‭ ‬وأعطت‭ ‬مساحة‭ ‬للناس‭ ‬تسمح‭ ‬بالخلاف‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬يسوغ‭ ‬فيها‭ ‬الخلاف،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نُدرك‭ ‬حكمة‭ ‬الشارع‭ ‬إذ‭ ‬اعترف‭ ‬باختلاف‭ ‬البيئات،‭ ‬وتنوع‭ ‬البشر‭ ‬فأعطاهم‭ ‬حرية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الضوابط‭ ‬الشرعية‭ ‬للخلاف‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬نصوص‭ ‬محددة،‭ ‬وقد‭ ‬عَزز‭ ‬ذلك‭ ‬الشارع‭ ‬الحكيم‭ ‬بتعدد‭ ‬قراءات‭ ‬القرآن‭ ‬تيسيراً‭ ‬ورحمة،‭ ‬وفهم‭ ‬الصحابة‭ ‬لأمر‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يصلين‭ ‬أحد‭ ‬العصر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬بني‭ ‬قريظة‮»‬‭) ‬رواه‭ ‬البخاري‭)‬؛‭ ‬قال النووي‭: ‬وأما‭ ‬اختلاف‭ ‬الصحابة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ ‬في‭ ‬المبادرة‭ ‬بالصلاة‭ ‬عند‭ ‬ضيق‭ ‬وقتها‭ ‬وتأخيرها‭ ‬فسببه‭ ‬أن‭ ‬أدلة‭ ‬الشرع‭ ‬تعارضت‭ ‬عندهم‭ ‬بأن‭ ‬الصلاة‭ ‬مأمور‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الوقت،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬المفهوم‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭): ‬لا‭ ‬يصلين‭ ‬أحد‭ ‬الظهر‭ ‬أو‭ ‬العصر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬بني‭ ‬قريظة‭ ‬المبادرة‭ ‬بالذهاب‭ ‬إليهم،‭ ‬وألا‭ ‬يشتغل‭ ‬عنه‭ ‬بشيء،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تأخير‭ ‬الصلاة‭ ‬مقصود‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬تأخير،‭ ‬فأخذ‭ ‬بعض‭ ‬الصحابة‭ ‬بهذا‭ ‬المفهوم‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬المعنى‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬اللفظ،‭ ‬فصلوا‭ ‬حين‭ ‬خافوا‭ ‬فوت‭ ‬الوقت،‭ ‬وأخذ‭ ‬آخرون‭ ‬بظاهر‭ ‬اللفظ‭ ‬وحقيقته‭ ‬فأخروها،‭ ‬ولم‭ ‬يعنف‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬الفريقين‭ ‬لأنهم‭ ‬مجتهدون‭.‬

وعلى‭ ‬هذا‭ ‬النسق‭ ‬قامت‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية‭ ‬فكل‭ ‬مذهب‭ ‬اعتمد‭ ‬نصوص‭ ‬الوحيين‭ ‬في‭ ‬قواعده‭ ‬وأسسه،‭ ‬لكن‭ ‬الخلاف‭ ‬يرد‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬هذه‭ ‬النصوص،‭ ‬وتقديم‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬حسب‭ ‬الصحة،‭ ‬وما‭ ‬يتبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬نسخ،‭ ‬وعمل‭ ‬وتنزيل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭.‬

ومن‭ ‬العجيب‭ ‬أنه‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬عصورنا‭ ‬المتأخرة‭ ‬جماعات‭ ‬إسلامية‭ ‬اعتمدت‭ ‬الرأي‭ ‬الواحد،‭ ‬وأذابت‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬الجماعة،‭ ‬واعتمدت‭ ‬خطاً‭ ‬متطرفا‭ ‬يلغي‭ ‬المخالف‭.‬

بل‭ ‬شذ‭ ‬بعض‭ ‬أبناء‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬ليطعنوا‭ ‬في‭ ‬رجال‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬القدح‭ ‬المعلى‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الإسلام‭ ‬وتفقيه‭ ‬الناس،‭ ‬فإنك‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬زماننا‭ ‬من‭ ‬يسفه‭ ‬الإمام‭ ‬الأعظم‭ ‬أبا‭ ‬حنيفة،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬استطال‭ ‬في‭ ‬السفه‭ ‬فأصبح‭ ‬يرمي‭ ‬أئمة‭ ‬الإسلام‭ ‬بكل‭ ‬نقيصة،‭ ‬فلم‭ ‬يسلم‭ ‬منهم‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬النووي‭ ‬وابن‭ ‬حجر‭ ‬والسيوطي‭ ‬وغيرهم‭.‬

هؤلاء‭ ‬تلقوا‭ ‬من‭ ‬رؤوسهم،‭ ‬ومن‭ ‬المطالعات‭ ‬الحرة‭ ‬أفكارا‭ ‬واتجاهات‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬إلا‭ ‬الرأي‭ ‬الواحد،‭ ‬واعتبروا‭ ‬أن‭ ‬كلّ‭ ‬مخالف‭ ‬لهم‭ ‬على‭ ‬الخطأ،‭ ‬وهذا‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬انتشار‭ ‬التطرف‭ ‬والغلو‭!‬

وما‭ ‬علم‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬المخالفة‭ ‬أو‭ ‬الموافقة‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬لا‭ ‬تمحو‭ ‬حقاً‭ ‬ولا‭ ‬تثبت‭ ‬باطلاً‭.‬

وبالنظر‭ ‬الأوسع‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬البشرية‭ ‬اليوم‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬التفرد‭ ‬وإلغاء‭ ‬الآخر‭ ‬ومحو‭ ‬هويته‭ ‬مآله‭ ‬الفشل‭ ‬والتخلف،‭ ‬بخلاف‭ ‬النظم‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬التنوع‭ ‬السياسي،‭ ‬والجغرافي،‭ ‬والتاريخي؛‭ ‬في‭ ‬العادات،‭ ‬والتقاليد‭.‬

وما‭ ‬يعنينا‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬الإسلامي‭ ‬أننا‭ ‬ذقنا‭ ‬مرارة‭ ‬التفرد،‭ ‬والرأي‭ ‬الواحد،‭ ‬فكانت‭ ‬النتائج‭ ‬تشتيت‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وظهور‭ ‬التطرف‭ ‬الفكري‭ ‬الرافض‭ ‬للآخر‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬المنطلقات‭ ‬واحدة،‭ ‬والخلاف‭ ‬يسيراً،‭ ‬بل‭ ‬ظاهرياً‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحايين‭.‬

تقول‭ ‬الكاتبة‭ ‬بشرى‭ ‬كنوز‭: ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬الحاد‭ ‬والاستقطاب‭ ‬المرضي،‭ ‬أصبحت‭ ‬السمة‭ ‬السائدة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والمدن،‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والمعارف،‭ ‬الجميع‭ ‬أصبح‭ ‬يمارس‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الرذيلة‭ ‬الحوارية،‭ ‬ليصبحوا‭ ‬مجرد‭ ‬قوافل‭ ‬ردود‭ ‬وقذف‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتحرك‭ ‬لمجرد‭ ‬خلاف‭ ‬في‭ ‬الرأي‭.‬

وهم‭ ‬بردودهم‭ ‬النمطية‭ ‬قد‭ ‬تعدوا‭ ‬على‭ ‬المنطق‭ ‬السليم،‭ ‬وابتعدوا‭ ‬عن‭ ‬الحوار‭ ‬بمفهومه‭ ‬ومضمونه‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬تمنيناه‭ ‬كثيرا،‭ ‬وبفضل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأصفر‭ ‬الكاذب‭ ‬والطابور‭ ‬الخامس‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬همٌ‭ ‬لهم‭ ‬إلا‭ ‬خلق‭ ‬الفتن‭ ‬والاحقاد‭ ‬والنخب‭ ‬منزوعة‭ ‬الضمير‭ ‬ساد‭ ‬المجتمع‭ ‬مناخ‭ ‬من‭ ‬الخصومة‭ ‬المريرة‭ ‬والعداء‭ ‬والكراهية‭ ‬الممسوسة‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا‭.‬

هذا‭ ‬النوع‭ ‬التفردي‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬وفق‭ ‬نهج‭ ‬‮«‬ما‭ ‬أريكم‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬أرى‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬البشرية‭ ‬أبداً‭ ‬بل‭ ‬الناس‭ ‬أوجدهم‭ ‬ربهم‭ ‬لهم‭ ‬تطلعات،‭ ‬وبيئات؛‭ ‬تحكم‭ ‬تصرفاتهم،‭ ‬وطرق‭ ‬تفكيرهم،‭ ‬فالأولى‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬الناسُ‭ ‬لبعضهم‭ ‬مساحات‭ ‬التنوع‭ ‬والخلاف،‭ ‬حتى‭ ‬تتلاقح‭ ‬الثقافات،‭ ‬ويتم‭ ‬تبادل‭ ‬الخبرات،‭ ‬وتكون‭ ‬الحكمة‭ ‬ضالة‭ ‬الناس،‭ ‬مَن‭ ‬وجدها‭ ‬هُدي‭ ‬بها،‭ ‬وساعتها‭ ‬ستجد‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬ظلال‭ ‬الإسلام‭ ‬غايتها،‭ ‬وتفيء‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يُوافق‭ ‬فطرتها،‭ ‬ويُسعد‭ ‬سيرها‭ ‬وعيشها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.‬

فأعقل‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬إلى‭ ‬عقله‭ ‬عقول‭ ‬الناس،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬العقول‭ ‬كالمصابيح‭ ‬إذا‭ ‬اجتمعت‭ ‬ازداد‭ ‬النور،‭ ‬ووضح‭ ‬السبيل؛‭ ‬ولأن‭ ‬لكل‭ ‬عقل‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬التفكير،‭ ‬وبعداً‭ ‬خاصاً،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الفرد‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الآراء‭ ‬والنقاشات‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الكاتبة‭ ‬بشرى‭ ‬كنوز‭.‬

ولقد‭ ‬أصدر‭ ‬الكاتب‭ ‬الكبير‭ ‬عباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد‭ ‬كتابا‭ ‬شهيرا‭ ‬لتأكيد‭ ‬حرية‭ ‬التفكير‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬التفكير‭ ‬فريضة‭ ‬إسلامية‮»‬‭.‬

إذن‭ ‬خلاف‭ ‬الرأي‭ ‬ظاهرة‭ ‬إنسانية،‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الإيجابيات،‭ ‬أضعاف‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬السلبيات،‭ ‬لو‭ ‬فُهمت‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الصحيح،‭ ‬لكانت‭ ‬مدعاة‭ ‬للإثراء،‭ ‬والتنوع،‭ ‬والتجانس‭ ‬بين‭ ‬بني‭ ‬البشر،‭ ‬فمشيئة‭ ‬الله‭ ‬اقتضت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التنوع‭ ‬صفة‭ ‬ملازمة‭ ‬لوجود‭ ‬البشر،‭ ‬وأن‭ ‬الخلاف‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬يجلب‭ ‬التوسع،‭ ‬والتيسير‭ ‬للإنسان‭ ‬حتى‭ ‬يسلك‭ ‬مناكب‭ ‬الأرض‭ ‬معمراً‭ ‬لها،‭ ‬ومستخلفاً‭ ‬فيها‭ ‬بالخير‭ ‬ونشر‭ ‬الوئام‭ ‬والسلام‭.‬

ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬الإسلام‭ ‬عند‭ ‬حدّ‭ ‬إعطاء‭ ‬حق‭ ‬الاجتهاد‭ ‬والبحث‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬أغرى‭ ‬بذلك‭ ‬إغراء‭ ‬وشجّع‭ ‬عليه‭ ‬تشجيعاً،‭ ‬وحسبنا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬حديث‭ ‬الصحيحين‭ ‬عن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬صلّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عليه‭ ‬وسلّم‭ ‬قال‭: ‬إذا‭ ‬حكم‭ ‬الحاكم‭ ‬فاجتهد‭ ‬ثم‭ ‬أصاب‭ ‬فله‭ ‬أجران‭ ‬وإذا‭ ‬حكم‭ ‬فاجتهد‭ ‬ثم‭ ‬أخطأ‭ ‬فله‭ ‬أجر‭.‬

والحديث‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بإباحة‭ ‬الاجتهاد‭ - ‬وهو‭ ‬اجتهاد‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬وأحكامه،‭ ‬وفيه‭ ‬من‭ ‬الخطورة‭ ‬والحرج‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُخفَى‭- ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬بتقرير‭ ‬الأجر‭ ‬للمجتهد‭ ‬المصيب،‭ ‬بل‭ ‬قرّر‭ ‬الأجر‭ ‬للمجتهد‭ ‬المخطئ‭ ‬أيضاً‭. ‬وهذا‭ ‬معناه‭ ‬ألاّ‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬المجتهد‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬حرج‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬معرَّض‭ ‬للخطأ‭.‬

بل‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬خطئه‭ ‬معذور‭ ‬وعلى‭ ‬اجتهاده‭ ‬مأجور،‭ ‬ويتضاعف‭ ‬الأجر‭ ‬بإدراك‭ ‬الصواب،‭ ‬تشجيعاً‭ ‬على‭ ‬تحريه‭ ‬والحرص‭ ‬عليه؛‭ ‬ولذلك‭ ‬ظلّ‭ ‬المسلمون‭ ‬منذ‭ ‬عصر‭ ‬الصحابة‭ -‬بل‭ ‬منذ‭ ‬العصر‭ ‬النبوي‭- ‬يجتهدون‭ ‬ويختلفون،‭ ‬ويصيبون‭ ‬ويخطئون،‭ ‬ويردّ‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬بعض،‭ ‬ويخطّئ‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضاً،‭ ‬ويعذر‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضاً،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬التعصّب‭ ‬والجمود‭.‬

سار‭ ‬عهد‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدون‭ ‬على‭ ‬سنن‭ ‬العهد‭ ‬النبوي‭ ‬وهديه،‭ ‬فكان‭ ‬الخلفاء‭ ‬العظام‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ ‬تجسيداً‭ ‬آخر‭ ‬لحرية‭ ‬القول‭ ‬والتعبير‭ ‬وحرية‭ ‬الاختلاف‭ ‬والمراجعة،‭ ‬ورحى‭ ‬النقد‭ ‬والمراجعة‭.‬

ولقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬أبوبكر‭ ‬الصديق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬مبايعته‭ ‬خليفة‭ ‬لرسول‭ ‬الله‭ ‬صلّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عليه‭ ‬وسلّم‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬خطبته‭ ‬الشهيرة‭: ‬‮«‬فإنّ‭ ‬أحسنتُ‭ ‬فأعينوني‭ ‬وإن‭ ‬أسأت‭ ‬فقوموني‮»‬‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا