العدد : ١٧٠٥٤ - الأحد ٠١ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٤ - الأحد ٠١ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

خطاب شامل لفضيلة شيخ الأزهر عن أخلاقيات الإسلام..

الجمعة ٠١ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

أخلاق النبوة ومنهاج الإسلام في الرحمة والتعايش والعدل مع الآخرين


أكد‭ ‬فضيلة‭ ‬الإمام‭ ‬الأكبر‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬الطيب،‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف،‭ ‬أن‭ ‬المتأمل‭ ‬في‭ ‬صفات‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬؛‭ ‬يحار‭ ‬فلا‭ ‬يدري‭ ‬بأيها‭ ‬يبدأ‭ ‬ولا‭ ‬بأيها‭ ‬يختم،‭ ‬ولا‭ ‬ماذا‭ ‬يأخذ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوابل‭ ‬الصيب‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬الجمال‭ ‬وصفات‭ ‬الجلال،‭ ‬ولا‭ ‬ماذا‭ ‬يدع‮…‬‭ ‬وكيف‭ ‬لا‭! ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬الله‭ ‬سعة‭ ‬أخلاقه‭ ‬الشريفة‭ ‬بوصف‭ ‬العظم،‭ ‬فقال‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭: (‬وإنك‭ ‬لعلى‭ ‬خلق‭ ‬عظيم‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬وصفته‭ ‬أخبر‭ ‬الناس‭ ‬به،‭ ‬زوجه‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬‭ ‬حين‭ ‬سئلت‭ ‬عن‭ ‬أخلاقه،‭ ‬فقالت‭: ‬‮«‬كان‭ ‬خلقه‭ ‬القرآن‮»‬،‭ ‬مبينا‭ ‬أنها‭ -‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليها‭- ‬قد‭ ‬أدركت‭ ‬الأفق‭ ‬المتعالي‭ ‬لهذا‭ ‬الخلق‭ ‬النبوي،‭ ‬وصعوبة‭ ‬بيانه‭ ‬للناس‭: ‬عدا‭ ‬وحصرا‭ ‬واستقصاء،‭ ‬فأحالت‭ ‬البيان‭ ‬إلى‭ ‬أخلاق‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وما‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬أخلاقه‭ -‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭- ‬من‭ ‬تطابق‭ ‬وتماثل،‭ ‬وبما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الخلق‭ ‬القرآني‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬له‭ ‬نهاية‭ ‬في‭ ‬حسنه‭ ‬وكماله،‭ ‬فكذلك‭ ‬‮«‬الخلق‭ ‬المحمدي‮»‬‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لحسنه‭ ‬وكماله،‭ ‬ولا‭ ‬حدود‭ ‬لسعته‭ ‬واستيعابه‭ ‬العالمين‭ ‬بأسرهم‭.‬

وأوضح‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬خلال‭ ‬كلمته‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬بمناسبة‭ ‬الاحتفال‭ ‬بذكرى‭ ‬المولد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬والمنعقد‭ ‬بمركز‭ ‬المنارة‭ ‬للمؤتمرات‭ ‬الدولية‭ ‬بالتجمع‭ ‬الخامس،‭ ‬وتنظمه‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬بحضور‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسي،‭ ‬رئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية،‭ ‬أن‭ ‬المطابقة‭ ‬بين‭ ‬أخلاق‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وأخلاقه‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭  ‬هي‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬اختصاص‭ ‬نبي‭ ‬الإسلام‭ ‬برسالة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬الرسالات‭ ‬السابقة،‭ ‬حيث‭ ‬جاءت‭ ‬رسالة‭ ‬خاتمة‭ ‬للرسالات‭ ‬الإلهية،‭ ‬ورسالة‭ ‬عامة‭ ‬تتسع‭ ‬للعالمين‭ ‬جميعا‭: ‬إنسا‭ ‬وجنا،‭ ‬وزمانا‭ ‬ومكانا؛‭ ‬بينما‭ ‬جاءت‭ ‬الرسالات‭ ‬السابقة‭ ‬رسالات‭ ‬محدودة‭ ‬بأقوام‭ ‬بعينهم‭ ‬وفي‭ ‬زمان‭ ‬معين‭ ‬ومكان‭ ‬محدد‭ ‬لا‭ ‬تتجاوزه‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭.‬

وبين‭ ‬فضيلته‭ ‬أن‭ ‬أخلاق‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭  ‬وإن‭ ‬تنوعت‭ ‬عددا‭ ‬ومنزلة‭ ‬وعلو‭ ‬درجة‭ ‬وكمال‭ ‬شأن،‭ ‬حتى‭ ‬وصف‭ ‬بالإنسان‭ ‬الكامل‭ ‬‭ ‬فإن‭ ‬صفة‭ ‬من‭ ‬صفاته‭ ‬هذه‭ ‬قد‭ ‬انفردت‭ ‬بالذكر‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وهي‭: ‬صفة‭ ‬‮«‬الرحمة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬وصف‭ ‬بها‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭  ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬آواخر‭ ‬سورة‭ ‬التوبة،‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الامتنان‭ ‬الإلهي‭ ‬على‭ ‬المؤمنين،‭ ‬حيث‭ ‬بعث‭ ‬فيهم‭ ‬رسولا‭ ‬منهم،‭ ‬وصفه‭ ‬بأنه‭ ‬حريص‭ ‬على‭ ‬هدايتهم،‭ ‬وأنه‭ ‬‮«‬رؤوف‭ ‬رحيم‮»‬‭ ‬بهم،‭ ‬ثم‭ ‬ذكرت‭ ‬صفة‭ ‬‮«‬الرحمة‮»‬‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬آواخر‭ ‬سورة‭ ‬الأنبياء‭: (‬وما‭ ‬أرسلناك‭ ‬إلا‭ ‬رحمة‭ ‬للعالمين‭)‬،‭ ‬وجاءت‭ ‬بأسلوب‭ ‬القصر‭ ‬الذي‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرسول‭ ‬اتحد‭ ‬ذاتا‭ ‬وأفعالا‭ ‬بصفة‭: ‬‮«‬الرحمة‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬سجية‭ ‬راسخة‭ ‬متمكنة‭ ‬في‭ ‬مشاعره،‭ ‬ومتغلغلة‭ ‬في‭ ‬أطوائه،‭ ‬ومسيطرة‭ ‬على‭ ‬تصرفاته‭.‬

وتابع‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬إنه‭ ‬-‭ ‬قد‭ ‬أكد‭ ‬اتصافه‭ ‬بالرحمة‭ ‬بقوله‭ ‬في‭ ‬سنته‭ ‬الشريفة‭: ‬‮«‬إنما‭ ‬أنا‭ ‬رحمة‭ ‬مهداة‮»‬،‭ ‬وطبقه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تصرفاته‭ ‬مع‭ ‬البشر‭ ‬ومع‭ ‬جميع‭ ‬الكائنات‭ ‬والمخلوقات،‭ ‬وكان‭ ‬ينزع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تصرف‭ ‬من‭ ‬تصرفاته‭ ‬من‭ ‬معين‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬الرحمة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬فطره‭ ‬الله‭ ‬عليها،‭ ‬وألان‭ ‬بها‭ ‬قلبه،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬أسباب‭ ‬دخول‭ ‬المشركين‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭: (‬فبما‭ ‬رحمة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬لنت‭ ‬لهم‭..)‬،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬رحمة‭ ‬للناس‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مواطن‭ ‬الحروب‭ ‬والاقتتال‭ ‬والصراعات‭ ‬المسلحة‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭.‬

وأشار‭ ‬فضيلته‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يطالعنا‭ ‬من‭ ‬تجليات‭ ‬الرحمة‭ ‬النبوية‭ ‬في‭ ‬مواطن‭ ‬الحروب‭ ‬والاقتتال‭ ‬هو‭: ‬أن‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬شريعة‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬يباح‭ ‬للمسلمين‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لرد‭ ‬عدوان‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭ ‬أو‭ ‬دينهم‭ ‬أو‭ ‬أرضهم‭ ‬أو‭ ‬عرضهم‭ ‬أو‭ ‬مالهم،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يدخل‭ ‬تحت‭ ‬معنى‭: ‬‮«‬العدوان‮»‬‭ ‬بمفهومه‭ ‬الواسع،‭ ‬أما‭ ‬القتال‭ ‬نفسه،‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬العدو،‭ ‬أو‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح،‭ ‬فله‭ ‬في‭ ‬شريعة‭ ‬الإسلام‭ ‬خطر‭ ‬وأي‭ ‬خطر،‭ ‬وله‭ ‬قواعد‭ ‬وضوابط‭ ‬وتشريعات‭ ‬شرعها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭!‬،‭ ‬وطبقها‭ ‬رسوله‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭  ‬تطبيقا‭ ‬عمليا‭ ‬وهو‭ ‬يقود‭ ‬بنفسه‭ ‬جيوش‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬معاركهم‭ ‬مع‭ ‬أعدائهم،‭ ‬وأمر‭ ‬أمته‭ ‬بالتقيد‭ ‬بها‭ ‬كلما‭ ‬اضطرتهم‭ ‬ظروفهم‭ ‬وألجأتهم‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬عدوهم‭..‬

وأوضح‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬النظر‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬الاقتتال‭ ‬لرد‭ ‬العدوان‭ ‬في‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭: ‬قاعدة‭ ‬‮«‬العدل‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬قاعدة‭ ‬كلية‭ ‬بعيدة‭ ‬الغور‭ ‬في‭ ‬شريعة‭ ‬الإسلام،‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬بالالتزام‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬الصديق‭ ‬والعدو‭ ‬على‭ ‬السواء‭: (‬وقاتلوا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬الذين‭ ‬يقاتلونكم‭ ‬ولا‭ ‬تعتدوا‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬المعتدين‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬قاعدة‭ ‬العدل‭ ‬هذه‭ ‬تستدعي‭ ‬قاعدة‭ ‬ثانية‭ ‬تلازمها‭ ‬ولا‭ ‬تفارقها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬تطبيق،‭ ‬وهي‭ ‬قاعدة‭: ‬‮«‬المعاملة‭ ‬بالمثل‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬تعني‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬تعني‭ ‬حرمة‭ ‬تجاوز‭ ‬حدود‭ ‬العدل‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الظلم‭ ‬والعدوان‭ ‬على‭ ‬الغير،‭ ‬يتبين‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬وإن‭ ‬عاقبتم‭ ‬فعاقبوا‭ ‬بمثل‭ ‬ما‭ ‬عوقبتم‭ ‬به‭ ‬ولئن‭ ‬صبرتم‭ ‬لهو‭ ‬خير‭ ‬للصابرين‭).‬

وتابع‭ ‬فضيلته‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬الإسلام‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬التزام‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬الفضيلة‮»‬‭ ‬ومبدأ‭ ‬‮«‬الإحسان‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬هذا‭ ‬الشيء‭ ‬بالإنسان‭ ‬أو‭ ‬بالحيوان،‭ ‬وقد‭ ‬ترجم‭ ‬أمراء‭ ‬المسلمين‭ ‬وقادة‭ ‬جيوشهم،‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬الفضيلة‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬لوحة‭ ‬شرف‭ ‬في‭ ‬قوانين‭ ‬الحروب،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬التاريخ‭ ‬لها‭ ‬نظيرا‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬معارك‭ ‬المسلمين،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الخليفة‭ ‬الأول،‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬‮«‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬يودع‭ ‬قائد‭ ‬جيشه‭ ‬إلى‭ ‬الشام‭ ‬ويقول‭ ‬له‭: ‬‮«‬أوصيكم‭ ‬بتقوى‭ ‬الله،‭ ‬لا‭ ‬تعصوا،‭ ‬ولا‭ ‬تغلوا،‭ ‬ولا‭ ‬تجبنوا،‭ ‬ولا‭ ‬تهدموا‭ ‬بيعة‭ -‬أي‭: ‬كنيسة‭ ‬أو‭ ‬معبدا‭..‬‮»‬

وأضاف‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬إن‭ ‬صورة‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬دون‭ ‬الإلمام‭ ‬بصورة‭ ‬‮«‬الأسرى‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الإسلامية،‭ ‬لافتا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فقه‭ ‬‮«‬الأسير‮»‬‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬يدور‭ ‬على‭ ‬أمرين‭ ‬لا‭ ‬ثالث‭ ‬لهما،‭ ‬حددهما‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬فإما‭ ‬منا‭ ‬بعد‭ ‬وإما‭ ‬فداء‭)‬،‭ ‬والمن‭ ‬على‭ ‬الأسير‭ ‬هو‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحه‭ ‬وتحريره‭ ‬بغير‭ ‬عوض‭ ‬ولا‭ ‬فدية،‭ ‬أما‭ ‬فداؤه‭ ‬فهو‭ ‬تحريره‭ ‬وإطلاق‭ ‬سراحه‭ ‬مقابل‭ ‬فدية‭ ‬يدفعها‭ ‬هو‭ ‬أو‭ ‬تدفع‭ ‬له،‭ ‬مبينا‭ ‬أن‭ ‬الأسير‭ ‬الذي‭ ‬يأسره‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬جيش‭ ‬العدو‭ ‬يحرم‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬قتله،‭ ‬كما‭ ‬تدل‭ ‬الأحكام‭ ‬الفقهية‭ ‬على‭ ‬وجوب‭ ‬إطعام‭ ‬الأسير،‭ ‬ووجوب‭ ‬الإحسان‭ ‬في‭ ‬معاملته،‭ ‬وحمايته‭ ‬من‭ ‬الحر‭ ‬والبرد،‭ ‬وتوفير‭ ‬ما‭ ‬يكفيه‭ ‬من‭ ‬كسوة‭ ‬وملابس،‭ ‬وإزالة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يصيبهم‭ ‬من‭ ‬ضرر،‭ ‬ووجوب‭ ‬‮«‬احترام‭ ‬مراكزهم‭ ‬وكرامتهم‭ ‬الشخصية‭ ‬حسب‭ ‬مكانة‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬منهم‮»‬،‭ ‬مستلهمين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬دعوته‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭  ‬للرفق‭ ‬بالناس‭ ‬في‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬رفيق‭ ‬يحب‭ ‬الرفق،‭ ‬ويعطي‭ ‬عليه‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعطي‭ ‬على‭ ‬العنف‮»‬‭ ‬وقوله‭: ‬‮«‬أقيلوا‭ ‬ذوي‭ ‬الهيئات‭ ‬عثراتهم‮»‬‭.‬

وأوضح‭ ‬فضيلته‭ ‬‮«‬ما‭ ‬أظنني‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬سمعناه‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهو‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬مقارنة‭ ‬أو‭ ‬مناظرة‭ ‬بين‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬شريعة‭ ‬الإسلام‭ ‬ونموذجها‭ ‬الإنساني‭ ‬الرفيع،‭ ‬وبين‭ ‬الصورة‭ ‬البشعة‭ ‬للحرب‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين،‭ ‬والتي‭ ‬آل‭ ‬أمرها‭ ‬إلى‭ ‬إبادات‭ ‬جماعية‭ ‬ومجازر‭ ‬همجية‭ ‬وجرائم‭ ‬منكرة،‭ ‬ترتكب‭ ‬ضد‭ ‬شعوب‭ ‬مضطهدة‭ ‬تخلى‭ ‬عالمنا‭ ‬القوي‭ ‬المتحضر‭ ‬عن‭ ‬نصرتها،‭ ‬والوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جوارها،‭ ‬وصمت‭ ‬صمت‭ ‬القبور‭ ‬عن‭ ‬آلامها‭ ‬وصرخاتها،‭ ‬ثم‭ ‬راح‭ ‬يشمر‭ ‬عن‭ ‬ساعد‭ ‬الجد‭ ‬ليتصدق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬البائسة‭ ‬بكلمات‭ ‬عزاء‭ ‬فارغة‭ ‬لا‭ ‬تقول‭ ‬شيئا،‭ ‬أو‭ ‬بمشاعر‭ ‬باردة‭ ‬تذكر‭ ‬بمشاعر‭ ‬القاتل‭ ‬الذي‭ ‬يمشي‭ ‬في‭ ‬جنازة‭ ‬قتيله‭ ‬ويتقبل‭ ‬عزاء‭ ‬الناس‭ ‬فيه،‭ ‬فالمقارنة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬مضللة‭ ‬ومزيفة‭ ‬لكل‭ ‬نتيجة‭ ‬تنتجها‭ ‬مقدماتها‮»‬‭.‬

واختتم‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬‮«‬حسبنا‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬العقل‭ ‬أن‭ ‬نقارن‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬ولا‭ ‬بين‭ ‬الحسن‭ ‬والقبح،‭ ‬ولا‭ ‬بين‭ ‬الفضيلة‭ ‬والرذيلة،‭ ‬ولا‭ ‬بين‭ ‬قانون‭ ‬الغاب‭ ‬والأحراش،‭ ‬والدرس‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬به‭ ‬مع‭ ‬تجدد‭ ‬ذكرى‭ ‬المولد‭ ‬النبوي‭ ‬هو‭ ‬تجديد‭ ‬وعي‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬بذاتها‭ ‬وتاريخها‭ ‬العريق‭ ‬المشرف،‭ ‬وقدراتها‭ ‬المادية‭ ‬والروحية،‭ ‬وطاقاتها‭ ‬الخلاقة،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تملك‭ ‬دواءها‭ ‬إن‭ ‬أرادت،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬دائم‭ ‬من‭ ‬قوله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬أمته‭: ‬‮«‬يوشك‭ ‬أن‭ ‬تداعى‭ ‬عليكم‭ ‬الأمم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أفق‭ ‬كما‭ ‬تداعى‭ ‬الأكلة‭ ‬على‭ ‬قصعتها‭..‬‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬تبذل‭ ‬قصارى‭ ‬الجهد‭ ‬للتضامن‭ ‬مع‭ ‬أطفال‭ ‬غزة‭ ‬ونسائها‭ ‬وشبابها‭ ‬وشيوخها،‭ ‬ومع‭ ‬شعوبنا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬واليمن‭ ‬وغيرها،‭ ‬وأن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬منة‭ ‬يمن‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬المعذبة‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬واجب‭ ‬القرابة‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬وصلة‭ ‬الدم‭ ‬والرحم‭ ‬والمصير‭ ‬المشترك‮»‬‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا