العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

أهمية الاحْتِفَالِ بِالمَوْلِدِ النّبوي الشّريف في حياة المسلمين

الجمعة ١٣ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

يقول‭ ‬اللهُ‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬لَقَدْ‭ ‬جَاءكُمْ‭ ‬رَسُولٌ‭ ‬مِّنْ‭ ‬أَنفُسِكُمْ‭ ‬عَزِيزٌ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬مَا‭ ‬عَنِتُّمْ‭ ‬حَرِيصٌ‭ ‬عَلَيْكُم‭ ‬بِالْمُؤْمِنِينَ‭ ‬رَؤُوفٌ‭ ‬رَّحِيمٌ‮»‬‭ (‬سورة‭ ‬التّوبة‭ ‬آية‭ ‬128‭).‬

أمَّا‭ ‬بَعْدُ‭ ‬فَهَذَا‭ ‬بيانُ‭ ‬جَوازِ‭ ‬الاحْتِفَالِ‭ ‬بِالْمَوْلِدِ‭ ‬وَأَنَّ‭ ‬فيهِ‭ ‬أَجْرًا‭ ‬وَثَوَابًا‭. ‬نَقولُ‭ ‬مُتَوَكِّلينَ‭ ‬على‭ ‬اللهِ،‭ ‬البِدعَةُ‭: ‬لُغَةً‭ ‬هيَ‭ ‬مَا‭ ‬أُحْدِثَ‭ ‬على‭ ‬غَيْرِ‭ ‬مِثالٍ‭ ‬سابِقٍ‭ ‬وشَرْعًا‭ ‬الْمُحْدَثُ‭ ‬الَّذي‭ ‬لَمْ‭ ‬يَنُصَّ‭ ‬عليهِ‭ ‬القُرءانُ‭ ‬ولا‭ ‬الْحَديثُ‭.‬

الدَّليلُ‭ ‬مِنَ‭ ‬السُّنةِ‭ ‬الْمُطَهَّرَةِ‭ ‬على‭ ‬البِدْعَةِ‭ ‬الْحَسَنَةِ‭: ‬قَوْلُهُ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬‮«‬مَنْ‭ ‬سَنَّ‭ ‬في‭ ‬الإسْلامِ‭ ‬سُنَّةً‭ ‬حَسَنَةً‭ ‬فَلَهُ‭ ‬أَجْرُهَا‭ ‬وَأَجْرُ‭ ‬مَنْ‭ ‬عَمِلَ‭ ‬بِها‭ ‬بَعْدَهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬غَيْرِ‭ ‬أَنْ‭ ‬يَنقُصَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أُجورِهِم‭ ‬شيءٌ،‭ ‬وَمَنْ‭ ‬سَنَّ‭ ‬في‭ ‬الإسْلامِ‭ ‬سُنَّةً‭ ‬سَيِّئةً‭ ‬كانَ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وِزْرُهَا‭ ‬وَوِزْرُ‭ ‬مَنْ‭ ‬عَمِلَ‭ ‬بِهَا‭ ‬مِن‭ ‬بَعْدِهِ‭ ‬مِنْ‭ ‬غَيْرِ‭ ‬أنْ‭ ‬يَنْقُصَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَوْزَارِهِم‭ ‬شيءٌ‮»‬،‭ ‬رواهُ‭ ‬مُسْلِمٌ‭ ‬في‭ ‬صَحيحِهِ‭ ‬مِنْ‭ ‬حَديثِ‭ ‬جَريرِ‭ ‬بنِ‭ ‬عَبْدِ‭ ‬اللهِ‭ ‬البَجَلِيِّ‭ ‬رَضيَ‭ ‬اللهُ‭ ‬عَنْهُ‭. ‬فأفْهَمَ‭ ‬هَذا‭ ‬الْحَديثُ‭ ‬أنَّ‭ ‬الرَّسُولَ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬هُوَ‭ ‬الَّذي‭ ‬عَلَّمَ‭ ‬أُمَّتَهُ‭ ‬أنَّ‭ ‬البِدْعَةَ‭ ‬على‭ ‬ضَرْبَيْنِ‭: ‬بدعَةُ‭ ‬ضَلالةٍ‭: ‬وَهِيَ‭ ‬الْمُحْدَثَةُ‭ ‬الْمُخَالِفَةُ‭ ‬لِلْقُرآنِ‭ ‬والسُّنَّةِ‭. ‬وَبِدْعَةُ‭ ‬هُدًى‭: ‬وَهِيَ‭ ‬الْمُحْدَثَةُ‭ ‬الْمُوافِقَةُ‭ ‬لِلْقُرآنِ‭ ‬والسُّنَّةِ‭. ‬فإنْ‭ ‬قيلَ‭: ‬هَذا‭ ‬مَعْناهُ‭ ‬مَنْ‭ ‬سَنَّ‭ ‬في‭ ‬حياةِ‭ ‬رَسُولِ‭ ‬اللهِ‭ ‬أمَّا‭ ‬بَعْدَ‭ ‬وَفاتِهِ‭ ‬فلا،‭ ‬فالْجوابُ‭ ‬أنْ‭ ‬يُقالَ‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تَثْبُتُ‭ ‬الْخُصُوصِيَّةُ‭ ‬إلا‭ ‬بِدَلِيلٍ‮»‬‭ ‬وَهُنا‭ ‬الدَّليلُ‭ ‬يُعْطِي‭ ‬خِلافَ‭ ‬ما‭ ‬يَدَّعونَ‭ ‬حَيْثُ‭ ‬إِنَّ‭ ‬رَسُولَ‭ ‬اللهِ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭ ‬‮«‬مَنْ‭ ‬سَنَّ‭ ‬في‭ ‬الإسلام‮»‬‭ ‬وَلَمْ‭ ‬يَقُلْ‭ ‬مَنْ‭ ‬سَنَّ‭ ‬في‭ ‬حياتِي‭ ‬ولا‭ ‬قالَ‭ ‬مَنْ‭ ‬عَمِلَ‭ ‬عَمَلاً‭ ‬أنا‭ ‬عَمِلْتُهُ‭ ‬فأحْياهُ،‭ ‬وَلَمْ‭ ‬يَكُنْ‭ ‬الإسلامُ‭ ‬مَقْصورًا‭ ‬على‭ ‬الزَّمَنِ‭ ‬الَّذي‭ ‬كانَ‭ ‬فيهِ‭ ‬رسولُ‭ ‬الله،‭ ‬فَبَطَلَ‭ ‬زَعْمُهُم‭.‬

الدَّليلُ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقوالِ‭ ‬وأفعالِ‭ ‬الْخُلَفاءِ‭ ‬الرَّاشدينَ‭ ‬على‭ ‬البِدْعَةِ‭ ‬الْحَسَنَةِ‭: ‬فَقَدْ‭ ‬أَحْدَثَ‭ ‬الخُلَفاءُ‭ ‬الرَّاشدُونَ‭ ‬الْمَرْضِيُّونَ‭ ‬أَشْياءَ‭ ‬لَمْ‭ ‬يَفْعَلْها‭ ‬الرَّسولُ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ولا‭ ‬أمَرَ‭ ‬بِها‭ ‬مِمَّا‭ ‬يُوافِقُ‭ ‬الْكِتابَ‭ ‬والسُّنَّةَ‭ ‬فكانوا‭ ‬قُدْوَةً‭ ‬لنا‭ ‬فيها،‭ ‬فَهَذا‭ ‬أبو‭ ‬بَكْرٍ‭ ‬الصِّديقُ‭ ‬يَجْمَعُ‭ ‬القُرءانَ‭ ‬ويُسَمِّيهِ‭ ‬بِالْمُصْحَفِ،‭ ‬وهَذا‭ ‬عُمَرُ‭ ‬بنُ‭ ‬الْخطَّابِ‭ ‬يَجْمَعُ‭ ‬النَّاسَ‭ ‬في‭ ‬صلاةِ‭ ‬التَّراويحِ‭ ‬على‭ ‬إمامٍ‭ ‬واحِدٍ‭ ‬وَيَقولُ‭ ‬عَنْها‭: ‬‮«‬نِعْمَتِ‭ ‬البِدْعَةُ‭ ‬هَذِهِ‮»‬،‭ ‬وهَذا‭ ‬عُثمانُ‭ ‬بنُ‭ ‬عَفَّانَ‭ ‬يأمُرُ‭ ‬بِالأَذانِ‭ ‬الأوَّلِ‭ ‬لِصَلاةِ‭ ‬الْجُمَعَةِ،‭ ‬وهَذا‭ ‬الإمامُ‭ ‬عليٌّ‭ ‬يُنْقَطُ‭ ‬الْمُصْحَفُ‭ ‬وَيُشَكَّلُ‭ ‬في‭ ‬زمانِهِ‭ ‬على‭ ‬يَدِ‭ ‬يَحْيى‭ ‬بنِ‭ ‬يَعْمَرَ،‭ ‬وهَذا‭ ‬عُمَرُ‭ ‬بنُ‭ ‬عَبِدِ‭ ‬العزيزِ‭ ‬يعْمَلُ‭ ‬الْمَحارِيبَ‭ ‬والْمآذِنَ‭ ‬لِلْمَساجِدِ‭.‬

كُلُّ‭ ‬هَذِهِ‭ ‬لَمْ‭ ‬تَكُنْ‭ ‬في‭ ‬زَمانِ‭ ‬رَسُولِ‭ ‬اللهِ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬فَهَلْ‭ ‬سَيَمْنَعُها‭ ‬الْمانِعُونَ‭ ‬لِلْمَوْلِدِ‭ ‬في‭ ‬أيَّامِنا‭ ‬هَذِهِ‭ ‬أوْ‭ ‬أَنَّهُم‭ ‬سَيَتَحَكَّمُونَ‭ ‬فَيَسْتَبِيحُونَ‭ ‬أَشياءَ‭ ‬وَيُحَرِّمُونَ‭ ‬أَشياءَ؟‭! ‬

الدَّليلُ‭ ‬مِنَ‭ ‬أقْوالِ‭ ‬عُلَمَاءِ‭ ‬السَّلَف‭ ‬على‭ ‬البِدْعَةِ‭ ‬الْحَسَنَةِ‭: ‬قالَ‭ ‬الإمامُ‭ ‬الشَّافِعيُّ‭ ‬رَضِيَ‭ ‬اللهُ‭ ‬عَنْهُ‭ ‬‮«‬الْمُحْدَثَاتُ‭ ‬مِنَ‭ ‬الأُمورِ‭ ‬ضَرْبَانِ‭ ‬أَحَدُهُما‭ ‬ما‭ ‬أُحْدِثَ‭ ‬مِمَّا‭ ‬يُخالِفُ‭ ‬كِتابًا‭ ‬أو‭ ‬سُنَّةً‭ ‬أو‭ ‬إِجْماعًا‭ ‬أوْ‭ ‬أَثَرًا‭ ‬فَهَذِهِ‭ ‬البِدْعَةُ‭ ‬الضَّلالةُ‭ ‬والثَّانِيَةُ‭ ‬ما‭ ‬أُحْدِثَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْخَيْرِ‭ ‬ولا‭ ‬يُخالِفُ‭ ‬كِتابًا‭ ‬أوْ‭ ‬سُنَّةً‭ ‬أَو‭ ‬إِجْماعًا‭ ‬وهَذِهِ‭ ‬مُحْدَثَةٌ‭ ‬غَيْرُ‭ ‬مَذْمُومَةٍ‮»‬‭ ‬رواهُ‭ ‬البَيْهَقِيُّ‭ ‬بالإسْنادِ‭ ‬الصَّحيحِ‭ ‬في‭ ‬كِتابِهِ‭ ‬مَناقِبُ‭ ‬الشَّافِعِيِّ‭.‬

الْموْلدُ‭ ‬هُوَ‭ ‬شُكْرٌ‭ ‬للهِ‭ ‬تعالى‭ ‬عَلَى‭ ‬أنَّهُ‭ ‬أَظْهَرَ‭ ‬مُحَمَّدًا‭ ‬في‭ ‬مِثْلِ‭ ‬هَذا‭ ‬الشَّهر،‭ ‬لَيْسَ‭ ‬عِبَادَةً‭ ‬لِمُحَمَّدٍ‭: ‬نَحْنُ‭ ‬لا‭ ‬نَعْبُدُ‭ ‬مُحَمَّدًا‭ ‬وَلا‭ ‬نَعْبُدُ‭ ‬شَيْئًا‭ ‬سِوى‭ ‬اللهِ،‭ ‬لَكِنْ‭ ‬نُعَظِّمُهُ‭ ‬تَعْظيمًا‭ ‬فَقَط،‭ ‬نُعَظِّمُ‭ ‬مُحَمَّدًا‭ ‬أَكْثَرَ‭ ‬مِنْ‭ ‬غَيْرِهِ‭ ‬مِنَ‭ ‬الأَنبياءِ‭ ‬والْمَلائِكَةِ،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬نُعَظِّمُ‭ ‬كُلَّ‭ ‬الأَنْبياءِ‭ ‬ولا‭ ‬نَعْبُدُ‭ ‬واحِدًا‭ ‬مِنْهُم،‭ ‬لا‭ ‬نَعْبُدُ‭ ‬مُحَمَّدًا،‭ ‬إِنَّما‭ ‬نَحْنُ‭ ‬عِبادَتُنا‭ ‬للهِ،‭ ‬نَحْنُ‭ ‬نَعْتَبِرُ‭ ‬مُحَمَّدًا‭ ‬دَاعِيًا‭ ‬إلى‭ ‬اللهِ،‭ ‬هَدَى‭ ‬النَّاسَ‭ ‬وَيَسْتَحِقُّ‭ ‬التَّعْظيمَ،‭ ‬واللهُ‭ ‬تعالى‭ ‬امْتَدَحَ‭ ‬الَّذينَ‭ ‬ءامنُوا‭ ‬بِهِ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وَعَزَّرُوهُ‭ ‬أي‭ ‬عظَّمُوهُ‭ ‬فَقالَ‭ ‬عَزَّ‭ ‬وَجَلَّ‭ ‬‮«‬فَالَّذِينَ‭ ‬ءامَنُوا‭ ‬بِهِ‭ ‬وَعَزَّرُوهُ‭ ‬وَنَصَرُوهُ‭ ‬وَاتَّبَعُوا‭ ‬النُّورَ‭ ‬الَّذي‭ ‬أُنْزِلَ‭ ‬مَعَهُ‭ ‬أُولئِكَ‭ ‬هُمُ‭ ‬الْمُفْلِحُون‮»‬‭ (‬سورة‭ ‬الأعراف،‭ ‬157‭).‬

الْمَوْلِدُ‭ ‬فيهِ‭ ‬اجْتِمَاعٌ‭ ‬على‭ ‬طاعَةِ‭ ‬اللهِ،‭ ‬اجْتِمَاعٌ‭ ‬على‭ ‬حُبِّ‭ ‬اللهِ‭ ‬وحُبِّ‭ ‬رسُولِ‭ ‬اللهِ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬اجْتِمَاعٌ‭ ‬على‭ ‬ذِكْرِ‭ ‬اللهِ‭ ‬وَذِكْرِ‭ ‬شَيء‭ ‬مِنْ‭ ‬سيرَةِ‭ ‬رَسولِ‭ ‬اللهِ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ونَسَبِهِ‭ ‬الشَّريفِ،‭ ‬وشَيء‭ ‬مِنْ‭ ‬صِفَاتِهِ‭ ‬الْخَلْقِيَّةِ‭ ‬والْخُلُقِيَّةِ،‭ ‬وَفيهِ‭ ‬إِطْعامُ‭ ‬الطَّعامِ‭ ‬لِوجْهِ‭ ‬اللهِ‭ ‬تَبَارَكَ‭ ‬وَتَعَالى‭ ‬واللهُ‭ ‬تعالى‭ ‬يَقول‭ ‬‮«‬وَيُطْعِمُونَ‭ ‬الطَّعَامَ‭ ‬عَلَى‭ ‬حُبِّهِ‭ ‬مِسْكِينًا‭ ‬وَيَتِيمًا‭ ‬وَأَسِيرًا‮»‬‭ (‬سورة‭ ‬الإنسان،‭ ‬8‭)‬،‭ ‬بَعْدَ‭ ‬هذا‭ ‬كَيْفَ‭ ‬يُحَرِّمُ‭ ‬شَخْصٌ‭ ‬يَدَّعي‭ ‬العِلْمَ‭ ‬عَمَلَ‭ ‬الْمَوْلِدِ‭ ‬فَرَحًا‭ ‬بِوِلادَةِ‭ ‬رَسُولِ‭ ‬اللهِ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم؟‭!‬

قال‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الخضر‭ ‬حسين‭ ‬التونسي‭ ‬المالكي‭ (‬1378هـ‭) ‬شيخ‭ ‬جامع‭ ‬الأزهر‭ ‬سابقا،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الهداية‭ ‬الإسلامية‭ (‬ج11‭ ‬م2‭) ‬ما‭ ‬نصه‭: ‬‮«‬أما‭ ‬احتفالنا‭ ‬بذكرى‭ ‬مولده‭ ‬فإنا‭ ‬لم‭ ‬نفعل‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬حسان‭ ‬بن‭ ‬ثابت‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬إليه‭ ‬الناس‭ ‬ويُسمعهم‭ ‬مديح‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬شعر،‭ ‬ولم‭ ‬نفعل‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬فعل‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬أو‭ ‬البراء‭ ‬بن‭ ‬عازب‭ ‬أو‭ ‬أنس‭ ‬بن‭ ‬مالك‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ ‬حين‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬محاسن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬الخُلقية‭ ‬والخلقية‭ ‬في‭ ‬جماعة‮»‬‭.‬

الأصْلُ‭ ‬الذي‭ ‬اسْتَخْرَجَهُ‭ ‬الْحَافِظُ‭ ‬السِّيوطِيُّ‭ ‬مِنَ‭ ‬السُّنةِ‭ ‬على‭ ‬جَوازِ‭ ‬عَمَلِ‭ ‬الْمَوْلِدِ‭ ‬في‭ ‬رِسَالَتِهِ‭ ‬حُسْنُ‭ ‬الْمَقْصِدِ‭ ‬في‭ ‬عَمَلِ‭ ‬الْمَوْلِدِ‭: ‬قَولُهُ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬‮«‬ذَاكَ‭ ‬يَوْمٌ‭ ‬وُلِدْتُ‭ ‬فيهِ‭ ‬وفيهِ‭ ‬أُنْزِلَ‭ ‬عَلَيَّ‮»‬‭ ‬لَمَّا‭ ‬سُئِلَ‭ ‬عليهِ‭ ‬الصَّلاةُ‭ ‬والسَّلامُ‭ ‬عَنْ‭ ‬سَبَبِ‭ ‬صِيامِهِ‭ ‬لِيوْمِ‭ ‬الاثنينِ‭.‬

وفي‭ ‬هَذَا‭ ‬الْحديثِ‭ ‬إِشارَةٌ‭ ‬إِلى‭ ‬اسْتِحْبابِ‭ ‬صِيامِ‭ ‬الأيَّامِ‭ ‬الَّتي‭ ‬تَتَجَدَّدُ‭ ‬فِيها‭ ‬نِعَمُ‭ ‬اللهِ‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬عِبادِهِ،‭ ‬وإنَّ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَعْظَمِ‭ ‬النِّعَمِ‭ ‬الَّتي‭ ‬أَنْعَمَ‭ ‬اللهُ‭ ‬بِهَا‭ ‬عَلَيْنا‭ ‬إِظْهَارَهُ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وَبِعْثَتَهُ‭ ‬وإرسالَهُ‭ ‬إِلَيْنَا،‭ ‬وَدَليلُ‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬مِنْ‭ ‬قَوْلِهِ‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬لَقَدْ‭ ‬مَنَّ‭ ‬اللهُ‭ ‬عَلَى‭ ‬الْمُؤْمِنينَ‭ ‬إِذْ‭ ‬بَعَثَ‭ ‬فِيهِمْ‭ ‬رَسُولاً‭ ‬مِنْ‭ ‬أَنْفُسِهِم‮»‬‭ (‬سورة‭ ‬آل‭ ‬عمران،‭ ‬164‭). ‬

الْمَوْلِدُ‭ ‬سُنَّةٌ‭ ‬حَسَنَةٌ‭ ‬وَأَوَّلُ‭ ‬مَنْ‭ ‬عَمِلَ‭ ‬بِهِ‭ ‬الْمُسْلِمُونَ‭ ‬وَلَيْسَ‭ ‬كَمَا‭ ‬قيلَ‭ ‬إِنَّ‭ ‬أصلَهُ‭ ‬هُوَ‭ ‬أنَّ‭ ‬أُناسًا‭ ‬كانُوا‭ ‬يَحْتَفِلُونَ‭ ‬بِوفاتِهِ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬فَقَدْ‭ ‬ذَكَرَ‭ ‬الْحُفَّاظُ‭ ‬والعُلَمَاءُ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَصْحابِ‭ ‬التَّوارِيخِ‭ ‬وغَيْرِهِم‭ ‬أنَّ‭ ‬أَوَّلَ‭ ‬مَنِ‭ ‬اسْتَحْدَثَ‭ ‬عَمَلَ‭ ‬الْمَوْلِدِ‭ ‬هُوَ‭ ‬الْمَلِكُ‭ ‬الْمُظَفَّرُ‭ ‬الَّذي‭ ‬كانَ‭ ‬يَحْكُمُ‭ ‬إِرْبِلَ،‭ ‬وَهُوَ‭ ‬وَرِعٌ،‭ ‬صالِحٌ،‭ ‬عالِمٌ،‭ ‬شُجَاعٌ،‭ ‬ذُو‭ ‬عِنَايَةٍ‭ ‬بِالْجِهَادِ،‭ ‬كانَ‭ ‬من‭ ‬الأَبْطالِ،‭ ‬مَاتَ‭ ‬وَهُوَ‭ ‬يُحَاصِرُ‭ ‬الفِرِنْجَ‭ ‬بِعَكَّا،‭ ‬هُوَ‭ ‬أَوَّلُ‭ ‬مَنْ‭ ‬اسْتَحْدَثَ‭ ‬هَذَا‭ ‬الأَمْرَ،‭ ‬ثُمَّ‭ ‬وافَقَهُ‭ ‬العُلَماءُ‭ ‬والفُقَهاءُ،‭ ‬حَتَّى‭ ‬عُلَمَاءُ‭ ‬غَيْرِ‭ ‬بَلَدِهِ‭ ‬الَّذينَ‭ ‬لا‭ ‬يَحْكُمُهُ،‭ ‬ذَكَرَ‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬الْحافِظُ‭ ‬السيوطِيُّ‭ ‬في‭ ‬كِتابِهِ‭ ‬الأوائِلِ،‭ ‬ولا‭ ‬يزالَ‭ ‬الْمُسْلِمونَ‭ ‬على‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬مُنْذُ‭ ‬ثَمانِمِائةِ‭ ‬سَنَةٍ‭ ‬حَتَّى‭ ‬الآنَ‭. ‬فأيُّ‭ ‬أَمرٍ‭ ‬اسْتَحْسَنَهُ‭ ‬عُلَمَاءُ‭ ‬أُمَّةِ‭ ‬مُحَمَّدٍ‭ ‬وأَجْمَعوا‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬فَهُوَ‭ ‬حَسَنٌ،‭ ‬ومَعْلومٌ‭ ‬أنَّ‭ ‬عُلَمَاءَ‭ ‬الأُمَّةِ‭ ‬لا‭ ‬يَجْتَمِعُونَ‭ ‬على‭ ‬ضَلالَةٍ‭ ‬لِحديثِ‭ ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬أُمَّتي‭ ‬لا‭ ‬تَجْتَمِعُ‭ ‬على‭ ‬ضَلالةٍ‮»‬‭ ‬رَواهُ‭ ‬ابنُ‭ ‬ماجَه‭ ‬في‭ ‬سُنَنِهِ‭.‬

الْمَوْلِدُ‭ ‬سُنَّةٌ‭ ‬حَسَنَةٌ‭: ‬فَجَمْعُ‭ ‬الْمُصْحَفِ‭ ‬وَنَقْطُهُ‭ ‬وتَشْكيلُهُ‭ ‬عَمَلُ‭ ‬خَيرٍ‭ ‬مَعَ‭ ‬أنَّهُ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ما‭ ‬نَصَّ‭ ‬عليهِ‭ ‬ولا‭ ‬عَمِلَهُ‭. ‬فَهُؤلاءِ‭ ‬الَّذينَ‭ ‬يَمْنَعُونَ‭ ‬عَمَلَ‭ ‬الْمَوْلِدِ‭ ‬بِدَعوى‭ ‬أنَّهُ‭ ‬لَوْ‭ ‬كانَ‭ ‬خَيْرًا‭ ‬لَدَلَّنا‭ ‬الرَّسولُ‭ ‬عليهِ‭ ‬وَهُم‭ ‬أَنْفُسُهُم‭ ‬يَشْتَغِلُونَ‭ ‬في‭ ‬تَشْكيلِ‭ ‬الْمُصْحَفِ‭ ‬وَتَنْقيطِهِ‭ ‬يَقَعونَ‭ ‬في‭ ‬أَحَدِ‭ ‬أمْرَيْنِ‭: ‬فَإِمَّا‭ ‬أنْ‭ ‬يَقولُوا‭ ‬إِنَّ‭ ‬نَقْطَ‭ ‬الْمُصْحَفِ‭ ‬وتَشْكيلَهُ‭ ‬لَيْسَ‭ ‬عَمَلَ‭ ‬خَيْرٍ‭ ‬لأنَّ‭ ‬الرَّسولَ‭ ‬ما‭ ‬فَعَلَهُ‭ ‬وَلَمْ‭ ‬يَدُلَّ‭ ‬الأُمَّةَ‭ ‬عليهِ‭ ‬وَمَعَ‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬نَحْنُ‭ ‬نَعْمَلُهُ،‭ ‬وإِمَّا‭ ‬أنْ‭ ‬يَقولُوا‭ ‬إنَّ‭ ‬نَقْطَ‭ ‬الْمُصْحَفِ‭ ‬وتَشْكيلَهُ‭ ‬عَمَلُ‭ ‬خيرٍ‭ ‬لَو‭ ‬لَمْ‭ ‬يَفْعَلْهُ‭ ‬الرَّسولُ‭ ‬وَلَمْ‭ ‬يَدُلَّ‭ ‬الأُمَّةَ‭ ‬عليهِ‭ ‬لِذَلِكَ‭ ‬نَحْنُ‭ ‬نَعْمَلُهُ‭. ‬وَفي‭ ‬كِلا‭ ‬الْحالَيْنِ‭ ‬نَاقَضُوا‭ ‬أَنْفُسَهُم‭.‬

الْحاصِلُ‭ ‬لَيْسَتْ‭ ‬كُلُّ‭ ‬أُمُورِ‭ ‬الدِّينِ‭ ‬جَاءَتْ‭ ‬نَصًّا‭ ‬صَريحًا‭ ‬في‭ ‬القُرءانِ‭ ‬أوْ‭ ‬في‭ ‬الْحديثِ،‭ ‬فَلَوْ‭ ‬لَمْ‭ ‬يُوجَدْ‭ ‬فيهِما‭ ‬فَلِعُلَمَاءِ‭ ‬الأُمَّةِ‭ ‬الْمُجْتَهِدينَ‭ ‬أَهْلِ‭ ‬الْمَعْرِفَةِ‭ ‬بِالْحَديثِ‭ ‬أنْ‭ ‬يَسْتَنبِطُوا‭ ‬أَشْياءَ‭ ‬تُوافِقُ‭ ‬دينَهُ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وَيُؤيِّدُ‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬قَولُهُ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬‮«‬مَنْ‭ ‬سَنَّ‭ ‬في‭ ‬الإسْلامِ‭ ‬سُنَّةً‭ ‬حَسَنَةً‭ ‬فَلَهُ‭ ‬أَجْرُهَا‭...‬‮»‬،‭ ‬فيُسْتفَادُ‭ ‬مِنْ‭ ‬هَذَا‭ ‬الْحَديثِ‭ ‬أنَّ‭ ‬اللهَ‭ ‬تباركَ‭ ‬وتعالى‭ ‬أَذِنَ‭ ‬للمُسلمينَ‭ ‬أَنْ‭ ‬يُحدِثُوا‭ ‬في‭ ‬دينِهِ‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُخالِفُ‭ ‬القُرءانَ‭ ‬والْحديثَ‭ ‬فيُقالُ‭ ‬لذلكَ‭ ‬سُنَّةٌ‭ ‬حَسَنَةٌ‭.‬

الْمَوْلِدُ‭ ‬سُنَّةٌ‭ ‬حَسَنَةٌ‭ ‬وإِظْهارُنَا‭ ‬لِلفَرَحِ‭ ‬والسُّرورِ‭ ‬في‭ ‬مِثْلِ‭ ‬هَذا‭ ‬اليوم‭ ‬بِوِلادَتِهِ‭ ‬وَبِعْثَتِهِ‭ ‬لَيْسَ‭ ‬قَدْحًا‭ ‬في‭ ‬مَحَبَّتِنا‭ ‬لَهُ‭ ‬لِمُجَرَّدِ‭ ‬أنَّ‭ ‬يَوْمَ‭ ‬وَفاتِهِ‭ ‬كانَ‭ ‬في‭ ‬نَظيرِ‭ ‬يَوْمِ‭ ‬وِلادَتِهِ‭ ‬كَما‭ ‬زَعَمَ‭ ‬الْمانِعونَ‭ ‬لِلْمَوْلِدِ‭: ‬الْحاصِلُ‭ ‬أنَّ‭ ‬ما‭ ‬ادَّعَيْتُمُوهُ‭ ‬لا‭ ‬يَقْبَلُهُ‭ ‬العَقْلُ‭ ‬ولا‭ ‬النَّقْلُ‭. ‬ثُمَّ‭ ‬ألَيْسَ‭ ‬الرَّسُولُ‭ ‬قال‭ ‬‮«‬خَيرُ‭ ‬يوْمٍ‭ ‬طَلَعَتْ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬الشَّمْسُ‭ ‬يَوْمُ‭ ‬الْجُمُعَةِ‭ ‬فيهِ‭ ‬خُلِقَ‭ ‬ءادَمُ‭ ‬وفيهِ‭ ‬أُدْخِلَ‭ ‬الْجَنَّةَ‭ ‬وفيه‭ ‬أُخْرِجَ‭ ‬مِنْهَا‮»‬‭ ‬رَواهُ‭ ‬مُسْلِمٌ‭ ‬في‭ ‬الصَّحيحِ،‭ ‬فَتَفْضيلُ‭ ‬الرَّسُولِ‭ ‬لِيوْمِ‭ ‬الْجُمُعَةِ‭ ‬وَتَفْضيلُنا‭ ‬لِهَذا‭ ‬اليوْمِ‭ ‬لَيْسَ‭ ‬فيهِ‭ ‬قَدْحٌ‭ ‬في‭ ‬مَحَبَّتِنا‭ ‬لآدَمَ‭ ‬مَعَ‭ ‬أنَّهُ‭ ‬نَظيرُ‭ ‬اليَومِ‭ ‬الَّذي‭ ‬أُخْرِجَ‭ ‬فيهِ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْجَنَّةِ‭.‬

الْحاصِلُ‭ ‬أنَّ‭ ‬عَمَلَ‭ ‬الْمَوْلِدِ‭ ‬خَيْرٌ‭ ‬وبَرَكَةٌ،‭ ‬هَذَا‭ ‬لَيْسَ‭ ‬شَيْئًا‭ ‬يَرُدُّ‭ ‬الأُمَّةَ‭ ‬إِلى‭ ‬الورَاءِ،‭ ‬لَيْسَ‭ ‬شَيئًا‭ ‬يُؤخِّرُ،‭ ‬هَذَا‭ ‬يُجَدِّدُ‭ ‬حُبَّ‭ ‬النَّبِيِّ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬الْمُسْلِمِ،‭ ‬يَبُثُّ‭ ‬فيهِ‭ ‬الشُّعُورَ‭ ‬بِالْحُبِّ‭ ‬للنَّبِيِّ‭ ‬والْمَيْلِ‭ ‬إِلَيْهِ‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا