«السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي» كتاب جديد للفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن يفتح فيه آفاقَ «التفكّر» في «السيرة النبوية». فبعد أن كشف حدود المحاولة المنطقية لابن النفيس والمحاولة التاريخية لابن خلدون، عَرَض مقاربته الأخلاقية المتميزة، إذ اتَّبَع فيها طريق «التأويل» في بيان كيف أن «السيرة النبوية» ليست مجرد نموذج أخلاقي متفرّد لا تنفد دلالاته العملية، وإنما هي الأساسُ الثابت الذي ينبغي أن يُبنى عليه عموم الأخلاق، قيمًا وأفعالًا وأحوالًا.
وانتهى طه عبدالرحمن في كتابه «السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي» إلى إثبات أن «تتميم صالح الأخلاق» الذي تحدّدت به «الدعوة النبوية» ليس - في الحقيقة - الإتيانَ بقيم إضافية من رتبة القيم السابقة، وإنما هو تزويد الأخلاق الصالحة بالقيم المُثلى والقواعد الأولى التي تُؤسّسها، وتَـمدّها بالمشروعية.
تحدث أستاذ المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق المفكر المغربي طه عبد الرحمن عن كتابه الجديد «السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي»، قال إنه تناول السيرة النبوية من منظور فلسفي في كتابه الجديد الذي حمل عنوان: «السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي».، إن الطبيعة البشرية محدودة وبسبب هذا القيد لا يمكن فهم السيرة إلا بطرق معينة.
وأشار عبدالرحمن إلى أن السيرة النبوية تتم مناقشتها بنفس الطريقة التي يتناولها المحدثون والفقهاء والمؤرخون. وتساءل: «لماذا لا تكون هناك طريقة أخرى من أجل الاستفادة من السيرة النبوية؟»، مبينا أنه سلك طريقا غير منهج المحدثين والمؤرخين. وأضاف: «السيرة هي في الأساس أخلاق، مجموعة من القيم، ولهذا السبب أخذت على عاتقي أن أتناول السيرة النبوية من منظور فلسفي».
ورأى عبدالرحمن في كتابه «السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي» أن بعض الأحداث في حياة النبي يجب أن يُنظر إليها على أنها «آية تستحق القراءة» بدل النظر إليها على أنها «وقائع وظواهر». وأردف: «نبوة النبي محمد عبارة عن رسالة أخلاقية».
ودعا طه عبدالرحمن في كتابه «السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي» إلى «العمل من أجل العودة بالفلسفة إلى أصلها وهي الحكمة».
وفي معرض حديثه عن كتابه الجديد «السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي» طالب عبد الرحمن الفيلسوف المسلم بأن «يأخذ بالفلسفة التي تنحو منحى الحكمة وأن يبتعد عن الفلسفة التي تنحو منحى العلم، ويشتغل بالتحدي الجذري الذي يشغل العالم اليوم وهو تسفّل الإنسان».
أما المهمة الثانية التي دعا إليها فهي «تجديد التفلسف الحكمي الذي يميز بين العقل المجرد والعقل المسدّد، ويؤسس الأخلاق على الفطرة». وأوضح أنّ «الصورة العلمية للفلسفة تخرج الفلسفة من أصلها». وشدد على ضرورة أن «لا تكون الفلسفة تابعة للعلم وأن يكون العلم خادما للفلسفة».
وبين أنّ «التفلسف الحكمي هو الوحيد القادر على إنقاذ الإنسان من التسفّل حاضرا ومستقبلا». وقال: «على الفيلسوف المسلم أن يعرف ذاته وأن يتخلق بأخلاق النبي الكريم تفكرا وتخلقا». وبحسب عبدالرحمن فإن أعلى رتبة يصل إليها الفيلسوف المسلم بالاقتداء بالنبي تفكرا وتخلقا هي «الصديقية».
وأوضح أن الفيلسوف المغربي في كتابه «السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي» أن «القدوة الكامل» أو «الأسوة الكامل» الذي يتعين الاقتداء به هو «الإنسان الكامل»، ولا إنسان أكمل من خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم.
يترتب على هذه الأسباب كما يوضح عبد الرحمن في كتابه «السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي»، في معرفة ذاته، إلى الاقتداء بخاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم ، تحصيلا للحياة الطيبة، وهذا الاقتداء على نوعين «الاقتداء به في المنهج العقلي» و«الاقتداء به في المسلك الخُلُقي».
أولا: الاقتداء في المنهج العقلي بـالنبي الكريم.
لم يكن النبي الخاتم يتكلم في طرق التفكر على منوال أهل الفلسفة المعرفية، وإنما كان يسلك، عمليا، أكمل هذه الطرق ويحصِّل أفضل ثمارها، فقد كان يختلي للتفكر في فترات مختلفة ولأيام متواصلة، حتى أتاه الوحي.
وفي هذا التفكر الطويل، تحقق -صلى الله عليه وسلم- بأن أسمى ما يوصّل إليه «العقل» هو «الصدق»، فاتخذه خُلقا، حتى دُعي بـ«الصادق»، وحيث إن الصدق هو الإقرار بالحقيقة، وإن الغاية من المنهج العقلي هي، بالذات، الوصول إلى الحقيقة والإقرار بها.
فلا يسع الفيلسوف المسلم إلا أن يعتبر «الصدق» هو أسمى القيم العقلية، ثم إن «الصدق» أفضى بالنبي الخاتم إلى أسمى الحقائق، وهي «توحيد الربوبية»، وحينها، لا يسع هذا الفيلسوف إلا أن يعتبر «الصدق» قيمة عقلية موصولة بالأفق الإلهي، بحيث لا حقيقة إلا ولها صلة خاصة بهذا الأفق ينبغي الوقوف عليها.
لذلك، فإن إدراك الفيلسوف المسلم لضرورة التسديد الإلهي يجعله يقتدي، في معرفة ذاته، بمنهج التفكر النبوي، صدقا وتوحيدا.
ثانيا: الاقتداء في المسلك الخُلقي بالنبي الكريم.
إذا كان «صدق» النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم- دليلا على تحصيله لـ«كمال التفكر»، فإن أمانته دليل على تحصيله لـ«كمال التخلُّق»، فإذا كان قومه ينادونه، ولـمّا يُبعث، بـ«الصادق»، فقد كانوا ينادونه أيضا، كما هو معروف، بـ«الأمين»، حتى صار هذا الاسم لقبا له، ولم يكن يحملهم على هذا النداء إلا إدراكهم بأنه -صلى الله عليه وسلم- فُطر على «الصدق والأمانة»، حتى لا أحد يضاهيه فيهما.
وكما أن «الصدق» وصّله إلى «توحيد الإله»، فكذلك «الأمانة» وصَّلته إلى «العدل بين الناس»، بحيث يكون عدله في الناس موصولا بتوحيده لربه، وهكذا، يكون «التوحيد» باعتباره أساس «الأمانة» و«العدلُ» باعتباره وسيلتَها، قد جعلا من «الأمانة» عبارة عن خُلُق جامع لأخلاق «الفطرة»، هذه «الفطرة» التي جاء الدين على وفقها.
لذلك، فإن إدراك الفيلسوف المسلم لحقيقة الفطرة الدينية يجعله يقتدي، في معرفة ذاته، بمسلك التخلق النبوي، أمانة وعدلا. ويقول طه عبد الرحمن من خلال كتابه «السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي» أنه متى توسَّل الفيلسوف المسلم، في معرفة ذاته، بكمال الاقتداء بالنبي الخاتم، تفكُّرا وتخلُّقا، أي صدقا وأمانة، توصَّل إلى حقيقتين أساسيتين: إحداهما، أن كمال الحياة الطيبة لا يُدرَك إلا بكمال الاقتداء بالنبي الخاتم، والثانية، أن أعلى رتبة في التفكر والتخلق يمكن أن يَصِل إليها الفيلسوف المقتدِي هي رتبة «الصدّيق»، إذ يدركها بفضل اتخاذه النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم- قدوة، فضلا عن تسليمه بالاجتباء الإلهي الذي خُصَّ به.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك