فلسطين كشفت ازدواجية المعايير الدولية بشكل صارخ
زيادة في الزيارات المعلنة وغير المعلنة خلال الربع الأول من العام الجاري
البحرين لديها تجربة فريدة في العقوبات البديلة.. وتجاوب إيجابي من الداخلية
أجرى الحوار: أحمد عبدالحميد
تصوير: عبدالأمير السلاطنة
أكد المهندس علي الدرازي، رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أن المؤسسة سعت إلى تقوية العلاقات مع منظمات المجتمع المدني، مشيرًا إلى أنها استطاعت أن تشكل جسرًا بين هذه المنظمات والجهات الحكومية. وأضاف أن المؤسسة تهتم بأن تكون الجمعيات الأهلية قابلة للحياة بمفردها ولا تستجدي الدعم الحكومي.
وقال الدرازي، خلال حواره مع «أخبار الخليج»،: إن المؤسسة تحرص على النقد البناء وطرح رأيها بكل شفافية وبشكل متزن ومنضبط، بعيدًا عن المبالغات، كما كشف عن زيادة عدد الزيارات المعلنة وغير المعلنة التي قامت بها المؤسسة خلال الربع الأول من العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، وأشار إلى أن المؤسسة انتهت من إعداد تقريرها السنوي لعام 2023.
بالتزامن مع اليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك المعظم مقاليد الحكم في البلاد، كيف ترى مسيرة حقوق الإنسان في مملكة البحرين؟
شهدت مملكة البحرين تطورًا نوعيًا منذ تدشين المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، من خلال تدشين الديمقراطية في المملكة والمشاركة الشعبية بصورة فاقت تطلعات المواطنين، وكانت الرؤية الملكية الإصلاحية سباقة، كما شهدنا تشكيل المؤسسات الدستورية المختلفة عقب إقرار ميثاق العمل الوطني والتعديلات الدستورية، وتفعيل المشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي بالتزامن مع انتخاب مجلس النواب، وكذلك تشكل الجمعيات السياسية والمهنية والحقوقية.
في عام 2009، تم تأسيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بأمر ملكي وفقًا لمبادئ باريس، التي تقتضي أن تقوم الدول بإنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بقانون يتيح لها الاستقلالية في مزاولة العمل الحقوقي من خلال تخصيص موارد مالية لها من الميزانية العامة للدولة. ولا يجب أن تقدم هذه المؤسسات تقاريرها إلى الحكومات، ولكن يجب أن تقدمها إلى رأس الدولة أو المجالس المنتخبة.
وتم إصدار قانون في 2014 لإنشاء المؤسسة الوطنية في البحرين، ومن ثم تم تعديل هذا القانون في 2016 لتحقيق مزيد من الاستقلالية للمؤسسة بما يتواءم مع مبادئ باريس. وقد عملت المؤسسة على إصدار تقاريرها السنوية بشكل منتظم.
ما هي طبيعة العلاقة بين المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالشأن الحقوقي؟
لقد حرصنا على مدار العامين الأخيرين على تقوية العلاقة مع منظمات المجتمع المدني، ونحن نحرص على أن تكون المؤسسة الوطنية جسرًا بين جمعيات المجتمع المدني والحكومة، لذلك، حرصنا على تنظيم مؤتمرات وورش عمل تدريبية لتقوية عمل هذه الجمعيات في كتابة التقارير الحقوقية، وعلى تشجيع منظمات المجتمع المدني على التركيز على العمل الحقوقي بعيدًا عن العمل السياسي.
وخاصة أن لدينا إشكالية لدى البعض بشأن الخلط بين العمل الحقوقي والعمل السياسي، ودائمًا ما أقول إن هناك «شعرة» تفرق بين الأمرين. لذا، نحن نؤكد على العاملين في الحقل الحقوقي بأن يضعوا نصب أعينهم العمل الحقوقي بشكل واضح لأن ذلك يحقق التجاوب والتطور المنشود على أرض الواقع.
هل استطاعت المؤسسة الوطنية أن تصبح بيتا للخبرة للجمعيات الحقوقية في المجتمع المدني وهل اكتسبتم ثقة هذه الجمعيات؟
العمل مع منظمات المجتمع يحتاج إلى وقت وصبر للتمكن من كسب ثقتها، التي تستند في عملها على الكثير من الديناميكية والحراك، والعديد من الاستفسارات والتساؤلات والمطالبات، لذا، حرصت المؤسسة الوطنية من خلال الفعاليات والمؤتمرات والاجتماعات وورش العمل المختلفة على خلق قناة تواصل مستمرة مع المعنيين بالعمل الحقوقي في البحرين.
استمعت المؤسسة الوطنية الى كل مطالب الجمعيات الحقوقية، ونظمت لقاءات مشتركة بين وزارة التنمية الاجتماعية وهذه الجمعيات، وأعددنا مذكرة وافية بكل المرئيات ورفعناها إلى وزارة التنمية الاجتماعية، وتسلمنا ردودًا من الوزارة.
وعقدت لقاءً ثنائيًا مع وزير التنمية الاجتماعية لشرح مطالب هذه الجمعيات وحل الإشكاليات التي تواجه عملها، لأن المجتمع المدني لا بد أن يكون قابلًا للحياة بمفرده وقادرًا على الاستمرار والعمل بشكل سلس وحيوي للارتقاء بالعمل الحقوقي في المملكة.
ما هي أبرز التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني؟
من خلال اللقاءات مع هذه المنظمات، وجدنا أن كثيرًا منها ينتظر الدعم المالي من الحكومة. نحن نريد للجمعيات أن تكون قادرة على الحياة بمفردها من خلال تدبير الموارد المالية اللازمة بشكل قانوني، بعيدًا عن استجداء الدعم المالي الحكومي.
وهل القانون يتيح لهم تدبير هذه الموارد؟
لقد رفعنا إلى وزارة التنمية الاجتماعية مرئياتنا بشأن التعديلات اللازمة على القانون المنظم لعمل الجمعيات الأهلية وكذلك القرارات الوزارية ذات الصلة. ونجد أن الوزارة تتجاوب وتستمع الى المطالب، ونتطلع إلى رؤية خطوات إيجابية إلى الأمام تضمن وجود بيئة حاضنة للعمل الحقوقي في هذه الجمعيات.
هذا سيقودني الى الاستفسار عن تجاوب الجهات المعنية مع المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وكذلك ما هو دور المؤسسة الوطنية في تطبيق قرار مجلس الوزراء بمنح المؤسسة صفة مراقب في 4 لجان وطنية؟
هناك أمر مهم في مبادئ باريس يتطلب أن تكون المؤسسة الوطنية مراقبة على عمل الحكومة في المجال الحقوقي وأن يكون لها دور في تعزيز حقوق الإنسان في البلاد. لذلك، يأتي قرار مجلس الوزراء ليفعل دور المؤسسة الوطنية الرقابي على اللجان الحكومية.
ما هي أدوات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان لتعزيز حقوق الإنسان بالمملكة؟
إن الفارق بين المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وأي جمعية أهلية معنية بملف حقوق الإنسان يكمن في أن هذه الجمعيات تعتمد على الإعلام فقط لتوصيل صوتها، أما المؤسسة الوطنية فبموجب قانون إنشائها لديها القدرة على القيام بزيارات معلنة وغير معلنة إلى مختلف الجهات الحكومية التي تقدم خدمات للمواطنين، مثل المستشفيات والمدارس، وكذلك أماكن الاحتجاز ومراكز الإصلاح والتأهيل.
نحن نحرص على أن نقول الحقيقة بأسلوب متزن ومنضبط، بعيدًا عن المبالغات، مع التركيز على تقديم مقترحات التطوير اللازمة في أي ملف نتطرق إليه، أي أننا نقوم بما يمكن أن نسميه «النقد البناء الموضوعي».
وبموجب القانون، فإننا نرفع توصياتنا إلى أي جهة حكومية، وفي حال عدم تجاوبها معنا، يحق لنا أن نرفع ذلك إلى أعلى المستويات ونرصده في تقريرنا السنوي.
هناك تطور ملموس فيما يتعلق بحقوق المحتجزين بالمملكة من خلال طرح عديد من المبادرات كالعقوبات البديلة والسجون المفتوحة، ما هو دور المؤسسة الوطنية في تفعيل هذه المبادرات، وما هو دوركم في تواصل أهالي النزلاء؟
إن البحرين لديها تجربة فريدة في العقوبات البديلة، وقد قامت المؤسسة الوطنية بتنظيم مؤتمر دولي شارك فيه أكثر من 35 شخصية من مختلف قارات العالم لعرض تجربة المملكة في التدابير والعقوبات البديلة. الكثير منهم طلبوا منا أن نقوم بنشر هذه التجربة على دول المنطقة، وبالفعل حرصت عديد من المؤسسات الخليجية الحقوقية على الاطلاع عن كثب على التجربة البحرينية.
كما تعاونت المؤسسة الوطنية مع وزارة الداخلية والوزارات الأخرى ذات العلاقة في إنشاء آلية لإشراك القطاع الخاص في تطبيق العقوبات البديلة. نجاح هذه الآلية تم تطبيقه بالفعل بعد صدور العفو الملكي الشامل الأخير، وما تبعه من صدور قرار من صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لتوفير فرص عمل للمشمولين بهذا العفو الملكي.
نجاح تطبيق هذه الآلية تحقق من خلال تضافر جهود المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مع وزارة الداخلية ووزارة العمل وغرفة تجارة وصناعة البحرين وصندوق العمل «تمكين»، والتي أسهمت في تذليل كل المعوقات.
لذلك، أرى أن هذا أحد أدوار المؤسسة الوطنية في التواصل مع الجهات الحكومية لضمان حقوق المحتجزين ونزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل.
البرلمان ناقش مشروعا حكوميا بصفة الاستعجال لتعديل قانون الإصلاح والتأهيل يرتبط بالرعاية الصحية للنزلاء، هل كان للمؤسسة الوطنية دور في هذا الشأن؟
قبل حوالي عامين، رفعت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان توصية إلى وزارة الداخلية بهذا الشأن، والتي ردت حينها بأنها كانت بالفعل تعمل على ذلك منذ فترة. وقد دفعنا في هذا الاتجاه وسط تجاوب واضح من الوزارة، وبالطبع من مجلس الوزراء، وبالفعل تم إحالة مشروع القانون إلى السلطة التشريعية، والذي يتضمن مسائل الرعاية الصحية وكذلك توسيع نطاق زيارات النزلاء.
هذا التفاعل يعكس نهج وزارة الداخلية في التعاطي مع المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وفي التعامل مع الأحداث بشكل ديناميكي عمومًا.
هل هناك زيادة في عدد الزيارات المعلنة وغير المعلنة التي قامت بها المؤسسة الوطنية خلال الربع الأول من العام الجاري؟
بالفعل، عدد الزيارات أكبر من العام الماضي، وتعمل المؤسسة الوطنية بشكل مكثف على تنفيذ هذه الزيارات.
ما هي أبرز مطالبكم بشأن النزلاء؟
إن الرعاية الصحية هي ملف لا بد من معالجته بصورة تامة، والمستشفيات الحكومية تولي اهتمامًا كبيرًا بهذا الملف. مع العلم أن الإحصائيات العالمية تشير إلى أن الإنسان الطبيعي يتردد على المستشفى ما بين 4 و 6 مرات سنويًا، أما الإنسان المحتجز أو النزيل في مراكز الإصلاح فيتردد على المستشفى ما بين 18 و 36 مرة في السنة. وبالتالي، التعامل مع النزيل يحتاج الى دراية خاصة وتطوير في مهارات الطبيب المعالج. وعلى ذلك، فإن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تعمل الآن على إعداد مشروع تدريبي متخصص لأطباء المستشفيات الحكومية للتعامل مع النزلاء والمحتجزين وفهم حقوقهم.
في السنوات الأخيرة برزت مفاهيم جديدة مرتبطة بحقوق الإنسان، منها حقوق الإنسان والبيئة، ما هي اسهامات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في الشأن؟
عقدت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان العام الماضي مؤتمرًا حول حق الإنسان في بيئة سليمة، وتم التواصل مع جميع الوزارات والجهات المعنية بالبيئة في البحرين. لدينا ملاحظات على هذا الملف، والشفافية أمر ضروري للغاية فيه.
يجب أن ندرك أن كل دول الخليج شهدت طفرة نوعية في التطور الحضري والعمراني، وهذا التغير والتطور لا بد أن يكون له انعكاسات على البيئة مع تراجع الرقعة الزراعية وتأثر المياه الجوفية، وكذلك مشاريع دفان البحر في الماضي التي لم تراعِ بشكل صحيح المعايير العالمية التي تتوافق مع البيئة. هذه من المفاهيم المستحدثة التي طرأت على ملف حقوق الإنسان.
يجب نشر التوعية بالثقافة البيئية على جميع فئات المجتمع، بداية من القائمين على هذا الملف وصولًا إلى المواطن المستفيد من هذه البيئة.
ومن المفاهيم الجديدة المستحدثة أيضًا في ملف حقوق الإنسان، سوف نشارك في مؤتمر بمجلس حقوق الإنسان في جنيف هذا الشهر في فعالية عن حقوق الإنسان والأعمال التجارية، وسوف تقيم المؤسسة الوطنية مؤتمرًا نهاية هذا الشهر أيضًا بالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة البحرين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول نفس الموضوع.
ما هي نسبة البحرنة في المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان؟
نسبة البحرنة في المؤسسة تصل تقريبًا إلى 100%.
ما نراه من انتهاكات في غزة وسط صمت دولي مع الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين، تؤثر على مصداقية دعاوى الدفاع عن حقوق الإنسان من بعض الدول، ما رأيك في ذلك؟
ازدواجية المعايير أصبحت واضحة بشكل صارخ، ويظهر ذلك جليًا من خلال برودة ردة الفعل الرسمية العالمية مقارنة بأحداث عالمية أقل بكثير مما يحدث حاليًا من مجازر تقشعر لها الأبدان في غزة والقتل الجماعي للفلسطينيين.
واليوم، نرى أن استخدام حقوق الإنسان كأداة للضغط السياسي أصبح واضحًا جدًا، وخاصة فيما يخص الدول العربية والخليجية.
ويجب أن نشير هنا إلى أن العمل الحقوقي يحتاج إلى جهد دؤوب ومستمر، والبحرين تسعى بكل جدية إلى تقوية وتعزيز قيم حقوق الإنسان. ويؤكد جلالة الملك المعظم دائمًا أن احترام حقوق الإنسان في بلادنا نابع من قيمنا وتقاليدنا وديننا الحنيف.
هل انتهت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان من تقريرها السنوي لعام 2023؟
نحن حاليًا في طور المرحلة النهائية للتقرير، الذي يركز على تطوير حقوق الإنسان ويسلط الضوء على الأدوار التي قامت بها المؤسسة الوطنية خلال العام الماضي. سوف يتضمن التقرير توصياتنا وردود الجهات المعنية عليها، ومتابعة توصيات التقرير السابق.
هل باتت هناك ثقة من المواطن البحريني في المؤسسة الوطنية؟
إن زيادة عدد الشكاوى وطلبات المساعدة القانونية، ولجوء المواطنين والمقيمين إلى المؤسسة الوطنية، يعكس الثقة المتزايدة في المؤسسة، والتي نسعى دائمًا إلى تقويتها بكل جد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك