العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٤ - الأحد ٠٥ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٥هـ

الاسلامي

مرتكزات إيمانية في معركة التصدي للعدوان الغاشم على غزة وفلسطين

بقلم: د. مجدي قويدر*

الجمعة ٠٢ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

إن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬جعل‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل‭ ‬خاضعا‭ ‬للسنن‭ ‬الإلهية‭ ‬المطردة،‭ ‬وهي‭ ‬نافذة‭ ‬في‭ ‬خلقه،‭ ‬متحققة‭ ‬الوقوع،‭ ‬صارمة‭ ‬الحدوث،‭ ‬ثابتة‭ ‬لا‭ ‬تتبدل،‭ ‬ولا‭ ‬تتخلف،‭ ‬ولا‭ ‬تحابي‭ ‬أحدا‭. ‬ومعرفة‭ ‬السنن‭ ‬الحاكمة‭ ‬للاجتماع‭ ‬البشري‭ ‬تحيي‭ ‬الأمل‭ ‬وتنفي‭ ‬العلل،‭ ‬وتحارب‭ ‬الكسل،‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭.‬

ومن‭ ‬السنن‭ ‬الملهمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الدامي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬غزة‭ ‬البطولة‭ ‬ما‭ ‬أكدته‭ ‬سورة‭ ‬الأنفال‭ ‬من‭ ‬توهين‭ ‬كيد‭ ‬الكافرين،‭ ‬فكيد‭ ‬اليهود‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬قوته،‭ ‬وإحكام‭ ‬خططه،‭ ‬وخطورة‭ ‬وسائله،‭ ‬وقوته‭ ‬النارية،‭ ‬وفتكه‭ ‬بالإنسان،‭ ‬فإن‭ ‬سنة‭ ‬الله‭ ‬الثابتة‭ ‬ستضعف‭ ‬شوكته،‭ ‬وتفل‭ ‬عزيمته،‭ ‬وتوهن‭ ‬قوته،‭ ‬وتكسر‭ ‬شكيمته،‭ ‬وتبطل‭ ‬خطته،‭ ‬وتحل‭ ‬عقدته‭. ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭ ‬العدو‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬الأسباب‭ ‬المادية‭ ‬والقوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬وحبل‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬الشر‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ودعمهم‭ ‬غير‭ ‬المحدود‭ ‬للعدوان،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافهم،‭ ‬وحسم‭ ‬المعركة‭ ‬لصالحهم،‭ ‬لأن‭ ‬سنة‭ ‬الله‭ ‬قضت‭ ‬بتوهين‭ ‬كيدهم،‭ ‬وإبطال‭ ‬تدبيرهم؛‭ ‬وتعطيل‭ ‬تأثيره‭.‬

‮«‬ذلكم‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬موهن‭ ‬كيد‭ ‬الكافرين‭ ‬‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬18‭)  ‬وموهن‭ -‬اسم‭ ‬الفاعل‭ ‬من‭ ‬أوهن‭ ‬يوهن،‭ ‬وفي‭ ‬قراءة‭ ‬أخرى‭ (‬موهن‭) ‬اسم‭ ‬فاعل‭ ‬من‭ (‬وهن‭) ‬أي‭ ‬ضعف،‭ ‬ووهن‭ ‬وأوهن‭ ‬بمعنى‭ ‬واحد،‭ ‬وقراءة‭ ‬التشديد‭ ‬تفيد‭ ‬التكرير‭ ‬والمبالغة‭ ‬فهو‭ ‬توهين‭ ‬بعد‭ ‬توهين،‭ ‬فهي‭ ‬سنة‭ ‬إلهية‭ ‬ثابتة‭ ‬ومطردة‭ ‬مع‭ ‬عباده‭ ‬المؤمنين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬معركة‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬الحق‭ ‬والباطل،‭ ‬مادام‭ ‬أهل‭ ‬الحق‭ ‬قد‭ ‬أخذوا‭ ‬بالأسباب،‭ ‬وأعدوا‭ ‬ما‭ ‬استطاعوا‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬المادية‭ ‬الممكنة،‭ ‬والقوة‭ ‬المعنوية‭ ‬الصلبة،‭ ‬فإن‭ ‬توهين‭ ‬كيد‭ ‬العدو‭ ‬يغدو‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬ضمانات‭ ‬النصر‭ ‬ومعالم‭ ‬التأييد،‭ ‬ويحسم‭ ‬نتيجة‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬لصالح‭ ‬المؤمنين،‭ ‬ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬توهين‭ ‬كيد‭ ‬الكافرين‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

أن‭ ‬كيد‭ ‬العدو‭ ‬مستمد‭ ‬من‭ ‬الشيطان‭ ‬الذي‭ ‬يغري‭ ‬أولياءه‭ ‬ويعدهم‭ ‬بالنصر،‭ ‬والله‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬إن‭ ‬كيد‭ ‬الشيطان‭ ‬كان‭ ‬ضعيفا‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬76‭)  ‬فضعف‭ ‬الكيد‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬مصدره‭.‬

إلقاء‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الأعداء،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭ ‬‮«‬سألقي‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الذين‭ ‬كفروا‭ ‬الرعب‭ ‬فاضربوا‭ ‬فوق‭ ‬الأعناق‭ ‬واضربوا‭ ‬منهم‭ ‬كل‭ ‬بنان‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬12‭).‬

معية‭ ‬الله‭ ‬مع‭ ‬المؤمنين،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وإن‭ ‬تعودوا‭ ‬نعد‭ ‬ولن‭ ‬تغني‭ ‬عنكم‭ ‬فئتكم‭ ‬شيئا‭ ‬ولو‭ ‬كثرت‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬مع‭ ‬المؤمنين‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬19‭).‬

الجبن‭ ‬والخور‭ ‬الكامن‭ ‬في‭ ‬قلوبهم،‭ ‬المغروس‭ ‬في‭ ‬أفئدتهم‭ ‬فلا‭ ‬يستطيعوا‭ ‬القتال‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬المحصنة‭ ‬أو‭ ‬الدبابات‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يقاتلونكم‭ ‬جميعا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬قرى‭ ‬محصنة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬جدر‮»‬‭ (‬الحشر‭:‬14‭).‬

تفريق‭ ‬كلمتهم‭ ‬وتفتيت‭ ‬شملهم،‭ ‬وإفشاء‭ ‬العداوة‭ ‬بينهم،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬بأسهم‭ ‬بينهم‭ ‬شديد‭ ‬تحسبهم‭ ‬جميعا‭ ‬وقلوبهم‭ ‬شتى‭ ‬ذلك‭ ‬بأنهم‭ ‬قوم‭ ‬لا‭ ‬يعقلون‮»‬‭ (‬الحشر‭:‬14‭).‬

أن‭ ‬مكرهم‭ ‬السيء‭ ‬يحيق‭ ‬بهم،‭ ‬ويعود‭ ‬إليهم،‭ ‬وسيصطلوا‭ ‬بناره،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬ولا‭ ‬يحيق‭ ‬المكر‭ ‬السيئ‭ ‬إلا‭ ‬بأهله‮»‬‭ (‬فاطر‭: ‬43‭).‬

الحسرة‭ ‬على‭ ‬ضياع‭ ‬إنفاقهم‭ ‬للصد‭ ‬عن‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬وغلبتهم‭ ‬وهزيمتهم‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الذين‭ ‬كفروا‭ ‬ينفقون‭ ‬أموالهم‭ ‬ليصدوا‭ ‬عن‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬فسينفقونها‭ ‬ثم‭ ‬تكون‭ ‬عليهم‭ ‬حسرة‭ ‬ثم‭ ‬يغلبون‭ ‬والذين‭ ‬كفروا‭ ‬إلى‭ ‬جهنم‭ ‬يحشرون‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬36‭).‬

ولاية‭ ‬الله‭ ‬لعباده‭ ‬المؤمنين‭ ‬وتأييده‭ ‬لهم،‭ ‬فهو‭ ‬يتولى‭ ‬الصالحين،‭ ‬ويخذل‭ ‬من‭ ‬يناوئهم‭ ‬من‭ ‬الكافرين،‭ ‬‮«‬وإن‭ ‬تولوا‭ ‬فاعلموا‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬مولاكم‭ ‬نعم‭ ‬المولى‭ ‬ونعم‭ ‬النصير‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬40‭).‬

أن‭ ‬الكفار‭ ‬أضعف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعجزوا‭ ‬الله‭ ‬حين‭ ‬يطلبهم،‭ ‬وأضعف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعجزوا‭ ‬المسلمين‭ ‬وقوة‭ ‬الله‭ ‬معهم،‭ ‬‮«‬ولا‭ ‬يحسبن‭ ‬الذين‭ ‬كفروا‭ ‬سبقوا‭ ‬إنهم‭ ‬لا‭ ‬يعجزون‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬59‭).‬

فالوهن‭ ‬الكامن‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الأعداء،‭ ‬والضعف‭ ‬المخبوء‭ ‬في‭ ‬صفوفهم،‭ ‬ومعية‭ ‬الله‭ ‬وولايته‭ ‬لنا،‭ ‬ستجعل‭ ‬كيدهم‭ ‬في‭ ‬نحرهم،‭ ‬وتكون‭ ‬نتيجة‭ ‬الوهن‭ ‬تهيئهم‭ ‬للهزيمة‭ ‬على‭ ‬أيدينا،‭ ‬وإفشال‭ ‬مخططاتهم،‭ ‬ودحر‭ ‬قواتهم،‭ ‬وانحصار‭ ‬مشروعهم،‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬بصر‭ ‬بتاريخ‭ ‬الأمم،‭ ‬وسنن‭ ‬الله،‭ ‬لم‭ ‬تخدعه‭ ‬ظواهر‭ ‬القوة،‭ ‬ولم‭ ‬يأسره‭ ‬مشهد‭ ‬الباطل‭ ‬المنتفش؛‭ ‬فالكيد‭ ‬الإلهي‭ ‬بالكافرين‭ ‬قوي‭ ‬متين،‭ ‬يمهل‭ ‬ولا‭ ‬يهمل،‭ ‬قد‭ ‬يطول‭ ‬الأمد،‭ ‬ويضعف‭ ‬السند،‭ ‬لكنه‭ ‬حتما‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬مأمن،‭ ‬ويصيب‭ ‬في‭ ‬مقتل،‭ ‬ويهدم‭ ‬أركانهم،‭ ‬ويقوض‭ ‬بنيانهم‭ ‬حتى‭ ‬يتهاوى‭ ‬السقف‭ ‬على‭ ‬أهله،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬قد‭ ‬مكر‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬قبلهم‭ ‬فأتى‭ ‬الله‭ ‬بنيانهم‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬فخر‭ ‬عليهم‭ ‬السقف‭ ‬من‭ ‬فوقهم‭ ‬وأتاهم‭ ‬العذاب‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يشعرون‮»‬‭. (‬النحل‭: ‬26‭).  ‬والواجب‭ ‬علينا‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الكيد‭ ‬إيقاظ‭ ‬جذوة‭ ‬الإيمان‭ ‬في‭ ‬القلوب،‭ ‬وتجديد‭ ‬الثقة‭ ‬بربنا،‭ ‬والاطمئنان‭ ‬إلى‭ ‬وعده،‭ ‬والاستمساك‭ ‬بحبله‭ ‬المتين،‭ ‬والاعتصام‭ ‬بالكتاب‭ ‬والسنة،‭ ‬يقول‭ ‬شيخ‭ ‬الإسلام‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭: ‬‮«‬ومن‭ ‬سنة‭ ‬الله‭: ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬إظهار‭ ‬دينه‭ ‬أقام‭ ‬من‭ ‬يعارضه،‭ ‬فيحق‭ ‬الحق‭ ‬بكلماته،‭ ‬ويقذف‭ ‬بالحق‭ ‬على‭ ‬الباطل؛‭ ‬فيدمغه؛‭ ‬فإذا‭ ‬هو‭ ‬زاهق‮»‬‭. ‬وهكذا‭ ‬ينقلب‭ ‬كيدهم‭ ‬نقيض‭ ‬ما‭ ‬أرادوا‭ ‬وخططوا‭ ‬ودبروا‭ ‬وموهوا،‭ ‬كما‭ ‬حكى‭ ‬الله‭ ‬عاقبة‭ ‬كيد‭ ‬قوم‭ ‬إبراهيم‭ - ‬عليه‭ ‬السلام‭ - ‬به،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬فأرادوا‭ ‬به‭ ‬كيدا‭ ‬فجعلناهم‭ ‬الأسفلين‮»‬‭ (‬الصافات‭: ‬98‭).‬

فلتطمئن‭ ‬الفئة‭ ‬المؤمنة‭ ‬الصامدة‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الرباط‭ ‬بأن‭ ‬الله‭ ‬لن‭ ‬يتركهم‭ ‬وحدهم،‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬معهم،‭ ‬وأنهم‭ ‬هم‭ ‬المنصورون‭ ‬وإن‭ ‬جندنا‭ ‬هم‭ ‬الغالبون‭ ‬الذين‭ ‬يحققون‭ ‬سنته‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬ويعلون‭ ‬كلمته‭ ‬في‭ ‬الناس،‭ ‬ويرفعون‭ ‬رايته‭ ‬وينطلقون‭ ‬باسمه،‭ ‬ويجاهدون‭ ‬لحماية‭ ‬دينه،‭ ‬وصيانة‭ ‬شعائره،‭ ‬وإزالة‭ ‬رجس‭ ‬الصهاينة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬المقدسة،‭ ‬ولن‭ ‬يفلت‭ ‬الخونة‭ ‬من‭ ‬عقابه‭.‬

*‭ ‬مدير‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬المرقاة‭ ‬المحكمة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا