يعود موسم الأمطار، لتعود معه ذات المشكلة السنوية، تجمعات أمطار، شلل في حركة المرور، أضرار في المنازل والممتلكات، صهاريج شفط المياه تنتقل بين الطرقات والمجمعات.
والغريب إنه وقبل موسم الأمطار، تكثر وبشكل مواز تلك التصريحات التي تؤكد الاستعداد التام لهذا الموسم، وتتغنى بالإنجازات وبتطورات شبكات الصرف الصحي وبخطط الطوارئ.
نص ساعة كانت كافية لكشف المستور. ربع ساعة من الأمطار يوم الخميس، الثاني من نوفمبر الجاري كانت كافية للبوح بحقيقة الوضع ومدى نجاح الاستعدادات وقدرة الشبكات في كثير من المناطق على استيعاب هذه الدقائق من الأمطار. ليبقى السؤال الذي يثير القلق: ماذا لو أمطرت نصف نهار؟!
لسنا هنا ننتقص من جهود الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة الأشغال أو البلديات من أجل التعامل مع مثل هذه المواقف. ولكن من حقنا أيضا أن نطرح تساؤلات تمثل لسان حال المواطنين والمقيمين.
في لقاءاتنا مع مواطنين، قال أحد المواطنين من منطقة اللوزي الجديدة: «بعد أن أمطرت دقائق، خرجت متجها إلى منزل والدي. ولكني صدمت بأن المخرجين الوحيدين للمنطقة مغلقان، وعشرات السيارات مكدسة لا تستطيع الخروج أو الدخول بسبب بركة المياه التي يزيد ارتفاعها على نصف ارتفاع السيارة العادية. بقيت حوالي ربع ساعة أبحث عن مخرج من دون جدوى، حتى اضطررت في الأخير إلى أن أسير بالسيارة على الأرصفة، ووصلت إلى إشارة المرور، لأصدم بوجود سيارة شرطة تمنع السيارات من الدخول في الشارع الرئيسي الجديد والذي لا يتجاوز عمره عامين، والسبب أنه مغلق من المنتصف بسبب مستنقع الماء!. وما يزيد المشكلة هو تخطيط الشوارع. فنجد أن مناطق بأكملها تضم مئات المنازل ليس لها إلا مخرج واحد».
مواطن آخر يقطن في شارع البديع. يؤكد أنه خرج من بيته متجها إلى الدوام. ولم يستغرق المشوار سوى خمس ساعات ونصف الساعة فقط! والسبب هو الشلل في حركة المرور بسبب مستنقعات المياه.
وآخر اشتكى من تكدس مئات السيارات في شارع الشيخ خليفة بن سلمان (الطريق السريع) مستغربا أن يشهد شارع عام ورئيسي مثل هذه المشكلة.
أما باصات المدارس فلم تكن أقل حيرة، فقد تأخر كثير من الطلاب عن الوصول إلى منازلهم أكثر من ساعتين.
طبعا هذا عدا عن صور غرق سيارات وتضرر ممتلكات، كل ذلك بسبب ربع ساعة من الأمطار.
وهنا من حقنا أن نتساءل: أين المشكلة؟ ألم تطمئننا التصريحات بأن الاستعدادات على قدم وساق لموسم الأمطار؟!
نعم ربما كانت الأضرار في البيوت لا تكاد تذكر مقارنة بالعام الماضي. ولكن المواطنين الذين طرحنا عليهم هذا السؤال كان ردهم المباشر: ربما السبب أن المطر لم يستمر سوى دقائق فقط. ونحن قلقون كثيرا من الأيام القادمة. فقد كانت الأرض قبل أيام أكثر جفافا وقدرة على امتصاص المياه، ولكن لو تكرر المطر فستزداد المشكلة.
مواطن حدثنا بحرقة قلب قائلا: «حالة شلل تام أصابت الكثير من مناطق البحرين وأثبتت أن البنية التحتية ضعيفة أكثر مما تصورنا. كنت مارا أمام المستشفى العسكري وكان الوضع (مأساة). خرجت من الدوام في الساعة الثانية مساء، وصلت المنزل بعد الرابعة على الرغم من أن المدة المعتادة للرحلة هي نصف ساعة. أين المجاري التي حدثونا عنها طوال السنوات السابقة؟! أين أعمال التوسعة والصيانة التي تكررت التصريحات بشأنها؟ كنت يومها في الدوام واتصلت زوجتي لتبلغني أن سقف الحمام قد سقط بسبب المياه!»
مواطن آخر تسلم أطراف الحديث قائلا: «لاحظنا نوعا من السرعة في إرسال الصهاريج وشفط المياه، ولكن ماذا لو استمر المطر مدة طويلة؟ هل سنجد نفس السرعة؟ فقد أخبرونا غير مرة أنه تم حل مشكلة اللوزي. ولكن الواقع أثبت غير ذلك».
الحق يقال، وكما يؤكد مواطنون ومقيمون أن عملية شفط المياه بالصهاريج تمت هذا العام في كثير من المناطق في وقت قياسي مقارنة بالسنوات السابقة، ما يعكس جهوزية جيدة من قبل الجهات المعنية، ولكن يفرض سؤال آخر هنا نفسه: هل الحل يكمن في الصهاريج؟.
اللافت في الأمر أن كل إدارة معنية بادرت بنشر صور وأخبار عن إنجازاتها الكبيرة في التعامل مع المشكلة. ولكن ماذا عن حل المشكلة؟.
البنية التحتية
«المشكلة لن تتوقف، بل ستستمر وتتكرر كل عام إذا لم نجد حلا للبنية التحتية ولم نعالج مناطق تجمع الأمطار، فالمشكلة باختصار هي البنية التحتية».
بهذا الجملة بدأت عضو مجلس بلدي -فضلت عدم ذكر اسمها- حديثها حول المشكلة، مضيفة: «مناطق تجمع الأمطار معروفة وواضحة لدى الجميع، والمناطق القديمة بصورة خاصة تعاني من المشكلة بشكل أكبر. بل إننا صرنا نعرف المناطق التي تتضرر، وعندما تهطل الأمطار نعرف مسبقا وقبل أن يردنا أي بلاغ أين ستكون تجمعات المياه وأين ستكثر الأضرار سواء في المنازل أو الشوارع والطرقات، وأين ستحدث الاختناقات المرورية وتشل الحركة تماما».
* أمام تكرار المشكلة والتي تقابلها تصريحات متكررة هي الأخرى، ما أسباب عدم إيجاد حلول جذرية حتى الآن في رأيك؟
** ربما يرتبط الأمر بالموازنات. فعمل قنوات لتصريف الأمطار وشبكات للصرف الصحي ليس بالأمر السهل. ولكن لو رجعنا إلى تاريخ المشكلة لوجدنا أنها قديمة ومتكررة وليست وليدة اللحظة، ومن المعيب أن نشهد ذات الأمر يتكرر كل عام. ولو اعتمدنا منذ سنوات حلولا تدريجية لأمكننا إنجاز الكثير. فمثلا لو كان لدينا 100 موقع يعاني من تجمع مياه الأمطار، وقمنا كل عام بحل المشكلة في مجموعة محددة من هذه المواقع، لتقلصت المشكلة تدريجيا وانحصرت في مناطق أقل يتم التعامل معها أيضا بشكل تدريجي.
* بالمقابل، ألا يمكن اعتبار استخدام الصهاريج لشفط المياه المتجمعة حلا أمثل للمشكلة خاصة مع ما أشرت إليه من ضعف في البنية التحتية؟
** حتى لو استخدمت 1000 صهريج فإن ذلك لن يمثل حلا جذريا. فالشفط والنقل والتفريغ يتطلب وقتا طويلا. وهذا ما يعني أن تبقى مناطق متضررة تنتظر ساعات حتى يأتي دورها.
ثم إن الصهاريج تعد طرقا تقليدية، بل حلولا ترقيعية. ولو حلت المشكلة الأساسية في البنية التحتية لما احتجنا إلى هذه الوسائل القديمة.
لا يمكن أن ننكر هنا أن وزارة الأشغال تحديدا نجحت خلال السنوات الماضية في تطوير الكثير من خدماتها وجهودها، ولكن مازالت هناك أولويات لابد أن تركز عليها ومنها خطة مدروسة وتدريجية لعلاج مشكلة الأمطار التي تشل الحركة في البلاد.
فالسؤال هنا: نص ساعة من الأمطار شلت الحركة في كثير من مناطق وطرقات البحرين، فكيف سيكون الحال إذا ما هطلت الأمطار ساعة أو نصف يوم؟ هل ستغرق البحرين؟!
تصور أن بعض المواطنين والمقيمين احتاجوا إلى ما يقارب 5 ساعات حتى يصلوا إلى وجهتهم. نعم قد نتفهم أن تتركز المشكلة في المناطق القديمة والقرى وغيرها، ولكن لماذا الشوارع الرئيسية والمناطق الحيوية؟ انظروا إلى ما حدث أمام الإدارة العامة للمرور على سبيل المثال!
والمشكلة هنا إنه بمجرد أن ينتهي الموسم ينسون المعاناة، ويبقى الحال على ما هو عليه لتعود المشكلة في العام القادم.
والأمر الآخر أن أعضاء المجالس البلدية يتحملون الشكاوى والاستياء والتذمر من المواطنين، في حين كنا نتمنى أن نجد المسؤولين موجودون في مناطق تجمع الأمطار لمعاينة الأزمة من كثب ويلمسون حجم المشكلة في الواقع وليس من خلال الصور، لأن الصور ومقاطع الفيديو لا تعكس الحجم الحقيقي لما يحدث من شلل في الحركة وأضرار في الممتلكات والمنازل وغرق لمناطق بأكملها. وحتى المفتشين هم ضحايا أيضا لأن كلا منهم مكلف بأن يزور المناطق ويعد تقريره بشأنها. في حين أن المسؤولية تقع أيضا على عاتق المسؤولين الذين يجب ألا يكتفوا بقرارات وتصريحات من المكاتب فحسب.
* عندما نتحدث عن مشكلة في البنية التحتية، ألا يتعارض ذلك مع التوجهات العامة في المملكة باستقطاب المشاريع والاستثمارات وغيرها؟
** لا أعتقد ذلك لأن مشكلة الأمطار والبنية التحتية ليست في كل مكان، فالمشاريع الجديدة التي تستقطب الاستثمارات نجدها متكاملة إلى حد كبير ولا تعاني من هذه المشاكل. فيما تبقى المناطق الأقدم هي التي تعاني سنويا.
توصيات
«هل ما حدث يمثل مشكلة فعلا؟».
سؤال طرحناه على عضو المجلس البلدي، ممثل الدائرة السادسة في المنطقة الشمالية عبدالله عاشور، وعلى ذلك أجاب مباشرة: «هو مشكلة حقيقية، بل كارثة. فنحن نتمنى أمطار الخير، ولكن مع وجود مشكلة في البنى التحتية والشوارع وشبكات الصرف الصحي فإن الأمر يتحول إلى مشكلة».
وأضاف: «المشكلة المتكررة في كل عام تثبت أننا غير مستعدين لأي ظرف طارئ أو مباغت بما في ذلك البنى التحتية وشبكات تصريف المياه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى خطط مواجهة المشكلة. فخلال 15 دقيقة انكشفت الأمور على الواقع، وانشلت الحركة في كثير من المناطق. والغريب أن نفس المشاكل تتكرر كل عام من دون حلول جذرية. ففي دائرتي مثلا والتي تشمل عالي وإسكان عالي، تتكرر المشكلة وفي نفس نقاط تجمع مياه الأمطار منذ أكثر من 40 عاما كلما هطل مطر غزير بعض الشيء، وشخصيا منذ عام 2015 رفعت تقريرا حول نقاط تجمع الأمطار بالمنطقة، ولكن لم نجد أية حلول جذرية. بل لدينا مناطق في عالي أصابها الشلل التام، وأكثر من 50 منزلا تضرر بشكل كبير، فضلا عن اختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي وارتدادها إلى داخل البيوت.
وحتى بالنسبة إلى إسكان الرملي وهي منطقة جديدة، غرقت طرق وبيوت مثل طريق 1628 إلى 1632 بمجمع 716. ونفس الأمر في طريق 1520 بمجمع 715.
وماذا عن نفق عالي وبوري؟ ألا يعاني من نفس المشكلة منذ التسعينيات من دون حل؟
ثم هل لاحظتم أن الشوارع في (خرائط جوجل) تحولت إلى اللون الأحمر بسبب شلل حركة المرور؟ هل يناسب هذا سمعة البحرين؟!
سنويا نرى تصريحات عن الاستعدادات، ولكن اتضح أنها حبر على ورق، لأن الحلول الترقيعية غير مجدية، بما في ذلك الصهاريج.
والملاحظ هذه المرة أن منطقة اللوزي وبسبب ما حدث بها العام الماضي، صار التركيز أكبر عليها هذا العام، وبمجرد أن هطل المطر هب المسؤولون إلى اللوزي للتصوير وإبراز الجهود لكي يظهروا بأنهم يؤدون عملهم على أكمل وجه.
وتابع عاشور: في رأيي يكمن الخلل في أن وزارة الأشغال غير قادرة على حل المشكلة ربما بسبب الميزانيات أو أي سبب آخر.
* ولكن الملاحظ هذا العام أن سحب المياه ومعالجة المشكلة تم في وقت قياسي فعلا، وهذا ما يحسب للجهات المعنية وفي مقدمتها الأشغال والبلديات؟
** قبل أسابيع شاركنا في اجتماع حول الاستعدادات لموسم الأمطار، وأبلغونا أنهم خصصوا 35 صهريجا للمحافظة الشمالية وحدها. وفعلا في بعض المناطق تم سحب المياه بسرعة، ولكن مناطق أخرى بقيت تنتظر ساعات.
ثم لماذا نصرف ميزانيات على الصهاريج كل عام؟ لو استثمرنا هذه الميزانيات طوال السنوات السابقة في خطط صحيحة وليس حلول ترقيعية لأمكن حل جزء كبير من المشكلة. شخصيا صرت لا أثق حتى بالاجتماعات المعنية بهذا الأمر ولا أحضرها، لأن الهدف منها رفع توصيات إلى الوزارة، وكأن الوزارة لا تدري بالمشكلة!
وما يؤسفنا أننا في وجه المدفع، والمواطنون يتصلون بنا ليجأروا بالشكوى.
غياب الخطة
أحد المختصين -فضل عدم ذكر اسمه- لخص المشكلة في (تنقصنا خطة واضحة ومنظمة).
وشرح ذلك بقوله: «نقدر الدور الذي تقوم به وزارة الأشغال بشكل خاص، فإنجازاتها كبيرة وملموسة، ولكن عندما نتحدث عن مشكلة الأمطار نجد أن التركيز ينصب على نقاط تجمع الأمطار. والمجالس البلدية قدمت عدة مرات خطة وخارطة لهذه النقاط، ولكن لم نجد أي خطة أو دراسة لهذه المناطق التي تشهد بشكل سنوي مشاكل متكررة بسبب الأمطار».
وأضاف: «قد يكون التحدي الأكبر الذي يواجه جهود تطوير شبكات الصرف الصحي هو الميزانيات، لذلك يتم اللجوء إلى الصهاريج لشفط المياه المتجمعة. ولكن ما يحدث هو أن التوجه إلى المناطق يتم حسب البلاغات وبشكل أشبه بالعشوائي. فقد تبقى مناطق أكثر تضررا تنتظر مددا أطول من غيرها. لذلك تم تقديم مقترحات بأن يتم على الأقل تخصيص صهاريج لسحب المياه وضخها في نقاط معينة وتكون تحت إشراف ممثلي الدوائر لأنهم الأدرى باحتياجات ومشكلات المنطقة. ولكن لم يتم الأخذ بهذه المقترحات. لذلك نجد أن المشكلة التي حدثت في العام الماضي وما قبله تكررت قبل أيام أيضا وستتكرر في الأيام القادمة».
وحتى الاجتماعات تكون في الغالب تنسيقية وليس لوضع خطة تضمن عدم تكرار المشكلة.
* أشرت إلى مقترحات بتوزيع الصهاريج، هل يمكن اعتبار شفط المياه بهذه الآليات هو الحل الأمثل حاليا؟
** في ظل غياب خطة علاج جذرية، وفي ظل الميزانيات الحالية نعم ربما هي الحل المؤقت، شريطة ألا يكون بشكل عشوائي كما ذكرت. ثم إن هذه الصهاريج بحاجة إلى مراقبة صارمة، هل تعلم أننا ضبطنا حالات يتم شحن نصف الصهريج وضخه في البحر ويحسب على أنه صهريج كامل؟ بل إن بعضها يسحب المياه من نقطة التجمع ثم يقوم بتفريغها على بعد أمتار وفي داخل الأحياء السكنية.
رسالة
نعيد التأكيد هنا أننا لا نرمي الانتقاص من أية جهود أو مبادرات تبذل من قبل الجهات المعنية للتعامل مع المشكلة. ولكنها رسالة نود إيصالها للمعنيين بأن هناك حالة قلق، وحالة من عدم الثقة ببعض التصريحات. لأن 15 دقيقة كانت كافية لكشف المستور!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك