العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

أخبار البحرين

وظيفتي.. سر تعاستي!

تحقيق: محمد الساعي

الأحد ٠٥ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

الاقتصاد العالمي يخسر 8.8 تريليونات دولار بسب التعاسة الوظيفية!


موظفة: أكره حتى الشوارع التي توصلني إلى عملي..

وآخر: وظيفتي رحلة عذاب يومية تشبه الحبس مع الأشغال الشاقة


‮«‬لا‭ ‬أحب‭ ‬عملي‭. ‬أكره‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أذهب‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬الدوام‭. ‬صرت‭ ‬أكره‭ ‬حتى‭ ‬الطرق‭ ‬والشوارع‭ ‬التي‭ ‬توصلني‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬عملي‭. ‬صرت‭ ‬أعاني‭ ‬ضغطا‭ ‬ومشاكل‭ ‬نفسية‭ ‬بسبب‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬وعدم‭ ‬التقدير‮»‬‭.‬

كانت‭ ‬هذه‭ ‬باختصار‭ ‬إجابة‭ ‬موظفة‭ ‬تحمل‭ ‬شهادة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬عندما‭ ‬سألناها‭: ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬سعيدة‭ ‬في‭ ‬عملك؟‭. ‬وكلماتها‭ ‬كافية‭ ‬لأن‭ ‬توحي‭ ‬بأنها‭ ‬تعاني‭ ‬وبقوة‭ ‬مما‭ ‬يعرف‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الإدارة‭ ‬بـ«التعاسة‭ ‬الوظيفية‮»‬‭.‬

الموضوع‭ ‬أخطر‭ ‬مما‭ ‬نتوقعه‭. ‬فقد‭ ‬أشارت‭ ‬دراسة‭ ‬حديثة‭ ‬أجرتها‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬بام‭ ‬بول‭ ‬إتش‭ ‬آر‮»‬‭ ‬BambooHR‭ ‬أن‭ ‬الرضا‭ ‬الوظيفي‭ ‬وسعادة‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬انخفاض،‭ ‬وازدادت‭ ‬حدة‭ ‬المشكلة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬مع‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬وبلغ‭ ‬هذا‭ ‬الانخفاض‭ ‬معدلات‭ ‬مقلقة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭.‬

الدراسة‭ ‬التي‭ ‬حللت‭ ‬بيانات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬موظف‭ ‬في‭ ‬1600‭ ‬شركة‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬خلصت‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬مقلقة،‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬تعاسة‭ ‬الموظفين‭ ‬لا‭ ‬تؤثر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والذهنية‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل،‭ ‬ولكنها‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬المالي‭ ‬للشركات،‭ ‬وقد‭ ‬تكلف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬8‭.‬8‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭!‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬9%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭.‬

وبالمقابل،‭ ‬تؤكد‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬ببيئة‭ ‬عمل‭ ‬اندماجية‭ ‬وصحية‭ ‬تحقق‭ ‬أرباحا‭ ‬أعلى‭ ‬ومعدل‭ ‬تغيب‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬موظفوها‭ ‬أقل‭ ‬سعادة‭.‬

الدراسات‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬تعاسة‭ ‬الموظفين‭ ‬وعدم‭ ‬رضاهم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكلف‭ ‬الشركات‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬550‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنويًّا‭ ‬في‭ ‬الإنتاجية‭ ‬المفقودة‭.‬

كثيرون‭ ‬يربطون‭ ‬السعادة‭ ‬الوظيفية‭ ‬ونقيضتها‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية‭ ‬بالجانب‭ ‬المادي‭. ‬ولكن‭ ‬الخبراء‭ ‬يؤكدون‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬العائد‭ ‬المادي‭ ‬والمكافآت‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬السعادة‭ ‬أو‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭.‬

فقد‭ ‬أكدت‭ ‬دراسة‭ ‬أجريت‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬وامتدت‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬85‭ ‬عاما،‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬الوظائف‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬تلك‭ ‬الأعلى‭ ‬أجرا‭. ‬وأن‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بتفاعل‭ ‬بشري‭ ‬محدود،‭ ‬ولا‭ ‬تقدم‭ ‬فرصاً‭ ‬لبناء‭ ‬علاقات‭ ‬ذات‭ ‬مغزى‭ ‬مع‭ ‬زملاء‭ ‬العمل،‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬العاملون‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬الموظفين‭ ‬بؤسا‭!. ‬

 

عملي‭.. ‬سر‭ ‬تعاستي

خلال‭ ‬إعدادنا‭ ‬لهذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬عمدنا‭ ‬إلى‭ ‬التحدث‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ (‬غير‭ ‬السعداء‭ ‬وظيفيا‭) ‬لنلمس‭ ‬حقيقة‭ ‬مشاعرهم‭ ‬وأسباب‭ ‬غياب‭ ‬الرضا،‭ ‬وتأثير‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أدائهم‭ ‬وصحتهم‭ ‬النفسية‭.‬

ونعود‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ابتدأنا‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الموضوع،‭ ‬وهو‭ ‬مواطنة‭ ‬اجتهدت‭ ‬لتواصل‭ ‬دراستها‭ ‬وتحصل‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬على‭ ‬حسابها‭ ‬الخاص،‭ ‬متوقعة‭ ‬ترقية‭ ‬أو‭ ‬علاوة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ثناء‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬ولكن‭ ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬كان‭ ‬الجواب‭ ‬عندما‭ ‬طالبت‭ ‬بذلك‭: ‬لم‭ ‬يطلب‭ ‬منك‭ ‬أحد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬بل‭ ‬وأحيلت‭ ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬إلى‭ ‬لجان‭ ‬تحقيق‭. ‬تقول‭ ‬محدثتنا‭:‬

‮«‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬تعيسة‭ ‬في‭ ‬عملي،‭ ‬بل‭ ‬أكره‭ ‬عملي‭. ‬فأنا‭ ‬حاصلة‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬علمية،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ترقية‭ ‬أو‭ ‬تقدير،‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬الإهانات،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬يرفضون‭ ‬تسميتي‭ ‬بدكتورة‭! ‬وإنما‭ ‬أخصائية‭ ‬فقط‭. ‬ربما‭ ‬لأنهم‭ ‬أقل‭ ‬درجة‭ ‬علمية‭ ‬مني‭. ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬أشعر‭ ‬أنني‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬وخبرة‭ ‬من‭ ‬المديرة‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬جديدة‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الوظيفة‭.‬

هل‭ ‬تصدقون‭ ‬أنهم‭ ‬مرة‭ ‬طلبوا‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أحمل‭ ‬صندوقا‭ ‬وأنقله‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬آخر؟،‭ ‬أخبرتهم‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه‭ ‬لأحمل‭ ‬صناديق،‭ ‬فكان‭ ‬الرد‭ ‬إن‭ ‬العمل‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬على‭ ‬التوصيف‭ ‬الوظيفي‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ (‬ما‭ ‬يوكل‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬مهام‭). ‬وعندما‭ ‬رفضت‭ ‬أدخلوني‭ ‬إلى‭ ‬لجنة‭ ‬تحقيق‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬جعلني‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬العمل،‭ ‬أكره‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أذهب‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الدوام،‭ ‬أكره‭ ‬حتى‭ ‬الشوارع‭ ‬والطرق‭ ‬التي‭ ‬توصلني‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬عملي،‭ ‬بل‭ ‬أعتبر‭ ‬الاستيقاظ‭ ‬صباحا‭ ‬والاستعداد‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الدوام‭ ‬عذاب‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي،‭ ‬ولكني‭ ‬مضطرة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬لي‭ ‬بضغط‭ ‬ومشاكل‭ ‬نفسية‭. ‬وعندما‭ ‬ألجأ‭ ‬إلى‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬يقولون‭ ‬لي‭: ‬‮«‬كلنا‭ ‬نعاني‭ ‬مشاكل‭ ‬وأعراضا‭ ‬نفسية‮»‬‭. ‬

نقل‭ ‬تعسفي

‭(‬ل‭.‬ع‭)‬،‭ ‬موظفة‭ ‬بإحدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الكبيرة،‭ ‬تؤكد‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬أنها‭ (‬تعيسة‭ ‬وظيفيا‭). ‬وتشرح‭ ‬ذلك‭ ‬بقولها‭: ‬‮«‬أسرد‭ ‬لكم‭ ‬حكايتي‭ ‬ولكم‭ ‬الحكم‭. ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬مسمى‭ ‬وظيفي‭ ‬تخصصي‭ ‬ممتاز،‭ ‬وخلال‭ ‬سنوات‭ ‬اجتهدت‭ ‬ودرست‭ ‬وحصلت‭ ‬على‭ ‬شهادات‭ ‬ورخص‭ ‬في‭ ‬تخصص‭ ‬نادر‭ ‬بالبحرين‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمرأة‭. ‬

وفجأة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬سابق‭ ‬إنذار‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إبلاغي،‭ ‬جاء‭ ‬أمر‭ ‬بنقلي‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬آخر،‭ ‬وهو‭ ‬نقل‭ ‬أعتبره‭ ‬تعسفيا‭. ‬حاولت‭ ‬مناقشة‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬المسؤولين‭ ‬وأفهمتهم‭ ‬بأن‭ ‬تخصصي‭ ‬وشهاداتي‭ ‬وخبرتي‭ ‬بعيدة‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬القسم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬نقلي‭ ‬إليه‭. ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬أذنا‭ ‬صاغية‭. ‬

والمشكلة‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ديوان‭ ‬الخدمة‭ ‬المدنية‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬مسجلة‭ ‬في‭ ‬التخصص،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬تقرير‭ ‬الأداء‭ ‬الوظيفي‭ ‬السنوي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬أخرى‭ ‬وبتخصصي‭ ‬الأصلي‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬نقلي‭ ‬إليه‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يعيق‭ ‬حتى‭ ‬فرص‭ ‬الترقية‭ ‬أو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬علاوات‭ ‬لأنني‭ ‬مسجلة‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬وأعمل‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬أخرى‭. ‬والمزعج‭ ‬أكثر‭ ‬أنني‭ ‬أجد‭ ‬موظفين‭ ‬جددا‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬لا‭ ‬نحصل‭ ‬عليها‭ ‬نحن‭. ‬ومع‭ ‬كثرة‭ ‬محاولاتي‭ ‬ومطالباتي‭ ‬قالوا‭ ‬لي‭ ‬إنني‭ ‬اختلق‭ ‬المشاكل‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬أصابني‭ ‬بالقلق‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مستمرا‭ ‬مع‭ ‬الأيام،‭ ‬وصرت‭ ‬لا‭ ‬أستمتع‭ ‬بالعمل‭ ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬سابقا،‭ ‬بل‭ ‬صرت‭ ‬أعاني‭ ‬ضغوطا‭ ‬نفسية‭ ‬بسب‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭. ‬وفقدت‭ ‬الشغف‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أستطيع‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬وإنتاجية‭ ‬بالوظيفة،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬إدارات‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بالجانب‭ ‬النفسي‭ ‬للموظف‭ ‬بقدر‭ ‬اهتمامهم‭ ‬بالجوانب‭ ‬الإدارية‭ ‬والانضباط‮»‬‭. ‬

الاستقالة‭ ‬هي‭ ‬الحل

‭(‬س‭. ‬أ‭. ‬ن‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬موظفا‭ ‬بإحدى‭ ‬المؤسسات،‭ ‬يختصر‭ ‬شعوره‭ ‬في‭ ‬العمل‭: ‬‮«‬كانت‭ ‬رحلتي‭ ‬اليومية‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬أشبه‭ ‬برحلة‭ ‬عذاب‭ ‬أضطر‭ ‬إلى‭ ‬تحملها،‭ ‬وأشعر‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬طريقي‭ ‬إلى‭ ‬معتقل‭ ‬في‭ ‬أشغال‭ ‬شاقة‭!‬‮»‬‭. ‬ويشرح‭ ‬ذلك‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬عانيت‭ ‬من‭ ‬مشكلتين،‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬المحسوبيات‭ ‬والمضايقات‭ ‬من‭ ‬المسؤول،‭ ‬وبالتالي‭ ‬عدم‭ ‬المساواة‭ ‬أو‭ ‬العدالة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬خلق‭ ‬عندي‭ ‬شعورا‭ ‬بكره‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭. ‬والمشكلة‭ ‬الأخرى‭ ‬هي‭ ‬عدم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬بالشكل‭ ‬اللائق‭. ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬موظف‭ ‬مبيعات،‭ ‬وحسب‭ ‬النظام‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬مرتبي‭ ‬وعلى‭ ‬عمولة‭ ‬إضافية‭ ‬للمبيعات‭. ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬الإدارة‭ ‬توقف‭ ‬صرف‭ ‬العمولة‭ ‬وقتما‭ ‬تشاء‭ ‬وتصرفها‭ ‬وقتما‭ ‬تشاء،‭ ‬وهدفها‭ ‬إجبارنا‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬مبيعات‭ ‬أكبر‭. ‬بمعنى‭ ‬إنها‭ ‬تستخدم‭ ‬العمولة‭ ‬كورقة‭ ‬ضغط‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يسبب‭ ‬لنا‭ ‬ضغطا‭ ‬نفسيا‭ ‬ومشاكل‭ ‬مالية‭. ‬وعندما‭ ‬راجعت‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬أبلغوني‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬بند‭ ‬قانوني‭ ‬ينظم‭ ‬هذه‭ ‬الأمر‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سبب‭ ‬لي‭ ‬انزعاجا‭ ‬تراكم‭ ‬حتى‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬قلق‭ ‬ثم‭ ‬كره‭ ‬للوظيفة‭. ‬وعندما‭ ‬شعرت‭ ‬بأن‭ ‬حالتي‭ ‬النفسية‭ ‬تتأثر‭ ‬قدمت‭ ‬استقالتي‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬انتظار‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬أخرى‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬الوتيرة‭ ‬ذاتها‭ ‬يروي‭ (‬م‭ ‬ج‭) ‬قصته‭ ‬مع‭ ‬وظيفته‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬خاصة،‭ ‬وكان‭ ‬محبا‭ ‬لعمله‭ ‬ومميزا‭ ‬فيه‭. ‬ووعده‭ ‬المسؤولون‭ ‬بترقية‭ ‬وصلاحيات‭ ‬كبيرة‭ ‬لتطوير‭ ‬العمل‭. ‬ولكنه‭ ‬انتظر‭ ‬طويلا‭ ‬ولم‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬التقدير‭ ‬الذي‭ ‬يستحقه‭ ‬‭ ‬حسب‭ ‬قوله‭ ‬‭. ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬صدم‭ ‬بتعيين‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المؤسسة‭ ‬ومنحه‭ ‬صلاحيات‭ ‬واسعة‭. ‬

يقول‭ ‬محدثنا‭: ‬‮«‬شعرت‭ ‬بالظلم‭ ‬الكبير،‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أتقبل‭ ‬الأمر‭ ‬ولكن‭ ‬شعرت‭ ‬أن‭ ‬حالتي‭ ‬النفسية‭ ‬تتأثر،‭ ‬ومقياسي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أحب‭ ‬العمل‭ ‬وأبدع‭ ‬فيه‭ ‬بشهادة‭ ‬المسؤولين،‭ ‬ولكني‭ ‬تدريجيا‭ ‬صرت‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الرغبة‭ ‬بالعمل،‭ ‬وأشعر‭ ‬بالظلم‭. ‬وبدأ‭ ‬إنتاجي‭ ‬يقل‭ ‬وشغفي‭ ‬يضمحل،‭ ‬ثم‭ ‬صرت‭ ‬أشعر‭ ‬بالضيق‭ ‬عندما‭ ‬أتجه‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬كل‭ ‬يوم‭. ‬وعندها‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬أحافظ‭ ‬على‭ ‬صحتي‭ ‬النفسية‭ ‬قدمت‭ ‬استقالتي‮»‬‭.‬

فرّ‭ ‬من‭ ‬القفص‭!‬

‮«‬أصبحنا‭ ‬أشبه‭ ‬بالروبوتات،‭ ‬نعمل‭ ‬ونكدح‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تقدير‭ ‬ولا‭ ‬علاوة‭ ‬ولا‭ ‬ترقية‮»‬‭. ‬بهذه‭ ‬العبارة‭ ‬بدأ‭ (‬س‭.‬ك‭) ‬حديثه‭. ‬وهو‭ ‬موظف‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬خاصة،‭ ‬يؤكد‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬المرتب‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬شغوفا‭ ‬بعمله‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬الإبداع،‭ ‬أصبح‭ ‬يؤدي‭ ‬ما‭ ‬يطلب‭ ‬منه‭ ‬فقط،‭ ‬وفقد‭ ‬الولاء‭ ‬الوظيفي،‭ ‬بل‭ ‬ويشعر‭ ‬بالحنق‭ ‬على‭ ‬وضعه‭ ‬هذا‭. ‬

ويضيف‭: ‬‮«‬حاليا‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬أخرى،‭ ‬لأنني‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬القلق‭ ‬في‭ ‬تصاعد،‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬أبدأ‭ ‬فيها‭ ‬العلاج‭ ‬لأمراض‭ ‬الضغط‭ ‬والسكر‭ ‬وغيرها‭ ‬بسبب‭ ‬وظيفتي‮»‬‭.‬

فترة‭ ‬استراحة

نموذج‭ ‬آخر‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬مختلفا‭ ‬نوعا‭ ‬ما،‭ ‬فمحدثنا‭ (‬م‭ ‬ر‭) ‬يقر‭ ‬أن‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬فيها‭ ‬غير‭ ‬مثالية‭ ‬بل‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الإحباط،‭ ‬ولكنه‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬معها‭ ‬بطريقة‭ ‬صحية‭ ‬أفادته‭ ‬كثيرا‭. ‬ويشرح‭ ‬ذلك‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬وبيئة‭ ‬العمل‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬سعيدا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬عملي‭. ‬وسعادتي‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬الراتب‭ ‬المحدود‭ ‬الذي‭ ‬أتقاضاه‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬بالمؤسسة‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬يديرها‭ ‬رجال‭ ‬أعمال‭ ‬لم‭ ‬يجمعهم‭ ‬الدهر‭ ‬إلا‭ ‬لتقاسم‭ ‬الأرباح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬محظوظا‭ ‬إن‭ ‬تجاوز‭ ‬راتبه‭ ‬الخمسمائة‭ ‬دينار‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ضغط‭ ‬العمل‭ ‬وعدم‭ ‬التقدير،‭ ‬والتمييز‭ ‬والمحاباة‭ ‬والمحسوبيات‭. ‬فبعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬لا‭ ‬يمكنهم‭ ‬حتى‭ ‬تدبير‭ ‬أمور‭ ‬بيتهم‭ ‬ولكنهم‭ ‬بقدرة‭ ‬قادر‭ ‬باتوا‭ ‬مسؤولين‭ ‬علينا‭!. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الموظف‭ ‬وعلى‭ ‬رضاه‭.‬

ولكن‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬سعيدا‭ ‬لأنني‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المحبطات‭ ‬بشكل‭ ‬عقلاني،‭ ‬فأنا‭ ‬أحاول‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬ألا‭ ‬أربط‭ ‬عملي‭ ‬وإنجازي‭ ‬براتبي‭ ‬أو‭ ‬درجتي‭ ‬الوظيفية،‭ ‬وأعمل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أفصل‭ ‬حياتي‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬حياتي‭ ‬خارجه‭. ‬صحيح‭ ‬أنني‭ ‬أصاب‭ ‬بالغصة‭ ‬عندما‭ ‬تجد‭ ‬زميلا‭ ‬لك‭ ‬غير‭ ‬مواطن‭ ‬يتسلم‭ ‬ضعف‭ ‬راتبك،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬الامتيازات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬ينجز‭ ‬نصف‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬أنت‭ ‬بإنجازه‭. ‬والجيد‭ ‬أنني‭ ‬نجحت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أعتبر‭ ‬ذهابي‭ ‬اليومي‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬فترة‭ ‬استراحة‭ ‬مدة‭ ‬8‭ ‬ساعات‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‮ ‬دوشة الأولاد‭ ‬والمسؤوليات‭ ‬الاجتماعية‭!‬‮»‬‭.  ‬

استشارة‭ ‬نفسية

تجربة‭ ‬أخرى‭ ‬ينقلها‭ ‬لنا‭ ‬مواطن‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬ببلدي‭ ‬أوروبي‭. ‬يقول‭ (‬م‭ ‬س‭): ‬‮«‬العمل‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬العمل‭ ‬تلك‭ ‬أمر‭ ‬آخر،‭ ‬كنت‭ ‬منبهرا‭ ‬بالمهنية‭ ‬والعدالة‭ ‬التامة‭ ‬بين‭ ‬الموظفين،‭ ‬والتقدير‭ ‬لكل‭ ‬إنجاز‭ ‬أقوم‭ ‬به‭.‬

وأكثر‭ ‬ما‭ ‬شدني‭ ‬هو‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬النفسي‭ ‬للموظف‭. ‬فالمسؤول‭ ‬يقوم‭ ‬بجولة‭ ‬يومية‭ ‬ليطمئن‭ ‬على‭ ‬راحة‭ ‬الموظفين‭. ‬كما‭ ‬خصصت‭ ‬الإدارة‭ ‬لكل‭ ‬موظف‭ ‬جلسة‭ ‬شهرية‭ ‬مدفوعة‭ ‬مع‭ ‬طبيب‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬الشركة،‭ ‬يمكن‭ ‬للموظف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يناقش‭ ‬أي‭ ‬جانب‭ ‬يضايقه‭ ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬استشارة‭ ‬نفسية‭ ‬مجانية‭. ‬ولو‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭ ‬يمكن‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬الجلسات‭!‬‮»‬‭. ‬

تهبط‭ ‬إلى‭ ‬القاع‭!‬

بعد‭ ‬سرد‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬المختصرة‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارهم‭ ‬ضحايا‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية،‭ ‬نعمد‭ ‬إلى‭ ‬مناقشة‭ ‬الموضوع‭ ‬مع‭ ‬الاختصاصيين‭ ‬المعنيين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬والبداية‭ ‬مع‭ ‬خبير‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لمؤسسة‭ ‬جفكون‭ ‬لتحسين‭ ‬الإنتاجية‭ ‬الدكتور‭ ‬أكبر‭ ‬جعفري‭ ‬الذي‭ ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬دراسات‭ ‬متعددة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالسعادة‭ ‬الوظيفية‭. ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يقول‭:‬

‮«‬خلصنا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬غريبة‭ ‬نوعا‭ ‬ما،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أولويات‭ ‬لقياس‭ ‬السعادة‭ ‬الوظيفية‭ ‬عند‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬يضعونها‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬القائمة‭ ‬مثل‭ ‬الراتب‭ ‬والعلاوات‭ ‬والمكافآت،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬نلجأ‭ ‬إلى‭ ‬التحليل‭ ‬الاستقصائي،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬تهبط‭ ‬إلى‭ ‬القاع،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬تصعد‭ ‬معايير‭ ‬أخرى‭ ‬الى‭ ‬القمة‭ ‬مثل‭ ‬الجوانب‭ ‬الإنسانية‭ ‬وأولها‭ ‬التقدير،‭ ‬ثم‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الزملاء‭ ‬والمسؤولين،‭ ‬وهي‭ ‬جوانب‭ ‬حسية‭ ‬معنوية‭. ‬نعم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬أن‭ ‬الجوانب‭ ‬المادية‭ ‬وفرص‭ ‬الترقي‭ ‬ضرورية،‭ ‬ولكن‭ ‬صلاحية‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬أقصر،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنك‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تتعود‭ ‬على‭ ‬الامتيازات‭ ‬الجديدة‭ ‬والعلاوات‭ ‬يزول‭ ‬التأثير‭ ‬الإيجابي‭ ‬مباشرة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬استدامة‭ ‬التقدير‭ ‬المهني‭ ‬أطول‭ ‬وأكثر‭ ‬تأثيرا‭ ‬في‭ ‬السعادة‭ ‬الوظيفية‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الإنتاجية‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الجوانب‭ ‬المادية‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬عمرية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬فمثلا‭ ‬فئة‭ ‬الشباب‭ ‬يتمسكون‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬نظرا‭ ‬لأن‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬المادية‭ ‬بأعلى‭ ‬مستوى‭ ‬ودخلهم‭ ‬بأدنى‭ ‬مستوى‭. ‬وكلما‭ ‬تقدم‭ ‬العمر‭ ‬يبدأ‭ ‬الاهتمام‭ ‬أكثر‭ ‬بالجوانب‭ ‬الحسية‭. ‬

*‭ ‬عندما‭ ‬تدخل‭ ‬مؤسسة‭ ‬ما،‭ ‬هل‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬على‭ ‬سعادة‭ ‬أو‭ ‬تعاسة‭ ‬الموظفين‭ ‬من‭ ‬مظهرهم‭ ‬وتصرفاتهم‭ ‬مثلا؟

**‭ ‬الدراسة‭ ‬المنهجية‭ ‬هي‭ ‬أفضل‭ ‬وسيلة‭ ‬لقياس‭ ‬ذلك‭ ‬بدقة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬97%‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص‭ ‬يمكنهم‭ ‬خلال‭ ‬دقائق‭ ‬فقط‭ ‬معرفة‭ ‬مدى‭ ‬سعادة‭ ‬أو‭ ‬تعاسة‭ ‬الموظف‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬الجسد‭ ‬والبيئة‭ ‬العامة‭ ‬وأسلوب‭ ‬العمل‭. ‬فمثلا‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬بمشاعر‭ ‬الموظف‭ ‬من‭ ‬ملامحه‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬متشنجة‭ ‬أو‭ ‬مرتاحة،‭ ‬ومن‭ ‬علامات‭ ‬القلق‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬نبرة‭ ‬صوته‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬55%‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬المشكلة‭. ‬فنحن‭ ‬نقلق‭ ‬مثلا‭ ‬من‭ ‬النبرة‭ ‬الخافتة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إخفاء‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المشاعل‭ ‬السلبية‭ ‬والضيق‭.‬

‭ ‬*‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬ينعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الأداء؟

**‭ ‬العلاقة‭ ‬طردية‭ ‬ومباشرة‭. ‬والتأثير‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬آنيا‭ ‬أو‭ ‬تراكميا‭. ‬فمثلا‭ ‬حدوث‭ ‬موقف‭ ‬غير‭ ‬سليم‭ ‬لموظف‭ ‬قد‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬نفسيته‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬وبالتالي‭ ‬يكون‭ ‬إنتاجه‭ ‬منخفضا،‭ ‬مع‭ ‬احتمالية‭ ‬تزايد‭ ‬الأخطاء‭ ‬وانخفاض‭ ‬الجودة‭. ‬وهنا‭ ‬إذا‭ ‬تكررت‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬بشكل‭ ‬متواصل،‭ ‬تتراكم‭ ‬الإخفاقات‭ ‬وقد‭ ‬تصبح‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية‭ ‬سمة‭ ‬سائدة‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭.‬

ولا‭ ‬ننسى‭ ‬هنا‭ ‬إمكانية‭ ‬حدوث‭ ‬حوادث‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬الوضع‭. ‬والمشكلة‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬تبرر‭ ‬ذلك‭ ‬بمشاكل‭ ‬فنية‭ ‬مثل‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬الآلات‭ ‬أو‭ ‬أخطاء‭ ‬بشرية،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحوادث‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬نفسية‭. ‬

*‭ ‬هل‭ ‬أفهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قصورا‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬إدارات‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬سواء‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬الخاصة؟

**‭ ‬للأسف‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تسمى‭ ‬هذه‭ ‬الإدارات‭ ‬بالموارد‭ ‬البشرية‭ ‬ولكنها‭ ‬تعنى‭ ‬بشأن‭ ‬آخر‭. ‬وهنا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬إدارات‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭. ‬ففي‭ ‬البداية‭ ‬كانت‭ ‬معنية‭ ‬بتسجيل‭ ‬الموظفين‭ ‬وإدارة‭ ‬الرواتب‭ ‬فقط‭. ‬ثم‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬شؤون‭ ‬الموظفين‭ ‬ودخلت‭ ‬علاقات‭ ‬الموظفين‭ ‬ضمن‭ ‬اختصاصاتها‭ ‬مثل‭ ‬التظلم‭ ‬والشكاوى‭ ‬والخلافات‭. ‬ولكن‭ ‬بقيت‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬تدار‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬إداري‭ ‬وليس‭ ‬نفسي‭.‬

ورغم‭ ‬تطورها‭ ‬إلى‭ ‬مسمى‭ (‬الموارد‭ ‬البشرية‭)‬،‭ ‬فإنه‭ ‬للأسف‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬المسميات‭ ‬دائما‭ ‬طبيعة‭ ‬الواقع‭ ‬والمحتوى‭. ‬بدليل‭ ‬إننا‭ ‬نجد‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإدارات‭ ‬إداريين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونهم‭ ‬مختصين‭ ‬بالجوانب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنفسية‭.. ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬كان‭ ‬أي‭ ‬موظف‭ ‬فائض‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬يتم‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭!. ‬

ونأمل‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭. ‬فحسب‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬أجريناها،‭ ‬تتأثر‭ ‬الإنتاجية‭ ‬سلبا‭ ‬أو‭ ‬إيجابا‭ ‬بنسبة‭ ‬64%‭ ‬نتيجة‭ ‬أداء‭ ‬بعض‭ ‬الإدارات‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬تؤثر‭ ‬بنسبة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬20%‭. ‬وهنا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نجد‭ ‬عدة‭ ‬إدارات‭ ‬تختص‭ ‬بهذه‭ ‬البنية‭ ‬مثل‭ ‬الآلات‭ ‬والمعدات‭ ‬والصيانة‭ ‬والتخطيط‭ ‬وضبط‭ ‬العمليات،‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬سوى‭ ‬دائرة‭ ‬واحدة‭ ‬تهتم‭ ‬بالشأن‭ ‬البشري‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬متكاملة‭.‬

*‭ ‬في‭ ‬رأيك‭ ‬ما‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬تعاسة‭ ‬الموظفين‭ ‬والاقتصاد؟

**‭ ‬العلاقة‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬نظن‭. ‬فأولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬3‭.‬3‭ ‬مليارات‭ ‬عامل‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهم‭ ‬يشكلون‭ ‬81%‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬البالغين‭. ‬وهناك‭ ‬214‭ ‬مليون‭ ‬شركة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ولم‭ ‬يسبق‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬التجمعات‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬مقيدة‭ ‬مليئة‭ ‬بالسلطات‭ ‬وانعدم‭ ‬الأمن‭.‬

وهنا‭ ‬عندما‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬أشرنا‭ ‬إليها‭ ‬بشأن‭ ‬العلاقة‭ ‬المباشرة‭ ‬بين‭ ‬سعاد‭ ‬الموظفين‭ ‬والإنتاجية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شركة،‭ ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬ارتباط‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دولة،‭ ‬فإننا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬سواء‭ ‬بشكل‭ ‬آني‭ ‬أو‭ ‬لاحقا‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المشكلة‭ ‬ليست‭ ‬مشكلة‭ ‬وزارة‭ ‬أو‭ ‬شركة،‭ ‬وإنما‭ ‬مشكلة‭ ‬اقتصاد‭ ‬وطني‭. ‬

‭ ‬*‭ ‬وما‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬تقترحها‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن؟

**‭ ‬أولا‭ ‬يجب‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬السعادة‭ ‬الوظيفية‭ ‬كعنصر‭ ‬أساسي‭ ‬لإنجاح‭ ‬المؤسسة‭ ‬والاقتصاد‭. ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬لدينا‭ ‬أرضية‭ ‬خصبة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الثروة‭ ‬البشرية‭. ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬يجب‭ ‬انتقاء‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬إدارات‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬ممن‭ ‬لهم‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنفسية،‭ ‬لأن‭ ‬85%‭ ‬من‭ ‬عملهم‭ ‬هو‭ ‬جوانب‭ ‬نفسية‭ ‬و15%‭ ‬إدارية‭. ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬موظف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإدارات‭ ‬خبيرا‭ ‬نفسيا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إداريا‭. ‬

ثم‭ ‬علينا‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬مخلفات‭ ‬النماذج‭ ‬الأولى‭ ‬للشركات‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬دخيلة‭ ‬على‭ ‬البشرية‭. ‬فمثلا‭ ‬أقدم‭ ‬شركة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬كانت‭ ‬الشركة‭ ‬الهولندية‭ ‬الهندية‭ ‬الشرقية‭ ‬المتحدة‭ (‬1472‭) ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تمثل‭ ‬الجناح‭ ‬التجاري‭ ‬للاستعمار‭ ‬الهولندي‭ ‬في‭ ‬آسيا،‭ ‬وتدار‭ ‬بنظام‭ ‬عسكري‭ ‬فيه‭ ‬شدة‭ ‬وحدة‭. ‬وللأسف‭ ‬استطعنا‭ ‬أن‭ ‬نحرر‭ ‬الاقتصاديات‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬ننجح‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭ ‬حيث‭ ‬بقيت‭ ‬مخلفات‭ ‬ذلك‭ ‬النمط‭ ‬العسكري‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭. ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ (‬السعادة‭ ‬الوظيفية‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مؤشرات‭ ‬الشركة‭ ‬الناجحة،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭).‬

الموارد‭ ‬البشرية

نقاشنا‭ ‬يستمر‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬البحرين‭ ‬لإدارة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية،‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لمجموعة‭ ‬أوريجين‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬البناء،‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬تعد‭ ‬عالمية،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬تقرير‭ ‬لشركة‭ (‬Inspired‭ ‬work‭) ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬أنَ‭ ‬84%‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬أقرُّوا‭ ‬بأنَّهم‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬سعداء‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬العمل‭. ‬كما‭ ‬أفادت‭ ‬دراسة‭ ‬متخصصة‭ ‬لمركز‭ ‬دبي‭ ‬للإحصاء،‭ ‬أن‭ ‬الرواتب‭ ‬والبدلات‭ ‬والميزات‭ ‬المالية‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أولويات‭ ‬موظفي‭ ‬حكومة‭ ‬دبي،‭ ‬بنسبة‭ ‬بلغت‭ ‬95%،‭ ‬وبفارق‭ ‬طفيف‭ ‬تلتها‭ ‬الجوانب‭ ‬المرتبطة‭ ‬بإيجابية‭ ‬وتميز‭ ‬بيئة‭ ‬العمل،‭ ‬بنسبة‭ ‬أولوية‭ ‬بلغت‭ ‬94‭.‬6%،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬الثالث‭ ‬فجاءت‭ ‬الجوانب‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالأمان‭ ‬والاستقرار‭ ‬الوظيفي،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬أولويتها‭ ‬93‭.‬7%،‭ ‬أما‭ ‬فرص‭ ‬التطور‭ ‬والتقدم‭ ‬الوظيفي‭ ‬فقد‭ ‬حققت‭ ‬أيضاً‭ ‬أولوية‭ ‬عالية‭ ‬بلغت‭ ‬92‭.‬3%،‭ ‬وجاءت‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الترتيب‭.‬

ويعقب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬شخصيا‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬خبرتي‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬التقدير‭ ‬والاحترام‭ ‬يأتي‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي‭ ‬وللكثير‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‮»‬‭.‬

*‭ ‬بالمقابل،‭ ‬في‭ ‬رأيك‭ ‬ما‭ ‬أبرز‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬رضا‭ ‬الموظف‭ ‬وتعاسته؟

**‭ ‬وجدت‭ ‬شركة‭ ‬الاستشارات‭ ‬الإدارية‭ ‬العالمية‭ ‬Gallup‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬موظفون‭ ‬مندمجون‭ ‬وسعداء‭ ‬تحقق‭ ‬أرباحاً‭ ‬أعلى‭ ‬ومعدل‭ ‬تغيب‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬موظفوها‭ ‬أقل‭ ‬سعادة‭. ‬وكشفت‭ ‬الأبحاث‭ ‬أن‭ ‬أكبر‭ ‬سبب‭ ‬لعدم‭ ‬الرضا‭ ‬الوظيفي‭ ‬هو‭ ‬المعاملة‭ ‬غير‭ ‬العادلة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والتعويضات‭ ‬غير‭ ‬المتسقة‭ ‬ونقص‭ ‬الدعم‭ ‬من‭ ‬الزملاء‭ ‬والمديرين‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الضغوطات‭ ‬النفسية‭ ‬غير‭ ‬المبررة‭. ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬الأسباب‭ ‬أيضاً‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬الرضا‭ ‬عن‭ ‬الموظفين‭ (‬التعاسة‭ ‬الوظيفية‭) ‬هو‭ ‬الافتقار‭ ‬إلى‭ ‬الإحساس‭ ‬بمعنى‭ ‬وظائفهم‭ ‬وضعف‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬العاطفي‭.‬

*‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬علامات‭ ‬مميزة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬رضا‭ ‬الموظف‭ ‬أو‭ ‬تعاسته؟‭ ‬

**‭ ‬نعم‭ ‬هناك‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬العلامات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يلاحظها‭ ‬المديرون‭ ‬لدراسة‭ ‬نسبة‭ ‬سعادة‭ ‬وتعاسة‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭: ‬تقلبات‭ ‬المزاج،‭ ‬الشعور‭ ‬بالاستياء‭ ‬أو‭ ‬بالعجز،‭ ‬عدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالعمل،‭ ‬تأجيل‭ ‬القيام‭ ‬بالعمل‭ ‬والمهمات‭ ‬اليومية،‭ ‬تشتيت‭ ‬الانتباه‭ ‬خلال‭ ‬العمل،‭ ‬الوصول‭ ‬والمغادرة‭ ‬في‭ ‬مواعيد‭ ‬غير‭ ‬مواعيد‭ ‬العمل‭ ‬الرسمية،‭ ‬الانخفاض‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬إجازة‭ ‬أثناء‭ ‬الدوام‭ ‬الرسمي،‭ ‬سرعة‭ ‬الانفعال‭ ‬خلال‭ ‬الدوام،‭ ‬كثرة‭ ‬علامات‭ ‬التوتر‭ ‬والسلبية‭ ‬والتعاسة،‭ ‬تدني‭ ‬جودة‭ ‬العمل‭.‬

*‭ ‬كيف‭ ‬ينعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والأداء‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬وعلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر؟

**‭ ‬الانعكاسات‭ ‬قوية‭ ‬ومباشرة‭. ‬ففيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالإنتاجية‭ ‬مثلا،‭ ‬ينعكس‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬عدة‭ ‬مثل‭ ‬نقص‭ ‬الحيوية،‭ ‬غياب‭ ‬الإبداع‭ ‬والابتكار،‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬التغيب‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬تبديل‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬المؤسسة،‭ ‬مشاكل‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬الموظفين‭ ‬مثل‭ ‬قيام‭ ‬المديرين‭ ‬دائما‭ ‬بإلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬الموظفين‭ ‬عند‭ ‬وجود‭ ‬خلل،‭ ‬عدم‭ ‬المبالاة‭ ‬برضا‭ ‬العملاء‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬نموا‭ ‬متباطئا‭ ‬لأعمال‭ ‬الشركة‭ ‬وأدائها‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬فإن‭ ‬الدراسات‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬رضا‭ ‬الموظفين‭ ‬ليس‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬فقط‭ ‬للصحة‭ ‬الذهنية‭ ‬والنفسية‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل،‭ ‬ولكنها‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬المالي‭ ‬للشركات‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬انسجام‭ ‬الموظفين‭ ‬وسعادتهم‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬يكلف‭ ‬المؤسسات‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬مبالغ‭ ‬كبيرة‭ ‬جدا‭ ‬لأن‭ ‬أكبر‭ ‬جزء‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬موازنة‭ ‬لأي‭ ‬مؤسسة‭ ‬تصرف‭ ‬على‭ ‬الرواتب‭ ‬وعوائد‭ ‬الموظفين‭. ‬

*‭ ‬هذا‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬سؤال‭ ‬مهم‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬إدارات‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مسألة‭ ‬السعادة‭ ‬أو‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية؟

**‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬تشكل‭ ‬إدارة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬لأي‭ ‬منظومة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الأعمال،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تهتم‭ ‬بها‭ ‬إدارات‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬كشريك‭ ‬أعمال‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬هو‭ ‬البيئة‭ ‬الحاضنة‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسة،‭ ‬فكلما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬حاضنة‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬إبداع‭ ‬وابتكار‭ ‬وعطاء‭ ‬متواصل‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭. ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬مثل‭: ‬دراسات‭ ‬مستمرة‭ ‬لتقصي‭ ‬مدي‭ ‬رضا‭ ‬وسعادة‭ ‬الموظفين‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭. ‬تصميم‭ ‬برامج‭ ‬وفعاليات‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إسعاد‭ ‬الموظفين‭. ‬العمل‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬أي‭ ‬مشكلات‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬وفعال،‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬صحية‭ ‬ومناسبة،‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬والتجانس‭ ‬أفراد‭ ‬المؤسسة،‭ ‬تحسين‭ ‬وتنمية‭ ‬المهارات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالموظفين،‭ ‬تعزيز‭ ‬انتماء‭ ‬الموظفين‭ ‬للمؤسسة،‭ ‬دعم‭ ‬مهارات‭ ‬التطوير‭ ‬والتأهيل‭.‬

*‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬ذكرت،‭ ‬ألا‭ ‬تعتقدون‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار‭ ‬غائبة‭ ‬في‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة؟‭ ‬

**‭ ‬نعم‭ ‬أتفق‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬والسبب‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬لا‭ ‬يتفهمون‭ ‬تماما‭ ‬دور‭ ‬إدارة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬وبالتالي‭ ‬عندما‭ ‬يقررون‭ ‬تعيين‭ ‬مدير‭ ‬أو‭ ‬مسؤول‭ ‬لإدارة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬لا‭ ‬يعطون‭ ‬أهمية‭ ‬للكفاءة‭ ‬والقدرة‭ ‬والتخصص‭ ‬وكمية‭ ‬المعرفة‭ ‬بدور‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة،‭ ‬بل‭ ‬أحيانا‭ ‬يركزون‭ ‬على‭ ‬أمور‭ ‬أخرى‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬بكفاءة‭ ‬من‭ ‬ستسند‭ ‬له‭ ‬مهمة‭ ‬إدارة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬ولذلك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬ابتكارا‭ ‬وإبداعا‭ ‬وتطورا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإدارات‭.‬

الارتباط‭ ‬الوظيفي

الخبيرة‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬العمل‭ ‬والارتباط‭ ‬الوظيفي،‭ ‬والشريك‭ ‬الإداري‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬الاستشارات‭ ‬الإدارية‭ ‬العالمية‭ ‬Gallup‭ ‬فرح‭ ‬القاسمي‭ ‬تدلي‭ ‬بدلوها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬السنوية‭ ‬التي‭ ‬يعدونها‭ ‬في‭ ‬‮«‬غالوب‮»‬‭ ‬بحوالي‭ ‬180‭ ‬دولة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬معايير‭ ‬عالمية‭ ‬لقياس‭ ‬عدة‭ ‬مؤشرات‭ ‬مثل‭ ‬السعادة‭ ‬والتوتر‭ ‬والحزن‭ ‬والتقدير‭ ‬والتطوير‭ ‬وغيرها‭.‬

وتؤكد‭ ‬الدراسات‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬الارتباط‭ ‬الوظيفي‭ ‬هو‭ ‬المعيار‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬اتجاهات‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬الارتباط‭ ‬الوظيفي‭ ‬باختصار‭ ‬هو‭ ‬شعور‭ ‬الموظف‭ ‬بالراحة‭ ‬النفسية‭ ‬والحماس‭ ‬عند‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬الابتكار‭ ‬والأداء‭ ‬المميز،‭ ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬يكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬الموظفون‭ ‬يشعرون‭ ‬بأنهم‭ ‬ملاك‭ ‬أنفسهم‭.‬

وتضيف‭ ‬القاسمي‭: ‬‮«‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬بعض‭ ‬المحاور‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬ولكن‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬معايير‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الارتباط‭ ‬الوظيفي،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬التقدير‭ ‬للموظف‭ ‬لمساهماته‭ ‬وإنتاجيته‭ ‬وأدائه‭ ‬وتطويره‭ ‬العمل،‭ ‬والشعور‭ ‬بوجود‭ ‬هدف‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والإلمام‭ ‬بطبيعة‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭. ‬فكلما‭ ‬شعر‭ ‬الموظف‭ ‬بأنه‭ ‬متمكن‭ ‬من‭ ‬عمله،‭ ‬ولديه‭ ‬هدف‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الإنتاجية‭.‬

*‭ ‬من‭ ‬الملاحظ‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تتطرقي‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬المادي‭ ‬هنا؟

**‭ ‬الجانب‭ ‬المادي‭ ‬محور‭ ‬مهم‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬الارتباط‭ ‬الوظيفي،‭ ‬ولكنه‭ ‬يرتبط‭ ‬أيضا‭ ‬بمحور‭ ‬الشعور‭ ‬بالتقدير‭ ‬والاحترام‭. ‬فالموظف‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬أنه‭ ‬مقدر‭ ‬سيكون‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬وتقديم‭ ‬إنتاجية‭ ‬أفضل،‭ ‬والتقدير‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬ماديا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬معنويا‭ ‬أيضا‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬الأداء‭ ‬العام‭ ‬للمؤسسة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نركز‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬أيضا‭ ‬وهو‭ ‬المردود‭ ‬المادي‭ ‬للارتباط‭ ‬الوظيفي،‭ ‬حيث‭ ‬ندرس‭ ‬نتائج‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الموظف‭ ‬وعلى‭ ‬الشركة‭ ‬ككل‭.‬

*‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خبرتك‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظة‭ ‬عدم‭ ‬رضا‭ ‬الموظف‭ ‬أو‭ ‬تعاسته‭ ‬من‭ ‬شكله‭ ‬الظاهري؟‭ ‬

**‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬تصنيفات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الموظف‭ ‬المرتبط‭ ‬بوظيفته‭ ‬بشكل‭ ‬عال،‭ ‬والموظف‭ ‬غير‭ ‬المرتبط،‭ ‬وثالثا‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬لديه‭ ‬نفور‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬وغير‭ ‬مرتبط‭ ‬بشدة‭.‬

وهنا‭ ‬يمكنني‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬أسهل‭ ‬فئة‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظتها‭ ‬هو‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬ينفر‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬ولا‭ ‬يشعر‭ ‬بالرضا‭ ‬أبدا‭. ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬سلوكياته‭ ‬مباشرة،‭ ‬فتراه‭ ‬مثلا‭ ‬كثير‭ ‬التذمر‭ ‬والشكوى‭ ‬والنظرة‭ ‬السلبية‭ ‬للأمور‭. ‬

وفي‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬سهولة‭ ‬الملاحظة‭ ‬هو‭ ‬الفئة‭ ‬الأولى‭ ‬لأنك‭ ‬تلمس‭ ‬الحماس‭ ‬والسعادة‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الموظفين‭.‬

ولكن‭ ‬الفئة‭ ‬الوسطى‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬للملاحظة‭ ‬المباشرة‭ ‬وتتطلب‭ ‬دراسة‭ ‬واستطلاعات‭. ‬وقد‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المشاكل‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬على‭ ‬مرحلة‭ ‬عدم‭ ‬الارتباط‭ ‬والنفور‭. ‬والمشكلة‭ ‬أن‭ ‬الفئة‭ ‬الأكبر‭ ‬بين‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭.‬

*‭ ‬ما‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬والأداء؟

**‭ ‬العلاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬وقوية،‭ ‬وأبسط‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الاستقرار‭ ‬الوظيفي‭. ‬فالموظف‭ ‬غير‭ ‬المرتبط‭ ‬وظيفيا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مستقرا‭ ‬أو‭ ‬مندمجا‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬غير‭ ‬إيجابية‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬الانتقالات‭ ‬كبيرة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬تكلفة‭ ‬إضافية‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استثمرت‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬وتطوير‭ ‬هؤلاء‭ ‬الموظفين‭. ‬

ثم‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬غير‭ ‬الصحية‭ ‬نلمس‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬السلبية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الأداء،‭ ‬حيث‭ ‬يؤدي‭ ‬الموظف‭ ‬العمل‭ ‬المطلوب‭ ‬منه‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ابتكار‭ ‬أو‭ ‬إبداع‭ ‬ولا‭ ‬تركيز،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬الرغبة‭ ‬بتطوير‭ ‬الذات‭ ‬أو‭ ‬الأداء‭. ‬بمعنى‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬ننتظر‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬إنتاجية‭ ‬كبيرة‭.‬

*‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬أداء‭ ‬الموظف‭ ‬والجوانب‭ ‬الاقتصادية؟

**‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الدراسات‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬قوية‭ ‬بين‭ ‬الارتباط‭ ‬الوظيفي‭ ‬والجانب‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وكلما‭ ‬زاد‭ ‬الارتباط‭ ‬الوظيفي‭ ‬زاد‭ ‬المردود‭ ‬المادي‭ ‬للشخص‭ ‬وللشركة‭ ‬أو‭ ‬الوزارة‭. ‬كما‭ ‬إن‭ ‬الاستثمار‭ ‬الذي‭ ‬تضعه‭ ‬الشركة‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬هذا‭ ‬الارتباط‭ ‬يعود‭ ‬بعائد‭ ‬إيجابي‭ ‬عليها‭ ‬بشكل‭ ‬ملموس‭. ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الإنتاجية‭ ‬تقل‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬العمل‭ ‬غير‭ ‬المناسبة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬النتائج‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬النهاية‭.‬

*‭ ‬هل‭ ‬تعتقدين‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قصورا‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬إدارات‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المؤسسات،‭ ‬بحيث‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬الإدارية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الدور‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإنساني؟

**‭ ‬للأسف‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬دقيق‭ ‬تماما‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭. ‬ولكن‭ ‬للأمانة‭ ‬نلمس‭ ‬توجها‭ ‬إيجابيا‭ ‬لتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬خاصة‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬التي‭ ‬بات‭ ‬التركز‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الموظف‭ ‬كمحور‭ ‬للعملية‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬والإمارات‭ ‬ربما‭ ‬سبقت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ولكن‭ ‬مازلنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬في‭ ‬مؤسساتنا،‭ ‬لأننا‭ ‬نلمس‭ ‬أن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الموظف‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والإنسانية‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬إدارية‭ ‬مثل‭ ‬التسجيل‭ ‬والإجازات‭ ‬وغيرها‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬الإدارية‭ ‬البسيطة‭. ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار‭ ‬يمثل‭ ‬فرصا‭ ‬ضائعة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مؤسسة‭.‬

انخفاض‭ ‬جودة‭ ‬الحياة

بعد‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬المشكلة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الإدارية‭ ‬والإنتاجية،‭ ‬ننتقل‭ ‬إلى‭ ‬محور‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬وهو‭ ‬الجانب‭ ‬النفسي‭ ‬للتعاسة‭ ‬الوظيفية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نناقشه‭ ‬مع‭ ‬الطبيب‭ ‬النفسي‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالهادي‭ ‬حمد‭ ‬الساعي،‭ ‬ونسأله‭ ‬بداية‭ ‬عن‭ ‬المعايير‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬الموظف‭ ‬بأنه‭ ‬سعيد‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬وظيفته؟

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجيبنا‭ ‬عنه‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬يمكن‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سعادة‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬سعادة‭ ‬الموظف‭ ‬في‭ ‬وظيفته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬والمؤشرات،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭: ‬

‭- ‬مشاركة‭ ‬الموظف‭ ‬وانخراطه‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬والمشاريع‭ ‬المختلفة،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬رضاه‭ ‬الوظيفي‭.‬

‭- ‬الأداء‭ ‬الجيد‭ ‬والإنتاج‭ ‬يشير‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬سعادة‭ ‬الموظف‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الموظف‭ ‬يحقق‭ ‬أهدافه‭ ‬بكفاءة‭ ‬ويتجاوز‭ ‬توقعاته،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يعكس‭ ‬سعادة‭ ‬الموظف‭.‬

‭- ‬الحضور‭ ‬والانضباط‭ ‬والانتظام‭ ‬والامتثال‭ ‬للقواعد‭ ‬والأنظمة‭. ‬

‭- ‬العلاقات‭ ‬الإيجابية‭ ‬مع‭ ‬الزملاء‭ ‬والمشرفين‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬سعادة‭ ‬الموظف‭ ‬في‭ ‬العمل‭.‬

‭- ‬تطوير‭ ‬المهارات‭ ‬واستثمار‭ ‬فرص‭ ‬التطوير‭ ‬المهني‭. ‬

‭- ‬قدرة‭ ‬الموظف‭ ‬على‭ ‬الموازنة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬والعمل‭. ‬

‭- ‬الملاحظات‭ ‬والتعليقات‭ ‬الإيجابية‭ ‬من‭ ‬الزملاء‭ ‬والمشرفين‭. ‬

‭- ‬مدى‭ ‬امتلاك‭ ‬الموظف‭ ‬طموحات‭ ‬وأهداف‭ ‬مستقبلية،‭ ‬فهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬البقاء‭ ‬بالعمل‭ ‬وسعيه‭ ‬للتقدم‭.‬

‭- ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التغييرات‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الوظيفية‭. ‬

وبالتالي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬استجابة‭ ‬الشركة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬الرضا‭ ‬الوظيفي‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬موظفيها‭ ‬وزيادة‭ ‬إنتاجيتهم‭ ‬وسعادتهم‮»‬‭.‬

*‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬ما‭ ‬أبرز‭ ‬الظروف‭ ‬والعوامل‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الرضا‭ ‬النفسي‭ ‬والوظيفي؟

**‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬منها‭:‬

‭-  ‬عدم‭ ‬توفر‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬ملائمة‭ ‬للموظف‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تشمل‭ ‬ظروفا‭ ‬غير‭ ‬آمنة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬صحية،‭ ‬أو‭ ‬انتشار‭ ‬الضغوط‭ ‬والتوتر‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬العمل‭.‬

‭- ‬عدم‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬واجبات‭ ‬العمل‭ ‬والحياة‭ ‬الشخصية‭. ‬

‭- ‬نقص‭ ‬التوجيه‭ ‬والتقدير‭ ‬للإسهامات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإدارة‭. ‬

‭- ‬الشعور‭ ‬بعدم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الفرص‭ ‬المهنية‭ ‬للتطوير‭ ‬والترقي‭. ‬

‭- ‬نقص‭ ‬التواصل‭ ‬والشفافية‭ ‬بين‭ ‬الإدارة‭ ‬والموظفين‭.‬

‭- ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الموظفين‭ ‬والتحيز‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬غير‭ ‬مهنية‭.‬

‭- ‬عدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالإنجازات‭.‬

‭- ‬نقص‭ ‬التدريب‭ ‬والتطوير‭.‬

‭- ‬الأجور‭ ‬والمزايا‭ ‬غير‭ ‬الملائمة‭.‬

‭- ‬التغيرات‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الوظيفية‭ ‬مثل‭ ‬هيكل‭ ‬المنظمة‭ ‬أو‭ ‬الإجراءات‭.‬

*‭ ‬وما‭ ‬انعكاسات‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬الموظف‭ ‬أو‭ ‬العامل؟‭ ‬

**‭ ‬عدم‭ ‬الرضا‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الوظيفية‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬للموظف،‭ ‬وعلى‭ ‬أدائه‭ ‬الوظيفي،‭ ‬وعلى‭ ‬علاقاته‭ ‬الاجتماعية‭. ‬

ففيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالصحة‭ ‬النفسية،‭ ‬ترتفع‭ ‬لديه‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستويات‭ ‬التوتر‭ ‬والقلق‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مشاكل‭ ‬نفسية‭ ‬كالقلق‭ ‬والاكتئاب‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الموظف‭ ‬غير‭ ‬الراضي‭ ‬عن‭ ‬وظيفته،‭ ‬قد‭ ‬يشعر‭ ‬بعدم‭ ‬الرضا‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬حياته‭.‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأداء،‭ ‬تؤدي‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وفي‭ ‬جودة‭ ‬العمل‭. ‬وبالمقابل‭ ‬قد‭ ‬يرتفع‭ ‬معدل‭ ‬الغياب‭ ‬بسبب‭ ‬المرض‭ ‬أو‭ ‬الاستجمام‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬البيئة‭ ‬الوظيفية‭.‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي،‭ ‬ووفق‭ ‬الدراسات‭ ‬المنشورة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬يُهدر‭ ‬نحو‭ ‬12‭ ‬مليار‭ ‬يوم‭ ‬عمل‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬بسبب‭ ‬الاكتئاب‭ ‬والقلق‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكلف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬سنويا‭ ‬من‭ ‬الإنتاجية‭ ‬المهدرة‭.‬

وهناك‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭. ‬فعدم‭ ‬الرضا‭ ‬الوظيفي‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الشخصية،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬الشخص‭ ‬متوترًا‭ ‬وسيئ‭ ‬المزاج‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬تتأثر‭ ‬علاقاته‭ ‬المهنية‭ ‬مع‭ ‬الزملاء‭ ‬والمشرفين،‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬وجو‭ ‬العمل‭.‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬انعكاسات‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬مثل‭ ‬تراجع‭ ‬التحفيز‭ ‬والإبداع،‭ ‬تدهور‭ ‬الصحة‭ ‬الجسدية‭ ‬مثل‭ ‬زيادة‭ ‬معدلات‭ ‬أمراض‭ ‬القلب‭ ‬وارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬الناجحة‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬إيجابية‭ ‬وداعمة‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬رضا‭ ‬الموظفين،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الإنتاجية‭ ‬والأداء‭ ‬والعلاقات‭ ‬الاجتماعية‭.‬

*‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬ارتباط‭ ‬بين‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية‭ ‬والاحتراق‭ ‬الوظيفي؟

*ربما‭ ‬تتشابه‭ ‬بعض‭ ‬الأعراض‭ ‬والنتائج‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬ولكن‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬يمكن‭ ‬تعريف‭ ‬الاحتراق‭ ‬الوظيفي‭ ‬بأنه‭ ‬حالة‭ ‬تحدث‭ ‬عندما‭ ‬يشعر‭ ‬الموظف‭ ‬بالإرهاق‭ ‬والاستنزاف‮ ‬البدني‮ ‬والنفسي‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬المكثف‭ ‬والضغوط‭ ‬الوظيفية‭ ‬الزائدة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتسبب‭ ‬بتوتر‭ ‬مستمر‭ ‬لدى‭ ‬الموظف‭ ‬ويشعر‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬مستوى‭ ‬الأداء،‭ ‬وعدم‭ ‬الارتياح‭ ‬في‭ ‬العمل‭.‬

أما‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية‭ ‬فهي‭ ‬حالة‭ ‬تنجم‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬الارتياح‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬دون‭ ‬الضغوط‭ ‬الشديدة‭ ‬أو‭ ‬الإرهاق‭ ‬الواضح‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية‭ ‬عندما‭ ‬يشعر‭ ‬الشخص‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬راض‭ ‬عن‭ ‬عمله‭ ‬أو‭ ‬بيئته‭ ‬الوظيفية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬الاحتراق‭ ‬الوظيفي،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬واجباته‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭.‬

بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الاحتراق‭ ‬الوظيفي‭ ‬ينجم‭ ‬عن‭ ‬الضغوط‭ ‬الوظيفية،‭ ‬بينما‭ ‬التعاسة‭ ‬الوظيفية‭ ‬تعكس‭ ‬عدم‭ ‬الارتياح‭ ‬وعدم‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬العمل‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا