العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

الاسلامي

شخصيات إسلامية:الإمام القرطبي.. نشأ في الأندلس وعـاش في مصر وقدم تفسيرا متميزا للقرآن الكريم

الجمعة ٠٦ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

الإمام‭ ‬القرطبي‭ ‬هو‭ ‬أبو‭ ‬عبدالله‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬بن‭ ‬فَرْح‭ ‬الأنصاري‭ ‬الخزرجي‭ ‬الأندلسي‭ ‬القرطبي‭ ‬المفسِّر‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬قرطبة‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬الهجري‭ (‬ما‭ ‬بين‭ ‬600‭ - ‬610هـ‭) ‬وعاش‭ ‬بها‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬حيث‭ ‬استقر‭ ‬بِمُنْيَة‭ ‬بني‭ ‬خصيب‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬أسيوط،‭ ‬ويقال‭ ‬لها‭ ‬اليوم‭: ‬المنيا،‭ ‬وبقي‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬تُوفِّي‭. ‬

أقبل‭ ‬القرطبي‭ ‬منذ‭ ‬صغره‭ ‬على‭ ‬العلوم‭ ‬الدينية‭ ‬والعربية‭ ‬إقبال‭ ‬المحبِّ‭ ‬لها،‭ ‬الشغوف‭ ‬بها؛‭ ‬ففي‭ ‬قرطبة‭ ‬تعلم‭ ‬العربية‭ ‬والشعر‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تعلمه‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وتلقى‭ ‬بها‭ ‬ثقافة‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬الفقه‭ ‬والنحو‭ ‬والقراءات‭ ‬وغيرها‭ ‬على‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬المشهورين،‭ ‬وكان‭ ‬يعيش‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬أبيه‭ ‬ورعايته،‭ ‬وبقي‭ ‬كذلك‭ ‬حتى‭ ‬وفاة‭ ‬والده‭ ‬سنة‭ ‬627هـ‭ ‬وكان‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تلقيه‭ ‬العلم‭ ‬ينقل‭ ‬الآجُرَّ‭ ‬لصنع‭ ‬الخزف‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬شبابه،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬صناعة‭ ‬الخزف‭ ‬والفخَّار‭ ‬من‭ ‬الصناعات‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬قرطبة‭ ‬آنذاك‭. ‬وكانت‭ ‬حياته‭ ‬متواضعة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬متوسطة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أنبه‭ ‬شأن‭ ‬أسرته،‭ ‬وأعلى‭ ‬ذِكرها‭ ‬بما‭ ‬قدَّم‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬ومؤلفات‭. ‬عاش‭ ‬مأساة‭ ‬الأندلس،‭ ‬فقد‭ ‬بقي‭ ‬بقرطبة‭ ‬حتى‭ ‬سقوطها،‭ ‬وخرج‭ ‬منها‭ ‬نحو‭ ‬عام‭ ‬633هـ،‭ ‬فرحل‭ ‬إلى‭ ‬المشرق‭ ‬طلبًا‭ ‬للعلم‭ ‬من‭ ‬مصادره،‭ ‬فانتقل‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محطًّا‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬المسلمين‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أقطارهم،‭ ‬فدرس‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬علمائها،‭ ‬واستقرَّ‭ ‬بها‭.‬

مؤلفات‭ ‬الإمام‭ ‬القرطبي‭: ‬ذكر‭ ‬المؤرخون‭ ‬للقرطبي‭ ‬عدَّة‭ ‬مؤلفات‭ ‬غير‭ ‬تفسيره‭ ‬العظيم‭ ‬المتميز‭ ‬والذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ (‬الجامع‭ ‬لأحكام‭ ‬القرآن‭)‬؛‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المؤلفات‭: ‬التذكرة‭ ‬في‭ ‬أحوال‭ ‬الموتى‭ ‬وأمور‭ ‬الآخرة،‭ ‬وهو‭ ‬مطبوع‭ ‬متداول‭ ‬التذكار‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬الأذكار،‭ ‬وهو‭ ‬أيضًا‭ ‬مطبوع‭ ‬متداول‭ ‬الأسنى‭ ‬في‭ ‬شرح‭ ‬أسماء‭ ‬الله‭ ‬الحسنى‭ ‬وصفاته‭ ‬العليا‭. ‬

منهج‭ ‬القرطبي‭ ‬في‭ ‬التفسير‭: ‬قدَّم‭ ‬المؤلف‭ ‬لتفسيره‭ ‬مقدمة‭ ‬حافلة‭ ‬ببيان‭ ‬فضائل‭ ‬القرآن‭ ‬وآداب‭ ‬حملته،‭ ‬وما‭ ‬ينبغي‭ ‬لصاحب‭ ‬القرآن‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬نفسه‭ ‬به‭. ‬ثم‭ ‬أوضح‭ ‬مقصده‭ ‬وباعثه‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬وعملته‭ ‬تذكرةً‭ ‬لنفسي،‭ ‬وذخيرةً‭ ‬ليوم‭ ‬رَمْسِي،‭ ‬وعملاً‭ ‬صالحًا‭ ‬بعد‭ ‬موتي‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬التزم‭ ‬القرطبي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬الأمانة‭ ‬العلمية،‭ ‬والموضوعية‭ ‬في‭ ‬الإفادة‭ ‬من‭ ‬أسلافه؛‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬وشرطي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬إضافة‭ ‬الأقوال‭ ‬إلى‭ ‬قائليها،‭ ‬والأحاديث‭ ‬إلى‭ ‬مصنفيها،‭ ‬فإنه‭ ‬يقال‭: ‬من‭ ‬بركة‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬يضاف‭ ‬القول‭ ‬إلى‭ ‬قائله‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬القرآن‭ ‬عند‭ ‬حدِّ‭ ‬ما‭ ‬رُوي‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬والسلف‭ ‬الصالح،‭ ‬بل‭ ‬يتخذ‭ ‬ما‭ ‬أُوتيه‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬العلم‭ ‬وسيلةً‭ ‬يستعين‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬فهمه‭. ‬وكان‭ ‬يقصد‭ ‬إلى‭ ‬تفسير‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ببيان‭ ‬التعبير‭ ‬القرآني‭ ‬وأسراره‭ ‬ومنزلته‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬العربي،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬عُنِي‭ ‬باللغات‭ ‬والإعراب‭ ‬والقراءات؛‭ ‬كان‭ ‬يورد‭ ‬الآية‭ ‬أو‭ ‬الآيات‭ ‬ويفسرها‭ ‬بمسائل‭ ‬يجمعها‭ ‬في‭ ‬أبواب،‭ ‬فيقول‭ ‬مثلاً‭ ‬تفسير‭ ‬سورة‭ ‬الفاتحة،‭ ‬وفيه‭ ‬أربعة‭ ‬أبواب؛‭ ‬الباب‭ ‬الأول‭: ‬في‭ ‬فضلها‭ ‬وأسمائها،‭ ‬وفيه‭ ‬سبع‭ ‬مسائل‭ ‬ويذكرها‭. ‬الباب‭ ‬الثاني‭: ‬في‭ ‬نزولها‭ ‬وأحكامها،‭ ‬وفيه‭ ‬عشرون‭ ‬مسألة‭. ‬الباب‭ ‬الثالث‭: ‬في‭ ‬التأمين،‭ ‬وفيه‭ ‬ثماني‭ ‬مسائل‭. ‬الباب‭ ‬الرابع‭: ‬فيما‭ ‬تضمنته‭ ‬الفاتحة‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬والقراءات‭ ‬والإعراب،‭ ‬وفضل‭ ‬الحامدين،‭ ‬وفيه‭ ‬ست‭ ‬وثلاثون‭ ‬مسألة،‭ ‬وهكذا‭. ‬وتارةً‭ ‬يكون‭ ‬التفسير‭ ‬بمسائل‭ ‬يعدُّها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فتح‭ ‬باب،‭ ‬ولا‭ ‬ذكر‭ ‬عنوان‭. ‬وكان‭ ‬القرطبي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المباحث‭ ‬أو‭ ‬المسائل‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬تفسير‭ ‬المفردات‭ ‬اللغوية‭ ‬وإيراد‭ ‬الشواهد‭ ‬الشعرية،‭ ‬إلى‭ ‬بحث‭ ‬اشتقاق‭ ‬الكلمات‭ ‬ومآخذها،‭ ‬إلى‭ ‬تصريفها‭ ‬وإعلالها،‭ ‬إلى‭ ‬تصحيحها‭ ‬وإعرابها،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬أئمة‭ ‬السلف‭ ‬فيها،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يختاره‭ ‬المؤلف‭ ‬أحيانًا‭ ‬من‭ ‬معانيها‭. ‬وأحسن‭ ‬المؤلف‭ ‬كل‭ ‬الإحسان‭ ‬بعزو‭ ‬الأحاديث‭ ‬إلى‭ ‬مخرِّجيها‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الكتب‭ ‬الستة‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وقد‭ ‬يتكلم‭ ‬على‭ ‬الحديث‭ ‬متنًا‭ ‬وسندًا،‭ ‬قبولاً‭ ‬وردًّا‭. ‬وكان‭ ‬القرطبي‭ ‬يبين‭ ‬أسباب‭ ‬النزول،‭ ‬ويذكر‭ ‬القراءات‭ ‬واللغات‭ ‬ووجوه‭ ‬الإعراب،‭ ‬وتخريج‭ ‬الأحاديث،‭ ‬وبيان‭ ‬غريب‭ ‬الألفاظ،‭ ‬وتحديد‭ ‬أقوال‭ ‬الفقهاء،‭ ‬وجمع‭ ‬أقاويل‭ ‬السلف،‭ ‬ومن‭ ‬تبعهم‭ ‬من‭ ‬الخلف؛‭ ‬ثم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الاستشهاد‭ ‬بأشعار‭ ‬العرب،‭ ‬ونقل‭ ‬عمن‭ ‬سبقه‭ ‬في‭ ‬التفسير،‭ ‬مع‭ ‬تعقيبه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينقل‭ ‬عنه،‭ ‬مثل‭ ‬ابن‭ ‬جرير،‭ ‬وابن‭ ‬عطية،‭ ‬وابن‭ ‬العربي،،‭. ‬وأضرب‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬قصص‭ ‬المفسرين،‭ ‬وأخبار‭ ‬المؤرخين‭ ‬والإسرائيليات،‭ ‬وذكر‭ ‬جانبًا‭ ‬منها‭ ‬أحيانًا؛‭ ‬كما‭ ‬ردَّ‭ ‬على‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمعتزلة‭ ‬وغلاة‭ ‬المتصوفة‭ ‬وبقية‭ ‬الفرق،‭ ‬ويذكر‭ ‬مذاهب‭ ‬الأئمة‭ ‬ويناقشها،‭ ‬ويمشي‭ ‬مع‭ ‬الدليل،‭ ‬ولا‭ ‬يتعصب‭ ‬لمذهبه‭ ‬المالكي،‭ ‬وقد‭ ‬دفعه‭ ‬الإنصاف‭ ‬إلى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المذاهب‭ ‬والأقوال‭ ‬التي‭ ‬نال‭ ‬منها‭ ‬ابن‭ ‬العربي‭ ‬المالكي‭ ‬في‭ ‬تفسيره،‭ ‬فكان‭ ‬القرطبي‭ ‬حرًّا‭ ‬في‭ ‬بحثه،‭ ‬نزيهًا‭ ‬في‭ ‬نقده،‭ ‬عفيفًا‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬خصومه،‭ ‬وفي‭ ‬جدله،‭ ‬مع‭ ‬إلمامه‭ ‬الكافي‭ ‬بالتفسير‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬نواحيه‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا