العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الاسلامي

قراءة واقعية للسيرة النبوية في ضوء منهج ابن هشام

بقلم: ياسر جابر الجمَّال*

الجمعة ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

تمثل‭ ‬سيرة‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬النموذج‭ ‬الحقيقي‭ ‬المنفتح‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬المعرفية،‭ ‬والقضايا‭ ‬الواقعية،‭ ‬وهي‭ ‬بمثابة‭ ‬المنهج‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬حلولاً‭ ‬عملية‭ ‬لكل‭ ‬القضايا‭ ‬المشكلة‭ ‬؛‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬ترصد‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتاب‭ (‬سيرة‭ ‬ابن‭ ‬هشام‭)‬،‭ ‬وللوقوف‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬كالآتي‭: ‬القضية‭ ‬الأولى‭: ‬وقفة‭ ‬مع‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية‭ ‬وتشمل‭ ‬الآتي‭: ‬إن‭ ‬دراسة‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية‭ ‬عبر‭ ‬مراحلها‭ ‬المختلفة‭ ‬يمثل‭ ‬دراسة‭ ‬النموذج‭ ‬العملي‭ ‬التطبيقي‭ ‬لحياة‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية‭ ‬هي‭ ‬ترجمة‭ ‬لمواقف‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬مختلفة،‭ ‬فهي‭ ‬التطبيق‭ ‬الصحيح،‭ ‬وهي‭ ‬النموذج‭ ‬الدعوي‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬أمرت‭ ‬الأمة‭ ‬بالسير‭ ‬عليه،‭ ‬وهي‭ ‬النموذج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الناس‭. ‬كذلك‭ ‬فإن دراسة‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬معانيها‭ ‬الدقيقة‭ ‬يؤسس‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬أجيال‭ ‬تعتز‭ ‬بهويتها‭ ‬وتؤمن‭ ‬برسالتها‭ ‬الخالدة‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬الإسلام‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬منهجيات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬فهي‭ ‬بمثابة‭ ‬نظريات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬متعددة،‭ ‬أوقات‭ ‬السلم‭ ‬والحرب،‭ ‬أوقات‭ ‬القوة‭ ‬والضعف،‭ ‬وقد‭ ‬تعامل‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بما‭ ‬يناسبه‭ ‬ويتوافق‭ ‬معه‭ ‬دون‭ ‬الإخلال‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬منه،‭ ‬وحاشاه‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬المعصوم‭.‬

إن‭ ‬سيرة‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬عبر‭ ‬مراحلها‭ ‬المختلفة‭ ‬نموذج‭ ‬كامل‭ ‬متكامل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقارن‭ ‬بأي‭ ‬نموذج‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬يوازيه‭ ‬أي‭ ‬نموذج‭ ‬بشري،‭ ‬فهي‭ ‬عبر‭ ‬مراحلها‭ ‬المختلفة‭ ‬تقدم‭ ‬لنا‭ ‬المنهج‭ ‬والقواعد‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬السير‭ ‬عليها،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة‭ ‬والميلاد‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬كل‭ ‬البراهين‭ ‬والدلائل‭ ‬على‭ ‬عظم‭ ‬ومكانة‭ ‬شخص‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤسس‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬المتلقي‭ ‬تعظيم‭ ‬قدر‭ ‬ومكانة‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬القلب‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬يَا‭ ‬أيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬لَا‭ ‬تَرْفَعُوا‭ ‬أَصْوَاتَكُمْ‭ ‬فَوْقَ‭ ‬صَوْتِ‭ ‬النَّبِيِّ‭ ‬وَلَا‭ ‬تَجْهَرُوا‭ ‬لَهُ‭ ‬بِالْقَوْلِ‭ ‬كَجَهْرِ‭ ‬بَعْضِكُمْ‭ ‬لِبَعْضٍ‭ ‬أَن‭ ‬تَحْبَطَ‭ ‬أَعْمَالُكُمْ‭ ‬وَأَنتُمْ‭ ‬لَا‭ ‬تَشْعُرُونَ‭) (‬الحجرات‭ ‬2‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬توضح‭ ‬لنا‭ ‬أسس‭ ‬التنشئة‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬الطفولة‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬اقتفاؤها‭. ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة‭ ‬باقتضاب،‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬دقائق‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تتبعها‭ ‬في‭ ‬مظانها‭ ‬المعتمدة‭ ‬نقطة‭ ‬نقطة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب‭ ‬تؤسس‭ ‬لنا‭ ‬منهجية‭ ‬الشاب‭ ‬المسلم‭ ‬كيف‭ ‬يكون،‭ ‬وما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الأخلاق‭ ‬والسلوك،‭ ‬والصفات‭ ‬الحميدة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬جاهلي،‭ ‬ولم‭ ‬تأته‭ ‬الرسالة‭ ‬بعد،‭ ‬وهكذا‭ ‬نرصد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السيرة‭ ‬نماذج‭ ‬فكرية‭ ‬وتربوية‭ ‬وقضايا‭ ‬معرفية‭ ‬منفتحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬تخدم‭ ‬وتساعد‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الوعي‭ ‬،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬تتعلق‭ ‬بالمثال‭ ‬والقدوة‭ ‬التي‭ ‬أمرت‭ ‬الأمة‭ ‬باتباعه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة‭ ‬حتى‭ ‬تستقيم‭ ‬لها‭ ‬الدنيا‭ ‬والأخرة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬قُلْ‭ ‬إن‭ ‬كُنتُمْ‭ ‬تُحِبُّونَ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬فَاتَّبِعُونِي‭ ‬يُحْبِبْكُمُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬وَيَغْفِرْ‭ ‬لَكُمْ‭ ‬ذُنُوبَكُمْ‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬غَفُورٌ‭ ‬رَّحِيمٌ‭) ‬‭[‬آل‭ ‬عمران31‭]‬‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية‭ ‬أسست‭ ‬لنا‭ ‬منظومة‭ ‬أخلاقية‭ ‬فريدة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬أخلاق‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬البيع‭ ‬والشراء،‭ ‬والتجارة‭ ‬والزواج،‭ ‬والصحبة‭ ‬وحسن‭ ‬المعاشرة،‭ ‬وغيرها‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬قبل‭ ‬بعثته‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬فكيف‭ ‬إذا‭ ‬نزل‭ ‬الوحي‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬العظيمة؛‭ ‬لذلك‭ ‬قالت‭ ‬له‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬‮«‬كلا،‭ ‬أبشر،‭ ‬فوالله‭ ‬لا‭ ‬يخزيك‭ ‬الله‭ ‬أبدا؛‭ ‬إنك‭ ‬لتصل‭ ‬الرحم،‭ ‬وتصدق‭ ‬الحديث،‭ ‬وتحمل‭ ‬الكل،‭ ‬وتقري‭ ‬الضيف،‭ ‬وتعين‭ ‬على‭ ‬نوائب‭ ‬الحق‮»‬‭.‬‭[‬صحيح‭ ‬البخاري‭]‬‭. ‬

هكذا‭ ‬نجده‭ ‬فترة‭ ‬الإعداد‭ ‬أو‭ ‬قبل‭ ‬نزول‭ ‬الرسالة‭ ‬كما‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬كتاب‭ ‬السير‭ ‬والمغازي،‭ ‬وهي‭ ‬فترة‭ ‬التأسيس‭ ‬والتكوين‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الله‭ (‬عز‭ ‬و‭ ‬جل‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬وقائع‭ ‬كشق‭ ‬الصدر‭ ‬وغيرها،‭ ‬وقصة‭ ‬السيدة‭ ‬حليمة‭ ‬السعدية،‮ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭: ‬‮«‬أدَّبني‭ ‬ربي‭ ‬فأحسن‭ ‬تأديبي‮»‬‭.‬

أما‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬فهي‭ ‬مرحلة‭ ‬تلقي‭ ‬الوحي‭ ‬وتلقي‭ ‬الرسالة‭ ‬والصدع‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬مكة‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬والأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر،‭ ‬والمعروف‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬بالتوحيد،‭ ‬والمنكر‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬النهي‭ ‬عن‭ ‬الشرك،‭ ‬وهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تؤسس‭ ‬لنا‭ ‬كأجيال‭ ‬متعاقبة‭ ‬متلاحقة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬تتلمس‭ ‬منهج‭ ‬نبيها‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬طريقة‭ ‬تلقي‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وطريقة‭ ‬الدعوة‭ ‬والصدع‭ ‬بالحق‭ ‬والسير‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬وفق‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬التغيير‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬هداية‭ ‬البشرية‭ ‬والناس‭ ‬أجمعين‭.‬

والمرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬مترتبة‭ ‬على‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الصدع‭ ‬بالحق‭ ‬تختلف‭ ‬النفوس‭ ‬والطبائع‭ ‬في‭ ‬تلقي‭ ‬ذلك،‭ ‬فمنها‭ ‬أرض‭ ‬طيبة‭ ‬تقبل‭ ‬الماء،‭ ‬ومنها‭ ‬أرض‭ ‬أجادب‭ ‬ترفض‭ ‬الهدى‭ ‬والرشاد،‭ ‬ومنها‭ ‬تأتي‭ ‬المنازعات‭ ‬والمواجهات‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل،‭ ‬والخير‭ ‬والشر؛‭ ‬لذلك‭ ‬شرعت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬ديار‭ ‬الأمان‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬دينهم‭ ‬ومعتقداتهم،‭ ‬والإعداد‭ ‬لجولات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬والمواجهة‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل،‭ ‬وهذا‭ ‬واقع‭ ‬لامحالة،‭ ‬فكانت‭ ‬الهجرة‭ ‬الكبرى‭ ‬إلى‭ ‬المدينةـ‭ ‬وبداية‭ ‬إعلان‭ ‬تأسيس‭ ‬أمة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬إنها‭ ‬أمة‭ ‬الإسلام،‭ ‬فالهجرة‭ ‬في‭ ‬السيرة‭ ‬ليست‭ ‬لمجرد‭ ‬الفرار‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬تتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬وأعمق،‭ ‬وهو‭ ‬الإعداد‭ ‬والاستعداد‭ ‬للكرة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ودحر‭ ‬الأعداء‭ ‬والتمكين‭ ‬لدين‭ ‬الله‭ (‬عز‭ ‬وجل‭).‬

أما‭ ‬المرحلة‭ ‬الرابعة‭: ‬فهي‭ ‬مرحلة‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬الكفر‭ ‬وبداية‭ ‬إزاحة‭ ‬الشرك‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬وكانت‭ ‬بدايتها‭ ‬غزوات‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬كبدر‭ ‬الكبرى،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬معارك‭ ‬الشرف‭ ‬والإسلام‭ ‬الخالدة‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬بعثها‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬حتى‭ ‬تنتزع‭ ‬منها‭ ‬الدناءة،‭ ‬والخلود‭ ‬إلى‭ ‬الأرض،‭ ‬والرضا‭ ‬بالحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬من‭ ‬الأخرة،‭ ‬فلن‭ ‬تقوم‭ ‬لأمتنا‭ ‬قائمة‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬استشعرت‭ ‬تلك‭ ‬المعاني‭ ‬من‭ ‬سيرة‭ ‬نبيها‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬تعلم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬آليات‭ ‬الأعمال‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬المعاصر‭ ‬وآليات‭ ‬الحرب‭ ‬والمفاوضات،‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬نفتقدها‭ ‬في‭ ‬مسيرتنا‭ ‬خصوصًا‭ ‬عند‭ ‬قراءة‭ ‬السيرة‭ ‬قراءة‭ ‬نمطية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬فتح‭ ‬قنوات‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬واقع‭ ‬الأمة‭ ‬المعاش‭ ‬والذي‭ ‬يرسف‭ ‬في‭ ‬التبعية‭ ‬والجهل‭ ‬والانكسار‭.‬

وتأتي‭ ‬المرحلة‭ ‬الخامسة،‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬وقدوم‭ ‬الوفود‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬والإذعان‭ ‬لسلطان‭ ‬الإسلام،‭ ‬وحاكمية‭ ‬الشريعة،‭ ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬لنا‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬لنا‭ ‬شوكة،‭ ‬فالبشر‭ ‬لا‭ ‬يحترمون‭ ‬إلا‭ ‬الأقوياء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬لأعداد‭ ‬غفيرة‭ ‬شأنها‭ ‬كما‭ ‬أخبر‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬‮«‬غثاء‭ ‬كغثاء‭ ‬السيل‮»‬‭ (‬مسند‭ ‬أحمد‭)‬،‭ ‬كالأبل‭ ‬مائة‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬فيها‭ ‬راحلة‭ (‬صحيح‭ ‬البخاري‭). ‬وتأتي‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬والأهم،‭ ‬وهي‭ ‬بسط‭ ‬سلطان‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬ومراسلة‭ ‬الحكام‭ ‬والأمراء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البقاع‭ ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬يحدث‭ ‬لنا‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬لنا‭ ‬دولة‭ ‬تدين‭ ‬بدين‭ ‬الله‭ (‬عزوجل‭) ‬وتتحاكم‭ ‬إلى‭ ‬حاكميته،‭ ‬تعتز‭ ‬بهويتها،‭ ‬وتؤمن‭ ‬رسالة‭ ‬الإسلام‭ ‬ومنه‭ ‬تنطلق‭ ‬وإليه‭ ‬تؤوب‭. ‬

هذه‭ ‬نقاط‭ ‬يسيرة‭ ‬أحببت‭ ‬أن‭ ‬أسطرها‭ ‬حول‭ ‬السيرة‭ ‬النبوية‭ ‬باعتبارها‭ ‬الوعاء‭ ‬الحقيقي‭ ‬لسلوك‭ ‬المسلمين‭ ‬الذي‭ ‬يؤسس‭ ‬عليه‭ ‬أجيال‭ ‬الأمة،‭ ‬قصدت‭ ‬منها‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬حتى‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬وعي‭ ‬حقيقي‭ ‬وربط‭ ‬بين‭ ‬سيرة‭ ‬نبينا‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬والواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه،‭ ‬وهكذا‭ ‬كل‭ ‬علوم‭ ‬الشريعة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الفقه‭ ‬في‭ ‬دراستها‭ ‬وتلقيها‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬تدبر‭ ‬السيرة‭ ‬العطرة‭ ‬لرسولنا‭ ‬الكريم‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬قراءة‭ ‬سيرته‭ ‬المباركة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬ابن‭ ‬هشام‭.‬

*باحث‭ ‬إسلامي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا