العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الاسلامي

من المكتبة الإسلامية: العدالة والحرية بين المفهوم الإسلامي والمفهوم الغربي المعاصر

الجمعة ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

إعداد‭: ‬نادية‭ ‬سعد‭ ‬معوض

صدرت‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬مؤخرا‭ ‬عن‭ ‬مكتبة‭ ‬مدبولي‭ ‬طبعة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬فتحي‭ ‬القرش‭ ‬بعنوان‭: (‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬بين‭ ‬المفهوم‭ ‬الإسلامي‭ ‬والمفهوم‭ ‬الغربي‭ ‬المعاصر‭: ‬دراسة‭ ‬مقارنة‭). ‬وقد‭ ‬استعرض‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ - ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬رسالة‭ ‬للدكتوراه‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬عين‭ ‬شمس‭ ‬المصرية‭ -‬آراء‭ ‬وأفكار‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والفلاسفة‭ ‬الغربيين‭ ‬المعاصرين‭. ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الإسلامي‭ ‬لم‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬آراء‭ ‬وأفكار‭ ‬فقهاء‭ ‬ومفكري‭ ‬الإسلام،‭ ‬بينما‭ ‬ركز‭ ‬على‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭ ‬مباشرة،‭ ‬وهي‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬الشريفة‭.‬

وليس‭ ‬ثمة‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬مفهومان‭ ‬يمثلان‭ ‬تطلعات‭ ‬الإنسان‭ ‬عبر‭ ‬مراحل‭ ‬التاريخ‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬الحضارات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬حضارات‭ ‬وثقافات‭ ‬تُعلي‭ ‬قيمة‭ ‬العدالة،‭ ‬وأخرى‭ ‬تعلي‭ ‬قيمة‭ ‬الحرية،‭ ‬وفي‭ ‬الحالة‭ ‬الأولى‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬للعدالة‭ ‬أن‭ ‬تتحقق،‭ ‬لكنها‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬استبداد‭ ‬سياسي،‭ ‬وفي‭ ‬الحالة‭ ‬الثانية‭ ‬تتحقق‭ ‬الحرية‭ ‬لكن‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ -‬غالبًا‭- ‬ظلم‭ ‬اجتماعي،‭ ‬بينما‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬فنظر‭ ‬إلى‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬نظرة‭ ‬توازنية‭ ‬تتكامل‭ ‬بها‭ ‬الحرية‭ ‬مع‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تحرير‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬طواغيت‭ ‬الفساد‭ ‬والاستبداد‭.‬

وفي‭ ‬البداية‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬رائع‭ ‬صدر‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬عالم‭ ‬المعرفة‭ ‬الكويتية‭ ‬الشهيرة،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬في‭ ‬فجر‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة،‭ ‬للدكتور‭ ‬عزت‭ ‬قرني،‭ ‬تناول‭ ‬موضوعي‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬من‭: ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوي‭ ‬وخير‭ ‬الدين‭ ‬التونسي‭ ‬وأديب‭ ‬إسحق‭ ‬وجمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغاني‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬صدر‭ ‬حديثًا‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬كتاب‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬العدالة‭ ‬والحرية‭.. ‬بين‭ ‬المفهوم‭ ‬الإسلامي‭ ‬والمفهوم‭ ‬الغربي‭ ‬المعاصر‭.. ‬رؤية‭ ‬مقارنة،‭ ‬للباحث‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬فتحي‭ ‬القرش‭.‬

وهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬دارسة‭ ‬مقارنة‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬الفرضية‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬هما‭ ‬ركنا‭ ‬الدولة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تتحقق‭ ‬فيها‭ ‬إنسانية‭ ‬الإنسان،‭ ‬وذلك‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬الاتجاه‭ ‬لتطبيق‭ ‬العدالة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحرية‭ ‬أو‭ ‬الحرية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العدالة‭ ‬هو‭ ‬انتقاص‭ ‬من‭ ‬إنسانية‭ ‬الإنسان‭.‬

يقول‭ ‬الباحث‭: ‬إن‭ ‬استبعاد‭ ‬العدالة‭ ‬ولو‭ ‬جزئيًّا‭ ‬لصالح‭ ‬الحرية‭ ‬إنما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬علامات‭ ‬استفهام‭ ‬كثيرة‭ ‬حول‭ ‬تلك‭ ‬العدالة‭ ‬التي‭ ‬يضحى‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬بالحرية‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬يضحى‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬بالعدالة،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬العدل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬حرًا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بالعدل،‭ ‬وفي‭ ‬محاولة‭ ‬لتفحص‭ ‬تلك‭ ‬الفرضية‭ ‬بما‭ ‬يثبتها‭ ‬أو‭ ‬ينفيها‭ ‬قمت‭ ‬بدراسة‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬في‭ ‬المفهوم‭ ‬الغربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مفهومه‭ ‬الليبرالي‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬مفهومه‭ ‬الماركسي‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬تناولت‭ ‬الدراسة‭ ‬مفهومي‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬في‭ ‬المفهوم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬والمقصود‭ ‬هنا‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الإسلامي‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوضع‭ ‬كأسس‭ ‬وقوانين‭ ‬وآليات‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التوجيهات‭ ‬والتعاليم‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬الوسطية‭.‬

ويعرض‭ ‬الباحث‭ ‬بالتحليل‭ ‬المقارن‭ ‬لكلا‭ ‬المفهومين،‭ ‬المفهوم‭ ‬الغربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬والمفهوم‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬نظريتهما‭ ‬للعدالة‭ ‬والحرية،‭ ‬وتحاول‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬قيمتي‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬بوصفهما‭ ‬غاية‭ ‬الفلسفة‭ ‬السياسية،‭ ‬والجمع‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدراسة‭ ‬إنما‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬القناعة‭ ‬بأن‭ ‬أي‭ ‬دراسة‭ ‬متعمقة‭ ‬في‭ ‬معنى‭ ‬العدالة‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يوازيها‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬دراسة‭ ‬متعمقة‭ ‬في‭ ‬معنى‭ ‬الحرية‭.‬

والدراسة‭ ‬تضم‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبواب،‭ ‬وهي‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية،‭ ‬والفكر‭ ‬السياسي،‭ ‬وهو‭ ‬يشتمل‭ ‬على‭ ‬فصلين،‭ ‬الأول‭ ‬يحدد‭ ‬فيه‭ ‬الباحث‭ ‬مفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبحثين،‭ ‬الأول‭ ‬بعنوان‭: ‬تحديدات‭ ‬سياسية،‭ ‬تناول‭ ‬فيه‭ ‬تعريف‭ ‬الفلسفة‭ ‬السياسية،‭ ‬ثم‭ ‬المصطلح‭ ‬اللغوي‭ ‬للعدالة‭ ‬والحرية،‭ ‬والثاني‭ ‬بعنوان‭: ‬الحضارات‭ ‬الشرقية‭ ‬القديمة‭ ‬والفكر‭ ‬اليوناني،‭ ‬ويحاول‭ ‬فيه‭ ‬الباحث‭ ‬تتبع‭ ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحضارات،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬اليوناني،‭ ‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬بعنوان‭: ‬العدالة‭ ‬والحرية‭ ‬بين‭ ‬الفكر‭ ‬والواقع،‭ ‬والثاني‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬الإسلامي‭ ‬والفكر‭ ‬الغربي‭ ‬الحديث‭. ‬

يرى‭ ‬الباحث‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬السياسية‭ ‬قيمة‭ ‬إنسانية‭ ‬عليا،‭ ‬وأنها‭ ‬أتاحت‭ ‬للعقل‭ ‬حرية‭ ‬التفكير‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير،‭ ‬وأعلت‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الإبداع‭ ‬الإنساني،‭ ‬وجعلت‭ ‬الفرد‭ ‬قيمة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته،‭ ‬لأنه‭ ‬إنسان،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬جنسه‭ ‬أو‭ ‬دينه‭ ‬أو‭ ‬لونه‭.. ‬وهذه‭ ‬القيم‭ ‬حدّت‭ ‬من‭ ‬توحش‭ ‬الرأسمالية‭ ‬والظلم‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

ويرى‭ ‬الباحث‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬قامت‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬على‭ ‬الاستبداد‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الكنسي،‭ ‬ولذا‭ ‬فإن‭ ‬الحرية‭ ‬شابها‭ ‬التطرف،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬بينما‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬المفهوم‭ ‬الإسلامي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الاعتدال،‭ ‬وبسبب‭ ‬روح‭ ‬الاعتدال‭ ‬تلك‭ ‬حدث‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬ضوابط‭ ‬للملكية‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬ومن‭ ‬حق‭ ‬الحاكم‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬إجراءات‭ ‬استثنائية‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتوازن‭ ‬بين‭ ‬الفقراء‭ ‬والأغنياء‭.‬

وأن‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاستثنائية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬للحاكم‭ ‬أن‭ ‬يتخذها‭ ‬ليست‭ ‬مطلقة،‭ ‬بل‭ ‬مرتبطة‭ ‬بظروف‭ ‬خاصة،‭ ‬وهي‭ ‬قلة‭ ‬موارد‭ ‬الدولة،‭ ‬وتعرض‭ ‬المجتمع‭ ‬لأزمة‭ ‬خانقة،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الخليفة‭ ‬العادل‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب،‭ ‬عام‭ ‬المجاعة‭.‬

يقول‭ ‬الباحث‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التأكيد‭ ‬للحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬وارتباطهما‭ ‬الوثيق‭ ‬في‭ ‬المفهوم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬يقي‭ ‬الحرية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتضمن‭ ‬ظلمًا‭ ‬اجتماعيًا،‭ ‬وكذلك‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬العدل‭ ‬متضمنًا‭ ‬الاستبداد‭ ‬بسبب‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬الحرية،‭ ‬فمن‭ ‬العدل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬حرًا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بالعدل‭. ‬هذا‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬يحمي‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المقولات‭ ‬الخادعة،‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬راج‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬المستبد‭ ‬العادل،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يحمي‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬دينية‭ - ‬ثيو‭ ‬قراطية‭-‬،‭ ‬فالدولة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مدنية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا